شخصيته وتاريخه الوظيفي يؤكدان أنه مستودع للخبرات المتشعبة والمتمددة وماكينة للأفكار المتجددة في مختلف القطاعات العسكرية والتنفيذية والرقابية والسياسية.. وفي نفس الوقت يمتلك مفاتيح خزائن الخبرة بالحكم المحلي الذي صعد أولي سلالمه في مطلع الثلاثينيات من عمره كرئيس لمدينة بلقاس ثم المنصورة ودكرنس وكفر سعد وحدائق القبة إلي أن قفز إلي كرسي السكرتير العام لمحافظة القاهرة ليعتلي بعدها قمة الهرم كأمين عام للإدارة المحلية لمدة عشر سنوات قام خلالها بعمل وزير الحكم المحلي في حكومة الجنزوري لمدة عامين. إنه الدكتور محمد شتا عضو الرقابة الإدارية السابق وكذلك عضو مجلس الشوري والأستاذ غير المتفرغ بجامعة المنوفية الذي شغل العديد من عضوية العديد من الهيئات والمؤسسات والنقابات والذي جعل ذلك من شخصيته موسوعة متحركة وعجينة مشبعة بالخبرات المختلفة. خاصة مجال الحكم المحلي.. ومن خلال هذا الحوار أردنا الاطلاع علي رؤيته وما يجب أن يكون عليه الحكم المحلي في مصر. * ما هي النصيحة التي تود أن نقدمها لوزير الإدارة المحلية في بداية مشوار؟ ** أقول له إنني أعلم أنه رجل جاد وهذه الجدية أتمني أن تترجم علي أرض الواقع من خلال التصدي لمشكلة التسيب الخطير الذي أصبح سمة من سمات الشارع المصري وفي قمة هذا التسيب الإهمال الشديد من قبل أجهزة الإدارة المحلية من حيث تأدية دورها في نظافة الشارع المصري من القمامة والمنتشرة هنا وهناك. وأنا أعتقد أنه لو خلصت النوايا لتحقيق هذا الهدف لن تستغرق نظافة الشارع المصري علي مستوي مدن الجمهورية أكثر من أسبوعين لتكون هناك آلية للحفاظ علي ذلك بشكل دائم. هذا بجانب العمل علي ضرورة استعادة دور المحليات في إدارة مرافق المياه والصرف الصحي بعد أن ثبت من خلال الممارسة الفعلية والعملية أن فكرة فصل هذه المرافق عن المحليات كانت فكرة خاطئة من البداية. نظراً لأن ذلك أفقد المحافظ قدرته علي إدارة المرفق والمحافظون يشعرون بالخجل من حيث مواجهة الرأي العام بأنهم غير مسئولين عن هذا المرفق. * حركة المحافظين الأخيرة محل خلاف وتشكك ومطالب جماهيرية بإصدار ملحق لإصلاحها وترميمها.. ما رأيك في ذلك؟ ** حركة المحافظين الأخيرة صدرت بعد فترة من الدراسة والفحص والتمحيص وللأسف لم يمض عليها سوي بضعة أشهر ويقال إن هناك عدداً كبيراً ممن شملتهم هذه الحركة سيتم تغييرهم وهذا يعني أن هناك خللاً شديداً في آليات الاختيار ويجب أن يعاد النظر من أجل هذا الوطن. ومع ذلك أقولها بضمير مستريح لن يحدث إعادة نظر في آليات الاختيار التي تحدث حالياً وستستمر الأمور علي ما هي عليه لأن هناك بعض الجهات نرشح بعض الأشخاص وتتولي الأجهزة الرقابية فحصها وترشح الصالح من وجهة نظرهم لمتخذ القرار ثم يصدر القرار بالتعيين وبعد عدة أشهر نكتشف سوء الاختيار وهكذا هو المسلسل الذي يحدث منذ سنين طويلة ولم يكلف أحد نفسه بأن يتوقف مع نفسه لتقييم هذه الطريقة. ودعني أقول لك حتي لا أظلم أحداً لو أنا شخصياً أقوم بالاختيار فلن أستطيع تقديم أفضل العناصر وأنسبهم للمواقع لأن هذه الطريقة فاشلة في تعيين القيادات علي مستوي الوزير أو المحافظ. * ما هي أفضل الطرق في الاختيار من وجهة نظرك؟ ** دعني هنا أركز علي الأسلوب الأمثل في اختيار قيادات الإدارة المحلية. خاصة المحافظين.. فأنا أري الأسلوب المناسب لتطبيق أحد مقومات نظام الإدارة المحلية التي حددها العلم وهو انتخاب المحافظين وبحكم خبرتي العملية والعلمية في هذا المجال فإن أسوأ من سيأتي بالانتخاب أفضل من أحسن معين. لأن العنصر المنتخب سيكون حرصه وولاؤه لمن انتخبه وليس من عينه علي صاحب الفضل في تعيينه. وعلي القنوات التي تكون بمثابة أداة لتوصيله إلي من عيّنه مثل الأجهزة الرقابية ووسائل الإعلام وجماعات الضغط السياسي. * هل من الضروري تأهيل المحافظ فور توليه المسئولية لهذا المنصب؟ ** هذه حقيقة تفرض نفسها ويفرضها واقع الإدارة المصرية المتخلفة التي يلعب فيها رئيس العمل الدور المحوري في نجاح أو فشل المنظومة. أما فيما يتعلق بمحددات أداء القيادة في النظم الإدارية الحديثة فليس من الضروري أن يكون "المحافظ" متخصصاً لأنه لديه معاونين وإدارات متخصصة تقدم له بدائل الحل ليختار من بين هذه البدائل أفضل الحلول علي ضوء المعطيات المقدمة له والمطروحة أمامه. وعلي الرغم من ذلكم وفي ظل الوضع القائم أري ضرورة تأهيل المحافظين بالشكل الذي يحفظ لهم قدرهم كي يستطيع أن يتفهم الحد الأدني من مهام وظيفته وذلك من خلال معاهد متخصصة في ذلك كمعهد سقارة التابع للإدارة المحلية. ومن خلال دورة تدريبية مكثفة لمدة أربعة أسابيع. * ما مدي تقييمك لتطبيق تجربة تعيين معاونين للمحافظين؟ ** دون شك من وجهة نظري هي تجربة فاشلة 100% وقد دعا إليها من كان حسن النية فقط دون علمه بتعقيدات الجهاز الإداري بالدولة. والأيام بيننا للحكم علي ذلك. أنا أشفق كثيراً علي هؤلاء الشباب النابه من كم الإحباطات الذي سيصيبهم من طاحونة الجهاز الإداري وتعقيداته. وبكل أسف لن يصل وضع هذا المعاون إلي أكثر من سكرتير لمن يعاونه. * أي قطاع من القطاعات الوظيفية أثبت كفاءته القيادية كمحافظين؟ ** في الواقع منصب المحافظ وفق علم الإدارة من الإدارة العليا التي لا يشترط في شاغلها تخصصاً معيناً ولكن بفضل أن يكون شاغلها علي قدر من الخبرة الإدارية السابقة في تصريف الأمور وقيادة الأفراد وهذا الأمر متوفر بشكل أوفر في ضباط القوات المسلحة لأنه يتمرس علي قيادة الأفراد وعمره حوالي "21 عاماً" وهذا لا يمنع من أن هناك نماذج عسكرية فشلت في منصب المحافظ وعلي العكس هناك نماذج من رجال الشرطة والقضاء والجامعات وحققوا نجاحات وتركوا بصمة لا يمحوها الزمن في نفوس المواطنين منهم اللواء سعد الشربيني محافظ الدقهلية الأسبق والمستشار محمود أبوالليل محافظ الجيزة الأسبق والدكتور عبدالرحيم شحاتة محافظ القاهرة الأسبق. * آلية اختيار رؤساء المدن والأحياء تفرز عناصر في معظمها غير جدير بتولي هذه المسئولية المهمة.. ما الحل في ذلك؟ ** اختيار رؤساء المدن يتم وفق قواعد القانون رقم "5" بشأن شغل وظائف الإدارة العليا ويتقدم له من تنطبق عليه الشروط وتجري مقابلات ليتم اختيار الأفضل من وجهة نظر اللجنة. إلا أن هذا لا يعني أننا دائماً نختار الأفضل. فنحن محكمون بالاختيار من بين من تقدم للمسابقة وقد يكون جميعهم دون المستوي. وبالتالي فلا بديل عن اختيار رؤساء المدن والقري بالانتخاب لإفراز عناصر تحظي بتأييد شعبي ويكون ولاؤها لمن انتخبهم. بجانب سعيهم إلي إحراز وتحقيق التنمية علي أرض الوحدة المحلية من خلال المسئولية السياسية وليس مجرد أداء واجبات وظيفية وفق لوائح وقوانين "المسئولية التنفيذية" ووقتها ستختفي ظواهر سلبية من خلال إبداع رئيس الوحدة المحلية منها علي سبيل المثال التخلص من مشكلة القمامة التي باتت ظاهرة مستعصية الحل. * السمكة يبدأ فسادها من رأسها.. وفي المحليات يبدأ من الإدارات الهندسية التي تعيق مصالح الناس وتسيء لسمعة الحكومة.. كيف نعالج ذلك؟ ** قبل الخوض في الإجابة عن هذا السؤال أو طرح استفهام للرأي العام يدلني من خلاله علي مكان واحد في مصر لا يوجد به فساد إداري لأن الفساد متغلغل في جميع مكونات الجهاز الإداري في الدولة والإدارة المحلية بطبيعة الحال جزء منه وإذا ما تحدثنا عن الفساد بمفهوم حصول الموظف علي رشوة مقابل تأدية خدمة فإن ذلك من وجهة نظري هو الفساد الحميد غير الخبيث الذي يمكن القضاء عليه بسهولة لو قام كل من رئيس العمل والأجهزة الرقابية بدورها. أما الفساد الذي يصعب القضاء عليه "الفساد الخبيث" فهو فساد الجهاز الإداري نفسه بمعني النظر إلي المدرسة ودورها في تعليم النشء والمستشفي لعلاج المرضي وهذا لا يحدث وهذا هو الذي يجب أن نتصدي له جميعاً من أجل النهوض ببلدنا ووطننا. أما بالنسبة للإدارات الهندسية فأقول لك بحق إنها مشكلة المشاكل التي يعاني فيها المواطن المصري الأمرين في سبيل إنجاز مصالحه وعلاجها في رأيي هو البناء من خلال بيان خاص بمنح المواطن الذي يريد بناء عقار يتضمن الالتزام بالاشتراطات البنائية للمكان الذي يريد البناء عليه. وذلك دون الحاجة للحصول علي رخصة المباني التي تسبب الصداع والمشاكل للمواطنين. وحال معاينة المبني لتوصيل المرافق إليه يتم التأكد من مدي تطبيق المواطن لما جاء في بيان الحي أو مجلس المدينة ولو تبين حدوث مخالفة لذلك تتم مصادرة العقار لصالح الدولة بكل حزم وساعتها لن يجرؤ أحد علي ارتكاب أي مخالفات. * ما هي أفضل التجارب التي اطلعت عليها من خلال زياراتك خارج مصر؟ ** أنا لن أذكر تجارب اليابان أو أمريكا مثلاً. ولكنني أشير إلي تونس وعلي الرغم أننا نسبقهم بخطوات في مجال اللامركزية ولكن ذلك نظرياً فقط لأنه علي أرض الواقع. فالنظام في تونس أكثر اهتماماً وكفاءة في مجال الخدمات البلدية الخاصة بالحياة اليومية بالنسبة للمواطنين نظراً لأن رئيس البلدية يأتي بنظام الانتخاب وهذه الطريقة ثبت نجاحها هناك بشكل عملي وملحوظ. * ما مدي تصورك لإصلاح خلل الجهاز الإداري للدولة؟ ** أنا أري أنه لو تمت معالجة أوجه القصور والخلل بالجهاز الإداري للدولة لاختفت 90% علي الأقل من مشاكل الشعب المصري في جميع أوجه الحياة واستطاع أن يؤدي جميع مصالحه في كل القطاعات بيسر وسهولة دون أي تعقيدات. وجدير بنا جميعاً أن يكون إصلاح الجهاز الإداري هو المشروع القومي المصري الذي يجب أن تتكاتف حوله كل الجهود والذي من المفروض أن يكون له الأولوية القصوي في سلم أولويات الدولة. وهذا لن يتحقق إلا من خلال دعامتين أساسيتين أولهما توفير وظيفة الرقابة علي مستوي الوحدة التنظيمية "الوزارة والمحافظة والهيئة والشركة". وثانياً توفير وظيفة الرقابة علي مستوي المجتمع المصري. وفي ظل عدم وجود تقييم لأداء الوحدة التنظيمية لا توجد مخرجات واضحة للأداء يشعر بها المواطن. ومن ثم فإن تحقيق الإنجاز الواضح يتطلب 4 وظائف هي التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة. ومما لا شك فيه أن وظيفة الرقابة علي المستوي القومي نتيجة لتحالف النظام السياسي مع الشعب المصري علي التغيب القصري لدور البرلمان منذ عام 1952. وأصبحت بذلك البرلمانات كخيال المآتة "لا تهش ولا تنش" والنظام أراد لها ذلك والشعب ساعد في ذلك باختيار نواب تساعده علي أداء خدمات شخصية وتقدم التهاني والعزاء في المناسبات دون النظر إلي اختيار النائب القادر علي التشريع ومناقشة الحكومة وأداء الدور البرلماني. * ما مدي أهمية البرلمان القادم ووعي الناخب في اختيار النائب؟ ** البرلمان القادم أو السابق هو البرلمان.. هو السلطة التشريعية وأحد أضلاع مثلث النظام السياسي في أي دولة من دول العالم. ولن تستقيم الأمور إلا إذا كانت السلطة التشريعية في قوة السلطة التنفيذية تشرع لها وتراقب أداءها وتعزلها عند التقصير والإهمال. أما أن تكون السلطة التشريعية كما كانت علي مدار 60 عاماً الماضية تتلقي إحسانات السلطة التنفيذية فكانت النتيجة التدني والإهمال في جميع مرافق الحياة في مصر. * ما الدافع وراء التقدم للترشح لانتخابات البرلمان؟ ** في الواقع الذي دفعني للترشح تلبية لرغبة قريتي وبعض الرموز السياسية بأجا من خلال مؤتمر جماهيري عقد من أجل تكريمي في الأساس ثم الضغط للترشح وهذا ليس هروباً من المسئولية بقدر ما هو طلب لراحة مؤجلة ورغبة في التفرغ للإنتاج العلمي. أما وإنه قد وقعت الفأس في الرأس فإن ما أهدف إلي تحقيقه هو انني سأسعي إلي أن يقوم البرلمان بدوره التشريعي والرقابي كما يجب أن يكون. وعلي مستوي الدائرة سأسعي إلي محاربة مشكلة البطالة في أجا بحلول مبتكرة غير تقليدية عن طريق إنشاء مشروعات صغيرة للشباب داخل القري مع إتاحة التمويل والتسويق معاً. * زيادة أعداد المرشحين في مختلف دوائر الدقهلية.. ما مدلولها؟ ** هي ظاهرة صحية تنم عن رغبة المرشحين في المشاركة السياسية والشعبية. وعلي الناخب أن يضع نصب عينيه ما المستوي الذي يريد عليه النائب. فإذا كان يريد نائب مناسبات اجتماعية فليختاره كذلك ولا يلومن بعد ذلك إلا نفسه. أما إذا كان يريد اختيار نائب للتشريع والرقابة فليختار هكذا. فنحن نتمني أن يكون هناك برلمان حديث يليق بمصر الحاضر والمستقبل.