تأثرتُ كثيراً بقصته.. وتعجبتُ من التفرقة الجائرة التي يمارسها ضده أخوته بمباركة من أبويه ما جعلني أستشعر أنه ليس بابنهما من فرط التمييز بينه وبين أشقائه والذي بلغ حد التطاول والإقصاء.. وفي غمرة استغراقي مع هموم صاحب رسالة "هذا ما جناه أبي عليّ" تذكرتُ قصة جاري الذي تزوج ثلاث مرات. الأولي كانت ابنة عمه وأنجب منها ولداً ولاختلاف الطباع بينهما تم الطلاق.. أما الثانية فكانت من عائلة ميسورة ورزق منها بطفلة جميلة لكنها لم تستطع التكيف مع طبيعة مهنته كمزارع وصاحب أرض زراعية يمضي يومه كله في رعايتها لينتهي المطاف معها أيضا بالطلاق. ثم.. ثم جاء زواجه الثالث وكان في الحقيقة الأكثر توفيقاً واستقراراً فقد أثمر ستة من الأبناء ولدين وأربع بنات وبمرور الوقت والسنين اتسعت دائرة أملاك جاري فصار لديه بدل البيت اثنان وبدل القراريط المحدودة خمسة أفدنة وقبل وفاته نجحت أم أولاده في إقناعه بكتابتها باسمها جميعاً متجاهلاً حق الابن والابنة من زوجتيه السابقتين وكادت الأمور تتوقف لولا تدخل ولدها الأكبر في اللحظة المناسبة داعياً أعمامه وعماته إلي جلسة طارئة بحضور أمه وأشقائه الخمسة.. وفي الجلسة ثار الابن ضد استحواذ والدته علي أملاك الوالد واصرارها علي حرمان شقيقيه من الأب من نصيبهما الشرعي.. وطالب بضرورة أن يأخذ كل أخ وأخت شقيق أو غير شقيق حقه في الميراث وغيرهم من الورثة الشرعيين. وانتهت الجلسة بنزول الجميع علي رأيه لتجري القسمة العادلة لتركة أبيه.. ويصبح الأخ الصالح حديث الناس في بلدتنا وكيف لم يساير أمه في عزمها علي حرمان اثنين من أشقائه من مال أبيهما. تذكرت قصة هذا الجار ولم أجد خيراً منها لأهديها لقراء النافذة عسي أن يعلم اليائسون أن الدنيا لا تزال بخير وأن نموذج الأخ الصالح لم يغب عن حياتنا فقط علينا أن نفتش عنه ان أردنا وسنجد أن هناك كثيرين مثله ولكن لا نشعر بهم.. وأن بيننا من يفرون فراراً من مهالك الظلم.. ودوائر الشبهات مخافة أن يصدق فيهم قوله عز وجل "وتأكلون التُراث أكلاً لما.. وتحبون المال حباً جما". فليتنا جميعاً نسير علي خُطي هذا الأخ الصالح وننزع الدنيا من قلوبنا حينما تأتي القسمة دون أن نستأثر ونستحوذ ونتحكم مثلما فعل الأشقاء مع أخيهم الأكبر في "هذا ما جناه أبي علي".. فهل ننجح ونجتاز الامتحان؟! صديق النافذة: أحمد جعفر المنوفية ** المحررة: أخذتني والقراء إلي واحة جميلة مليئة بأشجار مثمرة.. ومصابيح تستمد ضوءها من نفحات الخلق القويم وصحوات الضمير ما جعلنا نحصل علي هدنة مؤقتة من قصص الظلم والجشع ونكران الجميل التي تحملها لنا دائماً رسائل الأصدقاء. لقد قدمت نموذجاً مختلفاً من أولئك الأشقاء الذين تمرسوا علي أكل حقوق أقرب الناس إليهم والمؤلم في مجتمعنا أن رد الحقوق لأصحابها بات من الأمور المستغربة في حين أنه الأصل في المعاملات وليس الاستثناء وما فعله الأخ الصالح هو امتثال لما أوصانا الله به في مُحكم كتابه عن آيات الميراث. في الوقت الذي يتباري غيره في كيفية حرمان شقيقاته البنات المتزوجات من حقهن في ميراث الأم أو الأب بدعوي أنه سيؤول لغريب؟!.. وتلك قضية أخري يطول شرحها. فتحية إليك يا صديق النافذة علي هذا الإهداء الذي من المؤكد سيدفع بالبعض إلي مراجعة نفسه وسيشجعهم علي أن يحذوا حذو هذا الأخ الصالح عسي أن ينجوا من السقوط في هوة "أكلة الميراث" الذين تلحقهم اللعنات في الدنيا قبل الآخرة.. ويصدق فيهم قول الشاعر: نامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم