ما كان لي اقتحام عالمهم لولا تواجدي الدائم في النادي الاجتماعي لاستاد المنصورة بحكم نشاطي الذي تعرفوه كمراقب للمباريات.. ولولا أن أغلب الأسر المتنازعة تختار هذا النادي كأفضل مكان لتنفيذ أحكام الرؤية بين الطفل وأبويه. لذا كم كانت دهشتي عندما رأيتها في النادي بصحبة والدها زميل الدرب في مجال التحكيم وهي تحمل علي يديها طفلاً صغيراً. سألتهما عن سر حضورهما في هذا المكان فكان الرد : "موعد رؤية"!! دارت الدنيا من حولي وأنا أسمع منهما هذا الرد ما جعلني أسأل زميلي كيف حدث ذلك؟! ولماذا؟!.. وأنت الذي اخترت لابنتك الجميلة من يناسبها ولم تبد أي رفض لمسألة إقامتها في منزل العائلة الكائن بإحدي قري المنصورة مع أن ابنتك لم تعرف يوماً سوي حياة المدن!! هنا عاجلني صديقي قائلا : ولهذا السبب افترقا بعد أسبوع واحد فقط من زواجهما..!! تصور لقد طلبت منها حماتها الخروج لتنظيف الأواني في الترعة!!.. وتصورت ابنتي أنها تمزح معها خاصة أن بالمنزل مياهاً وكهرباء!! لكنها فوجئت منها بإصرار غريب.. علي تنفيذ ما أمرتها به.. وعندئذ لجأت لزوجها لاثناء أمه عما تقوله فلم تجد منه سوي الصمت!! موقف لم تملك ابنتي حياله وكلام لصديقي سوي مغادرة البيت والعودة إليّ وهي حامل في شهرها الأول.. وطوال شهور حملها وأنا أسعي للصلح بينها وبين حماتها التي بمجرد أن علمت أن ابنتي وضعت ولداً حتي جاءتنا تطلب رجوعها لمنزل العائلة لكن ابنتي رفضت واشترطت للعودة أن تأتي لها بشقة في المدينة.. وهو ما انزعجت منه بشدة وقابلته بكلمة واحدة : "مستحيل"!! لينتهي كل شيء بينها وبين "أبو ولدها".. اللهم من ساعة الرؤية التي حددتها له المحكمة ليري فيها صغيره أو أي أحد من أفراد أسرته!! وتتوالي المشاهد المؤلمة في النادي الاجتماعي التي يصحبها أحيانا صراخ مثل الصراخ الذي تجمع عليه كل من في الاستاد الرياضي حين رأوه وهو يُلقنها درساً قاسياً مُحدثاً بها اصابات قطعية بالوجه والرأس وهو المهندس المثالي المحترم الذي اعتاد الحضور للنادي كل "جمعة" ليري ابنته الصغيرة في صحبة جدتها حماته سابقاً لكنها في ذاك اليوم لم تستطع إخفاء مشاعرها وهي تري حفيدتها ترتمي في حضن أبيها.. فقامت الجدة وصاحت في وجهه بعبارات أقل ما توصف أنها مخدشة للحياء.. وهنا جن جنون المهندس ولم يشعر إلا وهو ينزل عليها ضرباً فاستغاثت بالنجدة وانتظرت أن تقتاده معها لكنها فوجئت بكل من حضر الواقعة يشهد لصالحه لتكون هذه المرة الأخيرة التي تصحب فيها حفيدتها حيث تمكن من الحصول علي حكم بضمها له ليأخذها ويسافر بها خارج البلاد!! مشهد ثالث لشابة رقيقة أخذت مكانها هي وصغيرتها فوق احدي "تربيزات" النادي وفجأة ظهرت سيدة في مقتبل العمر واتجهت نحو الطفلة بشكل عنيف جعل الصغيرة تظن أنها جاءت لتخطفها فأخذت تصرخ والأم تهديء من روعها.. وما كان مني إلا أن اقتربت من تلك السيدة لأعرف "إيه" الحكاية؟ : "قالت أنا جدتها وأمها تحرضها علي مقاطعتي"!!.. فعدت إلي أم الطفلة أذكرها بحق هذه الجدة عليها وأقول لها أن أعز الولد ولد الولد.. فعلقت قائلة : وهل هناك جدة تقف في طريق أحفادها وتستولي علي ميراثهم من أبيهم؟.. هل تري جدة تتخلف عن رؤية أحفادها بالأسابيع وحين تأتي لاتكلف نفسها أن تحمل لهم ولو بعض الحلوي.. أرجوك ياعمو.. أرجوك كفاية!! باختصار هذا قليل جداً مما يحدث في لقاءات الرؤية وقد رأيتني مدفوعاً إلي نقل بعض من تلك المشاهد إلي قراء نافذتك عسي أن يراجع كل زوجين متخاصمين بينهما أولاد موقفهما ألف مرة قبل التفكير في الانفصال.. فهذه الخطوة لايجني عذاباتها سوي الصغار حين نلقي بهم في مرمي النيران. رضا حجازي مراقب مباريات المنصورة * المحررة : كعادتك يا كابتن "رضا" استطعت بحاستك الاجتماعية المرهفة أن تقترب من أوجاع الجميع التي تحفل بها مراكز الرؤية سواء داخل الأندية أو الحدائق أو غيرها.. ففي المشهد الأول الذي كنت علي خلفية كبيرة بطبيعة شخوصه استطعت أن تضع يدك علي سر انهيار حياة ابنة صديقك الزوجية بهذا الشكل السريع والذي أرجعته للتفاوت الاجتماعي بين العائلتين وإن توافرت الماديات فالحياة بالمدينة مختلفة عن حياة القري.. وهو ما لم يضعه صديقك في الحسبان عندما اختار لابنته.. وإن لم تكن كل الحموات بهذه العقلية. وفي المشهد الثاني حملت لنا صورة الأم المتسلطة التي تفرق أكثر مما تجمع لتدفع ابنتها الثمن في النهاية من سعادتها.. لكن في المشهد الثالث أري أن علي الأرملة الشابة مسئولية أكبر في استيعاب حماتها وعلاج الأمر بهدوء لأنها في النهاية لن تحصل سوي علي حقها وفقاً للشرع والقانون لكن إذا كان هناك وهو ما لم توضحه لي أي تحايل من جانب الجدة فكيفيها أن تقابل الله به يوم القيامة وليبارك للأحفاد فيما تبقي لهم من ميراث أبيهم رحمه الله. وفي النهاية يبقي أن أضم صوتي لصوتك في مناشدة الآباء المختلفين.. ارحموا صغاركم ولا تلقوا بهم في مرمي النيران.. فقليل من التنازل أعزكم الله.