«قانون الرؤية.. تعذيب وإصلاح» هذا هو لسان حال الآن المطلقين الذين لا يتمكنون من رؤية أبنائهم برغم التعديلات الكثيرة التى طرأت على هذا القانون.. ووسط حالة من العناء المتبادل بين المنفصلين يدفع الأطفال ثمن واقعة لم يكن لهم يد فيها. وبرغم مرور أكثر من عام ونصف على صدور حكم الاستئناف التاريخى فى الدعوى رقم 317 أسرة العجوزة بتاريخ 6 يوليو 2009 والذى يدعم لأول مرة فى تاريخ المحاكم المصرية أحقية أب فى استضافة صغاره والمبيت عنده يوما كاملا كل أسبوع، إلا أن هذا الحكم لا يمكن الاسترشاد به عند نظر القضايا المماثلة وبالتالى فإن الرؤية أصبحت بمثابة حق مغصوب لغير الحاضن ويحتاج لتشريعات جديدة تراعى حقوق الأطفال وتنشئتهم فى جو أسرى بعيدا عن العنف والتراشق بين المطلقين. فى البداية يقول ياسر أبو النجا أحد أصحاب المشكلة إن قصته بدأت عندما طلبت زوجته الطلاق فجأة منذ ثلاث سنوات بسبب عدم شعورها بالسعادة وقد حاول جاهدا إرضاءها بهدف الحفاظ على كيان الأسرة والأولاد لكن دون جدوى حتى انتهى الأمر بالاتفاق على الطلاق عند المأذون وقد دفع كل حقوقها الشرعية كاملة نقدا وقد حررا معا عقد اتفاق تعهد فيه على دفع نفقة شهرية للأولاد ومصروفات الدراسة وأن يقضى يوما كاملا مع الأولاد أسبوعيا واستمر هذا الاتفاق لمدة أربعة أشهر ثم فوجئ بزوجته تطلب منه دفع مبلغ 60 ألف جنيه مقابل السماح له برؤية الأطفال. وتحكى منى عبد الوهاب عن إصابتها باليأس من رؤية فلذة كبدها منذ ستة أشهر فهى أم لطفلة عمرها سبع سنوات وقد حصلت على الطلاق من والدها منذ 3 سنوات ثم حدث أن انتقلت الحضانة إلى والدها بعد أن تزوجت وقد رفض طليقها بشكل قاطع تمكينها من رؤية ابنتها بالطرق الودية فلجأت إلى محكمة الأسرة وحصلت على حكم قضائى بتمكينها من رؤية ابنتها ثلاث ساعات أسبوعيا بنادى النصر بمدينة نصر. وتضيف منى أنها منذ ذلك التاريخ وهى تحترق بنار قانون الرؤية حيث تذهب كل أسبوع إلى مكان الرؤية تنتظر على رجاء أن تحضر نجلتها لكن دون جدوى. ويقول فريد الأسوانى إن حق حضانة الأبناء قد أضحى سيفا يشهر فى وجه الطرف غير الحاضن لأبناء الطلاق بسبب امتناع الطرف الحاضن عن تنفيذ أحكام الرؤية على الرغم من أن الشريعة الإسلامية والمادة الثانية من القانون رقم 25 لسنة 1929 تؤكد أن أنه لا تعارض بين الحضانة والرؤية الشرعية للصغير حيث إن الحضانة ليست ميزة للحاضن بل شرعت لحق للمحضون وحاجته إلى رعاية النساء خلال فترة الحضانة وحزم الرجال بعد انتهائها. وتحكى سهير شاهين جدة الطفل عبد الرحمن أنها جدة لطفل لم تره منذ ما يقرب من عام وذلك بسبب تعسف مطلقة نجلها فى استخدام حق الحضانة وامتناعها عن تنفيذ حكم الرؤية المقضى به لرؤية الصغير أسبوعيا لمدة ثلاث ساعات بالحديقة الدولية بمدينة نصر. تؤكد الجدة سهير أن امتناع طليقة نجلها عن تنفيذ حكم رؤية الصغير يمثل اعتداء على حق كل من المحضون والطرف غير الحاضن وتلاعبا بمقدرات الصغير على النحو الذى ينشأ عليه الطفل جاهلا بوالده وأجداده وأعمامه وعماته وتعرضه للتشوهات النفسية. وتحكى الجدة كريمة مصطفى قصتها قائلة: بذلت كافة الجهود ويئست من إقناع ابنتى بالتحلى بروح التسامح مع طليقها والتعاون معه إيجابيا فى تربية أحفادى وذلك رحمة بالأولاد الصغار وحتى لا يدفعوا ثمن الطلاق وتضيف كريمة أنه بالرغم من أن الأحفاد يقيمون فى منزلها مع والدتهم إلا أنها ترفض رؤية زوجها أو أحد من أقاربه لأطفالها بسبب إساءته لها كما تتعمد تشويه صورة والدهم باستمرار وقد أدى ذلك إلى قيام الأطفال بالبكاء والهلع إذا ذكر اسم والدهم ويعانى أكبر أحفادها من التبول اللاإرادى بالرغم من بلوغه سن التاسعة وبعد مرور 15 عاما على وجود الطفل الحاضن يأتى بعد ذلك أمام القاضى فى المحكمة ليختار بين الطرفين فالطبيعى والمنطقى أن الطفل يختار من تربى معه وتعود عليه وفى النهاية الطفل هو من يعانى من الخلل وعدم التوازن الذى يدفعه فى النهاية إلى القيام بتصرفات وأفعال غير أخلاقية نتيجة للتربية غير السليمة. التعديل حتمى/U/ ومن جانبه يؤكد المستشار عبد الله الباجا رئيس محكمة استئناف الأسرة بشبين الكوم على أن قانون الرؤية صدر منذ عام 1929 ولم يتم تعديله بالرغم من مرور أكثر من 90 عاما على إصداره وهذا لم يحدث فى أى قانون وبالتالى أصبح تعديله حتميا لكى يتواءم مع تطور العصر. ويضيف المستشار الباجا أن قانون الرؤية قصرت فيه الرؤية على الآباء والأجداد فى حالة عدم وجود الآباء مما يؤدى فى النهاية إلى قطع الصلة بين الأبناء وعائلة الأب. ويشير إلى أن القانون نص على رؤية غير الحاضن لأطفاله ثلاث ساعات أسبوعية وقد ظهر قصور قانون الرؤية بعد قانون مد حضانة الطفل إلى 15 عاما ويسير الطرف غير الحاضن على المنوال طوال فترة الحضانة. ويرى المستشار الباجا ضرورة تعديل قانون الرؤية واختلاف أساليب تطبيقه حسب سن الطفل بمعنى أنه حتى بلوغ الطفل عامين يتبع النظام المذكور فى قانون الرؤية الحالى وهو قضاء غير الحاضن ثلاث ساعات فى أحد الأماكن العامة كل أسبوع. ومن عامين حتى سبع سنوات يجتمع غير الحاضن مع طفله فى منازل أحد الأقارب ومن سن سبع سنوات وحتى خمسة عشر عاما يتم اصطحاب الطرف غير الحاضن لأبنائه يوما كاملا على أن يبيت عند الحاضن بالليل ومن سن 15 سنة يكون لغير الحاضن الحق فى اصطحاب أطفاله يوما أو يومين فى الأعياد الدينية وأسبوعا أو أسبوعين فى الإجازات «نصف- آخر العام» حتى يتربى الأبناء بطريقة سليمة من خلال ملاحظة سلوكهم والتقرب منهم وتوجيههم. ويقترح عبد الله الباجا عدم السماح بسفر الأولاد إلا بعد موافقة مصدقة فى الشهر العقارى ويوقع عليها الحاضن حتى لا يستطيع الهرب بالأولاد وفى حالة حدوث الهرب بالفعل يعرض غير الحاضن نفسه للمساءلة القضائية ويقوم بدفع تعويض عن تلك الواقعة ويشير إلى أنه يجب على الأب الذى يريد ويبحث عن حقه فى رؤية أطفاله أن يلتزم بالإنفاق عليهم وتوفير احتياجاتهم وإذا لم يحدث ذلك يتعرض الأب للمساءلة القانونية وبذلك تتحقق التربية السليمة للأطفال وتنشئتهم تنشئة اجتماعية صحيحة لا تشوبها شائبة. انعكاسات اجتماعية/U/ وتؤكد د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية على ضرورة مناقشة قانون الحضانة بجانب قانون الرؤية لأن منذ إقرار قانون الحضانة بمد فترة الحضانة إلى 15 سنة بعد 13 سنة للذكور و15 للإناث وبعد إتمام الطفل 15 عاما يسأل بعدها مع من يختار أن يعيش؟ فالطبيعى والمنطقى أن يختار الطفل من تربى وعاش معه منذ ولادته وبالتالى يحرم الطرف الآخر من أبنائه طوال العمر وترى كريمة أن قانون الحضانة القديم كان لحد ما يؤدى لتوازن فى علاقة الحاضن وغير الحاضن حيث يقوم الطرف الحاضن بالسماح لغير الحاضن برؤية أطفاله لكن يرى هو نفسه الأطفال بعد انتقالهم للطرف الآخر، ولكن قانون الحضانة والرؤية الحالى لا يتفق مع الشرع ولا العلم ولا الجانب الاجتماعى السليم لأنه لا يتيح إلا ساعات كل أسبوع للطرف غير الحاضن والمقابلة تتم فى مكان عام وأشارت إلى الانعكاسات السلبية لهذا الأسلوب فى التربية ونتيجتها على الطفل حيث يفقد قدرا كبيرا من الحنان والعلاقة السوية لشعوره بأنه مختلف عن باقى الأبناء ويكون غالبا الطفل الذى تربى فى مثل هذه الظروف ذا شخصية عنيفة عنيدة. وتضيف د. عزة أننا تربينا على مقولة «أعز من الولد ولد الولد» فكيف يحرم قانون الرؤية الأجداد من رؤية أحفادهم فقد كان قانون الحضانة ينص على نقل الحضانة للأجداد فى حالة عدم وجود الآباء وقد رأيت جدة تبكى بالدموع لأن أم حفيدها حرمتها من رؤية حفيدها بالشرطة وكثير من الحاضنين يحرمون أبناءهم من رؤية الطرف الثانى فى الساعات الثلاث الأسبوعية بحجج غير منطقية. مؤكدة أنه لكى يتربى الطفل تربية سليمة لابد من معايشته للطرفين وتقترح أن يسمى قانون الرؤية «الاستضافة» أى يكون من حق غير الحاضن استضافة طفله فى البيت لأن ذلك يقوى الروابط والصلات الاجتماعية والنفسية بين الطفل وأبويه والاقتراح الثانى أن يذهب الطفل فى إجازة نصف العام لمدة أسبوع وآخر العام لمدة شهر لغير الحاضن حيث يعيش فى جو أسرى ويتعرف على أهله وأقاربه ولا يشعر بأنه منعزل عن الآخرين. وترى د. عزة كريم أنه بتحقيق ما سبق تكون العلاقة سوية مطالبة بعقوبات مشددة بالسجن والغرامة على الأب فى حالة «هروبه» بأبنائه ولو أمكن تغليظ العقوبة يكون أفضل حتى لا يتكرر ذلك لمنع إساءة أحد الطرفين للآخر مما يجعل الأطفال يعيشون حياة سوية. محذرة من أن القوانين التى أصبحت فى صالح المرأة حاليا جعلتها دائما هى التى تهدد بالطلاق نظرا لحصولها على النفقة والمتعة والشقة بالإضافة لحضانة الأطفال مما أثر على زيادة معدلات الطلاق فى الفترة الأخيرة. حول التأثيرات النفسية لهذا الخلل تؤكد د. نهلة ناجى أستاذ الطب النفسى جامعة عين شمس أن جميع الدراسات النفسية أقرت بأن الطفل الذى تربى فى أسرة منفصلة أو ليس له أية علاقة متوازنة بوالديه ينشأ بنفسية غير سوية مقارنة بمن فى نفس السن ويعيشون مع والديهم وما يفعله معظم الحاضنين هو تربية الأطفال على عدم احترام الطرف الآخر وأن ليس له وجود. وتضيف د. نهلة أنه فى مراحل سنية معينة مثل الثانوى والجامعة لابد من وجود الأم والأب بجانب أولادهم وخاصة الأب لأن الأم لا تستطيع السيطرة على الأطفال فى مثل هذه السن ولابد من وجود الأب ليعرف معنى الرجولة فى أولاده وتنتقد د.نهلة حرمان الطفل من معايشة الأهل حيث إن القانون الحالى أسقط الأجداد وعائلة الصغير لغير الحاضن من الحسابات مما أصاب الكثير من العائلات بأضراره كبيرة وأيضا يؤدى إلى حالة نفسية سيئة للطفل حيث يعرضه للإصابة بالاكتئاب بالإضافة إلى أمراض الشذوذ الجنسى التى تنتج عن حالة تربية غير سوية بالإضافة إلى عدم الثقة فى النفس التى تنعكس على تعامل الطفل مع الآخرين. مخالفة الشرع/U/ ويؤكد د. يسرى الصاوى أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة أن حرمان الأجداد والأقارب من الدرجة الأولى من رؤية أحفادهم يخالف الشريعة الإسلامية التى أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم فهى صلة الرحم والتى نادى بها القرآن الكريم وكافة الكتب السماوية فالله سبحانه وتعالى أكد فى كتابه الكريم «ألا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده» مشيرة إلى أن رؤية الصغير حق ثابت لكل من والديه وفى حرمان أحدهما من ذلك ضرر نهى عنه المولى عز وجل «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض» وأشار إلى أنه حتى الطفل عند أحد الأبوين لا يمنع الآخر من النظر إليه كما جاء فى الفقه الإسلامى كما نصت كتب الفقه على تحديد المدة التى يجوز فيها للأم الحاضنة أن ترى فيها الصغير. وشدد على أن الشريعة الإسلامية ترفض قطع صلة الرحم ومنع أحد الأبوين من رؤية أبنائه والعيش معهم لفترة فى حالة الطلاق فيجب أن يعدل المشرع القوانين التى تسمح لغير الحاضن برؤية طفله لفترة كبيرة طبقا للشريعة الإسلامية التى نص الدستور المصرى على أنها المصدر الأساسى للتشريع. ويقول د. حسام الشنشورى رئيس جمعية أبناء الطلاق والذى اقترح قانون الاصطحاب إن موضوع حق الرؤية والذى ينظم تحت بند 20 من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 أثير حوله العديد من الانتقادات لما يحتويه من إجحاف لحقوق الأبناء وغير الحاضن وخاصة فى ظل رفع سن حضانة الطفل إلى 15 سنة. ويكمل الشنشورى: أن القانون به كثير من القصور والعوار حيث يختزل العلاقة بين الطفل والطرف غير الحاضن بفترة 90 يوما «موزعة بواقع 3 ساعات أسبوعية حتى إتمام الطفل 15 عاما» وكذلك حرمان أجداد وأقرباء الطرف غير الحاضن من رؤية الطفل والتعرف عليه وذلك بشكل كامل ونهائى بالإضافة إلى أن القانون ليس به أى التزام عملى على الطرف غير الحاضن بخصوص تنفيذ «سويعات» الرؤية القليلة بل هو مجال خصب لتلاعب الطرف الحاضن وأيضا من مظاهر القصور فى القانون الأماكن المحددة لتحقيق الرؤية بالحدائق أو النوادى مما يحرم الطرف غير الحاضن من تبادل أحاسيس الأبوة الطبيعية فى جو المنزل الدافئ والهادئ. مؤكدا أن قانون حق الرؤية الحالى لم يتضمن تنظيم طرق سفر الحاضن خارج البلاد بصحبة الصغير بما يعنى ذلك تعطيل حق الرؤية. ويقترح الشنشورى تعديل قانون الرؤية أى استبدال الرؤية لفظا وموضوعا بحق الاصطحاب للطرف غير الحاضن بمدة لا تقل عن 6 ساعات ولا تزيد على 24 ساعة أسبوعية وهو أمر يترك للقاضى حسب سن الطفل وظروف وملابسات كل حالة مثل أن تكون 6 ساعات أسبوعية للأطفال دون سن الخامسة و9 ساعات أسبوعية للأطفال دون سن الحادية عشرة ويوما كاملا شاملا المبيت للأطفال فوق سن الحادية عشرة ويشير إلى ضرورة اصطحاب الطرف غير الحاضن لطفله فى نفس الأوقات فى الأعياد الدينية وأسبوع فى إجازة نصف العام وشهر فى إجازة آخر العام. وأن يتم الاصطحاب عن طريق استلام الطرف غير الحاضن طفله بالأماكن المحددة سلفا «الحدائق والنوادى» بالتوقيع فى الدفاتر المخصصة لهذا الشأن وكذلك تسليمه بنفس الطريقة وإثبات ذلك بالدفاتر ولابد وأن تلتزم أماكن التنفيذ «النوادى- الحدائق» كما هو معمول به الآن حسب المادة 4 من قرار وزير العدل رقم 87 السنة 2000 بتقديم تقرير يفيد أوقات استلامه وتسليم الصغير متى طلب ذلك. ويرى الشنشورى أن تطبيق حق الاصطحاب سيؤدى للتغلب على ثلاث نقاط ضعف شديدة بالقانون المعمول به الآن وهى «زيادة فترة تواصل الطفل مع الطرف غير الحاضن مع الوضع فى الاعتبار سن الصغير وكذلك بعض الحالات التى لن تكون الاستضافة شاملة المبيت مناسبة لها. وملاءمة المكان لتمكين الصغير من التعرف على أقربائه من ناحية الطرف غير الحاضن فى جو عائلى دافئ تملأه الطمأنينة ويوطد صلات الأرحام.