وزير المالية يعلن موعد اعتماد الحزمة الأولى من التسهيلات الجمركية بشكل نهائي    ضبط 49.1 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ارتفاع اللحوم والزيت.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    سعر الذهب اليوم السبت 21 يونيو 2025 فى الكويت.. عيار 24 ب33.050 دينار    وزير الري يبحث التعاون في مجال "تحلية المياه للإنتاج الكثيف للغذاء"    إنتاج 97161 متر مكعب يومي من مياه الشرب طور سيناء    تركيا تتسلم رئاسة منظمة التعاون الإسلامي من الكاميرون    ضربة إيرانية جديدة للاحتلال.. مسيرة تصيب مبنى فى بيسان    سيطرة برازيلية على دور المجموعات بكأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية.. صن داونز يواجه دورتموند بطموح التأهل وصدارة المجموعة    داس على رأسه.. حادث مأساوي في إحدى مباريات كأس العالم للأندية    من مصر إلى العراق.. احتفال "السيجار" يشعل الموسم الرياضي    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    تقدم جامعة أسيوط 100 مركز في تصنيف "التايمز 2025" للتنمية المستدامة    انتشال جثمان سيدة وأخرى مصابة من أسفل العقارات المنهارة بمنطقة حدائق القبة    بالاسم ورقم الجلوس.. نتيجة الشهادة الإعدادية بمحافظة مطروح بعد اعتمادها رسميًا    نصائح مهمة لطلاب الثانوية العامة قبل امتحان اللغة العربية    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    الرعاية الصحية: نجاح عملية زراعة قرنية دقيقة بمجمع الإسماعيلية الطبي    هنا الزاهد تُشعل مواقع التواصل بصورة جديدة مع كرارة وتامر حسني في عمل سينمائي مشترك    وزير الخارجية والهجرة يلتقي بمجموعة من رجال الأعمال الأتراك خلال زيارته لإسطنبول    مسئولة أممية: توسع الصراع الإيراني الإسرائيلي يقود العالم لكارثة    سلطنة عُمان تعلن إجلاء 294 مواطنا من إيران    وزير الري يبحث "التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء" مع خبراء الجامعة الأمريكية| صور    نقابة المحامين تقرر الطعن على حكم وقف جمعيتها العمومية    وزارة الصحة: عيادات البعثة الطبية المصرية استقبلت 56 ألف و700 زيارة من الحجاج المصريين    عاجل| سعر الريال السعودي اليوم 21/6/2025 مقابل الجنيه    الصحة الإيرانية: 430 قتيلا وأكثر من 3500 مصاب منذ بدء الهجوم الإسرائيلى    مباريات اليوم.. صدام قوي لصنداونز.. ومواجهة أمريكية خالصة    السومة يدعم هجوم الوداد أمام العين ويوفنتوس    المعهد القومي للأورام يطلق فعالية للتوعية بأورام الدم    قافلة الأزهر الطبية تصل الحوراني بدمياط لعلاج المواطنين بالمجان    قبل فتح باب الترشح.. اعرف المستندات المطلوبة للترشح لانتخابات مجلس النواب    دفعة جديدة من أطباء المعاهد التعليمية تصل مستشفى الشيخ زويد المركزي    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    آسر ياسين.. سفاح السينما والدراما    «الكتاب الإلكتروني».. المتهم الأول في أزمة القراءة    محمد منير: «ملامحنا» تعبر عن كل إنسان| حوار    قواعد ذهبية للحفظ والتخزين| الغذاء والصيف.. كل لقمة بحساب!    سلاح ذو حدين| وراء كل فتنة.. «سوشيال ميديا»    رسميا.. بايرن ميونخ ثاني المتأهلين لدور ال16 من كأس العالم للأندية بعد فوزه على البوكا    ترامب عبر "تروث": سد النهضة الإثيوبي تم تمويله بغباء من الولايات المتحدة    إصابة ربة منزل وطفلتها على يد شقيق زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    روبي تتألق في إطلالة مبهرة قبل صعود حفل افتتاح موازين    ترامب عن سد النهضة: بُني بتمويل غبي من الولايات المتحدة    «الصدمة الأولى كانت كريم وابنه».. «أحمد» يروي ما حدث في شارع الموت بمنطقة حدائق القبة    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    «وحش ويستحق الانتقاد».. إسلام الشاطر يشن هجومًا لاذعًا على محمد هاني    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    وزير الخارجية الإسرائيلي: تأخرنا سنتين أو ثلاث في منع إيران من امتلاك سلاح نووي    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    الدفاعات الجوية الإيرانية تعترض صواريخ إسرائيلية فوق مدينة مشهد (فيديو)    "أعملك إيه حيرتنى".. جمهور استوديو "معكم" يتفاعل مع نجل حسن الأسمر "فيديو"    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قاعدة المواجهة في النحت القديم .. وتماثيل "جوديا"
نشر في المساء يوم 27 - 08 - 2013

إن قاعدة المواجهة في النحت المصري القديم تجعل مهمة الفنان أكثر صعوبة. فهي تقوم علي أساس عمودية المحاور واستواء العروض بمعني أن خطوط التمثال كلها إما رأسية أو أفقية وهي تؤدي إلي تحقيق رغبة الحاكم أو الكاهن في مطالعة الشخصية للرائي بكامل هيئتها.. والتماثيل المصرية تنظر إليك حين تتطلع إليها.. وتستقبلك بجملة هيئتها.. فتبدو الأجسام المنحوتة مثالية تترفع عن معالجة أجزائها بالتفصيل. بينما تسيطر نزعة واقعية علي تشكيل معالم الوجوه بحيث تظهر الملامح الفردية بتفاصيلها الدقيقة.
لقد أقيم تمثال خفرع ليكون ضمن التماثيل التي وضعت في المعبد الجنائزي حيث كان بعضها محفوظاً في سردابين مغلقين. والبعض الآخر له في عمارة المعبد خمس مشكاوات أشبه بنواويس التماثيل في معابد الآلهة.. أما تماثيله في معبد الوادي فكانت علي جوانب بهو الأعمدة.
ومعني هذا أن وضع هذه التماثيل في المعابد هو الذي كان يحدد طريقة الرؤية وزاويتها.. فهي تعطي ظهرها للحائط ولا يبدو منها لمن يمرون في المعبد إلا واجهتها.. والنظر إلي التمثال من الأمام يعطينا رؤية فيها تماثل لا يكسره إلا الاختلاف بين قبضتي اليد.
لقد كان هذا الوضع يتفق اتفاقاً تاماً مع الخطوط المعمارية للمعبد وهي خطوط متعامدة تغلب عليها الاتجاهات المستقيمة سواء في الجدران أو أعتاب الأبواب أو السقف.. وهذا يضيف المزيد من الاحترام لهذا العمل الجمالي المتناسق تماماً مع العمارة التي وضع فيها.
لماذا فضل الأكاديون الديوريت؟
عبر جوديا عن تفضيله لحجر الديوريت كخامة لنحت تماثيله بكلمات وجدت منقوشة باللغة السماوية علي واحد من التماثيل التي يحتفظ بها متحف اللوفو بباريس. وهو يقول: هذا التمثال لم يصنع من الفضة ولا من اللازورد من النحاس ولا من الرصاص ولا من البرونز أيضاً. ولكنه صنع من الديوريت.
إن الديوريت بالنسبة إلي هذا الملك يعتبر وسيلة لإظهار جبروته. انه يقول: إن أقسي المواد حتي الديوريت قد ذللتها للتعبير عن عظمتي. وقد تفوقت عليها.. هذا في نفس الوقت الذي يعتبر فيه هذا النوع من الاحجار أكثر الخامات ثباتاً وقدرة علي مقاومة عوامل الفناء. وبهذا يعبر التمثال المصنوع من الديوريت عن فكرة ما هو أزلي. التي تمثل عملية الخلق. وما هو أبدي في مقاومة الموت أي الخلود.
انه رمز طبق الأصل للروح السومرية التي حرص الأكاديون علي تبنيها.. وهذه الروح تتضمن موقفهم الخاص إزاء الحياة. ومن بينها التخلي عن جانب المرونة في التماثيل بل وطمسها والتركيز علي خلق أكبر سطموح عريضة مفتوحة. مع تغطية هذه السطوح بكتابات سماوية كثيرة.
لقد كانت هذه السطوح هدفاً من أهداف الفنان. فهو يهدف إلي صنع وثيقة مكتوبة أكثر من اهتمامه بصنع تمثال يتضمن الجوانب الجمالية ومطابقة الواقع. ومن هنا نتبين السبب في ضخامة معظم تماثيل هذا الملك الإله مع امتلائها بشكل مصطنع. بينما تبدو رؤسها الثقيلة وهي تستقر فوق أكتافها بدون رقاب حتي تواصل مهمة الديوريت في مقاومة عوادي الزمان.
إن المستوي المرتفع للمهارة الفنية التي نحتت بها هذه التماثيل يجعلنا نتأكد تعمد الفنان إعطائّا هذا المظهر. الذي لم ينتج أبداً عن عجزه في مواجهة صعوبة نحت الحجر الصلد. ولا عن زي روح فطرية ساذجة فرضتها الظروف. بل علي العكس ان تمثال جوديا الصغير الموجود في كوبنهاجن والمهدي إلي الآلهة "جيشتينانا" مصنوع من حجر "الاستاتيت" أي حجر "التلك". وهو حجر هش سهل التشكيل يمكن خدشه بالأظافر. ومع ذلك نجد أن مظهره يتخذ نفس الصفات التي نجدها في تماثيل جوديا المنحوتة في الديوريت من زاوية انقسام التمثال إلي أربعة مكعبات واضحة يسهل للمشاهد تحديدها. وبقية العناصر الشكلية المميزة.
وهناك رأي يؤكد أن المظهر الذي اتخذته تماثيل جوديا يمثل من الناحية التكتيكية استمراراً لأسلوب فن النحت بصورة عامة في العصر الأكادي القديم. وبشكل خاص في المظهر الخارجي لهذه التماثيل. فاننا لا نلمس فيها أي محاولة لبعث الحياة في حجر الديوريت سواء عن طريق الشكل العام لها. وهو شكل متوارث. أو إعطاء الإحساس بالديناميكية عن طريق الحركة الداخلية للتمثال. كما نلمس أيضاً تخلي الفنان عن روح الشغف والرغبة الجارفة لممارسة النحت التي نلمسها أحياناً في تماثيل عصر سابق.
فهذه التماثيل لا تعبر عن امبراطورية عالمية متوسعة. وانما تكتفي بتجسيد حالة التعبد والتواضع والزهد والامتثال للصلاة أمام الإله. لهذا فهي تهدف إلي السكون والتعبير عن حالة من الجمود والهدوء المودع بتفوق كامل داخل كتلة الحجر ذاتها. وهي نفس الصفات التي نحسها أمام تماثيل المصلين الصغيرة الكثيرة التي انتجت في عهد أسرة "زور" الأولي.. ولهذا يعتبر استخدام جوديا لخامة الديوريت استمراراً للتعبير عن كل هذه الصفات.
مميزات تماثيل جوديا
إن هذه التماثيل التي تمثل جوديا واقفا أو جالسا - فيما عدا تماثيله كاله - تظهره في مظهر الولاء والتعبد. وفي احداها يضع علي ركبتيه وهو جالس لوحة رسم عليها تصميم هندسي للمعبد الذي شيده للإله. وهذه اللوحة مرسومة بكل دقة وبمقياس رسم كأنها من عمل مهندس معماري معاصر.
ورغم ما تبرزه هذه التماثيل من تفوق ومهارة الفنانين الذين نحتوها في إبرازهم لعضلات ذراع وكتف الملك العارية. وفي تمثيلهم لملامح وجهه في مختلف مراحل عمره. وفي عنايتهم الشديدة بالقدمين في معظم التماثيل. إلا أننا نلمس أيضاً الجمود في تعبيرات الوجه والعيون المفتوحة علي سعتها وهي تحدق أمامها. فيما عدا أحد تماثيله باللوفر الذي تدلنا ملامحه علي الدهاء والحزم والتقوي.
كما نلمس أيضاً حرص الفنان السومري علي اتباع "قاعدة المواجهة" وفيها يتجه الجسم والوجه إلي الأمام بغير التواء.. أما الكتفان العريضان فيعبران عن القوة والبطش. ويظهر جوديا في معظم هذه التماثيل وعلي رأسه غطاء يشبه العمامة الكبيرة البروز. والمزخرفة بصفوف من الكرات الصغيرة.
وتساعدنا هذه المجموعة علي إدراك وجود تنوع في الأسلوب بين الفنانين في ذلك العصر. ومن الصعب تفسير هذه التنوعات بأن سببها هو اختلاف شخصية الفنانين الذين أنتجوها. بل الأرجح أنها أنتجت وراء بعضها فظهر فيها وبشكل ملموس التغيير التدريجي في المناخ الفكري وخاصة انكماش المظهر السومري الخالص الذي سيطر علي عصر الاحياء. بينما اشتدت سيطرة الأفكار والأشكال الأكاديمية القديمة.
وبينما كانت التماثيل السومرية والأكاديمية القديمة تتضمن حفراً بسم الشخص الذي يكرس التمثال للإله.. نجد أن جوديا قد توسع في هذا التقليد وجعل النقوش العديدة التي تغطيها تسرد منجزات "الامير" وأفعاله التي كان يتقرب بها إلي الإلهة إلي جانب تكريسه التمثال لها. وكل هذا لكي يظفر باستجابة طلبه في أن يكتب له الخلود في الآخرة.
لقد كشفت هذه النقوش عن المقصود من هذه التماثيل. فهي ليست بورتريهات شبيهة لصاحبها لتخليد ذكراه أمام الأجيال التالية بل كانت بديلاً سحرياً للمتعبد الذي أهداها للالهة. تكتسب من بعده حياة مستقلة كاملة عن طريق الشعائر الدينية المسماة "فتح الفم". فتكتسب بها هذه التماثيل حياة كاملة وتكون لها أسماؤها الخاصة. ومن هذه الزاوية يتوجب علي الناس جميعاً أن يتقدموا بالقربان لهذا البديل ليتمكن من خدمة الآلهة التي كرس لها نفسه.. هذا الرأي يؤكده "أنطون مورتيكارت" في كتابه عن "الفن في العراق القديم". وإن كان لم يكتشف حتي الآن دليلاً واحداً يؤيد صحة هذا الافتراض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.