منذ سنوات قليلة عادت القاهرة إلي اقامة تماثيل الميادين لتمجيد رموز الزمن الحاضر وتأكيد ذاكرة الأمة فلا ننسي الذين قدموا عصارة فكرهم وأفنوا عمرهم في خدمة مصر أوضحوا بحياتهم من أجلها مثل الفريق عبدالمنعم رياض والشيخ عمر مكرم والدكتور طه حسين ونجيب محفوظ.. وغيرهم.. إن تماثيل هؤلاء النماذج التي ترتفع في سماء القاهرة أصحابها هم القدوة لشبابنا التي تؤكد أن من يقدم مواهبه وحياته لمصر لن ننساه. وأهم العوامل التي تؤثر في فن النحت الحديث هي "البيئة الجغرافية". والتراث الفني السابق في فن النحت. ثم الخامة التي ينحت فيها الفنان تمثاله. ثم الفكر المسيطر خلال عصر انتاج المنحوتة.. انها أربعة أبعاد تحقق للعمل النحتي شكله وقيمته. ويمثل عامل البيئة. وما يتضمنه من خصائص جغرافية ومناخية. أول العوامل المؤثرة في فن النحت سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فالعمل الفني التشكيلي عموما باعتباره ذلك النوع من الفنون الذي يتعامل مع الأشكال. ينعكس عليه شكل البيئة الجغرافية انعكاسا مباشرا. فمصر ذات الهضبتين المستويتين نسبيا. والنهر المندفع في رفق بغير شلالات أو جنادل والحصول المنبسطة الهندسية التخطيط ثم الصحراء الممتدة حولنا. هذا الشكل الجغرافي الفسيح ينعكس علي شكل العمل الفني خاصة النحت.. فتتجه السطوح إلي الانفتاح والاتساع والكتل إلي التماسك والبساطة. مع النفور من النتوءات العالية والظلال العميقة. والبعد عن الفجوات والفراغات. أما التراث فقد كان أهم منابع الإلهام للنحات المصري طوال النصف الأول من القرن العشرين. إنه يمثل عنصر الأصالة. وامتدادات الملامح القديمة في الانتاج الفني الحديث هي التي تحقق الشخصية المحلية. ولقد أخذ النحاتون من التراث صفاته الثابتة المستمدة من طبيعة البيئة. فهو يعبر عن رقي الحواس التي هذبتها ظروف العمل الزراعي المواتية. بسبب انتظام فيضان النهر.. فاتصفت منحوتات التراث بالتوازن والهدوء والوقار والجلال مع مثالية التعبير. ان هضم هذه الصفات. هو الذي حقق لفن النحت المصري الحديث مميزات الثبات والاستقرار وبلاغة التعبير النحتي بالكتل والخطوط. والخامة في فن النحت تمثل العامل الذي يحتل المرتبة الثالثة مباشرة في تحديد شكل العمل المنحوت. فبعد تأثير البيئة والتراث فإن المادة التي يصنع منها النحات تمثاله تفرض شروطها. انها تضع حدودا للجماليات الفنية وتوجه الفنان نحو مواطن الحسن التي يظهرها في تمثاله. ونحن نعرف جيدا ان مادة الرخام أو المرمر تغري المثال بالاستغراق في اظهار مفاتن بشرة الطفل الملساء أو المرأة الناعمة. في حين يدفع الجرانيت الخشن الحبيبات كل من يتصدي لاستخدامه في صناعة التماثيل إلي الاتجاه نحو الضخامة والصرحية والشموخ ليشاهد التمثال من بعيد. محققا بذلك ابهارا للمشاهد الذي يتعجب لقدرة الفنان علي السيطرة والتحكم في الحجم الضخم. وقدرته علي قهر الخامة الصلبة واخضاعها أثناء التشكيل.. أما الخشب فهو يغري بعمل تماثيل لا تزيد علي الحجم الطبيعي للإنسان كما تدفع الفنان إلي عمل فراغات بين الأطراف والجذع لأن طبيعة خامة الخشب المأخوذة من الأشجار ذات الأفرع هي التي توحي بذلك.. وعلي نفس المنوال فإن الأحجار الكريمة والملونة تغري بالتطعيم والأشغال الدقيقة بينما حجر الديوريت الشديد الصلادة يغري بالاتجاه إلي ابراز صفات الجبروت والافتخار.. وهكذا. ومن المهم أن نوضح معني مصطلح "احترام الخامة".. فبداية لا يتحقق استمتاعنا بالتمثال المنحوت نتيجة لمطابقته للواقع وإنما لقدرة المثال علي ابراز المميزات التشكيلية الخاصة لكل خامة.. وإلي جانب احترام المميزات الخاصة للخامة لابد من مراعاة متطلبات المكان الذي يصنع التمثال ليثبت فيه.. فالتمثال الصغير الذي يصنع ليعرض في ركن بحجرة الاستقبال يختلف عن التمثال الذي يصنع ليقام في الهواء الطلق ليري من مسافات بعيدة. والاختلاف هنا لا يتعلق فقط بالحجم وإنما يتعلق أيضا بأسلوب التنفيذ وبالجوانب التي تحظي باحترام أكبر وعناية أكثر خلال التنفيذ.