فى ظل الطفرة التى يشهدها قطاع الطاقة فى مصر، يبرز مشروع محطة الضبعة النووية باعتباره أحد أهم المشروعات الاستراتيجية فى تاريخ الدولة الحديثة. ومع تولّى الدكتور شريف حلمى رئاسة هيئة المحطات النووية قبل عدة أشهر، تسارعت وتيرة العمل داخل الهيئة، وظهرت خطوات واضحة نحو تحقيق حلم مصر فى امتلاك أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء وفق أعلى المعايير العالمية.
وفى هذا الحوار، يسلّط الدكتور شريف حلمى الضوء على أحدث مراحل تنفيذ المشروع، وأبعاد الأمان النووي، والجدوى الاقتصادية، ودور المحطة فى دعم رؤية مصر 2030، وإلى نص الحوار: ■ ما أهمية أحدث مرحلة تتم فى بناء المفاعل النووى المصري؟ - وضع وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالمحطة، وهذا يُمثل الانتقال إلى مرحلة فنية وتقنية شديدة الحساسية لتركيب مكونات نووية لأول مرة داخل المفاعل. وعاء ضغط المفاعل يُعد أحد المكونات الرئيسية فى المحطة النووية، حيث يحتوى فى داخله على قلب المفاعل الذى تتم فيه سلسلة التفاعلات النووية المتحكم بها، ويتميّز هذا الوعاء بقدرته العالية على تحمّل الضغط ودرجات الحرارة المرتفعة مع ضمان الإحكام الكامل ضد أى تسرب، ما يجعله عنصرًا أساسيًا فى منظومة الأمان والموثوقية التشغيلية للوحدة النووية. وتمّ تصنيع وعاء ضغط المفاعل فى مصنع «إيجورا» التابع للقسم الهندسى الميكانيكى لمؤسسة «روساتوم» الحكومية، ويبلغ وزنه أكثر من 330 طنًا، وشارك خبراء من هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء بصفتها المالك والمشغّل المستقبلى لمحطة الضبعة النووية فى أعمال التفتيش خلال مراحل التصنيع، وذلك لضمان الالتزام الكامل بمتطلبات ضمان الجودة والمعايير الفنية المعتمدة. كما تمّ نقل وعاء ضغط المفاعل على متن سفينة شحن بحرية متخصصة غادرت ميناء سانت بطرسبورغ فى الأول من أكتوبر، واستغرقت رحلتها نحو 20 يومًا حتى وصولها إلى موقع المحطة النووية بالضبعة. وسبق أن زرتُ مصنع "إيزورا" (Izhora) المتخصص فى تصنيع مكونات المفاعلات النووية، وذلك لمتابعة أعمال تصنيع وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة، حيث تم الوقوف على سير العمل ومراجعة مدى التزام المصنع بالمعايير الفنية والجدول الزمنى المتفق عليه، وينتمى الوعاء إلى الجيل الثالث المتطور المعروف بمعاييره التى تتضمن الكثير من عناصر الأمان والسلامة. كما شملت الزيارة الأكاديمية التقنية التابعة لمؤسسة «روساتوم» الروسية، والتى تُعد مركزًا رائدًا لتأهيل وتدريب الكوادر البشرية فى قطاع الطاقة النووية، واطلعتُ على البرامج التدريبية والتعليمية المقدمة والتى تستهدف إعداد كوادر الهيئة المؤهلة على أعلى مستوى وفقًا لأحدث المعايير التكنولوجية ومتطلبات الأمن والسلامة النووية. ■ ماذا عن توطين الصناعة النووية فى مصر؟ - توطين الصناعة النووية يعد من أهم بنود عقد محطة الضبعة مع مؤسسة «روسآتوم» الروسية، ويسهم فى تعزيز القدرات المحلية وتوفير فرص عمل ودعم استراتيجية مصر للطاقة المستدامة. ■ لماذا تشكل محطة الضبعة أهمية بالنسبة لجهود التنمية؟ - مشروع محطة الضبعة ليس مجرد محطة للطاقة، بل يعد قاطرة للتنمية الصناعية فى مصر ويعزز قدرة الصناعة المحلية على التنافس عالميًا. والمشروع النووى يشكل حجر الزاوية فى رؤية مصر 2030 لتأمين الطاقة المستقبلية بشكل مستدام وآمن. ■ ماذا عن زيارتكم لروسيا على رأس وفد مصرى مؤخرًا؟ - تأتى هذه المشاركة ضمن جهود مصر المستمرة لتعزيز التعاون الدولى فى مجال الطاقة النووية السلمية وتطوير البرنامج النووى السلمى بما يتماشى مع المعايير الدولية. وفى خطوة تعكس حرص الدولة المصرية على المتابعة الدقيقة لمشروع محطة الضبعة النووية، تأتى هذه الزيارة الميدانية فى إطار الحرص على تعزيز منظومة العمل التكاملى بين الجانبين المصرى والروسى والتأكد من سير العمل وفقًا للمخطط الزمني. ■ ماذا يمثل مشروع المحطة النووية المصرية لكم؟ - يمثل تنفيذ مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية تتويجًا لسنوات عديدة من الجهود المصرية لادخال الطاقة النووية إلى مصر، حيث تعود خطط إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية إلى أواخر السبعينيات عندما بدأت إجراءات اختيار الموقع. يهدف مشروع الضبعة للطاقة النووية إلى بناء أربع وحدات من مفاعلات الماء المضغوط PWR من الطراز الروسى VVER-1200 (AES-2006) بقدرة 1200 ميجاوات لكل وحدة، وتُعد مفاعلات الماء المضغوط أكثر أنواع المفاعلات شيوعًا فى العالم. ■ حدثنا عن درجات الأمان فى المفاعل النووي؟ - يقع موقع الضبعة على طول الساحل الشمالى الغربى لمصر على البحر الأبيض المتوسط. وقد جاء عامل الأمان والموثوقية لتصميم المفاعل النووى كأحد أهم عوامل المفاضلة الرئيسية لاختيار نوع المفاعل والتكنولوجيا المستخدمة لبناء المحطة النووية، حيث تنتمى التكنولوجيا المستخدمة إلى مفاعلات الجيل الثالث المطور المتوافقة مع جميع متطلبات ما بعد حادثة فوكوشيما التى وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويتم منع أى تسرب للمواد المشعة تحت أى ظروف قد تتعرض لها المحطة (فيضانات، أعاصير، تصادم طائرات) من خلال الهيكل المزدوج لوعاء الاحتواء الخرساني، إضافة إلى «مصيدة قلب المفاعل» التى تحوى الوقود المنصهر فى حالات الحوادث القصوى. والأمان النووى هو حماية المواطنين والبيئة والمجتمع من التأثيرات الضارة للإشعاع، ويشمل أمان المرافق والأنشطة النووية ويتم باتخاذ سلسلة تدابير فنية وإدارية صارمة وفقًا لمعايير دولية تهدف لمنع وقوع الحوادث من الأساس والسيطرة عليها ثم الحد من عواقبها إذا وقعت، وهو ما يطلق عليه مبدأ «الدفاع فى العمق». ويُعد منع وقوع الحوادث الهدف الرئيسى والأسمى لجميع المعنيين بالطاقة النووية، وتقع مسئولية تحقيق الأمان النووى على عاتق الجهة المشغّلة. ويراعى فى تصميم المحطات النووية الجمع بين خمسة مستويات أمان مستقلة ومتعاقبة، لا تلحق بالمواطن والبيئة آثارًا ضارة إلا إذا أخفقت جميعها فى مهمتها، فإذا أخفق أحد مستويات الحماية يكون المستوى التالى متاحًا وهذا هو مفهوم «الدفاع فى العمق». وتُوجَّه المستويات الأربعة الأولى نحو حماية الحواجز وتخفيف الانبعاثات، أما المستوى الأخير فيتعلق بتدابير الطوارئ خارج الموقع لحماية الجمهور فى حالة الانبعاثات الإشعاعية. ■ ماذا عن مراحل تنفيذ المشروع؟ - يتم تنفيذ المشروع من خلال ثلاث مراحل رئيسية: المرحلة الأولى: وهى المرحلة التحضيرية التى بدأت منذ ديسمبر 2017، وتشمل الأنشطة التى تهدف إلى تجهيز وتهيئة الموقع لإنشاء المحطة النووية. المرحلة الثانية: وتبدأ بعد الحصول على إذن الإنشاء، وتشمل الأعمال المتعلقة بالبناء والتشييد وتدريب العاملين والاستعداد لاختبارات ما قبل التشغيل. المرحلة الأخيرة: وتشمل الحصول على إذن إجراء اختبارات ما قبل التشغيل، والتى تضم اختبارات التشغيل وبداية التشغيل الفعلي، وتستمر حتى التسليم المبدئى للوحدة النووية وإصدار ترخيص التشغيل. وتصل مدة اختبارات ما قبل التشغيل إلى 11 شهرًا. ■ كيف سيسهم المشروع فى توليد الطاقة؟ - إنتاج وتوليد طاقة عالية يساعد على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بطريقة موثوقة، ويُعد أساسًا لتنمية اقتصادية مستقرة. كما يسهم فى الحفاظ على الموارد الطبيعية غير المتجددة مثل النفط والغاز واستخدامها بشكل رشيد. إضافة إلى أنه مصدر طاقة نظيف خالٍ من انبعاثات الكربون، ويلعب دورًا بارزًا فى مواجهة الاحتباس الحراري. كما يتيح استيعاب التقنيات والتكنولوجيا المتطورة، ويعزز البحث والتطوير، والارتقاء بجودة العمل والمنتجات محلية الصنع إلى مستوى المعايير الدولية، وزيادة فرص العمل للمصريين بمشاركة محلية لا تقل عن 20٪ للوحدة الأولى وحتى 35٪ للوحدة الرابعة، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والبنية التحتية فى منطقة مطروح وخاصة الضبعة. ■ نود التعرف على الجدوى الاقتصادية من إنشاء المحطة النووية فى مصر؟ - فى ظل عدم الاستقرار فى أسعار الطاقة العالمية، ستُسهم محطة الضبعة النووية فى تحقيق أمن الطاقة للدولة المصرية وتأمينها من التأثر بالأزمات العالمية من خلال تنويع مصادر الطاقة. فالمحطة ستوفر 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعى سنويًا، وهو ما سيزيد إنتاج الغاز الطبيعى فى مصر بشكل كبير، وبالتبعية سترتفع الصادرات. كما تُسهم محطة الضبعة فى إنتاج الهيدروجين الأصفر الصديق للبيئة، وهو ما يدعم خطط الدولة فى توطين مصادر الطاقة المتجددة. وتسهم المحطة بقوة فى توفير العملة الصعبة داخل الدولة، إذ تبلغ تكلفتها 25 مليار دولار، وجميع التحويلات الخاصة بها مؤجلة، بمعنى أن مصر ستسدد قيمة المحطة بعد التشغيل. كما تبلغ مدة سداد القرض الروسى 35 عامًا، وهو ما يعكس تسهيلات كبيرة، ويتيح لمصر الاستفادة من هذه المبالغ الضخمة داخل السوق المحلية وإعادة تدويرها فى عجلة الإنتاج، مما يساهم فى زيادة توافر الدولار، ويحد من التدفقات الدولارية الخارجة لاستيراد الطاقة. كما يساعد التعاون المصري– الروسى فى نقل الخبرات التكنولوجية للعامل المصري، إذ تتطلب المحطة تكنولوجيا عالية تعتمد فيها روسآتوم على أحدث الحلول المتطورة، ما يسهم فى توطين التكنولوجيا الحديثة فى مصر. كذلك من المرجح أن تُسهم المحطة النووية فى خفض معدلات البطالة بشكل كبير من خلال توفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. ومن أهم الفوائد الاقتصادية للطاقة النووية إنتاج النظائر المشعة التى تُستخدم فى المجال الطبى والتشخيص والعلاج، وكذلك فى المجال الصناعى والتكنولوجي، إذ لا توجد صناعة متطورة لا تستخدم هذه النظائر فى الإنتاج وفحص الجودة والكشف عن عيوب التصنيع. كما تدخل فى صناعات مهمة مثل محركات السيارات والإطارات.