قبل سنوات قليلة من سقوط النظام البائد وقف زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية المخلوع الملقب بالرجل الغامض والجوكر وكاتم أسرار النظام في مشهد مسرحي داخل مجلس الشعب يهاجم برنامج الحكومة للخصخصة وطالب بمحاكمة البرنامج وهو يصرخ غاضباً لعنة الله علي الخصخصة وقال "الحكومات اللي قبل كده باعت أنا مش عايز أشيل الحكومة جرائم حرامية الخصخصة" وأنا بقول حرامية ولو حبوا يرفعوا علي قضية سب وقذف أنا معايا حصانة برلمانية وكان دائماً ما يصرخ ضد الفساد واصفاً إياه بأنه للركب في المحليات وغيرها وهذه هي المفارقة إذ كشفت الأيام أنه كان استاذ الفساد ومدرسة قبل هذه السنة التي كان يؤدي فيها زكريا عزمي دور الملاك المدافع عن الشرف والأمانة باعتباره ضد الفساد بحوالي 60 سنة وتحديداً في نهاية الخسمينيات كان هذا الرجل لايزال شاباً فقيراً قدم لتوه من قريته التي تنتمي لمحافظة الشرقية ليسكن في غرفة أعلي سطح أحد المنازل الفقيرة المحيطة بالقصر الذي يحكم مصر من عابدين دون ان يدري أنه ذات يوم سيدخل هذا القصر ولمدة 30 سنة ليلعب بأصابعه في كل مفاتيح القصر الجمهوري فيغلق الأبواب التي يريد غلقها ويفتح أخري يغترف منها ما شاء له طمعه وحبه للمال ان يغترف ويصبح واحداً من أهم الرجال الذين يتحكمون في مصير مصر والوحيد المسيطر علي رأس وعقل رئيس النظام الذي شاب رأسه وتجمدت أفكاره فأصبحت الفرصة سانحة أمام "الأراجوز" الجوكر ليلعب كل الأدوار علي مسرح طوله وعرضه مصر بكاملها بدأت رحلة زكريا عزمي بعد تخرجه في الكلية الحربية عام 1960 حيث أصبح ضابطاً في سلاح المدرعات ثم انتقل إلي الحرس الجمهوري عام 1965 وحصل في نفس الوقت علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة واستكمل دراسته بالحصول علي دبلوم في العلوم الجنائية من كلية الحقوق عام 1970 ثم دبلوم في القانون الدولي عام 1972 ودكتوراه في القانون الدولي حول موضوع حماية المدنيين في النزاع المسلح وفي عام 1973 أصبح رئيساً للشئون السياسية بمكتب رئيس الجمهورية لشئون الأمن القومي وعضواً في سكرتارية الرئيس للمعلومات وفي عام 1937 انتقل إلي ديوان رئيس الجمهورية وبعد تولي الرئيس المخلوع الرئاسة تم تصعيده وكيل أول وزارة برئاسة الجمهورية ثم أميناً عاماً للرئاسة وأخيراً رئيساً لديوان رئيس الجمهورية. في عهد مبارك كان ديوان رئيس الجمهورية كل شيء في مؤسسة الرئاسة وقد خص قانون تنظيم رئاسة الجمهورية الحالي منصب رئيس الديوان باختصاصات جعلت من زكريا عزمي قلب وعقل وروح وسر أسرار مؤسسة الرئاسة. أصبح زكريا عزمي بعد سنوات قليلة من تربعه علي رأس الديوان خادم النظام وعينه الساهرة واستطاع خلال فترة حكم مبارك ان يدير مؤامرات السلطة وصراعاتها فأزاح عن طريقه كل من حاول الاقتراب من مبارك ليضمن سيطرته علي الرجل الذي بدا في نهاية فترة حكمه غير راغب في أية إثارة أو مشكلة سواء علي المستوي الشخصي أو علي مستوي الوطن الذي كان يتصدر واجهته. أدرك زكريا عزمي بعد فترة قليلة من الاحتكاك بمبارك ان السيطرة عليه تماماً لابد ان تمر عبر العائلة وخاصة الابن الأثير إلي قلب أمه جمال وأصبح مجرد خادم لأسرة الفرعون الإله حاكم البلاد وعائلته ولم يدخر جهداً في إرضاء طلبات كل أفراد الأسرة خاصة سيدة القصر التي يعني رضاها بقائه في السلطة مدي الحياة وربما يكمل المسيرة مع الابن الذي بدأت الأم تراه امتداداً لأبيه في حكم مصر لتنقل بياناتها في البطاقة الشخصية من زوجه الرئيس إلي خانة أم الرئيس وتضمن ان تظل في السلطة إلي أن يسترد الله أمانته. أدرك زكريا عزمي بذكائه ان الأم ترغب في اعتلاء ابنها عرش المملكة الجمهورية فكان ان وضع اول لبنة في جدار التوريث فبات اسمه مقترناً بالعائلة الحاكمة مما أعطاه قوة هائلة أصبحت كاسحة كقوة أفيال الغابة التي يمكن ان تدهس أرانبها دون ان تشعر بها أو تراها وتبقي قضية أو فضيحة غرق العبارة السلام 98 التي غرق بسببها 1034 مواطناً هي الأخطر وكما جاء في تقرير نشرته الفجر فإن زكريا أو زيكو كما يعرفه أصدقاؤه كان صديقاً مقرباً جداً من هارون التوني الذي كان ضابط شرطة حيث استقال وعمل بشركة الملاحة الوطنية التي يرأس مجلس إداراتها منير ثابت شقيق الهانم كمدير للعلاقات العامة بتوصية من زيكو ومن خلال الشركة تعرف علي ممدوح إسماعيل صاحب شركة السلام للنقل البحري وبعدها التحقت ابنة هارون بشركة السلام كمديرة للعلاقات العامة ثم من خلال علاقة العمل نشأت علاقة حب انتهت بزواج عمرو نجل ممدوح إسماعيل بابنة هارون. ومن هنا بدأ نجم ممدوح إسماعيل في الظهور كرجل من رجال المجتمع المخملي ومجتمع رجال المال والأعمال ومن خلال نادي هليوبوليس بدأت الصداقة بين الرجل الحديدي في القصر الجمهوري وممدوح إسماعيل الذي صعد بسرعة الصاروخ في عالم البيزنس واحتكر خط سفاجا جدة وسفاجا ضبا علي الشواطيء السعودية واستطاع بهذا الاحتكار تكوين امبراطورية ضخمة للخطوط الملاحية واستطاع من خلال زكريا الحصول علي الحصانة البرلمانية عندما دخل عضواً بمجلس الشوري وعندما أراد عصام شرف رئيس الوزراء الحالي وكان وقتها وزيراً للنقل والمواصلات فتح ملف تجاوزات ممدوح إسماعيل كان نصيبه همسة في اذن مبارك أطاح به بعدها من الوزارة لترسم الأقدار طريقاً أكثر نوراً وضياء لشرف الذي جاء رئيساً للوزراء علي انقاض نظام مبارك الذي تآكل فأسقطه شباب ثورة 25 يناير وهي المفارقة الغريبة حيث لم يزحزح مبارك عن عرشه طوال 30 سنة جيش ولا انقلابات ولا محاولات لاغتياله ولم ينل منه سوي شباب أكبرهم ولد يوم تولي حسني مبارك السلطة لكن ما عزز دور زكريا داخل القصر الرئاسة وجعله يتحكم في كل مقدرات البلاد من خلال دوره في لعبة التوريث وتوصيل الابن المدلل إلي كرسي العرش علي طريقة صبيان المعلم بتوصيل الطلبات للمنازل ليحقق أمل ورغبة الهانم الكبيرة. زكريا عزمي الذي لم ينجب تشير التقارير الرقابية إلي امتلاكه أكثر من 20 فيلا بخلاف عشرات القطع من الأراضي في شرم الشيخ ومدينة 6 أكتوبر والغردقة. ممتلكات زكريا عزمي تتسع بطول وعرض مصر وشملت امبراطورية من العقارات والأراضي امتدت حتي قلب الصعيد منها 5 آلاف فدان تم تقديم بلاغ بشأنها للنائب العام حيث جاء في البلاغ ان زكريا عزمي بنفوذه استطاع الحصول علي أرض من أراضي الدولة بهدف تسقعيها لتحقيق المليارات وكتبها باسم ابن اخته حاسم الدين عوض الاتهامات التي تطال زكريا عزمي كثيرة وكثيرة جداً وبعضها يذهب إلي أن بقاءه لم يكن بسبب رضا الرئيس السابق لدرجة انه فرض علي مجلس الشعب تعديل القانون الذي يمد له الخدمة إلي ما لا نهاية وإنما بسبب علاقاته المتشعبة برجال الأعمال الذين اعتمد عليهم النظام المنهار وكان دخوله مجلس الشعب القناة التي شملت سهلت له عملية غسيل سمعة النظام والمساهمة في تمرير التوريث للنجل وكم كان مثيراً للضحك حتي الغثيان ان أكبر الفاسدين في مصر كان يصرخ تحت قبة البرلمان مطالباً بمحاربة الفساد بينما كان و قأبو الفساد وراعيه وأعظم مشجعيه بالطبع بعد قدوته ومثله الأعلي شيخ منصر لصوص الدولة.