دخلت مصر عصراً جديداً بعد 25 يناير.. تلك حقيقة ثابتة لا مراء فيها.. تؤكدها المتغيرات المتتالية التي حدثت ومازالت تحدث.. وهذا العصر الجديد يختلف تماماً عما كان قبله في كل شيء.. ويتسم بسمات مغايرة في كل شيء.. خصوصاً فيما يتعلق بالخطاب السياسي.. وهذا ما لاحظناه في التصريحات التي أدلي بها نائب الرئيس عمر سليمان وفي المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه رئيس الوزراء أحمد شفيق. لقد قدم الرجلان نموذجاً لما يجب أن يكون عليه التناول السياسي للقضايا المطروحة.. والتعبير عن هذه القضايا بصراحة كاملة ووضوح كامل.. حتي عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بالخطأ والاعتذار والتراجع عنه فإن ذلك يجب أن يتم بعبارات محددة تنبئ عن نية خالصة مقنعة للجمهور.. بعيدة عن التعالي والاستكبار. ولاحظنا ايضا ولاحظ غيرنا. أن حديث الرجلين تضمن اعترافاً مهماً بتعددية الآراء والرؤي.. والتأكيد علي اعتماد الحوار سبيلاً للوصول إلي مخرج من الموقف الراهن يعيد الأمور إلي نصابها.. والتجاوب مع نبض الشارع.. إيماناً بأن هذا النبض هو الأصدق تعبيراً والأكثر التزاماً بالحقيقة من التقارير المزيفة التي تنطوي علي الكذب والنفاق.. وتصوير الأمور علي غير طبيعتها. لكم ذاقت مصر الأمرين بسبب تقارير الكذابين والمنافقين... ولكم ذاق المصريون ضنك العيش وآلام الفقر والجهل والمرض والحرمان بسبب تقارير "كله تمام".. وكانت النتيجة الحتمية لكل ذلك ما شهدناه من انفجار الشباب ونزولهم إلي الشوارع والميادين ليعلنوا مطالبهم بأنفسهم في صوت قوي نقي.. وحصلوا علي شهادة من الجميع بأن مطالبهم مشروعة وحركتهم غير تخريبية. وعندما يعلن نائب الرئيس ورئيس الوزراء أن الاعتداء علي الشباب المتظاهرين سلمياً في ميدان التحرير بالسنج والمطاوي والطوب والقنابل الحارقة والرصاص المطاطي والخيول والجمال كان مؤامرة ومأساة ومهزلة سوف يحاسب عليها من فعلوها ومن أصدروا الأوامر ونظموا ومولوا.. فإننا يجب أن نلاحظ أن هناك بالفعل روحا جديدة للتعامل مع هؤلاء الشبان.. وأن هناك لغة جديدة في التخاطب معهم.. تناسب العصر الجديد الذي دخلوا بنا إليه.. وكانوا أصحاب الفضل في الإسراع بحركة الإصلاح والتصحيح.. وفعلوا ما لم يستطع آباؤهم وأجدادهم أن يفعلوه. وإذا كان هناك من يحاول اليوم أن يدعي أن له دوراً في تحريك هؤلاء الشباب.. سواء من الداخل أو الخارج.. فقد أثبتت الأيام أن هذه ادعاءات كاذبة وملفقة.. وأن الذي حمل لواء التغيير هو شباب مصر الواعي المثابر.. الذي أدرك أن هذه هي اللحظة المناسبة لكتابة تاريخ جديد لعصر جديد.. ولينهي مرحلة ويبدأ مرحلة جديدة تماماً.. ويجب ألا يستكثر أحد هذا الدور علي هؤلاء الشجعان الذين غيروا صورة مصر أمام العالم أجمع. ولن تفلح أي محاولات للقفز علي حركة الشباب.. واختطاف انجازهم التاريخي.. وسرقة المشهد منهم للوصول إلي الحكم علي أكتافهم.. فالحقيقة الناصعة الواضحة أمام الجميع أن كل الأحزاب والتيارات وقفت خلف هؤلاء الشباب بخطوات.. ولا تستطيع أن تدعي لنفسها الزعامة والقيادة عليهم.. فهم وحدهم الأحق بالزعامة والقيادة.. وهم الأجدر بالتخطيط لما يناسب عصرهم ومطالبهم وآمالهم. لقد غيروا واقعنا.. وغيروا مستقبلنا.. بل غيرونا نحن.. وأتاحوا لنا فرصة العمر لكي نتطهر.. ولكي نتصالح مع أنفسنا.. ونبدأ صفحة جديدة عنوانها الكبير هو "الحرية الكاملة".. حرية الإنسان في أن يعمل بشرف ويكسب قوت يومه بشرف.. وأن يقول كلمة الحق بشرف.. وألا يستذله الرزق إلي الخوف والكذب والنفاق. من هنا فإن العصر الجديد الذي بدأ يوم 25 يناير يتطلب منا جميعاً أن ننتصر علي أنفسنا.. علي أطماعنا وجشعنا.. وأن ندرب أنفسنا علي لغة جديدة تناسب هذا العصر.. وتتعامل مع مستجداته.. لغة متواضعة خالية من التعالي والاستكبار وادعاء احتكار الحكمة واحتكار الحقيقة.. لغة راقية المفردات.. تحترم حقوق الإنسان وكرامته وكبريائه وعلو همته.. وتحترم قبل ذلك وبعده آدميته. وإذا كنا شهدنا إعلان نائب الرئيس ورئيس الوزراء بدء مرحلة التحقيق والمحاسبة لكل من أفسد الحياة السياسية في مصر.. وكل من سلب ونهب ثروة هذا الشعب ممن أطلق عليهم الحيتان والغيلان.. وكل من اعتدي علي المال العام وأملاك الدولة.. وكل من تورط في تزاوج المال والسلطة.. فإنني علي يقين بأن مرحلة تالية سوف تأتي بسرعة لمحاسبة كل من أذل الشعب المصري وأهانه.. وداس علي كرامته.. واستغل موقعه في سحق كبرياء المصريين حتي أورثهم الحزن والكآبة.. وزرع في نفوسهم الغضب الذي ولد الانفجار. ولن يمر وقت طويل حتي تعود للمصريين ابتسامتهم.. وتعود إليهم خفة الروح التي اشتهروا بها.. ويستردوا قيمهم الراقية التي انتجوها علي مدار السنين.. قيم الشهامة والرجولة والمروءة. ويخلعوا عنهم رداء الإحباط واليأس واللامبالاة. لقد انطلق بنا قطار الشباب إلي العصر الجديد.. لنستنشق هواء جديداً.. هواء نظيفاً.. ولا رجعة إلي الوراء.. ولا عودة إلي مفردات الماضي وأمراضه.. ولا تستر علي تزوير وتزييف وجهالة.. ولا صمت علي شعارات كاذبة مضللة.. وإنما انفتاح واستقرار وأمان.. وتطلع إلي كل ما هو جميل ونبيل في هذا العالم.. ولا سطوة لصاحب مال أو جاه أو منصب أو نفوذ.. وإنما جهاد في سبيل الحرية والكرامة. هذا هو السبيل لكي يعود المصري ملكاً متوجاً في وطنه.. ويسترد حقوقه كاملة. إشارات: * في لحظة إنسانية صافية فرت دمعة من عيني وأنا أتابع الخطاب الأخير للرئيس مبارك الذي أعلن فيه أنه لن يترشح.. وانه سيموت علي أرض مصر ويدفن فيها.. وبعد ساعات قلائل فرت من عيني دموع كثيرة علي شبابنا المسالم الذي تعرض للقتل والضرب من الغوغائية والبلطجية في ميدان التحرير.. وما بين تلك الدمعة وهذه الدموع حيرة وحزن وألم. * قال رئيس الوزراء أحمد شفيق إن رجال الأعمال مكانهم إدارة أعمالهم وليس كرسي الوزارة.. كنت فين من زمان قبل ما تخرب الدنيا. * لابد أن تجد الحكومة الجديدة طريقة قانونية لاسترداد أموال الشعب التي نهبها رموز الفساد من رجال الأعمال والكذابين والمنافقين.. وهذه الأموال ستكفي تماماً لأن يستغني المصريون بها عن المعونة الأمريكية. * يارب.. احفظ مصر من كل سوء.. احفظها من غباء بعض أبنائها.. واحفظها ايضا من مكر أعدائها.. يارب.