هيئة الأدوية المصرية حلم بدأ يتحقق.. فقد تم إعداد مشروع القانون وبدأت لجنة الصحة في مجلس الشوري في مناقشته كاجراء تمهيدي قبل طرحه للنقاش العام. المتحمسون للهيئة يعلقون عليها امالاً عريضة أن تصبح علي غرار هيئة الأدوية الأمريكية "fda".. تضمن سلامة وجودة وفعالية الأدوية والمستحضرات الصيدلية ومشتقات الدم وتوفير الدواء بسعر مناسب ومحاربة الاحتكار والغش وتشجيع الأبحاث. "1".. وذلك من خلال حزمة سياسات وخطط.. وبموارد متنوعة تساعدها علي تحقيق هذه الأهداف. أما المتخوفون فيرون أن هناك تسرعا في إنشاء الهيئة قد يجعلها مجرد "يافطة" تجمع تحتها الهيئات والأجهزة المتخصصة في مجال الأدوية دون دور حقيقي.. وطالبوا بالمزيد من الدراسة حتي تنضج الفكرة مع الاستفادة من النموذج السعودي وضرورة الجمع بينها وبين هيئة مماثلة للأغذية للارتباط الشديد بين المجالين. "المساء" ناقشت مشروع القانون مع بعض المختصين في التحقيق التالي. يقول د. سيف الله إمام مسئول هذا الملف بنقابة الصيادلة سوف تتبع الهيئة الجديدة رئيس الوزراء. وتهدف للحفاظ علي صحة المواطنين بضمان سلامة وجودة فعالية الأدوية وجميع المستحضرات والمنتجات الصيدلية ومشتقات الدم والمجالات الغذائية والأدوية البيطرية. من خلال وضع القواعد الفنية والاشتراطات الصحية والمواصفات القياسية لصناعة الدواء وتداوله واستيراده وتوزيعه وتخزينه وأسس تسجيله وتحليله وتسعيره. وإجراءات محاربة الغش والتدليس والتدابير الضرورية لمواجهة حالات الطوارئ الصحية ونقص الأدوية. وتشجيع الأبحاث ومراقبة نظم الإعلان عن المستحضرات الطبية بأنواعها. يضيف د. إمام: سوف تضم الهيئة إدارة مركزية للشئون الصحية أو الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية وهيئة الرقابة علي المستحضرات الحيوية. ويرأس مجلس إدارتها صيدلي بدرجة وصلاحيات وزير. ويضم المجلس رؤساء الهيئات السابقة إلي جانب نقيبي الصيادلة والأطباء وعميد إحدي كليات الصيدلة وإحدي كليات الطب بترشيح من المجلس الأعلي للجامعات وممثل لأكاديمية البحث العلمي ولجهاز حماية المستهلك ورئيس غرفة صناعة الأدوية ورئيس المجلس التصديري للصناعات الطبية.. اضافة لرئيس إدارة الفتوي لمجلس الدولة وتعتمد موارد الهيئة علي الموازنة العامة للدولة ونسبته 5.0% من قيمة بيع الأدوية وغيرها من المستحضرات الحيوية والصيدلية ومشتقات الدم والمكملات الغذائية والأدوية البيطرية إلي جانب عوائد الاستثمار لأموال الهيئة والتبرعات والإعانات وموارد ناتجة عن نشاط الهيئة وما تقدمه للغير من أعمال وخدمات. أكد د. سيف أن نقابة الصيادلة تثبت الفكرة وأعدت المشروع من خلال لجنة شارك فيها مسئولون بوزارة الصحة وشركات الأدوية وغرف الدواء والمستلزمات الطبية وأساتذة بكليات الصيدلة والأجهزة الرقابية. وجري إرسالة للجنة المقترحات والشكاوي بمجلس الشعب المنحل وأجيز من حيث المبدأ.. ثم أحيل من بعده لمجلس الشوري لكنه لم يوضع بعد ضمن الحزمة التشريعية وإن تمت إحالتة للجنة الصحة بالشوري كاجراء تمهيدي لعمل حلقات نقاشية مجتمعية حوله. أشار إلي أن هذه الهيئة تأخر إنشاؤها رغم الحاجة إليها. وتجب ممن يدعون التسرع في إقامتها. وقد تمت دراسة التجربة الأمريكية والأردنية والسعودية للإفادة منها. وعقدت جلسة استماع لمسئولين أردنيين لمعرفة تفاصيل تجربتهم في هذا المجال. مؤكد أن الهيئة خطوة جيدة للأمام في مجال الأدوية. وسوف يكون لها كيان بعد إقرار مشروع القانون وسيكون لرئيسها الفرصة كاملة لإعداد هياكلها الإدارية ولوائحها الخاصة وسيجري إرسال بعثاتها للتدريب في الخارج.. كما سيتم إنشاء إدارات جديدة بمجموعة خبراء لتعظيم فرص التوسع فنياً وإدارياً. لتمكين الهيئة من الاضطلاع بدورها الذي يرسمه لها القانون. فثمة 120 مصنعا للدواء بمصر. وثمه 70 مصنعا تحت الإنشاء. وتبلغ قيمة مبيعات الدواء نحو 25 مليار جنيه سنويا وهو ما يوضح مدي الحاجة لإنشاء هذه الهيئة التي لن تسهم مباشرة فيي تحويل الأبحاث الدوائية. فهذا دور الجامعات ومركز الأبحاث وشركات الأدوية. لكن الهيئة سيقتصر دورها علي تقديم الحوافز والتسهيلات. والربط والتنسيق بين الصناعة والبحث. النظام السابق حاربها يقول د. جمال عبدالوهاب نقيب صيادلة الإسكندرية إن هيئة الأدوية كانت ولا تزال مطلبا ملحاً لكن النظام السابق وقف ضد تنفيذ الفكرة وحاربها لحساب أصحاب المصلحة. رغم إنها الأمل الوحيد لإقامة صناعة دوائية محلية راسخة لوضع سياسات قوية تمنع الافكار وتضمن توفير الدواء للمرض بأسعار مناسبة. والحد من نشاط مافيا الدواء. وضمان دور أكبر للشركات الوطنية. حيث ترفض الشركات الاستثمارية عادة إنتاج بعض الاصناف ذات العائد الربحي الضعيف فيما تركز علي ذات الربحية العالية والتي قد تصل لنحو 80% ورغم ذلك فإنها تدعي أنها تتكبد خسائر منذ سنوات.. واذا كان الوضع كذلك فلماذا تستمر في السوق المصرية. أضاف: الحقيقة أن الشركات الاستثمارية تروج للدواء الأجنبي وتحارب الوطني بهدف تدمير الصناعة الوطنية. بينما تركز الشركات الوطنية علي إنتاج أدوية تراعي البعد الاجتماعي. ومعظم أصنافها تتراوح أسعارها بين 5. 10 جنيهات وذات درجة فعالية عالية مما أشعل غضب نظرتها الاستثمارية ومنها لتحريك الميديا الإعلامية للتشكيك في كفاءة أدوية الشركات الوطنية. يري د. عبدالوهاب أن الجمع بين الدواء والغذاء في هيئة واحدة حلم لكن الإصرار علي تحقيق في الفترة الحالية ستكون نتائجة سلبية. لأن النظام السابق ترك مجال الغذاء مثقلاً بميراث ضخم من الفساد المتغلغل في مفاصل الدولة. لكن مجال الدواء فيه أساس يمكن أن تقوم عليه الهيئة. ثلاثة عناصر يشير د. أحمد التلاوي "النائب الأول رئيس شعبة الصيدلة بالغرفة التجارية" إلي أن الدواء تحكمه ثلاثة عناصر: الفعالية والأمان والسعر. أما الفعالية فيحددها ويضع ضوابها العلميون المتخصصون. والأمان تحكمه الرقابة المحكمة من ذوي الاختصاص. والأسعار تحددها شركات الإنتاج والصيدليات ووزارة الصحة. لذلك يجب أن يكون تمثيل هذه الفئات متوازناً بالهيئة لتحقيقه الصالح العام. طالب د. التلاوي بوضع معايير لكل صنف من الأدوية فهناك أدوية خدمية تتبناها الدولة وأدوية استثمارية تنتجها شركات خاصة. ودواء تجريبي يعالج مرضا غير واضح ويحتاج لمعايير دقيقة لتجربته حتي لا يضر بالمريض. يؤكد أن الدواء هو القطاع الوحيد الذي يجمع بين الخدمي والإنتاجي يتطلب التعامل معه أبعاداً كثيرة ومعايير دقيقة.. فمثلا في مصر 170 ألف صيدلي موزعون بين الصيدليات والشركات والمعامل والجامعات ولابد من تبني الهيئة لمصالحهم.. اضافة لدورها في تمويل الأبحاث والدراسات الدوائية في حالة وجود ميزانية لذلك. يضيف الجمع بين الدواء والغذاء في هيئة واحدة هو الأساس لكن إذا كان ذلك صعبا فيمكن البدء بهيئة للأدوية يتم دمجها مستقبلا مع هيئة الأغذية. العبرة بالتجربة أما الدكتور أحمد الحكيم رئيس مجلس إدارة شركة فارما للأدوية فيقول: كنت عضوا في اللجان التي ناقشت إنشاء الهيئة منذ فترة طويلة.. والهيئة أهدافها سامية لكن التجربة العملية هي التي ستحكم علي مدي إمكانية التطبيق.. موضحا تخوفه من التشكيل المقترح والذي لا يضم المهتمين لصناعة الدواء مباشرة وتسيطر عليه النقابات والأكاديميون.. لذلك مطلوب تمثيل أوضح للشركات المنتجة.. كما أبدي تخوفة من عدم وجود هدف واضح تجاه تصنيع وتصدير الدواء المصري.. صحيح أن مصر تغطي بإنتاجها 93% من الاحتياجات لكن الإنتاج نفسه يتعمد علي خامات مستوردة.. كما أن التصدير يتطلب تقديم حوافز للمصنعين حتي يتجهوا للتصدير وهي قضية غائبة تماما ولم أر اهتماماً بها خلال المناقشات.. وهذا ينطبق أيضا علي قضية تمويل وتشجيع البحث العلمي.. طالب بعدم الاستعجال في إقرار قانون الهيئة حتي تنضج الفكرة.. فالسعودية التي قدمت نموذجا ناجحا استغرقت دراسة الفكرة 5 سنوات كاملة تم خلالها تعيين رئيس للهيئة ذي سلطات واسعة وإرسال بعثات تدريبية للولايات المتحدة.. ومن ثم فإن الأمر يستلزم مزيداً من الدراسة ولجان الاستماع خاصة للعاملين في الصناعة والرقابة والتسجيل حيث تملك مصر صناعة أدوية جيدة تتميز بالجودة والسعر المعقول يتفق معه. الدكتور أيمن الخطيب مساعد وزير الصحة لشئون الصيدلة "سابقا" والأستاذ بصيدلة القاهرة في ضرورة الدراسة المتأنية قبل إنشاء الهيئة.. فبدون كوادر علمية مؤهلة لن ييكون للهيئة أي دور أو معني.. والكوادر الموجودة لا تصلح للإعتماد عليها ولابد من إرسال بعثات للتدريب في الدول التي سبقنا من الشباب المؤهل.. فالدور المنتظر من الهيئة ليس سهلاً. يشير إلي أنه لم يشارك في المناقشات التي تمت أثناء وجوده في الوزارة.. فعندما تقدمت نقابة الصيادلة بالمشروع لاحظ حالة تسرع واضحة لتحريره.. الأمر الذي يتعارض تماما مع الدور الخطير للهيئة.. فلن يتم مثلا تسجيل أي دواء إلا من خلالها كذلك التداول في التسعير.. فكل ما يتعلق بصناعة الدواء سيكون مسئوليتها.. بما في ذلك مواجهة الاحتكار والحق في إغلاق المصانع المخالفة. والاستثمار في التنمية البشرية في مجال الدواء. طالب بتكليف رئيس للهيئة لا يكون من نقابة الصيادلة ويأخذ فرصته الكاملة لصياغة التوجهات وتحديد الاحتياجات ليتم بعدها إقامة الهيئة علي أسس سليمة. ثبت ان أهم التحديات التي تواجه صناعة الدواء هي تحقيق الصالح العام بالفعل أي مصلحة المريض.. ويري صعوبة تحقيق هذا الهدف لأن الأطراف العاملة في مجال الدواء كل منها في واد سواء النقابة أو الوزارة أو الشركات.. وهذا يعني أن المصلحة الشخصية هي المتحكمة في قواعد اللعبة وهذه كارثة.. فقد يحدث منع إنتاج دواء هام تحقيقا لمصلحة. تحذير يشير الدكتور أشرف بيومي رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة سابقا والاستاذ بصيدلة الأزهر إلي أن هذه الهيئة لو نشأت هذه الأيام ستنهار صناعة الدواء المصرية فكل الأمور تسير في اتجاه سيطرة فصيل سياسي واحد عليها.. وللأسف هم بدون خبرات كافية والتعجل في إقرار القانون وإنشاء الهيئة هو سيد الموقف.. وهذا الا يعني عدم أهمية الهيئة فهي حيوية جدا ومطلوبة وكل دول العالم أنشأتها بما فيها السودان. ولابد من تشكيل الهيئة من الخبراء في قطاع الدواء بشكل مباشر مع ملاحظة أن أهم عناصر نجاحها أو نشلها هو من سيكون المسئول الأول عنها الذي يجب أن يمتلك الرؤية الشاملة ولا ينظر لمصلحة فصائل معينة ولكن يبحث فقط عن مصلحة البلد. يضيف ان أمام الهيئة تحديات خطيرة أولها وجود مصانع كثيرة للأدوية دون المستوي وغير مطابقة للمواصفات وللأسف أغلبها من المصانع الاستثمارية.. وأثناء تحملي مسئوليتي في الوزارة أغلقت 15 مصنعا منها 14 من القطاع الاستثماري ومصنع واحد لقطاع الأعمال.. لأن المنتج في هذه الحالة يكون غير مضمون. كما أن مصر لا تقدم أدوية جديدة هي فقط تنتج ما يتم تسجيلة بالخارج من اكتشافات دول أخري.. لذلك لابد من الاهتمام بالأبحاث والدراسات حتي يمكن أكتشاف أدوية مصرية 100%.. وهذا يحتاج تمويلا مرتفعا لابد للهيئة أن تساعد في إيجاد مصادر له.. موضحا أنه اقترح ومعه غرفة صناعة الأدوية أن تساهم الشركات الأجنبية للأدوية العاملة في مصر بنسبة 1.0% من مبيعاتها لخدمة الأبحاث العلمية الدوائية فإذا علمنا ان مبيعات هذه الشركات تصل إلي 25 مليار جنيه فمعني ذلك إمكانية توفير مبلغ معتبر يكون نواة لدعم الأبحاث. طالب بأن تتبني الهيئة الخروج بالدواء المصري للسوق العالمي من خلال التصدير.. وهذا يتطلب خطة لإنتاج دواء مصري 100% خاصة أن دولاً مثل الهند والصين وماليزيا سبقت مصر في هذا المجال. أما الدكتور محمود عبدالمقصود الأمين العام السابق لنقابة الصيادلة فيعتبر من بشدة علي الإتجاه لإنشاء هيئة للأدوية بعيدا عن هيئة للأغذية.. مؤكداً ضرورة الدمج بينهما علي غرار هيئة fda الأمريكية وما هو موجود في كل العالم المتقدم.. وعربيا أيضا لدينا تجربة السعودية والأردن. يوضح أن الفصل بين الهيئتين كان هناك إصرار عليه أيام النظام السابق حيث قدم المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة وقتها مشروع هيئة الأغذية وقدم د. حاتم الجبلي وزير الصحة أنذاك مشروع هيئة الأدوية.. وكان الفصل بضغوط من رجال الأعمال وأصحاب مصانع الأدوية.. وبالتالي في العهد الجديد بعد الثورة لا يجب الإستمرار في هذا النهج لأن الفصل بين الأدوية والأغذية يجعل قانون كل منهما.. أعرج ويلوح من جديد بتداخل المصالح خاصة أن لتشكيل هيئة الأدوية يركز علي النقابات فقط في حين أن الدول المتقدمة تعتمد في التشكيل علي الكفاءات وأصحاب الخبرة.. يؤكد أن الجمع بين الدواء والغذاء يرجع للارتباط الوثيق بينهما لضمان صحة المواطنين.. ويري أن موافقة مجلس الشوري علي إنشاء هيئة للأدوية منفصلة عن الأغذية سوف تكون نقطة سوداء علي حد قوله في تاريخ مجلس الشوري لأن رئيس المجلس الدكتور أحمد فهمي صيدلي ويعلم جيدا مدي الارتباط بين المجالين.