ما قالته لي كان صرخة إنذار شديدة, قالت: الدواء الذي وصفه لي الدكتور عندما قرأت النشرة المصاحبة له بالعلبة قد تضمنت أنه يسبب الجلطات والوفاة, ولو لم تكن سيدة فاضلة مثقفة ومتعلمة زارت دول العالم لكنت تشككت في هذا الكلام وكان رأيي هو الا تستخدم هذا الدواء, وذلك ان صوتنا أضعف من أن يمنع استيراده أمام مافيا استيراد الدواء التي تستورد أي حاجة والمهم أن تحقق أرباحا خيالية.. لقد أصبح استيراد الدواء مثل السلع الصينية وسمعتها الرديئة. أيقظت هذه الصيحة حاسة المتابعة لما يجري في سوق الدواء في مصر والذي انقسم الي قسمين, أولهما التجارة في الدواء المصري محدود الربح, ثانيهما الدواء الأجنبي المستورد عظيم الربح والذي تفضل بيعه الصيدليات والتي اتسع نشاطها وانشاؤها لدرجة أن أحد أصحاب الصيدليات أعلن أنه يعرضها للبيع(60 مترا) بمبلغ مليون ونصف المليون جنيه, والخطير أن بعضا من الدواء المستورد أصبح مستوردوه يستخدمون ممرا جديدا لتسريبه الي البلاد دون ضوابط رقابية أو سعرية تحت مسمي مكملات غذائية, وأصبح الأطباء الآن يضعون هذه المكملات في روشتاتهم كأدوية, ومن أغرب الإعلانات في سوق صناعة الدواء ما نشرته إعلانات إحدي الصحف حيث يطلب المعلن دواء مسجلا لم يبدأ انتاجه بعد, وقد اكتشفت ان في سوق الدواء يقوم البعض بالإسراع في تسجيل دواء وعدم القيام بإنتاجه ثم بيع هذا الترخيص, وقد وصل الأمر ببعضهم الي كشط اسم الشركة أو العلامة أو اسم الدواء من علي أقراص معينة والتقدم بها الي اللجنة المختصة لتسجيلها ثم يأتي الفرج بعد ذلك ببيع التركيبة علي أنها من بنات أفكارهم وأبحاثهم. والأخطر من هذا ماذا تفعل شركات الدواء الأجنبية في مصر؟ ما هو حجمها بالنسبة لسوق ا لدواء؟ ماذا تنتج؟ وبأي سعر تبيع؟ والي أي مؤسسة وبلد ومجتمع تتبع؟ انها أسئلة في غاية الحساسية والخطورة ولكنها مشروعة وضرورية. والسؤال الذي نطرحه: هل عجزت صناعة الدواء المحلية عن حماية نفسها وتطوير إنتاجها ومواجهة الدواء المستورد والحفاظ علي كيانها وهي صناعة استراتيجية؟ إن سوق الدواء في مصر( صناعة وتجارة) تعيش أزهي عصور الفوضي الدوائية واليكم مظاهرها.. - يغطي القطاع الوطني نحو95% من احتياجات السوق للدواء, وهذا يشمل الصناعة الوطنية والاستيراد ومن الصعب التمييز بينهما فلا نعرف علي وجه التحديد نسبة المستورد الي السوق كلية, وجزء من هذا الاستيراد يخضع للأهواء, سواء في اختيار الدواء أو سعره, فالهدف هو ترويج وتسويق دواء وبيعه محليا وتحقيق مكاسب دون النظر الي فاعلية الدواء أو آثاره الجانبية, يحدث هذا بالطبع لجمود الصناعة الوطنية عن ملاحقة التطورات العالمية في صناعة الدواء وعجزها عن البحث والابتكار وغياب الرقابة التي تنظم هذا العمل الحيوي, وهو ما دفع الكثير الي اختراق هذه الوليمة العظيمة, وينتظر أن يبدأ76 مصنعا جديدا الانتاج وبذلك يبلغ عدد المصانع العاملة في مصر176 مصنعا, ومؤخرا أعطت وزارة الصحة مهلة10 سنوات( نعم عشرة أعوام) لشركات الدواء المحلية لتطبيق المعايير العالمية في انتاج الدواء, كما أغلقت مصنعين قائمين لعدم قدرتهما علي تطبيق المعايير الدولية. - ان7% من الدواء المغشوش عالميا تصنع في مصر, وبالمناسبة العقوبة هي ذات عقوبة الغش التجاري برغم خطورة الجريمة, وأخيرا ضمن سلسلة مستمرة تم ضبط مليون ونصف المليون عبوة وقرص أدوية مغشوشة ومجهولة وخلال السنوات الثلاثة الماضية تم سحب445 دواء غير مطابق و215 مغشوشا. - فوضي المكملات الغذائية التي تنتجها بعض الشركات الخاصة ويستوردها بعض الهواة والتي يصفها بعض الأطباء علي أنها دواء, كما أشرنا, وقد حذرت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية من الآثار الجانبية الخطيرة لبعضها. - إن بعض المواطنين المصريين قد أصبحوا حقلا لتجارب شركات الدواء بعيدا عن القواعد القانونية والعلمية حيث تجري عليهم تجارب الدواء التي تمولها الشركات ولابد من إلزام الشركات بالتأكد من ترخيص الدواء ووثائق إقرار المتطوعين بقبول التطوع وتحمل آثاره. - تكشف فوضي السوق عن أهمية إصلاح التعليم الطبي وان يكون هناك تعليم طبي مستمر, وأن يعي بعض الأطباء أن العلاج يختلف من حالة لأخري, من الضروري أن يستمع الطبيب جيدا للمريض وأن يتابع الأطباء التحذيرات التي تصدر عن الهيئات الدولية. - إن بعض النشرات الداخلية لأدوية تباع في مصر تأتي مخالفة للنشرات لذات الدواء في بعض الدول ولم تقرها دولة المنشأ, كما أن الدواء في مصر يصرف بلا روشتة والكثير من المرضي يشترون الدواء بنصائح الأهل والأصدقاء والجيران والصيدليات دون وعي بالآثار الجانبية لهذه الأدوية, وما اذا كانت تتفق وحالتهم الصحية أم لها آثار مدمرة عليهم. - عدم تعديل قانون الصيدلة الصادر عام1955 ليتماشي مع التطورات الجديدة في المجتمع وأن تعود الصيدليات الي دورها الطبي وليس التجاري. -بعض المكاتب العلمية والتي لا توجد لها ضوابط في ترخيصها حيث لا يشترط أن يكون مؤسسها صيدليا أو طبيبا, بعض هذه المكاتب تقوم بتسريح بعض المندوبين من صغار الصيادلة وحديثي التخرج في تسويق الأدوية والمكملات الغذائية التي تستوردها لحساب كبري الشركات العالمية, ومرة أخري يجب أن تواجه وزارة الصحة وبحسم هذه المكملات التي كان يتم تسجيلها في الماضي بمعهد التغذية, والآن تسجيلها أسرع من الدواء وهذا سبب أن الدواء يرتدي جلباب المكملات. - برغم أن الإعلان عن الدواء ممنوع, لكن الآن انتشرت الاعلانات عن بعض الأدوية ومنها ما أفرج عن انتاجه أخيرا, وكذلك الفياجرا وأخواتها والاعلانات الفاضحة في الشوارع والفضائيات. تلك بعض ملامح الفوضي في سوق الدواء ويقينا فإن الاصلاح ممكن طالما أن وزير الصحة د. حاتم الجبلي قاد التغيير والاصلاح في الصحة فإن قطاع الدواء وتياره القوي بالمال يجب أن يخضع للاصلاح أيضا.. ونحن في حاجة الي هيئة جديدة مستقلة ومحايدة اسمها هيئة سلامة الدواء وقبلها تفعيل الدور الرقابي بالوزارة اذا كان له وجود ولايزال حيا. * نقلاً عن جريدة "الأهرام" المصرية