تؤكد مؤشرات عام 2008 أن قطاع صناعة الدواء عالميا ومحليا قد مر بسلام خلال العام الماضي إلا أن استمرار تداعيات الازمة يمكن ان يشكل فرصا وتحديات بنفس القدر امام تلك الصناعة، واهم هذه التحديات التخوف من ان يشهد العام الحالي 2009 تراجعا لمعدلات الاستقرار التي تحققت وما يمكن ان يسببه استمرار الازمة من ضعف القدرات الشرائية لدي شرائح كبيرة من مستهلكي الدواء اذا ما ووجهت بأي رفع للأسعار من قبل المنتج المحلي أو العالمي. الذي قد يري ان عدم مرونة الطلب حافز وفرصة للحفاظ علي مستويات الربح تحت ظروف ضبط أي خلل في الانتاج والتكلفة وعلي الرغم من ان الدواء سلعة مسعرة في مصر، فإنه قد أصبح من المحتم ان تراجع الدولة منظومة الدواء ككل من حيث الانتاج والتسعير للحفاظ علي استقرار الاوضاع في ظل الازمة وتداعياتها. أولا: الدواء والأزمة المالية الاقتصادية أ - يري خبراء صناعة الدواء عالميا ومحليا ان شركات الادوية في شتي ارجاء العالم، وسواء كانت في دولة متقدمة أو دولة نامية، يمكنها تحقيق أرباح حتي في ظل الازمات الاقتصادية الشديدة، والسبب هو حفاظ هذه الشركات سواء كانت قطاعا عاما او خاصا علي مستوي اسعارها التنافسية، والسوق المحلي المصري دليل قاطع علي هذا الرأي، فمعظم الشركات استمرت في تنفيذ خططها الانتاجية عند نفس مستويات الانتاج وبنفس الاسعار ذلك بخلاف الزيادة التي تقررت وهو ما يعني ان عام 2008 بالنسبة لشركات الدواء كان عاما عاديا استطاعت من خلاله جميع الشركات تحقيق الارباح المعتادة والمدروسة مسبقا، والملاحظ خلال العام الماضي هو زيادة عدد شركات الدواء حيث ارتفع عددها ليصل إي 384 شركة بعد ان كان هذا العدد لا يتجاوز ال 10 شركات خلال فترة السبعينيات ولكن المشكلة ان الزيادة في العدد هذه لم تفد قطاع الدواء لأن التطور اقتصر علي الناحية الافقية فقط. ب - لقد ظل السوق المحلي في عام 2008 يعمل بمعدلاته الطبيعية حتي انتهاء العام، ومعظم الانتاج يتم توجيهه للسوق المحلي الذي يمكنه استيعاب كل الانتاج، إلا أن ارقام التصدير بلغت مليار جنيه في حين ان استهلاكنا تجاوزال 4.12 مليار جنيه. ج - نظرا لان الازمة العالمية الحالية سوف تؤثر سلبا علي جميع القطاعات الاقتصادية إلا أنه يجب التنويه الي ان قطاع الدواء هو آخر القطاعات التي قد تتأثر بالازمة، والسبب ان الدواء سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها. د - ولما كانت الأزمات الاقتصادية تؤدي إلي عدم استقرار أسواق بعينها نظرا للاضطراب الذي تحدثه بها، ولما كانت السوق المصرية من الأسواق التي تقل بها تداعيات الازمة إلي حد كبير وتعتبر سوقا مستقرة، لذلك فمن المحتمل ان تشهد الفترة القادمة قدوم بعض من الشركات العالمية إلي مصر للاستفادة من الاوضاع المحلية كسبيل للخروج من الازمة في بلادها. ه - ولما كان أحد التداعيات الاولية للازمة العالمية الحالية هو الاتجاه الحالي نحو انخفاض اسعار كل السلع فمن ثم يري الخبراء ضرورة مراجعة عمليات استيراد الادوية ذات الأسعار المرتفعة وهذه مهمة لجنة التسعير التابعة لوزارة الصحة وفي حالة رفضها يجب الضغط علي شركات الدواء الاجنبية لتخفيض الاسعار والتوقف عن استيراد الادوية المرتفعة التكلفة وخاصة ان البدائل كثيرة ومتوافرة ويمكن الاعتماد عليها دون الإضرار بصحة المواطن، وكذا سرعة وضع آليات لاجبار المستورد علي اختيار البدائل التي تعطي نفس قيمة الدواء ولكن بأسعار مخفضة. ثانيا: الدواء بعد تطبيق اتفاقية التريبس أ - يلاحظ ان المقولة الرسمية التي كثيرا ما تطلق في مصر بأن الصناعة تنتج غالبية احتياجاتنا من الدواء وهذا صحيح - تواجهها حقيقة اخري تناقضها وهي: ان الصناعات الدوائية تستورد اكثر من 63% من مستلزمات انتاج تلك المستحضرات من صنوف الكيماويات الدوائية الفعالة.. ومن المعروف ان ا تفاقية اوجه التجارة المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية والمعروفة باسم التريبس قد دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من يناير 2005 ومن هذا المنطلق ايقنت الدول النامية ضرورة اجرائها مزيدا من البحث والدراسة لتحديد مطالبها بشكل اكثر وضوحا وتحديدا لاسيما علي ضوء ما دفعت به الدول المتقدمة من ان الاتفاقية لا تمنح براءات الاختراع لاشخاص مجهولين أي أن تحديد من هو المبتكر يكون عنصرا مهما لمنح براءة الاختراع، ومنح الحق لصاحبه ومن ثم فإن الحاجة تحتم علي الدول النامية ايجاد سبل تطوير بدائل اخري لمنح الحماية لمجالات المعرفية التقليدية "المتداولة العادية" لاسيما في المجالات الطبية، التي تتزايد قيمتها التجارية وتستغل يوميا اسوأ استغلال من قبل مؤسسات الدول المتقدمة ذات الخبرة والمقدرة والموارد.