إذا كانت الإدارة المصرية، تعتقد بأن سوريا ستعود كما كانت، فهي ليست واهمة وحسب وإنما تقامر بمستقبل وجودها في السلطة أيضًا. فإذا كنا نتحدث عن "سوريا" الآن، فإننا نطلق عليها هذا الاسم حاليًا مجازًا.. أو سوريا "التي كانت". لا توجد واقعيًا الآن دولة اسمها سوريا، بل دويلات موزعة بين خمس قوى: منطقة تحكمها "داعش" وثانية تحت سيطرة الجيش الحر، وثالثة يحكمها المقاتلون الإسلاميون، ورابعة للأكراد، والخامسة تحت سيطرة بشار، وتتآكل يوميًا، وربما تنحصر في شريط ساحلي لدولة طائفية علوية. وبشار يكابد مشقة كبيرة في الحفاظ على دمشق واللاذقية، ويرتكب يوميًا مجازر مروعة في حق شعبه للحيلولة دون سقوط دمشق تحديدًا. فضلاً عن أنه لم يعد هناك ما يسمى بالجيش السوري، وما تبقى منه الربع تقريبًا مرهق ومنهك ومن صغار المقاتلين المحبطين وقليلي الخبرة القتالية، ومعنوياته تحت الصفر.. أي أن الرهان على بشار في أي مواجهة داخلية هو رهان خاسر. حتى في المفاوضات الأخيرة التي جرت في ريف إدلب والزبداني، تمت بين المقاتلين "الثوار" وبين إيران وحزب الله.. وتبقى لبشار دور المشاهد وتشجيع اللعبة "الحلوة".. وتتصرف كل الأطراف باعتباره غير موجود.. ولم يعد له كلمة حتى في المنطقة التي يسيطر عليها، وأن طهران، وحسن نصر الله في لبنان هما الحاكمان الفعليان لمنطقتي دمشق واللاذقية. المدهش أن الإدارة المصرية، تراهن على بشار في مواجهة "الإخوان الجيش السوري الحر" وعلى تمدد النفوذ التركي المعادي لنظام 3 يوليو، ويشكل الحاضنة الإقليمية الأبرز والأقوى لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والمساند لها في صراعها على السلطة، بينها وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي. الغريب أن القاهرة تندفع بلا تردد أو مراجعة في هذا الاتجاه، لتصطدم بقوى مالية إقليمية كبيرة ومؤثرة وصديقة وداعمة للسيسي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والتي تعتبر إزاحة بشار من السلطة، مسألة حياة أو موت بالنسبة لها.. هذا من جهة.. ومن جهة أخرى، تجد نفسها أي القاهرة بوعي أو بتلقائية، مصطفة في خندق واحد، مع طهران.. العدو الطائفي الأول للعروبة ولمنطقة الخليج، التي تعتبر حافظة النقود، التي أنقذت ولا زالت سلطة ما بعد يوليو، من السقوط. بالحسابات "الأمبيريقية" على الأرض في سوريا، فإنه لا مستقبل لبشار، نهايته مسألة وقت، تقررها الترتيبات الدولية والإقليمية لسوريا، ما بعد خروجه، وعلى رأسها ضمانات حماية إسرائيل في المستقبل. وبالحسابات الإستراتيجية، فإن القاهرة تخسر حلفاءها الخليجيين، الذين جعلوها أكثر جرأة في تحدي الإدارة الأمريكية.. فمن المعروف أن المساعدات الخليجية ساعدت السيسي على انتزاع الاعتراف بشرعيته من واشنطن، بعد أن قللت من تأثير المعونة الأمريكية كأداة ضغط على صناع القرار في مصر. فماذا ستكسب الإدارة المصرية، من دعمها لبشار الأسد؟!.. فالأخير لن يستطيع القضاء على الإخوان.. ولن يقدر على وقف النفوذ التركي وتمدده.. ولن تحصد مصر إلا إضافة أربعة كيانات جديدة بعد تقسيم سوريا الذي بات حتميًا إلى رصيد أعدائها الإقليميين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.