في حديث لرئيس الوزراء د. أحمد نظيف لمجلة النيوزويك أشارت إليه الأهرام 30/1 /2006 قال: إن أهم درس مستفاد من الانتخابات البرلمانية الأخيرة هو أنه لا توجد لدينا معارضة علمانية قوية في مصر, وليس لدينا سوي الحكومة, ودوائر أخري خارج الحكومة" طبعا ما فهمته ولعلي لا أكون مخطئا أن نظيف شاء أن يبرق رسالة للأمريكيين بأن حكومته هي الوحيدة الأمينة على "علمانية الدولة" التي ترضي وتطمئن الغرب عموما وواشنطن خصوصا ! وأنه ليس ثمة من يستطيع أن ينهض بهذه الأمانة غيره .. بدليل أن التيار العلماني بكافة فصائله و طيفه من ليبرالي إلى يساري قد نال هزيمة مهينة في الانتخابات البرلمانية .. إذن لا يوجد تيار علماني قوي .. يحمى علمانية الدولة كما يريدها الغربيون من الصعود السياسي للإسلاميين إلا حكومته التي انتزعت الأغلبية البرلمانية ب"قوة الدولة" و ليس ب"قوة الجماهير" المتعاطفة مع الإسلاميين .. يعني على واشنطن أن تنتبه أنه ليس أمامها بديل آخر إلا "سي نظيف" و إخوانه و النظام الذي جدد له رئاسة الوزراء .. لنجاحه في مهمات سابقة اقنعت القوى الغربية بخطورة الاصلاح السريع في مصر و جدوى الاصلاح خطوة خطوة .. خشية وصول الإسلاميين إلى الحكم ! و لنتأمل الجزء الثاني من كلام نظيف إذ يقول " وليس لدينا سوي الحكومة, ودوائر أخري خارج الحكومة"! و الحال أن هذا الكلام يعكس بجانب ما أشرت إليه فيما تقدم نظرة استعلائية تحتقر ما دون الحكومة من أحزاب و جماعات سياسية ، فليس خارج الحكومة إلا "دوائر" بحسب تعبير رئيس الوزراء !. و الحقيقة أن الأحزاب التي سقطت في الانتخابات ، ليست "دوائر" بل إنها كما يعلم السيد نظيف أقل من ذلك بكثير فهي محض "شقق" و "صحف" لا يقرئها أحد ، أسسها النظام من قبيل استكمال الديكور الديمقراطي وللمزايدة ، و للادعاء بأن في مصر "تعددية حزبية" .. و البعض يعتبرها "دكاكين" للسبوبة و للارتزاق .. وهي حالة ترضي النظام وتعجبه و تجعله ينام قرير العين حتى تحققت مقولة نظيف الأخيرة للأمريكيين في النيوزويك بأنه " وليس لدينا سوي الحكومة, ودوائر أخري خارج الحكومة" ! هذه هي ديمقراطية مصر الآن : حزب وطني و "دوائر" أخرى ! الطريف أن نظيف تجنب الاشارة إلى التيار الاسلامي .. و لا ندري ما إذا كان أدرجه في زمرة "دوائر" أخرى أم لا ؟! .. وفي تقديري أنه لا يجرؤ على فعل ذلك .. خاصة و أن حواره كان يريد لفت الانتباه إلى انه ليس ثمة قوى علمانية أخرى غير حكومته قادرة على التصدي للتيار الإسلامي .. و إذا كان من الثابت أن الوطني لايمثل تيارا سياسيا ولا قوى سياسية حقيقية في الشارع ، و انما يمثل "قوة الدولة" و عنفها غير المشروع .. فإنه ينبغي أن نفهم مغزى رسالة نظيف التي تعني أن "المواجهة" و ليس "الاصلاح" هو ما سيكون على رأس أولويات النظام في الفترة القادمة ، مستندا على ذلك إلى "نتائج الانتخابات البرلمانية" التي أفرزت طرفين فقط : طرفا صديقا لواشنطن و آخر لا زالت مواقفه ملتبسة على كثير من القوى الدولية الفاعلة ، وهي الحالة التي يستغلها النظام لاستضعاف شعبه و القوى السياسية الأخرى التي تمثل تهديدا حقيقيا لشرعيته . و لذا فإن الأمر خاصة بعد فوز حماس و توليها إدارة شئون الشعب الفلسطيني بنفسها يستدعي و على وجه السرعة أن يعلن الاسلاميون عموما عن مشاريعهم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بشكل يعكس وعيا حقيقيا بالمتغيرات الدولية و يتفهمها و ليقطع الطرق على الانظمة المستبدة التي تتعمد تدويل "فكرة الارهاب الاسلامي" لتظل على عروشها إلى أن تقوم الساعة . [email protected]