فريد زكريا.. واحد من أكثر الشخصيات تأثيرا في الإعلام الأمريكي ويحظي بجماهيرية واسعة في الولاياتالمتحدة وخارجها من موقعه كرئيس تحرير الطبعات الدولية لمجلة نيوزويك. التي تصل إلي24 مليون قارئ حول العالم تقريبا ومقدم لبرنامج جي بي إس علي شبكة سي إن إن الإخبارية والذي يستضيف صفوة السياسيين والاقتصاديين في العالم.. وفريد زكريا(46 عاما) مفكر معروف ومؤلف لكتب مهمة حول الديمقراطية ومكانة الولاياتالمتحدة في العالم, ويحظي بدرجة قرب ملموسة من دوائر صنع القرار في واشنطن لأكثر من عقدين منذ حصوله علي الدكتوراه من جامعة هارفارد, ثم توليه رئاسة تحرير فورين أفيرز الدورية الأولي في السياسة الخارجية عالميا والتي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي وهو في سن ال28. وفي حوار مع الأهرام بمكتبه الأنيق بمجلة' نيوزويك' يتحدث دكتور زكريا كما يلقبه المحيطون به بوضوح عن نشأته في الهند وهويته كهندي مسلم هاجر إلي أمريكا قبل أقل من ثلاثين عاما لتفتح الهجرة أمامه افاقا واسعة من العلم والشهرة قبل أن يخوض في مشكلات التعامل مع قضايا الشرق الأوسط من جانب إدارة الرئيس باراك أوباما, من إيران والصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلي قضايا الديمقراطية والحكم الرشيد والتحول الإقتصادي ثم يتناول القضايا الداخلية الأمريكية ليرسم بانوراما واسعة تعكس دراية غير عادية وقربا واضحا من صناع القرار السياسي في واشنطن. * فريد زكريا.. اسم يثير علامات استفهام لدي القراء فهم لا يعرفون ما إذا كنت عربي أم مصريا أم غير ذلك خاصة وأن مقالاتك تظهر في مطبوعات عربية عديدة بخلاف مجلة نيوزويك. حدثنا عن طفولتك وانتقالك للدراسة في الولاياتالمتحدة في سن مبكرة؟ { أنا نشأت في أسرة هندية مسلمة في بومباي ولم تكن مجرد أسرة مسلمة عادية.. فقد كان والدي واحدا من السياسيين شغله الشاغل دعم مشاركة وإيجاد مكان للمسلمين الهنود في الحياة العامة مع احتفاظهم بهويتهم الدينية. والدي كان يعمل من أجل مجتمع تعددي ومدني حقيقي وساهم في تدعيم النظام السياسي الديمقراطي العلماني في الهند. فقد تشربت تفاصيل الصراع من أجل الهند العلمانية التي تتيح مكانا للمسلمين الهنود. وقضية مشاركة المسلمين في الحياة العامة مشكلة فريدة في الهند حيث الحديث في دول أخري عن طريقة إشراك الأقليات في مجتمعات ذات أغلبية مسلمة ولكن في حالة الهند العكس هو الصحيح. وفي ظل الطريقة الرائعة للتعامل بين الأغلبية والاقلية تربيت علي أني' هندي' أكثر من اللجوء إلي هويتي الدينية, لكنني كنت منخرطا في التقاليد والطقوس الدينية برغم أنني لم أكن متدينا وأسرتي أيضا لم تكن متدينة التدين التقليدي. فقد كان منزلنا ليبراليا أكثر يحتضن الثقافة الغربية في الوقت الذي يمارس أبي السياسة من أجل حقوق المسلمين الهنود. * صعود فريد زكريا في المجتمع الأمريكي وهو المهاجر الهندي المسلم في أقل من20 عاما من طالب في جامعة' ييل' إلي كاتب وصحفي وواحد من أكثر الشخصيات الإعلامية تأثيرا في أمريكا والعالم يدفعني إلي سؤالك عن تلك النظرة في المجتمعات العربية والإسلامية التي تعتبر' الميديا الأمريكية' صعبة الاختراق من جانب العرب والمسلمين.. ماذا عن تجربتك؟ { لقد كنت أتطلع إلي استكمال دراستي في مؤسسة تعليمية كبري في الغرب أفضل مما هو عليه الحال في ذلك الوقت في الهند.. وأنا أتحدث عن أواخر السبعينيات. كما كنت أبحث عن تمويل للدراسة حيث كان الاقتصاد والحياة السياسية الهندية في حالة سيئة. ومررنا بتجربة تعليق الديمقراطية وفرض حالة الطوارئ لمدة عامين تحت حكم أنديرا غاندي. وفي هذه الأجواء كانت الولاياتالمتحدة هي المكان الجاذب لشخص مثلي حيث الفرص ممكنة. والتحقت بالجامعة ولم أكن أفكر في البقاء في أمريكا.. فقط كنت أفكر في تحصيل تعليم جيد. وتفتحت عيني علي مجتمع شديد الانفتاح والحيوية والقوة وهو ما أغراني بأنني يمكن أن أستمر بل وأحدث تأثيرا في هذا المكان وإرضي طموحاتي إلي أقصي حد ممكن. في هذه الأيام قبل حوادث سبتمبر عام2001 حقيقة أنني مسلم وافد من الهند لم تكن واردة في تفكير أي أحد من الذين تعاملت معهم علي الإطلاق, وأتذكر عبارة وردت علي لسان الرئيس الأسبق رونالد ريجان في أحدي خطبه بعد وصولي أمريكا أن قال' أمريكا غير مهتمة بأصولك ولكنها مهتمة بالوجهة والمقصد الذي أنت ذاهب إليه.' وهو تلخيص عبقري لأمريكا التي عاينتها عندما وصلت إليها. كما أتذكر أنني قمت بتأجير سيارات دون أن يسألني أحد عن أوراق أورخصة قيادة أمريكية فقط أظهرت لهم رخصة القيادة المحلية من بومباي ولم أكن أعلم إذا كان ذلك قانونيا أم لا.. وعملت في عدد من الأماكن دون أن تطلب مني اوراق رسمية..ومازلت أعتقد ان هناك بعض الأمور الأساسية للمجتمع المفتوح قائمة في أمريكا, وهي ما زالت مهتمة بالغاية التي تسعي إليها وليس أصلك أو من أين أنت قادم. * بعد عام تقريبا من خطاب الرئيس باراك أوباما في القاهرة هناك حالة إحباط جديدة من السياسة الأمريكية في المجتمعات العربية, أوباما نفسه أعرب عن خيبة أمله من عدم تطور الأمور إلي الأفضل وتشخيصه المتسرع والتفاؤل الزائد.. في رأيك كيف يمكن الخروج من الوضع الراهن وكيف تشخص الوضع من خلال قربك من دوائر صناعة القرار؟ { أعتقد أن هناك شيئا في قلب المجتمع العربي يجب ان أكون صريحا بشأنه وهو لو أن هناك إحباطا بعد عام من خطاب أوباما فهو نتيجة عدم قيام الحكومات العربية بما يجب ان تقوم به من حيث التحرك السريع لتوفير فرص أكبر للرفاهية والتقدم في مجتمعاتها.. العالم العربي يجب أن يركز طاقاته علي كيفية تعظيم قدرات ورفاهية الشعوب وليس سؤال الولاياتالمتحدة التدخل طوال الوقت..أوباما لا يملك عصا سحرية لتغيير العالم العربي وأقصي ما يستطيع عمله هوإرسال إشارات إيجابية عن العلاقات الودية والدعم وان يتعهد ببذل أقصي ما لديه للمساهمة في بداية جديدة للعمليات السياسية المطلوب تدخل بلاده فيها..وأن يفتح طرقا معينة بنفوذ أمريكا..وأكرر المشكلة العربية تحتاج إلي حل عربي.. اما ما يخص القضية الفلسطينية فهناك مشكلتان كبيرتان تعترضان طريق الحل الأولي هي الانقسام الفلسطيني الذي طالما بقي علي حاله فلن يتمكن الفلسطينيون من الوصول إلي موقف موحد يواجهون به الطرف الأخر والثاني أن الداخل الإسرائيلي يبدو اليوم مقتنعا انه لا ضرورة حتمية للحل لأن الجدار العازل قد أنهي مشكلة العمليات الإرهابية, وبالتالي فهم يرون إمكانية البقاء علي هذا الحال لأطول مدة ممكنة.. وهو في رأيي تصور خاطئ وغير موفق ولا يمكنه الصمود علي المدي الطويل.. فالحديث عن عصا سحرية للرئيس أوباما في غير موضعه وكل ما يمكنه إنجازه' ضئيل جدا' طالما بقيت الأمور في الجانبين علي هذا الحال.. لقد قام أوباما بتعيين مبعوث علي أعلي مستوي من الكفاءة( جورج ميتشل) وهوأول رئيس أمريكي منذ عشرين عاما يبذل جهدا حقيقيا في محاولة إقناع حكومة إسرائيل بوقف بناء المستوطنات.. لكن الوقائع علي الأرض ضد كل الجهود! * ولكن.. أين الكلام الكبير عن استراتيجية كبري للحل في الشرق الأوسط منذ وصول أوباما للسلطة؟ { العقبات الكبري التي أشرت إليها لا اعتقد أن الرئيس الأمريكي يمكنه التدخل لإقناع الطرفين المتنازعين علي الساحة الفلسطينية( حماس وفتح) بالقبول بتسوية داخلية ولا يمكنه كذلك إقناع الجانب الإسرائيلي بوجود مشكلات امنية عميقة تهددهم في المدي الطوي طالما انهم ينكرون ذلك.. الجانبان علي الأرض هما اللذان يشكلان الأحداث بطريقة تجعل الأمر بالغ الصعوبة لتدخل الإدارة الأمريكية ولوأن هناك قادة في الجانبين يمتلكون المصداقية والرغبة في الوصول إلي مواقف تفاوضية مشتركة فإن الدور الأمريكي يمكنه أن يلعب دور الجسر بين تلك المواقف التفاوضية وأن يدفع الطرفين إلي الجلوس معا بالطريقة التي حاول بها الرئيس بيل كلينتون التدخل في الصراع. وأنا أشارككم بعض هذه الإحباطات ولكنني لا أعرف ما هي طبيعة الإستراتيجية الأمريكية التي يمكنها أن تدفع الأمور أفضل من ذلك بالنظر للتعقيدات الراهنة في الجانبين. * في مقال أخير بمجلة نيوزويك قدمت صورة قاتمة للغاية عن سيناريو توجيه ضربة عسكرية ضد إيران سواء من جانب إسرائيل اوالولاياتالمتحدة وتدعو إلي تبني' إستراتيجية احتواء نشيطة' ضد طهران. ما هي فرص ذلك في ضوء التصعيد الحالي. في الأسبوع الماضي كنت أتحدث إلي إليوت أبرامز القطب الشهير في المحافظين الجدد وقال لي ان ضربة خاطفة لن تكلف شيئا وسوف يصحو الإيرانيون علي صدمة ستزول سريعا؟ { المحافظون الجدد يقولون هذا الكلام دائما بشأن التدخل العسكري الذي من وجهة نظرهم مطهر وسريع المفعول ونظيف. من السهل أن تأخذ هذا الموقف عندما تتحدث من واشنطن ومن مسافة تبعد6 أو7 الأف كيلو متر من قلب المشكلة. ومن وجهة نظري أن أي عمل عسكري سيصب في مصلحة أحمدي نجاد بشكل أساسي وهو يجهز للضربة العسكرية سواء من ناحية إسرائيل أوالولاياتالمتحدة والتي سوف تنتهي بإشعال الغضب في الشارع العربي وستوفر لإيران المبرر الكافي لتوسيع التعاون سواء مع حزب الله في لبنان اوالجماعات المسلحة في العراق أو في أفغانستان. كما ستؤدي بالقطع إلي رفع أسعار البترول حيث إيران واحدة من الثلاثة الكبار في سوق صادرات النفط. وأعتقد أن هذا هوسبب احتضان أحمدي نجاد للقضية الفلسطينية. والناس في امريكا يعتقدون ان الرجل مجنون أو ما إلي ذلك نجاد ليس مجنونا بل هو يتبع إستراتيجية متقنة للتغطية من خلال تبني القضية العربية الكبري وجعل الأمور صعبة علي الحكومات في مصر والسعودية والخليج بجرهم لمعارضة إيران حتي تلتفت الشعوب للحكومات وتقول' لماذا تجعلون الرجل عدوا لنا إنه مساند كبير لقضيتنا'. النظام الإيراني يمارس إستراتيجية ماهرة للغاية وإستراتيجية الاحتواء مهمة خاصة في أوقات الانفعال والخوف والذعر. وهذا ما حدث مع الاتحاد السوفيتي في أواخر الأربعينيات فقد طالب اليمين المحافظ بضرب روسيا بالقنابل النووية والتخلي عن سياسة الإحتواء وتحرير شرق أوروبا لكن الأصوات المتعقلة رجحت وضع الروس في الصندوق وتقليص قوتهم. وما يثير انتباهي اليوم أن هناك تحالفا واسعا من المصلحة المشتركة بين الحكومات العربية وأمريكا وغرب أوروبا وإلي حد ما روسيا وهوما يعني أن إيران في حالة عزلة فعلية وسوف يؤدي ذلك إلي إدراك الإيرانيين أن هناك ثمنا حقيقيا يدفعونه نتيجة سياسات حكومتهم. علي سبيل المثال يمكن إستخدام التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل مزيد من العزلة حول إيران. وأعتقد بشدة في وجود إيران أخري غير النظام الحالي تريد ان تحيا في سلام ولا تريد تمويل جماعات مسلحة في سائر المنطقة والذين يسعون لنشر الخوف وثقافة التهديد هم الذين يبشرون بالحرب. الحرب ليست بيزنيس سهلا بل شديد التعقيد. وأتمني أن تكون واشنطن قد تعلمت من العراق وأفغانستان, وهي تبدو مسألة سهلة لأنك لا تحسب كيف يعد الطرف الآخر نفسه. فمن الممكن أن تبدأ الحرب لكن خصمك هو الذي يحدد كيف سيجابهك! * هل يوجد صراع داخل الإدارة الأمريكية بشأن السياسة المقبلة تجاه إيران؟ { لا اعتقد ذلك الإدارة الحالية تدرك حجم المخاطر جيدا لو أقدمت أمريكا علي عمل عسكري وهوما سوف تتخذ منه القاعدة ذريعة للحديث عن ثالث حرب تشنها الولاياتالمتحدة ضد بلد مسلم خلال أقل من عقد واحد. وهم مشغولون بطريقة التوصل لاتفاق مع الإيرانيين لحل المشكلة النووية, في الوقت نفسه هناك تطورات حقيقية ودرامية في الداخل الإيراني تدعو للالتفات فحركة الإصلاح المعارضة في نمو وعلينا أن نقرر طريقة التواصل مع عناصرها وفي الجانب الاخر نحن نتعامل مع مشكلة بالغة الأهمية والتعقيد وهي منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط وعلينا الحوار مع النظام الإيراني الذي لن يرضي عن التواصل مع الحركة الإصلاحية في الداخل. ومن وجهة نظري الأفضل التعامل معهم علي طريقة الاتحاد السوفيتي من حيث إبقاء النظام تحت السيطرة وضغط متواصل والحوار معهم بلا توقف في المسائل السياسية والعسكرية لنضمن عدم زيادة نفوذهم في المنطقة. الوضع الحالي يقول إن الإيرانيين غير راغبين في الحوار عن الشأن النووي وهي مشكلة في التفاوض حيث يبدو الجانب الإيراني منقسما وعندما يبدون رغبة في الحوار يسحبون كلامهم في اليوم التالي. وربما هناك بعض الصراع في الإدارة الأمريكية ولكن الصراع الحقيقي في طهران. * رأيك الأخير عن هزيمة التيار الجهادي في المنطقة العربية لا ينسجم مع تطورات الوضع في اليمن والصومال أوالعراق وما سبق أن كتبته في اليوم التالي لهجمات سبتمبر من أن الوضع العربي الراهن وراء موجة الإرهاب.. كيف تفسر هذا التناقض؟ { بعد عشر سنوات من هجمات سبتمبر حدث شئ مهم للغاية وهو نوبة الصحيان في المجتمعات العربية خاصة بصدور تقرير التنمية البشرية في العالم العربي وارتفاع نغمة النقد من جانب المثقفين. وأحد أهم التطورات أيضا تخطيط القاعدة وفروعها لشن هجمات في الداخل العربي( العراق والسعودية والأردن) ولأول مرة بدأت هذه الحوادث في حشد دعم من الرأي العام لقوي الإعتدال والعلمانيين في المنطقة. فقد بدأ الناس يقولون لن نسلم انفسنا للمتطرفين الذي يرون أنهم' المسلمون الأخيار' ونحن لسنا كذلك وفكرة المسلمين الأخيار من بنات أفكار سيد قطب وتقوم علي أن المسلم الحق هو المنحاز والرجعي والمرتد إلي الماضي. وأنا لا أقول إن التيار الأصولي ينتهي ولكن الصراع مستمر ولكن لو طالعت قياسات الرأي العام الأخيرة ستجد أن تأييد الجهاد والعمليات الانتحارية يتراجع بشدة مقارنة بعام2002. كما أن الأحزاب التي علي شاكلة الإخوان المسلمين في اندونيسيا وماليزيا وباكستان ونيجيريا أصيبت بنكسات متتالية في الإنتخابات العامة. فالمد الأصولي ينحسر ولكن من السابق لأوانه أن نتحدث عن إنتصار علي هذا التيار والتحول الحقيقي سيحدث في العالم العربي عندما تظهر نظم سياسية أكثر انفتاحا تسمح لكل القوي والتنظيمات السياسية بحرية الحركة, لم نصل إلي تلك النقطة بعد ولكن هناك مؤشرات جيدة من مصر والأردن والسعودية. فما يحدث من تطور اقتصادي في مصر إيجابي للغاية ورئيس الوزراء أحمد نظيف ووزير التجارة رشيد محمد رشيد والمالية يوسف بطرس غالي علي أعلي مستوي من الكفاءةWorldClassPeople. مصر هي الدولة القائدة في المنطقة العربية وانفتاح النظام السياسي بصورة أكبر هوالذي سيجعلها تقدم للعرب حركة للأمام أكثر نضجا تعبر بحق عن قيادتها للمنطقة. ولوفعلت مصر ذلك سيكون لها تأثير ضخم ليس فقط عربيا ولكن إسلاميا أيضا. أعتقد أن المصريين علي درحة عالية من الدقة والمهارة ولوحدث تحول سياسي سيؤدي ذلك إلي ظهور نظام سياسي ناضج في مدي زمني قصير. وأنا من اشد المتفائلين بمستقبل مصر ويمكنها أن تصبح في مكانة القلب بين الدول الصاعدة اقتصاديا. كما أنني متفائل بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي في ضوء التطور الكبير الحادث في الدول الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا وغيرها.. * صعود نمط جديد من' الرأسمالية السلطوية' تحت عين الدولة في الصين يغري بتبني النموذج في مناطق أخري وهوما سوف يؤثر علي إمكانية الانفتاح السياسي والتحول إلي' الليبرالية الدستورية' التي تراها ضرورية للتقدم في العالم العربي؟ { الصين وحدها تتفرد بهذا النظام. ومن بين كل الأنظمة الديكتاتورية في العالم لم ينجح سوي قليلين في تقديم صورة' المستبد المستنير' الذي يتبني الرأسمالية الناجحة والغالبية التي حاولت ذلك تميل إلي التورط في الفساد وتمويل مشروعات فاشلة وغبية. نجح الصينيون من خلال سلسلة من القرارات غير العادية ولا أعتقد انهم يستطيعون الاستمرار علي هذا الحال دون تحرير النظام. وفي حالة مصر لا أعتقد أن مسألة الإنفتاح الديمقراطي الكامل يمكن أن تتم فورا فالديمقراطية ليست مثل القهوة سريعة التجهيز ولكنها عملية انفتاح فيمكن ان تبدأ بالنظام القانوني والإعلام وفي مؤسسات أخري وبالتزامن من المفترض أن يحدث تحول ديمقراطي أوسع. البعض يضرب المثل بنموذج الحالة السنغافورية التي حققت المعجزة في ظل نظام سلطوي لا يتيح الديمقراطية للشعب ولكني أقول إنه أمام تجربة رئيس وزراء سنغافورة لي كوان يظهر عشرات علي شاكلة الديكتاتور موبوتوسيسسيكو. * كيف تري مصير القوة الأمريكية؟ { نحن في لحظة ينظر إلي القوة الأمريكية بقدر من الإستهانة علي نحو مبالغ فيه. هناك من يعتقد أن القوة الأمريكية في طريقها إلي الانهيار أوتنحدر بشدة. في كتابي' العالم ما بعد الأمريكي' قلت إننا نعيش في نظام عالمي مختلف حيث الولاياتالمتحدة ستتخلي عن موقع القوي العالمية المركزية المسيطرة وهو الوضع الذي إحتفظت به لمدة20 عاما. نعم سوف تستمر أمريكا أقوي دولة ولكن ضمن مجموعة من الدول. الاقتصاد الأمريكي ما زال أربعة أضعاف حجم الاقتصاد الصيني وتملك الولاياتالمتحدة إحدي عشرة حاملة طائرات عملاقة بينما يبني الصينيون اليوم الحاملة الأولي والإنفاق الأمريكي علي البحوث والتطوير العسكرية أكثر من كل الدول المتقدمة الأخري مجتمعة. الولاياتالمتحدة في موقع مركزي غير عادي ولكن عليها أن تدرك أن العالم يتغير وأن عليها أن تشارك هذه القوة بتوافق تام وبالتعاون مع الدول والمجموعات الدولية. وعملية التحول إلي نظام عالمي جديد مسألة صعبة للغاية فليس الأمر مجرد أن الولاياتالمتحدة عازفة عن تبنيه, ولكن أيضا هناك قوي أخري مثل الصينيين غير راغبين في تحميلهم سلطات جديدة لأن القوة تعني المزيد من المسئوليات. أن تعقيد العالم الذي نحيا فيه اليوم هونتيجة أننا نتحرك بعيدا عن العالم الأمريكي الأحادي القطبية ولكننا لا نتجه صوب عالم أحادي صيني أو أحادي أوروبي ولكن إلي شئ ما في المنتصف حيث كل طرف سيلعب دورا في عالم جاد. * كيف تحلل الاضطراب في السياسة الداخلية للرئيس أوباما؟ { أنا مازلت من المعجبين والداعمين للرئيس اوباما أعتقد أنه يجب أن ينال التقدير الذي يستحقه لنجاحه في إنقاذ الإقتصاد العالمي فعندما اعتلي السلطة كان الاقتصاد الدولي في منحني هابط علي نحو مخيف وسريع وإنهار النظام المالي وصناعة السيارات الأمريكية علي حافة الإفلاس وسوق العقارات دمرت بالفعل ونتيجة أن أمريكا لا تزال تشكل نسبة25% من الاقتصاد العالمي كان يمكن أن يؤدي ذلك إلي انهيار كامل لكل النظام الدولي. وقد نجح اوباما في إعادة التوازن لصناعة البنوك وسوق العقارات وصناعة السيارات. أيضا طرح أوباما خطة التحفيز الاقتصادي لمعالجة مشكلات الاقتصاد الأمريكي علي نحو أكثر اتساعا بشكل سريع ومسئول. وعلي نحو شديد الغرابة يعاقب البعض الرئيس اوباما علي نجاحه ويقول الجمهوريون أزمة ماذا؟ ما الذي تتحدث عنه؟ عادة عندما نتجنب الإنزلاق نحو كارثة يمكن أن ينظر الناس إلي الوراء ويقولون' حسنا ربما لم يكن الأمر بهذا السوء'. في عام تولي اوباما السلطة كانت هناك قضايا عديدة ومهام أكبر وشعور هائل بالإحباط خاضته إدارة الرئيس جورج بوش وقد أراد الرجل أن يحاصر هذه القضايا بسرعة مثل إغلاق معسكر جوانتانامو والتصدي لتدهور المناخ وإبرام إتفاقيات في هذا الشأن وإنهاء أساليب التعذيب في المعتقلات الأمريكية. والسؤال من الناحية السياسية: هل من الحكمة معالجة كل هذه الأشياء في وقت متزامن.. وكيف يمكن فعل ذلك بطريقة تجمع الأمة الأمريكية حولك دون أن تفرض شيئا عليهم * ماذا عن قانون إصلاح الرعاية الصحية المثير للجدل؟ { أوباما كان يحتاج إلي إدراك أن التصدي لقضية الرعاية الصحية يعني أنه يتعامل مع70% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي و85% من الشعب الأمريكي لديهم تأمين صحي وهؤلاء مشكلتهم هي تكلفة الخدمة وتبقي نسبة15% تحتاج إلي تغطية ومن أجل أن يفعل ذلك علي أوباما أن يجد طريقة فعالة للحديث للأمة بأسرها وهولم يقم بهذا التواصل علي نحوجيد. ربما يكون السبب وراء إخفاقه في توصيل رسالته علي نحو جيد هوالإحساس بوجود أغلبية مسيطرة في الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب حيث بدأ يشعر أن كل شئ قابل للتحقق. ولكن ليس هكذا تسير الحياة. فحتي مع وجود أغلبية كاسحة انت ما زلت تحتاج إلي محاورة وإقناع الاخرين لأنه من غير المعقول أن تعتمد علي تصويت حزب واحد فقط في كل تشريع برلماني. في اعتقادي أدرك أوباما الخطأ ويعمل علي تصحيح المسار في الوقت الراهن ولن تكون مفاجأة لي لوأن أداء أوباما في الشهور الستة المقبلة جاء أفضل من السابق لأنه يتعلم بسرعة كبيرة وشديد الذكاء. فهويشعر أن الأمور تخرج عن مساراتها ومن ثم يبدأ في عملية التعديل. * هل تتفق معي علي أن ظهور حركات في اليمين الأمريكي مثل' حفل الشاي' يمكن أن يعمق الأزمة بين الحزبين الكبيرين وما هوتحليلكم لتركيبة المجتمع الأمريكي اليوم؟ { حالة الاستقطاب الحزبي في أمريكا أصبحت مسار إزعاج كبير. وأري أن هناك عاملين مهمين وراء تلك الحالة السلبية: الأول من المثير ان تري انه بعد التعرض لأسوأ ازمة إقتصادية عالمية منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات لم نرصد بعد أي صعود لأي نوع من الحركات اليسارية في أي جزء من العالم. علي سبيل المثال في حالة مصر والهند وهما من البلدان التي شهدت تقليديا حركات يسارية نخبوية قوية والتي كانت ستخرج اليوم لتندد بشرور الرأسمالية. نعم توجد حركات من هذا النوع اليوم ولكن لا أحد يأخذها علي محمل الجدية تماما. واقع الأمر لقد جربنا الاشتراكية لمدة تزيد علي خمسين عاما في مصر والهند ورأينا النتيجة. لم تقدم الإشتراكية أي شئ والناس تدرك أنهم يعيشون في إقتصاد عالمي وفي نهاية اليوم عليك أن تبحث جديا في طرق تحقيق النمومن اجل رفع مستويات المعيشة والطريق الوحيد لإنجاز هذه المهمة هي الوصول إلي النمو عبر تطوير مشاركات القطاع الخاص والأسواق والتجارة الدولية. بالقطع هناك دور للحكومة ولكن لا يمكنك إنجاز هذا الأمر دون القطاع الخاص والأسواق. هذا التصور هوالذي حفظ للاقتصاد العالمي توازنه في الفترة الماضية ولكنه وفر نوعا من الدعم المحدود للأجنحة اليمينية في أحزاب الوسط في بلدان عديدة منها أمريكا وأوروبا وهي الأجنحة التي كان يخشي منها بشدة في وقت إشتداد الأزمة المالية الكبري. والوضع في الولاياتالمتحدة اليوم في اعتقادي أعمق من مجرد النظر إليه من المنظور السابق حيث تمر أمريكا بموجات كبيرة من التغيير. الولاياتالمتحدة تمر اليوم بأول عملية عولمة في تاريخ شعبها ولأول مرة علينا أن نقلق مما يحدث في بلدان أخري مثل الصين أوماليزيا اوالهند من حيث الخوف علي مصادر رفاهية الناس من رعاية صحية وإجتماعية وفرص عمل.. فكل ما يفعله الآخرون يرتد اليوم ليترك أثرا علي صحة المواطن الأمريكي ورفاهيته وهوتصور جديد لا يتواءم المواطن الأمريكي معه بسهولة في ضوء الثقافة الأمريكية. الأمر الثاني أمريكا تمر بعملية تحول سكاني أوديموجرافي كبيرة جدا وبشكل درامي مع صعود وتنامي الأقلية من أصول إسبانية في البلاد. وهوتغيير يمس الأجيال الصاعدة في الولاياتالمتحدة في الوقت الذي نشهد تنامي قطاعات صغار السن والمرأة العاملة وحقوق المثليين. كل هذه الظواهر تغير من تركيبة الولاياتالمتحدة. وهناك بعض قطاعات من الناخبين الأمريكيين متوسطي الأعمار ومن البيض ممن يعيشون بشكل رئيسي في الجنوب والجنوب الغربي يشعرون بغضب ويخشون من أن أمريكا لم تعد بلدهم وهم الذين يقومون برد الفعل الحالي, علي صعيد اليمين الأمريكي. بالقطع تستطيع أن تستقي من المجادلات الفكرية لهذا التيار أفكارا ضد مواقف الرئيس أوباما ولكن هذا ليس السبب الوحيد لظهور مثل هذا الغضب العفوي علي نطاق واسع والذي تمثله اليوم حركة' حفل الشاي'. هؤلاء الناس يرون أن بلدهم قد سرق منهم وما يفعلونه هورد فعل للتطورات التي ذكرتها في السابق. وعلي فكرة كل هذه التغيرات يجسدها وجود باراك أوباما في البيت الأبيض فهولا يشبه هؤلاء الغاضبين ولا يتصرف بالطريقة التي يتصرفون بها وهوأمريكي من أصل أفريقي متخرج في إحدي جامعات الصفوة. وهوما يفسر حالة الغضب العفوي وراء الإنقسام الحزبي الحاد في الولاياتالمتحدة في اللحظة الراهنة. [ينشر بالتزامن مع الأهرام ويكلي]