يوم أمس 25/4/2015، أعلن تنظيم "ولاية سيناء بيت المقدس" عن تأسيس ولاية جديدة بصعيد مصر. ولعل السؤال الأخطر في هذا السياق، هو لم اختار التنظيم "الصعيد" تحديدًا.. ولا يتحدث عن "ولاية الدلتا" مثلاً؟!
من الخطأ في تقديري استسهال الإجابة، واستدعاء الإفيهات الكسولة، والتحدث بثقة، بأنه يعبر عن "دحر" الإرهاب في سيناء.. فيبحث عن مكان آخر يتمدد فيه، أقل قبضة أمنية على نشاطه، لأنه في المقابل يمكن أن يُطرح سؤال بالتوازي، يحمل وجهة نظر مختلفة: فلم لا يقال بأن بيت المقدس يتمدد.. بعد اكتسابه ثقة أكبر من تجربته في سيناء؟! فمن إذن يملك الإجابة الصحيحة على السؤال وعكسه؟! اللافت.. أن الإعلان عن "ولاية الصعيد" جاء في يوم الاحتفال بأعياد سيناء.. وكأن التنظيم شاء أن يحتفل بهذه المناسبة بطريقة مختلفة. وأيًا ما كان الأمر، فإن ما يحتاج إلى تدقيق، هو اختياره للصعيد بعد سيناء.. وهو اختيار من المفترض أن يخضع لتحليل رصين، لأنه يعتبر رسالة محملة بكثير من الدلالات المهمة. ويبدو لي أن "بيت المقدس" ينشط على أخطاء السلطة.. فهو في سيناء، المنطقة المهمشة والمحرومة من حنان الدولة، والفقر والبطالة والقمع الأمني غير المسئول، أحالها إلى حاضنة قابلة لاستضافة "التطرف"، فهى منطقة فراغ لا تشغله السلطة بالتنمية، ولكن بالقهر والإذلال.. فتتمدد فيها "القوى البديلة" أيًا كانت هويتها: تنظيمات مسلحة، عصابات جريمة، جماعات متطرفة أو مخابرات قوى دولية وإقليمية.
الصعيد.. أيضًا من الأطراف المهمشة والمحرومة أيضًا من حنان الدولة، ولا يرى في الأخيرة إلا "جابي ضرائب" بالعصا الغليظة.. وهو منطقة شديدة الفقر، طاردة للعمالة غير المدربة، وبمعنى آخر فهي أيضًا منطقة "فراغ" لا تشغله الدولة بمشروعات تغني المواطن الصعيدي عن مشقة المذلة والبهدلة والتسول عند كل إشارة مرور في القاهرة.. فتتمدد فيه أيضًا "القوى الموازية" أيًا كانت هويتها القبلية أو السياسية أو التنظيمية.
ناهيك عن تطابق البيئتين السيناوية والصعيدية، من حيث التقاليد والعادات ونزعات التمرد والجغرافيا الوعرة والتي تستعصى على السيطرة وإخضاعها للجيوش النظامية.
تنظيم بيت المقدس إذن يقتفي أثر الإهمال الحكومي، وتضخم ديكتاتورية العاصمة، واستحواذها على الاهتمام الأكبر.. وترك الأطراف "المهملة" تؤسس ولاءاتها الخاصة، وتحولها إلى حواضن لأية قوى مناوئة للسلطة "الاستعلائية" في القاهرة. المشكلة أن الدولة مشغولة بمشاريع "الشو".. غير مدركة أن تنظيم بيت المقدس، عينه على كل منطقة محرومة.. ويعتبرها مشروع "ولاية محتمل".. وبمعنى آخر أكثر تلخيصًا، فإن غياب "العدالة المناطقية"، هو المظلة التي يتمدد تحتها، بيت المقدس.. ونأمل أن يفهم صناع السياسات الرسمية في مصر، معنى ومغزى إعلانه الصعيد "ولاية" تابعة له. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.