الوضع في الوادي الجديد يتطابق مع الوضع في سيناء منطقة خارج حسابات الدولة، مهمشة وفقيرة ومنسية.. ظلت طوال تاريخها ملفا أمنيا ولم يخطر على بال باشاوات العاصمة أن يحنوا عليها بمشاريع لسد رمق بطون سكانها الجائعة. توجد نظرية تسمى "نظرية الفراغ".. يعرفها كل دارس لعلم الفيزياء، وتستخدم الآن فى علم الاجتماع السياسى، وتقوم على فكرة "أن الطبيعة تمقت الفراغ". وجود الفراغ، يعنى فى المقابل وجود قوة أخرى ستتمدد لتشغله.. وهذه القاعدة الفيزيائية، تحدث يوميًا، دون أن يستشعر بها أحد، ربما لمنطق "اللطف".. أو بحكم "الإلف".. فلا يكاد ينتبه إليها الناس. علم الاجتماع السياسى، يستخدم تلك النظرية فى تفسير الكثير من الظواهر السياسية والاجتماعية.. وأذكر أن الصديق د. وحيد عبد المجيد، عندما سئل ذات يوم عن سبب تنامى ظاهرة ما يسمى ب"الإسلام السياسى" فى مصر، لفت إلى أنه عندما تنسحب الدولة من دورها فى الدفاع عن الدين.. فإنها تترك فراغًا تتمدد فيه قوى دينية أخرى، لتدافع عنه، وتكتسب شرعيتها بحكم "الأمر الواقع".. أو ب"ملء الفراغ"، الذى تركته الدولة. فى ثورة يناير، ترك مبارك الدولة وقد انهارت مؤسساتها المدنية والسياسية بالكامل، ما خلف "فراغًا" مؤسساتيًا هائلاً، تمددت لشغله المؤسسة الوحيدة التى ظلت متماسكة وقادرة على شغله، وهى المؤسسة العسكرية.. واستمدت شرعيتها من "ملء الفراغ" أو"الأمر الواقع". سيناء.. والوادي الجديد، منطقتان فارغتان وتغريان أية قوى بديلة للدول للتمدد فيها.. فالدولة قد تكون موجودة بتجلياتها الأمنية.. ومع ذلك فإن الوجود الأمني لا يحل أية مشكلة، بل ربما يبرق رسائل مستفزة للسكان.. وتؤصل في ضمائرهم بأنهم في وعي السلطة المركزية مجرد "عبيد" لا حقوق لهم إلا الخضوع ل"السيد" السوبر الذي يحكمهم من العاصمة. الوجود الأمني في سيناء لم يمنع تمدد جماعات الإرهاب "الشبحي" عابر الحدود، والذي تمددت عملياته المسلحة إلى الدلتا.. والوجود الأمني المكثف في الوادي الجديد، لم تمنع القاعدة من ارتكاب مجذرتها يوم أمس الأول 19 يوليو 2014. الحلول الأمنية في المناطق المهمشة والمنسية.. تعزز مشاعر الكراهية لكل تجليات السلطة القمعية، ويوفر البيئة المناسبة لاختمار العنف وتجنيد المسلحين من الطبقات الاجتماعية الغاضبة من الاستعلاء الرسمي وتبلد المشاعر الحكومية إزاء محنة قبائل وطوائف لا يروا من الحكومة إلا بوابات التفتيش والكمائن.. والمعاملات الفظة والانتهاكات لحقوقهم إلإنسانية.. فيما ينام غالبيتهم وهم يتضاورون جوعا ولا يجدون ما يطعمون به أطفالهم المنهكة أجسامهم من الجوع والمرض. سيناء والوادي الجديد يحتاجان إلى حنان الدولة وليس إلى قسوتها .. يحتاجان إلى المشاريع التنموية وتوفير فرص العمل لأهلها.. إذا كنا جادين في مواجهة الإرهاب الذي بدأ يطرق حدود الدولة من كل الاتجاهات.. ورحم الله تعالى شهداء القوات المسلحة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.