لا انعرف ما يحدث في سيناء على وجه الدقة، رغم أن المعرفة "حق" لكل مواطن مصري، ولا ندري شيئا عن حجم سيطرة السلطة المركزية عليها.. فالمصريون يتلقون معرفتهم من البيانات القليلة التي يصدرها الجيش.. فيما يتلقى السيناويون معلوماتهم من بعض المواقع التابعة للجماعات الشبحية التي تقاتلها الدولة. كلا الطرفين ينسب لنفسه الانتصار على الآخر، وكلاهما يتحدث عن سيطرته على الأرض.. فيما تغيب الحقائق، وتجري العمليات العسكرية بلا أية رقابة قانونية أو قضائية، ولا نعرف شيئا عن الضحايا، فالدولة تحتكر مهمة التصنيف الديني والحكم على الضحايا : "شهداء" و"تكفيريون". في ظل الظروف الحالية، من الصعب أن تجد آلية للمحاسبة، فلا يوجد برلمان ليسأل ويحاسب المسؤلين عن العلميات الأمنية والعسكرية في سيناء.. ولا يمكن أن نتوقع وجود مؤسسات "منتخبة" تلزم الدولة، على "الشفافية" حيال ما يحدث في سيناء، فمن الواضع أن المشهد السياسي من الرئاسة إلى البرلمان والتشريعات المتوقعة، سيكون مفصلا على "مقاس" من يضع فوهة السلاح الميري على رؤوس الجميع، ولذا فمن المستبعد أن تخضع المؤسسات الخشنة المكلفة بمواجهة الإرهاب للسؤال أو المحاسبة لا حاليا ولا لاحقا. السؤال عن سيناء يكتسب شرعيته من خطورة ما يحدث في الصعيد الآن، من اقتتال أهلي خارج سيطرة السلطة العاجزة والمشغولة في الشمال بتأمين المقعد الرئاسي لمرشح بعينه، وتركت للقضاء العرفي حل المشكلة. والتعاطي مع أزمة إسوان تتشابه إلى حد كبير مع التعاطي من ملف الإرهاب في سيناء، ومن الصعوبة أن تجد مسؤلا في الدولة، يتحدث بشفافية عن الأزمة وجذورها وأسبابها. يتواتر كلام كثير، بأنها مواجهات بالوكالة بين أنصار السيسي وأنصار مرسي.. وهو الكلا م الأكثر ملامسة لتوقعات المراقبين، ولعل ما خلف هذا الرأي البيان المتعجل للجيش والذي اتهم الإخوان بإثارة المشكلة. لم يلتفت أحد إلى أن البلد مكشوفة من أطرافها، وملامسة لمناطق توترات أمنية وسياسية كارثية، وبات دخول السلاح إليها بأنواعه المختلفة، أيسر بكثير من تمرير البضائع والسلع المشروعة. سيناء مكشوفة على قطاع غزة والأرض المحتلة والكيان الصهيوني، والغرب مكشفوف على شرق ليبيا المكتظة بالسلاح والجماعات المسلحة والمعادية لحراك 30 يونيو، والصعيد مكشوف على السودان .. البلد الذي يعتبر أنشط معابر نقل السلاح والمخدرات من الجماعات والتنظيمات التابعة لإيران إلى مصر وسيناءوغزة. فأطراف مصر الثلاثة: سيناء، الصعيد، والصحراء الغربية.. كلها مناطق مهيئة لاختمار ونضج نزعات الانفصال والتمرد المسلح على السلطة المركزية .. فيما لن يكون بوسع الأخيرة، تنفيذ سياسات مواجهة تعتمد على العصا الغليظة وحدها. لابد أن نعترف بأن الوضع خطير جدا.. والشفافية ليست عيبا، وإنما تجعل الشعب شريكا في تحمل المسؤولية.. ويفتح نقاشا وطنيا حول الأزمة، ويساعد على إبداع حلول عاقلة، بدلا من تلك المتشنجة التي تفتح كل يوم على البلد أبوابا من الجحيم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.