15 يومًا فقط.. وضع حد أقصى لحسم شكاوى العملاء يعزز الخدمات المصرفية

مما لا شك فيه أن الثقة هى حجر الزاوية فى العلاقة بين العميل والمؤسسة المصرفية، إذ كلما شعر العميل بأن شكواه تُعالج بفاعلية وسرعة، زادت ثقته فى النظام المصرفى، وأصبح أكثر استعدادًا للانخراط فى الخدمات المالية المتنوعة التى تقدمها البنوك.
ولطالما كانت معالجة شكاوى العملاء تحديًا يواجه القطاع المصرفى فى العديد من الدول، إذ يمكن أن تؤدى فترات الانتظار الطويلة والإجراءات المعقدة إلى إحباط العملاء وتنفيرهم من استخدام الخدمات المصرفية.
البنك المركزى المصرى كان حريصًا على تعزيز الثقة بين العملاء والبنوك العاملة فى السوق المصرية، وذلك فى إطار جهوده لتحقيق الشمول المالى، الذى يعد من إحدى أولوياته الرئيسية، لما له من دور فعال فى تعزيز الاستقرار المالى وتحقيق التنمية المستدامة، وتماشيًا مع اهتمامه بتطوير القطاع المصرفى من خلال تطبيق أفضل الممارسات الدولية.
لذا شدد البنك على أهمية حقوق العملاء، باعتبارها أحد العناصر الرئيسية لتحقيق الشمول المالى، إضافة إلى أهميتها فى ترسيخ ثقة المتعاملين فى القطاع المصرفى وتعزيز المنافسة بين البنوك، وهو ما يرفع كفاءة القطاع المصرفى، كما يتوافق ذلك مع دور «المركزى» فى الرقابة على الجهات المرخص لها، إذ يعمل على تحقيق وحماية مصالح العملاء والتأكد من أن الجهات المرخص لها تتعامل مع عملائها بعدالة ومهنية وشفافية. وبناءً على ذلك، أصدر «المركزى» المصرى تعليمات حماية حقوق العملاء فى فبراير 2019 لوضع أسس وقواعد واضحة تحكم العلاقة بين البنوك وعملائها فى مراحل التعامل كافة، كما نصت المواد من 216 حتى 220 من قانون الجهاز المصرفى والبنك المركزى الصادر فى 2020 على اختصاصات الأخير بشأن حماية حقوق العملاء.
وأنشأ «المركزى» قطاع حماية حقوق العملاء، الذى يضع فى صدارة أهدافه وضع الجهات المرخص لها حقوق العملاء ضمن أولوياتها، وتعزيز ثقتهم فى القطاع المصرفى وضمان حصولهم على حقوقهم، ودعمهم لاتخاذ قرارات مالية واعية ومناسبة لهم عند التعامل مع الجهات المرخص لها.
ويشمل مفهوم حماية حقوق العملاء وجود إطار تنظيمى واضح يحدد العلاقة بين كل من مُقدمى الخدمات المصرفية ومستخدميها، وذلك من أجل ضمان حصول العملاء على حقوقهم بعدالة وشفافية والحفاظ على سرية البيانات، مع ضمان وجود آلية للتعامل مع الشكاوى، إضافة إلى رفع الوعى المصرفى لدى العملاء بما يمكنهم من اتخاذ قرارات سليمة.
وخلال يوليو الجارى، أوضح البنك المركزى المصرى خطوات تقديم العملاء شكوى بنكية فى حال التعرض لمشكلة مصرفية، إذ تضمنت الخطوات، طرق التواصل مع البنك الخاص بالعميل من خلال مركز الاتصال، أو زيارة الموقع الإلكترونى أو فرع البنك.
وقدم البنك المركزى بعض النصائح لضمان حقوق العميل، ومنها الحصول على الرقم المرجعى لمتابعة الشكوى، على أن يكون الرد عليه خلال 15 يوما كحد أقصى للبنك التابع له العميل، و للأخير حق الاعتراض فى البنك مرة أخرى خلال 15 يوما من الرد.
وقال «المركزى»، إنه فى حال عدم حل المشكلة، يمكن للعميل تصعيدها للبنك المركزى وذلك من خلال زيارة فرع «المركزى»، أو عبر موقعه الإلكترونى، على أن يتم استيفاء نموذج تقديم الشكاوى مع تقديم، الرقم المرجعى للشكوى بالبنك، وبطاقة الرقم القومى، وأصل التفويض أو الوكالة فى حالة الوكالة، إضافة إلى السجل التجارى فى حالة الشركات مع حق التوقيع عنها.
وكان البنك المركزى قد أصدر تعليمات فى نهاية العام الماضى، تتضمن أن تلتزم البنوك بإعداد عقود المنتجات والخدمات المصرفية المبرمة مع العملاء بتزويدها بملحق خاص بنماذج البيانات الأساسية المتضمنة أهم التفاصيل الخاصة بالخدمة أو المنتج.
وشدد «المركزى» على ضرورة أن توضح هذه النماذج بشكل مبسط جميع المصاريف والعمولات وكذلك أهم شروط والأحكام الواردة فى العقود الخاصة بتقديم الخدمة أو المنتجات، مع تضمينها أى أحكام جديدة لم ترد بالعقود على أن يتم استيفاء توقيع العميل عليها.
ومنح البنك المركزى المصارف مهلة توفيق أوضاع لمدة 6 أشهر لإعداد النماذج المذكورة وإلحاقها بعقود المنتجات المصرفية الادخارية.
ونتيجة لجهود البنك المركزى فى التوعية بأهمية تقديم الشكاوى، ارتفعت أعداد الشكاوى خلال عام 2023 إلى 2.15 مليون شكوى مقابل نحو 1.81 مليون فى العام السابق عليه..
هذه الجهود أسفرت عن ارتفاع معدلات الشمول المالى بنهاية 2024 لتصل إلى 74.8٪ مقارنة بنحو 70.7٪ بنهاية 2023، وبمعدل نمو 204٪ خلال الفترة من 2016 حتى 2024، رغم اتساع قاعدة المواطنين الذين يحق لهم فتح حسابات مالية، بعد صدور تعليمات البنك المركزى بتعديل سن فتح الحسابات المصرفية للشباب ليصبح 15 سنة بدلًا من 16 سنة تماشيًا مع تعديل سن إصدار بطاقة الرقم القومى.
وفيما يخص توزيع الشكاوى، فإن البطاقات البنكية تحتل النسبة الكبرى من الشكاوى، إذ تمثل نسبة تتخطى 65٪ من إجمالى شكاوى البنوك بزيادة 31٪ عن عام 2022، وتتركز فى بطاقات المعاشات، وتغيير نظام تشغيل البطاقات لأحد البنوك، أو الاعتراض على المصاريف والعمولات، أو التأخير فى تنفيذ طلبات البطاقات.
وجاءت الخدمات الإلكترونية فى المركز الثانى، بسبب زيادة استخدام المنتجات البنكية الرقمية وهو ما يتماشى مع توجهات القطاع المصرفى للتحول الرقمى.
خبراء أكدوا أن حماية حقوق العملاء ووضع البنك المركزى حدا زمنيا أقصى لحسم شكاوى عملاء البنوك سيسهم بلا شك فى تعزيز نشر الخدمات المصرفية وجذب شرائح جديدة من المجتمع للانضمام إلى المنظومة المالية الرسمية.
وفى هذا الصدد، قالت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية، إن إلزام البنوك بحد زمنى أقصى لحسم الشكاوى يدفعها إلى تطوير آليات أسرع وأكثر كفاءة للتعامل مع استفسارات ومشاكل العملاء.
وأوضحت أن هذا التطوير يتضمن تركيز البنوك على تدريب الموظفين على حل المشكلات بفعالية وسرعة، مع تبسيط الإجراءات عبر تقليل الإجراءات الروتينية، مشددة على ضرورة استخدام الحلول التقنية مثل الذكاء الاصطناعى وروبوتات الدردشة لفرز الشكاوى الشائعة وتقديم حلول فورية.
وأكدت أن هذه التحسينات فى الكفاءة لا تفيد العملاء فقط، بل تقلل أيضاً الأعباء التشغيلية على البنوك على المدى الطويل، كما أنها تسهم فى تقليل النزاعات وتكاليف التقاضى، ما يوفر على البنوك والعملاء على حد سواء الوقت والجهد والتكاليف المرتبطة بالنزاعات الطويلة ويحافظ على سمعة البنك ويجنبه الدعاية السلبية. وأضافت «الدماطى» أن خطوات البنك المركزى لحماية حقوق العملاء تسهم فى جذب شرائح جديدة من العملاء، خاصة فى الأسواق الناشئة أو المناطق التى قد تكون فيها الثقة فى الخدمات المالية أقل، إذ إن وجود نظام فعال وسريع لحل الشكاوى يعد ميزة تنافسية تسهم فى تعزيز معدلات الشمول المالى.
من جانبه، قال صبرى البندارى، الخبير المصرفى، إن خطوات البنك المركزى الجادة لحماية حقوق العملاء تسهم بشكل قوى فى تعزيز الشمول المالى والخدمات المصرفية فى السوق المصرية.
أشار إلى أن من أهم المبادئ التى وضعها البنك المركزى لحماية حقوق العملاء، التعامل معهم بمبدأ العدل والإنصاف، والإفصاح والشفافية، وآلية التعامل مع شكاوى العملاء، ونشر الثقافة والتوعية المصرفية، وحماية بيانات العملاء وسرية الحسابات.
وأوضح أن قطاع حماية حقوق العملاء بالبنك المركزى يعمل على محاور عدة تشمل متابعة التزام الجهات المرخص لها بتعليمات حماية حقوق العملاء، والتوعية ونشر ثقافة حماية حقوق العملاء والمنافسة بين عملاء الجهات المرخص لها، وتحليل سلوك العملاء والجهات المرخص لها، إضافة إلى استقبال وفحص ومعالجة الشكاوى وفض المنازعات بين الجهات المرخص لها وعملائها.
وذكر البندارى أن تحديد إطار زمنى واضح للتعامل مع الشكاوى يعزز ثقة العملاء فى النظام المصرفى، ما يدفع العملاء الحاليين للتعامل بشكل أكبر مع البنوك، ويشجع عملاء جددًا على الانضمام، ومن ثم المساهمة فى نشر الخدمات المصرفية.