بعد سقوط النظام السابق، حاولت مؤسسات قضائية تحديد دورها في مرحلة ما بعد الثورة، وظهر أنها تحاول ملء جزء من فراغ السلطة، الذي حدث بسقوط النظام السابق، مما يعني أن المؤسسات القضائية، أو بعضها، لم ترى أن فراغ السلطة سوف تشغله القوى السياسية المنتخبة، وأن ما نتج عن غياب رأس السلطة المستبدة من فراغ في السلطة السياسية، يجب أن يتم توزيعه أو تقاسمه بين عدة مؤسسات في الدولة، ومنها المؤسسات القضائية، وجزء منه يترك للسلطة السياسية المنتخبة. كما أتضح أن مؤسسات قضائية ترى أن لها دور في حماية طبيعة الدولة القائمة، رغم أن الدولة القائمة حتى ما قبل الثورة، لم تكن إلا دولة مستبدة. ولكن يبدو أن بعض مؤسسات القضاء، ترى أن عليها حماية طبيعة الدولة القائمة، دون أن تدرك أنه بعد الثورة، يشكل المجتمع طبيعة الدولة التي يريدها، ولا يمكن بعد الثورة أن يفرض على المجتمع دولة حدد طبيعتها وسياساتها نظام مستبد اسقطته الثورة. ولأن بعض المؤسسات القضائية حاولت حماية الدولة القائمة، لذا فإنها تصرفت على أساس أن الثورة تسقط الاستبداد والفساد، ولكنها لا تبني دولة جديدة. وكلما توجه مسار الثورة نحو بناء نظام سياسي جديد، وبالتالي دولة جديدة، يجد أمامه مؤسسة قضائية، تحاول الحد من الخيارات الشعبية الحرة، وبالتالي تحد من قدرة المنتخبين من الشعب على بناء نظام سياسي جديد. ويبدو أن المؤسسة القضائية، أو بعضها، ترى أن القضاء في عهد الاستبداد، مثله في عهد الثورة، مثله في مرحلة ما بعد الثورة، بل وترى أن الدولة في عهد الاستبداد، مثلها مثل الدولة في عهد الثورة وما بعدها. ومن هنا يظهر الاتجاه لتحصين الأوضاع القائمة تجاه أي تغيير أو إصلاح. ومع تمدد مؤسسات قضائية في فراغ السلطة، أصبحت تعمل على الحد من السلطة السياسية المنتخبة، ولأنها تمددت في مساحة السلطة السياسية، لذا ظهرت مواقفها السياسية، والتي باتت تنحاز لطرف سياسي على حساب الطرف الآخر. وكلما قامت مؤسسة قضائية بفعل أو حكم، له تداعيات سياسية واسعة، ظهر أن موقفها منحاز للقوى العلمانية في مواجهة القوى الإسلامية، ومنحاز للحفاظ على الأوضاع القائمة قبل الثورة، ضد أي تغيير أو إصلاح حقيقي. والمشكلة أن المؤسسات القضائية تغفل أحيانا الأثر النهائي لما تقوم به من دور، فالقانون في النهاية في خدمة المجتمع، وليس العكس. ولذا فإن ما يتراكم من تأثير للمؤسسات القضائية، يحدد موقف الرأي العام منها. فليس من المقبول أن يكون تطبيق القانون سببا في اجهاض الثورة، أو عرقلة مسيرتها. فإذا كان القانون يوضع للحفاظ على مصالح المجتمع العليا، فإن نجاح الثورة أصبحت من المصالح العليا للمجتمع، الذي دفع ضريبة الدم من أجل انجاحها. وليس المهم حجم الدور أو المكانة التي يحظى بها كل طرف، بقدر أن المهم هو الدور الذي تقوم به كل الأطراف والمؤسسات لحماية الثورة، وتحقيق مطالب المجتمع، وحماية مصالحه العليا.