أسعار سيارات بيجو 408 موديل 2026 بعد تراجع شهر يوليو    زيلينسكي يعلن عن جولة مفاوضات جديدة مع روسيا الأربعاء في تركيا    محمد عبد الله يسجل رابع أهداف الأهلي في مرمى الملعب التونسي    متحدث التعليم: امتحانات الثانوية العامة مؤمنة بالكامل والنتائج المتداولة غير صحيحة    مناقشة "لعنة الخواجة" ل وائل السمري على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    بنك كندا المركزي: الشركات أقل قلقًا بشأن سيناريوهات التعريفات الجمركية    رئيس هيئة الدواء المصرية يوقّع مذكرة تفاهم مع وكالة تنظيم الأدوية السنغالية    لجنة انتخابات الأطباء تعلن أسماء المرشحين بعد البت في الطعون    الرئيس عبد الفتاح السيسي يستقبل الفريق أول مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية بحضور الفريق أول عبد المجيد صقر، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي    مصادر طبية فلسطينية: 61 شهيدا بنيران الاحتلال منذ فجر اليوم    فعالية ثقافية لذوى الهمم بمتحف طنطا    خبر في الجول - تواصل بين نادي سعودي ومحمد صبحي لإمكانية ضمه    كرة سلة – منتخب مصر يهزم إيران في بطولة لبنان الودية    نفس صيغة نيكو باز.. سكاي: كومو يتفق مع ريال مدريد على ضم رامون    صور| اتفاقية بين الجامعة الألمانية بالقاهرة وغرفة الصناعة العربية الألمانية لدعم التعليم    الحكم على متهم في إعادة محاكمته ب«خلية الوراق الإرهابية» 15 نوفمبر    أمانة المرأة بالجبهة تنظم ندوة توعوية سياسية لسيدات المنيا    الشباب العربى فى العصر الرقمى    سياسي فلسطيني: لا نعوّل إلا على مصر.. وتجويع غزة جريمة تفوق الوصف    حكاية سلوى محمد على مع المفتقة فى كواليس مسلسل فات الميعاد    مفيدة شيحة تتساءل: هل يهدد «التيك توكرز» صدارة الفنانين؟    أنشطة صيفية للأمهات لتعزيز مهارات الأطفال خلال الإجازة الصيفية    وزير الصحة يتفقد مشروعات تطوير مستشفيي الأورام والتل الكبير بالإسماعيلية    على طريقة المطاعم.. خطوات تحضير المكرونة بصلصة البولونيز    المنيري يكشف تفاصيل إصابة زلاكة في ودية باندرما سبور ومعسكر بيراميدز بتركيا    رئيس جامعة بنها يشهد حفل ختام ملتقى إبداع لكليات التربية النوعية    لابيد: مستعد للتوافق مع نتنياهو لإبرام صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل ثم عقد انتخابات مبكرة    قرار عاجل من محكمة الاستئناف في قضية طفل البحيرة    مي سليم تنشر صورة مع تامر حسني وتوجه له رسالة.. ماذا قالت؟    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أرباح السوشيال ميديا حلال أم حرام؟.. الدكتور أسامة قابيل يجيب    رمضان عبدالمعز: اللسان مفتاح النجاة أو الهلاك يوم القيامة    حريق داخل مخزن قطع غيار سيارات بالمرج    عاد مبكرًا فوجد زوجته وشقيقه في غرفة نومه.. قصة خيانة هزت العمرانية    الزمالك يرفض الاستسلام ويجدد مفاوضاته لضم حامد حمدان لاعب بتروجت (خاص)    جماعة الحوثي تعلن تنفيذ عملية عسكرية نوعية استهدفت أهدافا حيوية بإسرائيل    افتتاح كنيسة جديدة ورسامة شمامسة في بوخوم بألمانيا    أول ولادة لطفل شمعي من الدرجة المتوسطة بمستشفى سنورس المركزي بالفيوم    أمجد الشوا: العالم بات يتعامل بلامبالاة خطيرة مع ما يحدث في غزة    تقارير.. تكشف موقف تشيلسي من التعاقد مع جارناتشو    برلماني: مصر قطعت الطريق على "حسم" الإخوانية.. والأجهزة الأمنية تسطر نجاحًا جديدًا    سعر الدولار اليوم الإثنين 21-7-2025 أمام الجنيه المصرى فى ختام التعاملات    تغطية مصرف عزبة أبو الجدايل بكفر الشيخ تمهيدًا لرصف الطريق    جامعة بنها تستعد لاعتماد عدد من الكليات والبرامج خلال يوليو وسبتمبر    10 انفصالات هزت الوسط الفني في 2025 (تقرير)    بابا الفاتيكان يحذر من التهجير القسري لسكان غزة: «نناشد وقف الحرب»    رئيس الوزراء يستعرض موقف توافر الأسمدة الزراعية ومنظومة حوكمة تداولها    فريق طبي بمستشفى كفر الشيخ الجامعي ينجح في إنقاذ مريضة تعاني من ورم    المؤبد لطالب وشقيقه بتهمة قتل سيدة بمركز البلينا فى سوهاج    شواطئ مرسى علم تحتفل مع السائح البلجيكي بيوم بلاده الوطني    الجامعة الألمانية تفتتح نموذجاً مصغراً للمتحف المصري الكبير في برلين    الشركة الوطنية للطباعة تعلن بدء إجراءات الطرح فى البورصة المصرية    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    أوكرانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في أحدث الهجمات الروسية    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين فى الإسماعيلية.. فيديو    الشناوي يتحدث عن صعوبة المنافسة على الدوري.. وتأثير السوشيال ميديا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة .. حصار المركز والأطراف
نشر في التغيير يوم 16 - 09 - 2012

أول مراحل التحدي تتمثل في وصول حركة إسلامية للسلطة في مصر، لأن وصول رموز من النخبة العلمانية للحكم، أو وصول رموز من نخبة الدولة، يعني استمرار الدولة القائمة كما هي، بل ويمكن أن يؤدي إلى تقوية الدولة القائمة، حتى تستعد أكثر لمقاومة التغيير والإصلاح، وتعيد إنتاج نظام الحكم السابق وتحصنه ضد التغيير، حتى ولو تحسن أداء الدولة وغاب الاستبداد الفج، والفساد المستشري. أما وصول حركة إسلامية للحكم، فيحدث تغييرا جذريا وإن كان ظاهريا، لأن انتخاب إسلامي لحكم مصر، يعني أن مركز سلطة الدولة سقط أمام الإرادة الشعبية، حيث أن نظام الحكم قائم أساسا على الخصومة مع الحركة الإسلامية. فالنظام الحاكم قائم أساسا على منع وصول الحركة الإسلامية للحكم، وبتغير هذا الشرط بفعل الإرادة الشعبية الحرة، تكون تلك الإرادة قد حققت انتصارا على الدولة القائمة، وتصبح الدولة تدار من خلال حكومة حزب إسلامي، تختلف جذريا مع سياسات الحكم القائم.
وهو الوضع الذي كانت ترفضه بشدة الدول الغربية، ولم يعد أمامها إلا قبوله بعد ثورات الربيع العربي. وكانت الدول الغربية ترى أن الشرط اللازم لأي حركة إسلامية لتصل للحكم، هو أن تلتزم ولو جزئيا بالعلمانية، ولم تعد الدول الغربية قادرة على وضع هذا الشرط، وأصبح شرطها الضمني، أنها تريد من أي حركة إسلامية تحكم خاصة في مصر، أن تتبع سياسات تتوافق مع المصالح الغربية، وتتوافق نسبيا مع العلمانية. ولكن وصول إسلامي للحكم، أو حركة إسلامية، لا يعني أن التغيير قد تم، بل يعني أن التغيير الظاهري قد حدث، مما ينهي المعركة الأولى بين الدولة والإرادة الشعبية، وبينها وبين الحركة الإسلامية، فتبدأ المعارك الحقيقية.
العرقلة المتبادلة
المواجهة بين نخبة الدولة وحكومة الحزب الإسلامي، تتخذ أساسا شكل العرقلة المتبادلة، لأن حكومة الحزب الإسلامي تهدف إلى تغيير الدولة، وهو ما تعمل نخبة الدولة على عرقلته، ونخبة الدولة تحاول تثبيت نظام الحكم القائم، والمحافظة على الدولة القائمة كما هي، وهو ما تحاول حكومة الحزب الإسلامي منعه. فتتعرض حكومة الحزب الإسلامي لمحاولة استقطاب من قبل نخبة الدولة، حتى يتم دمجها في الدولة القائمة، وحتى تتطبع بطابع الدولة القائمة، أما الحكومة فتحاول من قبلها تغيير طابع الدولة وسياساتها، حتى يتغير دور الدولة. وفي داخل تلك العملية تتشكل مراحل، حيث تتمدد الدولة على الحكم الجديد وتفرض طابعها، وتتمدد الحكومة الجديدة على الدولة وتفرض سياساتها.
التقريب المتتالي.. حل أم مشكلة؟
بسبب منهج التدرج الذي تعتمده الحركة الإسلامية، تعتمد حكومة الحزب الإسلامي منهج التقريب المتتالي غير المباشر أحيانا، وهو ما يعني تحقيق خطوات للاقتراب من الهدف على مراحل متتالية، مما يقلل المقاومة التي تبديها نخبة الدولة تجاه التغيير. ولكن تلك العملية تعني أن حكومة الحزب الإسلامي، ستبدو مثل نخبة الدولة في بعض المراحل، مما يعرضها لضغط شعبي، ويدفعها لتأكيد أنها طليعة شعبية، ووكيل شعبي، وهو ما يجعلها تدخل في مواجهة أوسع مع نخبة الدولة.
يؤدي المنهج المتدرج أيضا، إلى تعديل التشريعات تدريجيا، مما يعني تعديل التشريعات حسب طبيعة الدولة القائمة، لمنع الاستبداد والفساد، والحد من تردي أداء الدولة، دون تعديل إصلاحي واسع، يمكن أن يؤدي على تغيير طبيعة الدولة. فالدولة القائمة، تتميز بأنها دولة متدخلة بامتياز، وتسيطر على كل أنشطة المجتمع، وتجعل المجتمع تاليا لها، وتحت سيطرتها. وتلك هي طبيعة الدولة في الغرب، وهي طبيعة لا تتناسب مع طبيعة المجتمعات الشرقية، التي تنفر من سيطرة الدولة بطبيعتها وتكوينها الحضاري. مما يعني أن التقريب المتتالي ينتج تغييرا غير كافيا، ولا يناسب المجتمع، ولكنه يقترب مما يناسب المجتمع، وهو ما يعني أن التغيير الحادث يحتاج لتغيير تالي له، حتى يتم التوفيق بين طبيعة الدولة ودورها، وبين ما يريده المجتمع من الدولة، أي يتم تحويل الدولة القابضة على المجتمع إلى دولة وكيلة عن المجتمع.
وما يحققه منهج التقريب المتتالي من نجاح يعتمد أساسا على ما يؤدي له من نتائج، وموقف عامة الناس من تلك النتائج. فعندما تكون النتائج غير مرضية، ينعكس هذا على شعبية الحركة الإسلامية سلبا، وعندما تكون النتائج مرضية، ينعكس هذا على شعبية الحركة الإسلامية إيجابا. مما يعني أن رد الفعل الشعبي يمثل المحرك الأساسي للحركة الإسلامية، والسند الحقيقي لها، والرقيب الحقيقي عليها. ولكن أصعب ما ينتج عن منهج التغيير بالتقريب المتتالي، هو ما ينتج عنه من احباط يصيب عامة الناس أحيانا. فإذا تكرر الاحباط واصبح غالبا، تتعرض الحركة الإسلامية لضغوط شديدة دفعة واحدة، مما يدفعها للخروج على نهج التدرج، لإحداث تغير أوسع يرضي الناس، فتتمرد عليها نخبة الدولة، وتحدث عرقلة واسعة أو وقتية لمسار التغيير والإصلاح. مما يعني أن نجاح منهج التدرج، والتغيير بالتقريب المتتالي، يتحقق عندما تصبح عملية الاقتراب من الهدف رغم تدرجها، إلا أنها مستمرة وتحقق انجازات متتالية، حتى يحدث التراكم في وقت مناسب، ويكون مرضيا لعامة الناس.
المؤسسات المانعة.. السيادية سابقا!
كثر الحديث عن المؤسسات السيادية والوزارات السيادية في زمن النظام السابق، وبعد سقوط الحاكم، يتضح أن المؤسسات السيادية تمثل المركز المهم لنخبة الحكم، والتي تسيطر عليها نخبة الحكم بنسبة كبيرة. وأيضا يتضح أن سياسات الدولة القائمة، تحميها بالفعل عدة مؤسسات، منها القوات المسلحة وجهاز الشرطة ووزارة الخارجية ومؤسسات الدولة الإعلامية، وقطاع مهم من السلطة القضائية، خاصة في الجانب الإداري والدستوري. فتلك المؤسسات هي التي تحمي الطابع العلماني للدولة، وتحمي طابعها القومي القطري، وتحمي سياساتها الخارجية القائمة على التحالف أو التبعية للغرب.
هذه المؤسسات أيضا، هي الأشد خصومة للتيار الإسلامية، وبها نخبة الدولة التي تعادي التيار الإسلامي عن قناعة، وليس فقط عن وظيفة. وبهذا تمثل تلك المؤسسات رأس الحربة في منع أي حاكم إسلامي أو حكومة حزب إسلامي من تمرير سياسات تتعارض مع سياسات الدولة القائمة وتغير من طبيعتها، خاصة طبعها العلماني جزئيا والقومي الخالص. مما يعني أن معركة التغيير داخل تلك المؤسسات تمثل التحدي الأكبر أمام عملية الإصلاح. ولكن بنية معظم مؤسسات الدولة ذات طابع شعبي، والمشكلة تتعلق أساسا بنخبة تلك المؤسسات، كما تتعلق أساسا بأن بعض مؤسسات الدولة تملك من أدوات السلطة والنفوذ ما يجعلها أكثر قدرة على مقاومة التغيير الذي تحمله الحركة الإسلامية في مشروعها.
والحالة التركية تختلف عن المصرية، فالنخب التي تحمي علمانية الدولة ليست بالضرورة علمانية على المستوى الشخصي، ولا توجد مؤسسات علمانية بالكامل، ورغم أن الجيش وبعض القضاء، يمثلا مؤسسات مساندة للطابع العلماني نسبيا في الحالة المصرية، إلا أنهما ليسا مؤسسات علمانية. مما يعني أن نخبة الدولة تحافظ على الطابع العلماني باعتباره جزءا من طابع الدولة، ومرتبطا بدورها ونفوذها، مما جعلها في خصومة وظيفية مع التيار الإسلامي، حتى وإن كان بعض نخبة الدولة في خصومة فكرية مع التيار الإسلامي، فالغالب أن تلك الخصومة تظل في أغلبها وظيفية بأكثر من كونها فكرية. ولكن هذا لا ينفي حقيقة أن بعض مؤسسات الدولة يمكن أن تكون أكثر حدة في مواجهتها للحركة الإسلامية من غيرها. كما أن الدولة تملك أدوات تمكنها من عرقلة أي حكومة، خاصة إذا تعاونت مؤسسة القضاء الإداري والدستوري مع نخبة الدولة، واستخدمت بعض التقديرات القضائية غير المرجحة، كوسيلة لفرض سيطرة الدولة على الحكومة، ومنع الحكومة من التمادي في عملية التغيير والإصلاح.
أزمة التيار الإسلامي.. الحفاظ على الخصم
يتبنى التيار الإسلامي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، قاعدة الحفاظ على الدولة، باعتبارها ملك المجتمع، ظهر هذا جليا بعد سقوط النظام السابق في مصر، حيث باتت جماعة الإخوان المسلمين ومعها التيار الإسلامي عامة، من أهم القوى التي تدافع عن بقاء الدولة، وتحاول الابتعاد عن أي مواجهة قد تؤدي إلى اسقاط الدولة، رغم أن اضعاف الدولة في حد ذاته، يفيد التيار الإسلامي أكثر من التيار العلماني، لأن اضعافها يؤدي إلى اضعاف قدرتها على عرقلة وصول التيار الإسلامي للحكم. وتلك المفارقة توضح اختلاف استراتيجية العمل بين التيار الإسلامي ونخبة الدولة والنخبة العلمانية.
فالملاحظ أن التيار العلماني انخرط كثيرا من مواجهات مع نخبة الدولة خاصة العسكرية بسبب رغبته في تولي قيادة المرحلة الانتقالية في مصر، مما اضعف الوجود المعنوي للدولة، وساهم في اسقاط البقية الباقية من هيبة الدولة. في حين أن نخبة الدولة حاولت إعادة سيطرتها على السلطة التنفيذية، من خلال إثارة الأزمات الحياتية، لتقدم نفسها بوصفها القادرة على حل تلك الأزمات، ولكن ما حدث من أزمات أساء لنخبة الدولة، كما أساء للدولة نفسها، حيث بدت الدولة في خصومة مع عامة الناس ومع الثورة الشعبية، وأصبحت خصما حقيقيا للثورة يحاول اجهاضها وافشالها.
أما التيار الإسلامي، فعمل من خلال منهجية الحفاظ على الدولة، حتى يقلل التكلفة التي يدفعها عامة الناس، على أساس أن تغيير الدولة لن يتم إلا تدريجيا، وعبر الوصول إلى السلطة من خلال انتخابات نزيهة وحرة. رغم أن محاولة التيار الإسلامي كانت تقوي من الدولة، ومن نخبة الدولة، وهي الخصم القوي للتيار الإسلامي. حتى باتت محاولات التيار الإسلامي للحفاظ على مكانة وهيبة القوات المسلحة المصرية، تتناقض مع الموقف السلبي للنخبة العسكرية للدولة، والتي تمثل أحد أهم العناصر التي يمكن أن تقف في وجه التيار الإسلامي وتمنعه من الوصول إلى السلطة، أو تمنعه من القيام بدوره حال وصوله للسلطة.
لكن الحسم الحقيقي لتلك المفارقة لم يأتي من أطراف المواجهة، بقدر ما جاء من عامة الناس، ومنهم جماهير التيار الإسلامي الممثل للأغلبية المجتمعية، حيث باتت هيبة الدولة وهيبة نخبة الدولة تسقط بفعل حركة تمرد الشارع ضد الدولة، باعتبارها السلطة التي فرضت على عامة الناس نظام حكم معادي لهم. ولكن استراتيجية التيار الإسلامي ممثلا في جماعاته وأحزابه، والتي تحاول الحفاظ على الدولة حتى يتم إصلاحها وتغييرها، مع المواجهات التي تحدث بين نخبة الدولة والتيار الإسلامي، شكلت في النهاية استراتيجية مزدوجة لدى التيار الإسلامي، تقوم على الحفاظ على الدولة بوصفها جهازا يملكه المجتمع، والدخول في مواجهة مع نخبة الدولة المسيطرة عليها، وهو ما يعني محاولة الفصل بين نخبة الدولة والدولة.
وهي نفس النظرية التي استخدمها التيار الإسلامي زمن النظام السابق، عندما حاول الفصل بين النظام الحاكم والدولة، وعندما سقط النظام، واستمرت مواجهة الدولة للتيار الإسلامي، اتجه للفصل بين الدولة ونخبتها. مما يجعل معركة التيار الإسلامي مع الدولة، تتجه إلى تحديد الخصم في كل مرحلة من المراحل وفصله عن الدولة، وهي منهجية تؤدي في النهاية إلى تجريد الدولة من النخبة الحاكمة لها، وتجريدها من سياسات الحكم القائمة والتي تتبعها الدولة، حتى تصبح الدولة هي مجرد الجهاز الإداري أو الهيكل المادي، المطلوب إعادة هيكلته وإصلاحه، ووضع سياسات جديدة له، وتغيير النخبة التي تديره.
الضغط الشعبي على الأطراف
لكن الدولة القائمة قبل الثورة، كانت دولة غائبة عند الأطراف، لأنها كانت دولة عاصمة، لا تستطيع أن تتمدد في الأحياء الشعبية والقرى، والمدن البعيدة عن العاصمة وحزام المناطق الشعبية المحيط بالعاصمة، بقدر تمددها في الأحياء الراقية للعاصمة . وهذا الغياب، لم يكن فقط بسبب استبداد الدولة أو فسادها، بل بسبب تكوينها الذي يميل للسيطرة على المجتمع، وهدم بنية المجتمع لصالح تمدد الدولة، وهو ما فشلت فيه الدولة المستوردة من الغرب عبر العقود.
والدولة القائمة بعد الثورة، لن تتمدد مرة أخرى، ولن تستطيع فرض سيطرتها من خلال متعاقد من الباطن، يفرض هيمنتها مقابل مقاسمة السلطة معها، بل سيكون عليها مقاسمة السلطة مع عامة الناس، بحيث تتمدد بقدر ما يسمح لها الناس بذلك، وبالطريقة التي يرى الناس أنها تمثل حاجة لهم، وتؤدي وظيفة لهم. مما يعني أن الدولة القائمة محاصرة من أطرافها بالفعل، من خلال سقوط هيبتها لدى عامة الناس، وغيابها المادي أحيانا، وغيابها المعنوي غالبا. وحصار نفوذ الدولة من قبل عامة الناس، يمثل الحصار الأهم الذي يفرض على الدولة قبول تغيير دورها ووظيفتها، حتى تصبح فقط وكيلة عن عامة الناس، تقوم بالدور الذي يحتاجه الناس.
والحصار عند الأطراف، يتقابل مع الحصار الحادث عند المركز بوصول أحزاب التيار الإسلامي للسلطة، لأن الدولة بهذا تتعرض لأكبر قدر من الحصار الشعبي، لأن التيار الإسلامي في النهاية هو تيار شعبي بامتياز. وإذا كانت نخبة الدولة تستطيع خوض معركة طويلة الأمد مع أحزاب التيار الإسلامي، فإن قدرتها على مواجهة الحصار الشعبي لها ضعيفة للغاية. فقبل الثورة لم تستطع الدولة التمدد إلا من خلال شبكات الاستبداد والفساد، وعندما تتمدد الدولة من خلال الشبكات الطبيعية والقيادات المحلية الطبيعية وبرضا شعبي، تصبح هيبة الدولة محدودة، ونفوذها أيضا محدودا. مما يعني أن نخبة الدولة تستطيع أن تحقق انتصارات وقتية في معركتها مع أحزاب التيار الإسلامي، ولكنها لن تتمكن من تحقيق تلك الانتصارات في مواجهتها مع عامة الناس، خاصة مع انتشار حالة التمرد على الدولة بين عامة الناس.
ومن جانب آخر، سنجد أن الحصار الشعبي للدولة ونخبتها، يتمدد ليصبح ضغطا شعبيا على الأحزاب الإسلامية، والتي يطالبها عامة الناس باتخاذ مواقف حاسمة في المواجهة مع الدولة، وضرب شبكة الفساد والاستبداد. مما يعني أن منهج الأحزاب الإسلامية المتدرج، يواجه بالضغط الشعبي كثيرا، مما يجعل الأحزاب الإسلامية تميل للمواجهة، حتى وإن كانت متدرجة أو حذرة. لهذا يظل العامل الفاعل في حسم تلك المعركة، هو مدى التكامل الحادث بين مواقف عامة الناس وبين قوى التيار الإسلامي، مما يجعلها قادرة على وقف مخططات نخبة الدولة الهادفة للسيطرة على السلطة، والتي تحاول فرض سيطرتها من خلال تأزيم الأوضاع ومنع أي إصلاح، وتعطيل الحلول العملية للمشاكل الحياتية.
الندية بين الدولة والمجتمع
لا تنتهي تلك المعركة إلا إذا تحقق التغيير الجوهري الأساسي في المعركة مع الدولة القائمة. ونذكر أن تلك الدولة أقامها الاستعمار، ومثلت وسيلة لبناء حكم استبدادي فاسد، وهدمت بنى المجتمع، وعطلت كل مؤسسات المجتمع، وأدت إلى الحاق الأذى بالمجتمع، مما جعل قيام الثورة هو الرد التاريخي على هذا النموذج المستورد للدولة، حيث التبعية للغرب تمثل خاصية أصيلة في هذا النموذج للدولة والسلطة. مما يعني أن دولة الاستبداد والفساد والتبعية لم تقم إلا بعد أن حطمت قدرات المجتمع على صدها ومواجهتها، مما أطلق يد السلطة الحاكمة ونخبة الدولة، لتسيطر على مقدرات البلاد.
ولأن إضعاف المجتمع وتحطيم مؤسساته والسيطرة على الموجود منها، كان منهج دولة الاستبداد في فرض سيطرتها، فإن تقوية المجتمع واستعادته لمؤسساته وتحرير المجتمع وتحرير مؤسساته، هو العامل الحاسم في معركة المواجهة مع نخبة الدولة القديمة. فالمجتمع القوي الذي يمثل ندا للدولة، هو الذي سوف يحسم المعركة مع نخبة الدولة لصالحه، ويفرض نموذج الدولة الذي يريده، ويبني الدولة التي تحمل هوية المجتمع وتتمسك بمرجعية المجتمع الحضارية، وتقوم بالأدوار التي يحتاجها المجتمع منها، فتصبح دولة وكيلة عن المجتمع.
والبعض لا يدرك أن المجتمعات الشرقية المحافظة المتدينة، مجتمعات قوية، لا تقبل سيطرة الدولة عليها، ولها نظامها العام، ولها مؤسسات قادرة على تنظيم حركة المجتمع. لأن المجتمع المتدين مجتمع له نظام عام قوي، يقيم مجتمعا قويا، أما المجتمعات المادية والعلمانية فهي مجتمعات ضعيفة، وتحتاج لدولة قوية تفرض سيطرتها على المجتمع وتنظمه وتديره. لذلك فالدولة القائمة، ولأنها علمانية الطابع، حاولت تفكيك المجتمع لتفرض سيطرتها عليه، وتفرض العلمانية عليه أيضا. ولأن المجتمع تحرر بعد الثورة، لذا أصبحت معركة تحرره لا تكتمل إلا باستعادة المجتمع لقوته وتنظيماته ومؤسساته، حتى يتحرر المجتمع بالكامل من سيطرة الدولة، مما يجعل للمجتمع دورا محوريا في النهوض والتقدم، ويجعل المجتمع -كما أشرنا- ندا للدولة، وليس خاضعا لها، بل ويجعل المجتمع يخضع الدولة للمرجعية التي يتبناها المجتمع، فتصبح الدولة ملزمة بالمرجعية العامة للمجتمع، والتي تخضع كل سلطات الدولة لها.
ولا يمكن اكمال تحرير المجتمع دون تغيير البنية التشريعية التي فرضت هيمنة جهة الإدارة على كل مناحي نشاط المجتمع، وتغيير البنية التشريعية التي سمحت للدولة بالسيطرة على مؤسسات المجتمع، خاصة المؤسسات الدينية والأوقاف. ومن خلال تحرير المجتمع من سيطرة جهة الإدارة، تفقد نخبة الدولة أهم أدواتها في السيطرة على مقدرات البلاد، مما يسمح بتحرر المجتمع فيقوى، ويصبح قادرا على حصار نخبة الدولة، وقادرا أيضا على تغيير نخبة الدولة، مما يحدث التكامل الفاعل بين
مؤسسات التيار الإسلامي، وبين عامة الناس وتوجهات المجتمع. وفي اللحظة التي تتكامل فيها الأدوار بين عامة الناس، خاصة جماهير التيار الإسلامي، وبين أحزاب وجماعات التيار الإسلامي، هي اللحظة التي تحاصر فيها نخبة الدولة القديمة وتنتهي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.