جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    عام التنمية الشاملة.. نشاط الرئيس السيسي في الشأن الداخلي خلال عام 2025    طلاب جامعة العاصمة يشاركون في قمة المرأة المصرية لتعزيز STEM والابتكار وريادة الأعمال    زيلينسكي: نناقش مع ترامب مسألة نشر قوات أمريكية في أوكرانيا    الطيران الحربي السوداني ينفذ ضربات على الدعم السريع تمهيدا لعمليات برية واسعة ( خاص )    طلائع الجيش يهزم غزل المحلة في كأس عاصمة مصر    وزير الثقافة يتابع تنفيذ توصيات لجنة الدراما بشأن أعمال موسم رمضان 2026    ما هي الصيغ التي ينعقد بها النذر؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ البحيرة ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية الطب البيطري و    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    نهاية تاجر السموم بقليوب.. المؤبد وغرامة وحيازة سلاح أبيض    القاهرة الإخبارية: الجيش اللبناني يتسلم سلاحًا وذخائر من مخيم عين الحلوة    تصعيد عمار ياسر لتدريبات فريق الزمالك قبل مواجهة الاتحاد السكندري    الداخلية تضبط أكثر من 95 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    تنظيم القاعدة يبحث في حضرموت عن ثغرة للعودة    رئيسة المفوضية الأوروبية: عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ضامن أساسي للسلام    "الداخلية" تكشف تفاصيل ضبط 12 متهمًا في واقعة إحداث تلفيات بزفاف تيك توكر شهير    محافظ الجيزة يعقد اللقاء الأسبوعي لبحث شكاوى مواطني الهرم وإمبابة والطالبية    21 يناير.. افتتاح الدورة ال16 لمهرجان المسرح العربي    حصاد الشرقية 2025.. تنفيذ 209 مشروعات خدمية بتكلفة 2.6 مليار جنيه    وزارة الرياضة: سنتقدم بملف لتنظيم بطولة كأس أمم إفريقيا 2028    بث مباشر مباراة الأهلي والمقاولون العرب في كأس عاصمة مصر    انطلاق مباراة غزل المحلة وطلائع الجيش في كأس عاصمة مصر    الداخلية تطلق خدمة حجز المواعيد المسبقة للأجانب عبر موقعها الرسمي فى الجوازات    كشف ملابسات مشاجرة بالجيزة وضبط طرفيها    خالد الجندى: العمر نعمة كبرى لأنها فرصة للتوبة قبل فوات الأوان    وزير الصحة يجري زيارة مفاجئة لمستشفى الواسطى المركزي ويطمئن على المرضى    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    خبر في الجول - ناصر ماهر ضمن أولويات بيراميدز لتدعيم صفوفه في يناير    حبس رمضان صبحي سنة مع الشغل    بعد تهديدات ترامب.. بوتين وبزشكيان يبحثان الوضع بشأن البرنامج النووي الإيراني    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الأمانة العامة لمجلس النواب تبدأ في استقبال النواب الجدد اعتبارا من 4 يناير    الرئيس الإيراني يتوعد برد "قاس ومؤسف" على تهديدات ترامب    بنك نكست يوقّع مذكرة تفاهم مع كلية فرانكفورت للتمويل والإدارة وشركة شيمونيكس لدعم استراتيجيته للتحول المناخي ضمن برنامج التنمية الألماني GREET    مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يكشف عن بوستر دورته الأولى    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    وكيل صحة سوهاج يلتقى أطباء قسم العظام بمستشفى طهطا لبحث تطوير الخدمات    وزير الداخلية يعقد اجتماعا مع القيادات الأمنية عبر تقنية (الفيديو كونفرانس)    إصابة شخصين فى حادث تصادم سيارتين بقنا    وزير الثقافة يُطلق «بيت السرد» بالعريش ويدعو لتوثيق بطولات حرب أكتوبر| صور    مشاجرة بالأسلحة النارية فى إدفو.. الداخلية تتدخل وتضبط المتهمين    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    محافظ المنوفية يضع حجر الأساس لإنشاء دار المناسبات الجديدة بحي شرق شبين الكوم    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    «هتحبس ليه؟ فرحي باظ وبيتي اتخرب».. أول تعليق من كروان مشاكل بعد أنباء القبض عليه    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين النظام والإخوان.. تأمين المناطق
نشر في المصريون يوم 23 - 11 - 2010

تتبع الحركات الإسلامية العديد من الوسائل الدفاعية التي تمكنها من الحفاظ على وجودها وبقائها، لأنها تدرك أن وجودها مستهدف، وهو أمر واقعي. فالنخب الحاكمة التي تقوم بدورها نيابة عن نفسها وبالوكالة عن الدول الغربية والمشروع الغربي، خاصة الحلف الأمريكي الصهيوني، تستهدف بنية الحركات الإسلامية، وتحاول حصار تنظيماتها وضربها من الداخل. فالتنظيم الإسلامي يمثل العقبة الحركية الأساسية أمام النخب الحاكمة، لأنه القادر على الفعل المنظم في الشارع، وبالتالي لأنه قادر على الحشد الجماهيري. لذا تواجه جماعة الإخوان المسلمين، أكثر من غيرها، عملية حصار منظم، تمتد بامتداد دول العالم التي توجد بها، وليس فقط الدول العربية والإسلامية.
فقد أسست جماعة الإخوان المسلمين على منهج يقوم على تنظيم مؤيدي الفكرة الإسلامية التي تحملها داخل إطار تنظيم منضبط، مما يجعل الجماعة تملك أدوات التحريك الجماهيري، وهو ما يساعدها على تحريك المجتمعات في وجه النظم الحاكم والقوى الغربية المساندة لها. والتنظيم كوسيلة تعتمد على الطاقة البشرية، يصعب مواجهته إلا من خلال خلخلة البنية التنظيمية أولا، حتى تتفكك في النهاية. وإذا كانت قوى التغريب والعلمنة قد فككت الأمة من خلال النزعة القومية، فإن الحركة الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، قد ردت على هذا التفكك من خلال تنظيم متماسك، وعابر للحدود القومية والعرقية.
وإذا كان وجود التنظيم الإسلامي يمثل عقبة أمام قوى التغريب والعلمنة، وقوى التفكيك والتجزئة، لهذا يصبح وجود التنظيم في حد ذاته خطرا على قوى الهيمنة الغربية، بمختلف مكوناتها. وبسبب تلك الحقيقة، نجد جماعة الإخوان المسلمين تعمل على تحصين التنظيم، في وجه الهجمات التي يتعرض لها. ولكن هذا التحصين يفرض على الجماعة قيودا معينة، ويرفع من تكلفة نشاطها، ويحد من النتائج المتحققة على الأرض.
المناطق الآمنة المتبادلة
إذا نظرنا إلى الحالة المصرية، بوصفها من أهم حالات المواجهة بين المشروع العلماني والمشروع الإسلامي، سنجد أن النظام يحاول تأمين المناطق التي يسيطر عليها، وتمثل الطبقة الحاكمة، وتمثل أيضا القيادة العليا للنظام الحاكم والدولة، حتى لا يحدث لها أي اختراق من قبل جماعة الإخوان المسلمين، أو التيار الإسلامي. لذا يعتبر النظام الحاكم نشاط الإخوان، بمثابة اختراق للدولة. وهو يعني بهذا أن تمدد الجماعة في المجتمع يجعلها تتمدد في فضاء الدولة، وتقترب من الطبقة الحاكمة، أو من بعض فروعها، مما يمكنها من اختراق المناطق الآمنة للنظام الحاكم، والتي تؤمن بقاءه في السلطة عن طريق شبكة المصالح المعقدة، والتي تسيطر على السلطة والثروة، وتسيطر على أدوات الدولة، مما يجعلها قادرة على فرض هيمنتها على الوضع السياسي. لذا يراجع النظام الحاكم كل المنتمين لشبكة الحكم في مصر، حتى يتأكد أنه لم يحدث له أي اختراق من قبل جماعة الإخوان المسلمين أو أي من التيارات الإسلامية، فأي اختراق للنظام من داخله، سوف يؤدي إلى تزايد احتمالات خروجه من السلطة، بدعم من قوى بداخله، قد تناصر جماعة الإخوان المسلمين، أو التيار الإسلامي عموما، مما يمكن الحركة الإسلامية من تغيير الحكم في البلاد.
وفي المقابل نجد أن حركة جماعة الإخوان المسلمين داخل بنية النظام الحاكم تتسم بالحذر الشديد، فهي لا تستطيع التمدد داخل الطبقة الحاكمة بسهولة، لأن هذه الطبقة مرتبطة بمصالحها، كما أن الوصول إلى أطراف هذه الشبكة الحاكمة، والدخول إلى بعض مناطقها يعرض الجماعة إلى البطش الأمني، لأنها بذلك تصبح داخل دائرة الحزام الأمني للنظام الحاكم. مما يجعل جماعة الإخوان المسلمين تتحرك بحذر في المنطقة القريبة من شبكة المصالح الحاكمة، وكلما حققت اختراقات واسعة بالقرب منها، ربما تتراجع عن التوسع أكثر من هذا، حتى لا تعرض من يؤيدها للمخاطر. وتمدد الجماعة عامة يؤدي إلى قربها من المناطق المؤمنة من قبل النظام الحاكم، ولكن اختراق تلك المساحات يؤدي إلى رفع درجة المخاطر التي تتعرض لها الجماعة.
وجماعة الإخوان المسلمين تحتاج هي نفسها، إلى وجود مناطق آمنة تؤمن التنظيم وتمنع اختراقه. مما يجعلها تتحرك في النطاق الجغرافي الآمن، بأكثر من المناطق الأخرى. فالجماعة تبني وجودها داخل نطاقات معينة، وتتمدد من داخلها، حتى توسع تلك النطاقات، ولكنها لا تستطيع توسيع حركتها في أي نطاق، خاصة في النطاقات التي لا يكون لها فيها تواجد ملموس. فالجماعة تتحرك من مناطق تواجدها إلى الدوائر القريبة منها، حتى تتمدد من الحيز الذي تحقق فيه وجودا، إلى الحيز القريب منه. يحدث هذا على مستوى الأفراد والمناطق الجغرافية، والعائلات، وأي إطار اجتماعي آخر. فالجماعة لا تميل إلى فتح الباب أمام تحركاتها، وأمام الانضمام لها، لأنها لا تريد أن تخترق من داخلها. واختراق الجماعة لا يحدث بسبب الاختراقات الأمنية فقط، والتي تحدث عادة في أطراف الجماعة، أي في العضوية الجديدة، ولكن اختراق الجماعة يحدث أيضا بدخول رؤى متعددة وغير منضبطة إلى داخل الجماعة، مما يسبب حالة من عدم التجانس الداخلي، والتي تفقد الجماعة تماسكها.
لذا أصبح التجانس الداخلي النسبي واحدا من علامات الجماعة، والذي يتمثل في درجة من الانضباط التنظيمي تحمي الجماعة، ولكنها تعرقل حركتها في فضاء المجتمع الواسع، وتجعل حركتها محسوبة، حتى لا تنزلق في تيارات المجتمع المختلفة، والتي قد تجعلها تتأثر بحالة المجتمع، أكثر من أن تغيرها. والمجتمع متعدد الشرائح، وبعض تلك الشرائح مؤهلة لقبول فكرة الجماعة أكثر من غيرها، وبعضها مؤهل للعمل التنظيمي أكثر من غيره، لذا تتحرك الجماعة في المناطق المناسبة لها، أو المؤهلة لقبول فكرتها ومنهجها، حتى لا تفتح بابها واسعا أمام فئات غير مؤهلة للالتزام بفكرة الجماعة أو منهجها، أو غير مؤهلة لتحمل ما تتحمله الجماعة من ظروف، مما يؤدي إلى ضعف الجماعة من داخلها، وهو ما يؤثر عليها أكثر من كل التحديات الخارجية.
وينتج عن ذلك، تشكل مناطق آمنة حول النظام الحاكم، ومناطق آمنة حول جماعة الإخوان المسلمين، مما يساعد كل طرف على حماية نفسه، وفي الوقت نفسه يحول دون وصول طرف ما للحظة الانقضاض على الطرف الآخر، وفرض شروطه عليه. وهو مشهد يؤدي إلى إطالة المواجهة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، لأن النظام لا يستطيع استئصال الجماعة، كما أن الجماعة لا تستطيع تغيير طبقة الحكم من داخلها، كما أنها تحتاج لمزيد من الوقت حتى تحاصر طبقة الحكم بالضغط الشعبي.
التمدد التدريجي المحسوب
هنا يظهر التعارض بين رغبة جماعة الإخوان المسلمين في تحقيق الأغلبية المجتمعية، حتى تتمكن من فرض الإصلاح الحضاري الشامل على النظام، وبين تحركها التدريجي المحسوب، حتى لا تخترق من داخلها أو تضعف من داخلها، وحتى تحافظ على الكادر التنظيمي الملتزم والقادر على التحمل والمواجهة. لذا تتحرك الجماعة، ولكن ببطء، يؤخر احتمال وصولها إلى الأغلبية المجتمعية، ولكن هذا البطء يساعدها على الاستمرار والبقاء مع التمدد الحذر. لذا يصبح الحذر وسيلة لحماية التنظيم وحماية ما يحققه من تقدم، ولكن يصبح هذا الحذر أيضا سببا في عرقلة الجماعة عن الوصول إلى بعض فئات المجتمع، مما يجعل تأثيرها لا يتمدد بنفس الدرجة داخل كل فئات المجتمع، مما يعرقل وصولها إلى المرحلة التي تستطيع فيها تمثيل كل فئات المجتمع، وتصبح جزءا لا يتجزأ من كل مكونات المجتمع.
هنا تظهر تكلفة التحصين والحذر، وهي تكلفة قد تكون أحيانا أقل من تكلفة المبادرة والمخاطرة، وقد تكون أحيانا أكبر من تكلفة المبادرة والمخاطرة. ولا يمكن الحكم على النتائج التي يؤدي لها الحذر أو المبادرة مسبقا، لأن عملية التفاعل الحادثة على الأرض بين الجماعة وخصومها، تتعلق بالعديد من العوامل المتفاعلة معا. لذا يصبح تقدير الجماعة للمخاطر التي ترتبط بنشاطها، هو توقعات نابعة من التجارب، ولكن التجارب المريرة أحيانا تشد الجماعة إلى المزيد من الحذر. ورغم أن الحذر يحقق للجماعة القدرة على الصمود والبقاء والتمدد، وهي العناصر الأساسية للإصلاح السلمي المتدرج، ولكن الحذر في حد ذاته، ناهينا عن التحديات الخارجية، يكفي لتعطيل الجدول الزمني لخطة الإصلاح. ومن هنا يظهر التعارض، وتتضح التحديات المعقدة التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين، ومعها الحركة الإسلامية عموما. فهي تريد البناء التدريجي، وتريد حماية البناء حتى لا يهدم، وتريد تحقيق التمدد المستمر لهذا البناء، ولكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى توسيع البناء بالقدر الكافي لنقل الحركة من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
والنظام الحاكم يعمل على حصار الجماعة داخل حدود معينة، لأنه لا يستطيع القضاء عليها، ويزيد من حصار الجماعة، حتى يمنعها من التمدد الواسع، وحتى يزيد من درجة الحذر لديها. وتصبح المواجهة مرهونة بعامل الزمن، ولكنها في الوقت نفسه مرهونة بقدرة الجماعة على التحرك خارج الحصار المفروض عليها، دون أن تخاطر بأكثر مما ينبغي، ودون أن تحذر بأكثر مما ينبغي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.