أعطي الرئيس الأمريكي تعليماته المشددة لفريق أمنه القومي ومستشاريه للتعامل باهتمام واحترام مع كرزاي الرئيس الأفغاني في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية والتي استمرت أربعة أيام صاحبه فيها خمسة عشر مسئولا أفغانيا بينهم عشرة وزراء . فرق كبير بين الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي أوباما إلي كابول تحت جنح السرية والظلام والمفاجأة وبين تلك الزيارة التي فتحت فيها أبواب الإدارة الأمريكية علي مصراعيها في وضح النهار وبشكل علني للرئيس الأفغاني ، ويبدو هنا أن أوباما أراد أن يفتح صفحة جديدة من العلاقات مع كرزاي باعتباره الشريك الأوحد في أفغانستان والذي لا بديل له ، ومن ثم فإن الرئيس الأمريكي قد أعطي سمعه لمستشاريه في ضرورة إعطاء المكانة والهيبة للرئيس الأفغاني لكسب ثقته في الحرب الدائرة علي قدم وساق للنيل من مقاتلي حركة طالبان لإجبارهم علي الجلوس إلي مائدة التفاوض . كانت العلاقات قد توترت بين كرزاي والإدارة الأمريكية الحالية لحد أن واشنطن لمحت بإمكانية إلغاء زيارة كرزاي بسبب تصريحاته التي اعتبرتها تلك الإدارة معادية ، وكان الرئيس الأفغاني انتقد أمريكا والغرب واعتبر أن تدخلهم في الانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة في أفغانستان هي التي قادت لتزويرها ، وهدد بالانضمام لحركة طالبان والتي ستصبح حركة مقاومة مشروعة ، كما أنه شرع في التقارب مع الصين وإيران ليقول لأمريكا إنه يملك أوراقا يمكنه الرهان عليها لبناء علاقة معه تعطيه مكانته وهيبته . هل أدركت الإدارة الأمريكية أخطاءها الحالية في أفغانستان وتحاول تداركها من خلال فتح أبواب البيت الأبيض لكرزاي واعتباره شريكها الموثوق به في الحرب الدائرة علي طالبان . تشير المعلومات إلي أن بوش كان يعقد لقاءات كونفرس شهرية مع كرزاي بينما أوباما في زيارته الليلية التي لم تدم سوي لبضع ساعات لم يهتم بالرجل بل ذهب يحاضره في ضرورة مكافحة الفساد . كما أن ريتشارد هولبروك " المعروف بطباعه الحادة والمبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان ندد بكرزاي علنا ، وذهبت تقارير أميركية تتحدث عن فساد شقيق كرزاي أحمد والي ووضعه علي قوائم المطلوبين للعدالة ، بل إن تصريحات المبعوث الدولي السابق لأفغانستان " بيتر غالبريث " وهو أمريكي قال إنه يشك في الحالة العقلية للرئيس الأفغاني وأنه يتعاطي المخدرات ، هذه الحملة الأمريكية والغربية علي كرزاي الذي يشعر بالعزلة في مواجهه قومه البشتون جعلته يعتقد أن هناك محاولات غربية لوضع السم له في الطعام لقتله والتخلص منه . يبدو أن الإدارة الأمريكية وبعد تسعة أعوام من الحرب المرهقة في أفغانستان منذ عام 2001 والتي لم تصل فيها إلي أي نتيجة علي الأرض ، بل يحدث والعكس وهو زيادة أعداد المدنيين المنخرطين في صفوف طالبان يجعلها تدرك أنه لا بديل عن الحوار مع طالبان خاصة وأنها ستسحب قواتها من أفغانستان في يوليو 2011 ، وأن الرجل الوحيد الذي يمكن أن يكون شريكا لها في إدارة عملية انسحابها من أفغانستان هو كرزاي خاصة وأن هناك اجتماعا لمجلس القبائل الأعلي " لويا جيركا " سيحضره ألف وأربعمئة من قادة القبائل البشتونية لبحث إمكان الحوار مع طالبان ومحاولة إدماجها في النظام السياسي الأفغاني . ما تفعله أمريكا الآن مع كرزاي من ضرورة أخذها في الاعتبار للثقافة التي جاء منها ذلك الرجل اللغز وهي الثقافة البشتونية يشير إلي أن ما فعلته مع كرزاي وحده لا يكفي بل يجب أن تفعل ذلك مع طالبان تلك المجموعة من المقاتلين وطلبة العلم الذين يقفون علي ارضية بشتونية صلبة تقول ثقافتها إنها تمجد الكرامة وترفض الصفع العلني ومن ثم فإن ما أشار إليه الرئيس " أوباما " في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع كرزاي من أن الأيام القادمة ستشهد حربا لا هوادة فيها مع طالبان لفرض شروط سلام أمريكية عليها حين يحين دور الحوار معها يشير إلي أن الإدارة الأمريكية لا تزال تسير في الطريق الخطأ . لا بد من صيغة حوار وسلام مشرفة مع طالبان يبدأ معها قادة القبائل في بناء هدنة مؤقتة ثم الحكم بدفع تعويضات وقبلها الاعتراف الأمريكي بالخطأ في حق ذلك الشعب وطلب الصلح منه هنا التقاليد القبلية تفرض عليهم الموافقة فرفض الطلب سيكون نوعا من العار . لا يكفي أن تتجمل أمريكا لشخص واحد مهما كانت أهميته ولا يكفي أن تعطيه مكانته وهيبته باعتباره الشخص الذي لا بديل عنه ، بل المطلوب الآن أمريكيا هو الاعتراف بالخطأ في حق البشتون وطلب حوار معهم حينها ستكون أمريكا أدركت بحق أن ثقافة الشعوب لا بد من أخذها في الاعتبار حين التعامل معها .