تعلن بعض الدول حالة الطواريء في الظروف القهرية الحقيقية في حالة تعرض البلاد للأخطار الجسيمة مثل أوقات الحرب ووقوع الكوارث العامة الكبرى وانتشار الأوبئة الفتاكة لحماية مواطنيها من تداعيات هذه الظروف غير الطبيعية. والطواريء كلمة تدل على حالة استثنائية ليس لها صفة الاستمرارية أو الدوام، ويعرف قانون الطواريء في أدبيات السياسة بأنه عبارة عن مجموعة من القوانين والمواد المقيدة للحريات لفترة زمنية قصيرة جدا لاتتجاوز بضعة أيام أو بضعة شهور على أقصي تقدير، أما إذا استخدمت حالة الطواريء لفترة أطول من عام واحد فإنها تعد أكبر دليل على فشل النظام السياسي ومؤشرا على افتتاح مزاد الفساد على مصراعية. وإذا نظرنا إلى العالم من حولنا نجد أن إعلان حالة الطواريء في فرنسا التي تعرضت لمظاهرات ضخمة لم يقبل المجتمع الفرنسي استمرار هذه الحالة أكثر من 12 يوما وعادت بعدها القوانين الطبيعية إلى سابق عهدها، ولم تستطع الحكومة اليونانية فرض قانون الطواريء أكثر من شهر على الشعب اليوناني- الذي خرج عن بكرة أبيه للتظاهر إبان قتل شرطي لأحد الشباب، وحتى في الولاياتالمتحدة وإنجلترا وأسبانيا رغم تعرضها لحوادث إرهابية لم تتمكن حكوماتها من إعلان حالة الطواريء لمدة عام واحد، أما في مصر فحالة الطواريء لم ترفع منذ أكتوبر عام 1981 وهي فترة حكم الرئيس مبارك بالتمام والكمال، وهذا يعني أن نظام مبارك لم يستطع إدارة الدولة بدون فرض الطواريء للحظة واحدة حتى أثناء نوم الشعب، ترى لماذا ؟. ومن المؤكد أن نظام مبارك وحزبه الذي لم يفز في أي انتخابات تشريعية أو رئاسية أو محلية منذ نشأته بدون تزوير لو نجحا في إدارة شئون البلاد طوال الأعوام الثلاثين الماضية وفق معايير العدالة والنزاهة والشفافية وطهارة اليد لما احتاجا إلى التمترس خلف هذه الترسانة من القوانين المقيدة للحريات بعضها قوانين تعود للعهد الملكي 1914 !، ولكن شيوع الفساد والظلم واغتصاب الحقوق المشروعة للمواطن وتجويعه وإهدار كرامته تحتاج إلى هذه الترسانة من القوانين سيئة السمعة لتكون سدا منيعا في وجه أصحاب الحقوق وهم غالبية الشعب المصري، بما يعنى صراحة أن حالة الطواريء هي أكبر ظهير لفشل الحكومة في معالجة مشاكل المواطن المصري البسيطة في وقف الاعتقال بدون أسباب ولا في الحصول على أجر عادل أو رغيف عيش آدمي وكوب ماء نظيف، أو توفير فرصة عمل شريف أو حتى أنبوبة غاز !!! لقد افتخر الرئيس مبارك والقيادات السياسية في الحزب الحاكم عشرات المرات بأن مصر تنعم بالاستقرار فكيف يجتمع الاستقرار والطواريء ؟ والواضح أنه ليس هناك ثمة حاجة إلى قانون طواريء أو قانون إرهاب، ورغم أن مبارك تعهد عدة مرات بإلغاء قانون الطواريء إلا أنه لم يف بعهوده في أي مرة من المرات، ومازال يريد تمديد حالة الطواريء التي ألقت بعشرات الألوف من الأبرياء في المعتقلات واستبيحت أثناءها الحرمات، وحوكم فيها المدنيون أمام محاكم عسكرية بقرار من رئيس الدولة، وفرغت الأحكام القضائية النهائية من مضمونها، وبيعت ثروات البلاد من أراض ومصانع وبترول وغاز طبيعي بأبخس الأسعار تحت حماية قانون الطواريء. إن حالة الطواريء المعلنة في مصر منذ مقتل السادات إلى اليوم والتي يتم تمديدها أوتوماتيكيا بالأغلبية المزيفة للحزب الحاكم هي جريمة العصر بكل المقاييس، ويجب أن يحاكم بسببها كل من حرض على استمرارها ومن دعا إلي تمريرها صراحة أو بالتدليس والاحتيال على الشعب، ولا يعفى من الحساب الشياطن الخرس الذين صمتوا صمت القبور عن مواجهتها وفضح تبعاتها. أما ادعاء النظام الحاكم بأن قانون الطواريء لا يستخدم إلا في الإرهاب والمخدرات فكلام باطل يناقض الواقع حيث تثبت الحقائق والأدلة الموثقة بالدراسات الاجتماعية أن أقسي الهجمات الإرهابية وقعت في ظل قانون الطواريء وأن تجارة المخدارت بأنواعها لم تزدهر إلا بفضل قانون الطواريء الذي فتح أبواب مجلسي الشعب والشورى والمحليات لنواب الكيف وتمتعوا بحصانة الحزب ومجلس الشعب المصري وبعض ضباط الشرطة، فقانون الطواريء لا يطبق إلا على من يمارسون العمل السياسي السلمي ولو كانت ممارسة السياسة بالشبهة. وإذا كان النظام الحاكم وحزب التضليل والتزوير قد فشلا في إدارة شئون البلاد في وقت السلم بدون استخدام أنياب قانون الطواريء القاتلة فالأجدر بهم أن يرحلوا غير مأسوف عليهم، وليأتي نظام يحترم آدمية الإنسان المصري ويطلق إبداعاته لبناء وطنه للحاق بركب التنمية والحضارة الذي قبعنا في " عكارة " قعره. واليوم قبل الغد، كل مصري مطالب بالوقوف في وجه تمديد قانون الطواريء مرة أخرى، وكل منا مسئول عن تمديد قانون الطواريء ويجب عليه أن يعبر عن رأيه بصورة عملية بالاحتجاج السلمي ضد القانون المشبوه الذي يحاول الحزب تمديده لحماية مؤسسة الفساد وتوسيع رقعتها وأنصاره أكثر وأكثر، فهلا دافعنا عن أنفسنا وعن مستقبل أبنائنا ووطننا، والعاقل يعرف أن الحقوق لا تعطى ولا تمنح ولكنها تنتزع انتزاعا، فتعالوا ننتزع حقنا بالضغط السلمي.