إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله... هكذا هتفت حناجز جماعة الإخوان وهم يمشون تحت المطر في شتاء عام 2000 في مدينة دمنهور حاملين الدكتور جمال حشمت في أول انتخابات أشرف القضاء عليها مع أن القضاء لم يكن إشرافه كاملًا وفازت جماعة الإخوان المحظورة من النظام بعدد 17 مقعدًا ومن يومها علم الإخوان أهمية القضاء والقضاة في معركته مع نظام مبارك فوقفوا بجانب القضاة وساندوا مطالبهم باستقلال السلطة القضائية واعتقل منهم من اعتقل وعلى رأسهم الرئيس الحالي الدكتور محمد مرسي، وكان ذلك في العام 2006 أي بعد عام واحد من فوز 88 نائبًا جديدًا للإخوان في برلمان 2005 وهو ما نسبته 20% من مقاعد البرلمان المصري وذهبت أكثرية مقاعده للمستقلين وكانت نسبة نواب الوطني آنذاك لا تتجاوز 25 % ولكنه ضم المستقلين حتى يفوز بالأغلبية. وهنا السؤال هل حدث تزوير عندما أشرف القضاة على الانتخابات في عام 2000 وعام 2005... أقول بشهادة قضاة: نعم.. ولكن حالات محدودة والمشهور في دائرة الدكتور جمال حشمت عندما أعلنت النتيجة من القاضي المشرف على الانتخابات على غير الحقيقة بضغوط من السلطة التنفيذية على المستشار أحمد نصّار المشرف على الانتخابات وكانت انتفاضة القضاة بعد شهادة المستشارة نهى الزيني التي تحدثت عن أن المشكلة ليست في القضاء الواقف أو الجالس ولكن في القضاء المنبطح. أما باقي حالات التزوير فكانت بالمنع أمام لجان الانتخابات أو تبديل الصناديق أو إعلان نتائج مخالفة لما سلمه القضاة من نتائج. ولم يكن هتاف "أن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله" تطلق به حناجر الإخوان في الانتخابات فحسب ولكن كان الهتاف يدوي أثناء نظر القضايا التي كان يلفقها النظام البوليسي في عهد مبارك. واليوم لماذا تغير هتاف "إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله" إلى "الشعب يريد تطهير القضاء"، والإجابة هي أن الأزمة بين القضاة وجماعة الإخوان منذ أن حازوا ثقة الشعب في انتخابات 2011- 2012 وهو ما أطلق عليه برلمان الثورة وتلويح النواب بتقديم قانون السلطة القضائية وهو ما استفز نادي القضاة وعلى رأسهم المستشار أحمد الزند حينما صرح بأنه والقضاة نادمون على الإشراف على انتخابات أتت بهؤلاء النواب وأنهم - أي القضاة - لن ينفذوا أي قانون يصدره هذا البرلمان، ثم كان حل مجلس الشعب في شهرين بعد تقديم دعوى بحله وهي التي كانت تأخذ ثلاث سنوات في عهد المخلوع ثم كانت المحكمة الدستورية العليا وحل الجمعية التأسيسية وعودة مجلس الشعب ثم بطلان عودته وأزمة النائب العام والفاتيكان ثم النائب العام وعزله ثم الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2012 والدستور واستفتاء الشعب عليه ومقاطعة القضاة له إلا قليل. إذن.. هي أزمات كثيرة بين القضاة والنظام الجديد بقيادة الإخوان... الإخوان فيها يستشعرون أن القضاة يترصدون لهم ويحاولون إفشالهم وتأخير التحول الديمقراطي والعملية الثورية بينما القضاة يرون أن الإخوان يريدون الانقضاض عليهم مستشهدين بكلمات المرشد السابق محمد مهدي عاكف عن إحالة 3500 قاضٍ للمعاش بقانون السلطة القضائية. وجاءت وقائع إخلاء سبيل مبارك بانتهاء مدة حبسه الاحتياطي بقوة القانون ولعلك تعجب حينما تقرأ حيثيات المحكمة والتي قبل أن تصدر قرار الإفراج سألت النيابة العامة الممثلة في المستشار طلعت عبد الله المعين من قبل الدكتور محمد مرسي عن رأيها في الإفراج فأجاب ممثل النيابة بأنها تفوض الأمر للمحكمة ولكن رئيس المحكمة عاد وسأل النيابة: هل تمانع النيابة في قرار إخلاء سبيل للمتهم وجاء الرد ب "لا" فقالت المحكمة في حيثياتها: "إن القرار بالإفراج عن المتهم وإنهاء حبسه احتياطيًا بات حقًا مكتسبًا بقوة القانون ولا يعد قرار المحكمة إلا كاشفًا عن حق تولد بقوة القانون بما يغل يد المحكمة في استغلال سلطاتها التقديرية" ولم تكتف المحكمة بذلك بل أنهت كلماتها بمناشدة المشرّع بالتدخل بتعديل النصوص الجنائية الإجرائية التي وضعت في الظروف العادية والتي لا تتناسب مع الحالة التي تمر بها البلاد وبما يوفر للقضاء آلية تمكن من تحقيق رغبات الشعب في العدالة المنصفة". وجاءت دعوة "مليونية تطهير القضاء" ليظهر سؤال هام "من يتظاهر ضد من؟" والواقع يقول الإخوان وحزب الوسط والجماعة الإسلامية يتظاهرون لمطالبة السلطة التنفيذية ممثلة في الدكتور محمد مرسي بتطهير القضاء... إذن قاطع المليونية كل القوى المدنية والثورية وبعض الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي مثل حزب النور والدعوة السلفية وحزب الوطن وكذلك مصر القوية بل زاد على ذلك توحيد كل القوى المناوئة لجماعة الإخوان مثل جبهة الإنقاذ التي دب بها الخلاف إثر الإعلان عن المشاركة في الانتخابات التشريعية وانقسم حزب الوفد وكذلك المؤتمر بقيادة عمرو موسي فعادوا الآن مجتمعين ضد الإخوان بجانب المستشار الزند الذي تلقى تلك المليونية كقبلة للحياة بعد آخر فشل لعمومية نادي القضاة التي لم يحضرها إلا 15 فردًا فقط والآن يقيم مؤتمرًا صحفيًا عالميًا ويطالب فيه بالتدخل الأجنبي داعيًا أوباما لإنقاذ الشعب المصري مخاطبًا إياه "إذا كانت لا تدري فتلك مصيبة.. وإذ كنت تدري فالمصيبة أعظم" إذن اختار الإخوان الوقت الخاطئ لتلك المليونية فكانت خسائرها أكبر بجانب ما سبق خسارة المستشار طارق البشري الذي قال: "خفض سن تقاعد القضاة جريمة في حق الدولة وخطيئة ضد الثورة وأن مشروع القانون هدفه السيطرة على القضاة والقوى السياسية تحاول عجزها عن محاكمة مبارك سياسيًا بتحميل القضاة فوق طاقتهم"، فضلًا عن خسارة الإخوان لحزب غد الثورة الذي قال نائبه بالشورى محمد محي الدين: :إنه في حال إقرار القانون سيستقيل من مجلس الشورى" كما خسروا المستشار أحمد مكي الرمز والقامة الذي رفض الاستقالة في أصعب الأوقات التي مرت بها الرئاسة إبان الإعلان الدستوري محافظًا على ما تبقى من مؤسسة الرئاسة بعد استقالة 10 من مستشاري الرئيس واليوم يهان المستشار مكي في تظاهرات تطهير القضاء. زاوية أخرى لابد أن نتوقف عليها مع تظاهرات مليونية تطهير القضاء حيث جاءت التظاهرات على عكس ما كان ينادي به الإخوان من الهدوء والكف عن التظاهرات لكشف المخربين، فضلًا عن أن التظاهرات لا معنى لها في ظل سلطة تنفيذية على رأسها الدكتور محمد مرسي وحكومة تدين له بالولاء ومجلس تشريعي يغلب عليه الإسلاميون ناهيك عن عدم التوافق على هذه المليونية. وبوضوح إذا أراد البعض تطهير القضاء بالفعل فعلينا إصلاح المنظومة من بداياتها حيث الالتحاق بسلك القضاء باختيار الكفاءات من أوائل دفعات الكليات التي تغذي القضاء من الحقوق والشريعة والقانون في ظل واقع من شباب القضاة يجب أن يراجع ثم بتفعيل التفتيش القضائي ومحاسبة كل من يثبت عليه شبهة تربح أو استغلال نفوذ، وليس معنى أن المستشار الزند مطلوب في تحقيقات بالتربح والاستيلاء على أراضٍ والمستشار عبد المجيد محمود بتلقي هدايا من المؤسسات الصحفية أو على أكثر تقدير هناك 150 قاضيًا تحيطهم الشبهات بحسب شهادة السياسي عصام سلطان... ليس معنى ذلك أن نطيح ب 3500 قاضٍ دون التشاور مع مجلس القضاء الأعلى لأن خفض السن بهذه الطريقة لن يضر بالقضاء الجالس فقط ولكن كل الهيئات القضائية مع العلم أنه يوجد حكم للدستورية العليا بهذه الحالة قضت بعدم دستوريته حتى بعد إقرار مجلس الشعب عليه وكان في عم 2001 وكان يتعلق بالأستاذ المتفرغ في الجامعة بعد السبعين وعدم التجديد له وهو ما أبطلته المحكمة الدستورية العليا. في نهاية الأمر يجب على مؤسسة الرئاسة إطفاء هذا الحريق والانتظار لانتخابات مجلس نواب جديد ويتناقش القضاة والمؤسسات المنتخبة حول قانون كامل للسلطة القضائية وليس ببنود منتقاة وأتمنى أن تتوقف الجماعة عن أذى نفسها واختلاق الأزمات وتوحيد صفوف الخصوم ضدها.