جماعة الإخوان المسلمين أهم جماعة سياسية في مصر، أهم من الحزب الوطني نفسه، وما يجري بداخلها اليوم، يعد واحدا من أهم الأحداث التي شهدتها مصر في السنوات العشر الأخيرة، سيما وأنه لأول مرة تجري فيها انتخابات داخلية، بدون أية مضايقات أمنية، بالتزامن مع نتائج صادمة للرأي العام المصري عامة ولقطاع المجددين داخل الجماعة خاصة.. وفي بيئة سياسية تنتظر مخاضا كبيرا عامي 2010 و2011، لا يمكن أن تتجاهلها أية قراءة جادة للتطورات المتلاحقة داخل الجماعة، والتي تدافعت بشكل مذهل خلال أقل من أسبوع. لا شك أن ثمة أسئلة كبيرة تحتاج إلى إجابات لتحديد مكان الحركة في المشهد السياسي المصري القلق على مستقبل الرئاسة والذي من المتوقع أن يتحدد بشكل أوضح بعد أقل من عامين. كان من اللافت أن تعلن الجماعة رسميا اجراء انتخابات مكتب الإرشاد علنيا ومن خلال أكثر الفضائيات الإخبارية العربية انتشارا "قناة الجزيرة".. وهو الحدث الأبرز في سلسلة الأحداث التي بدت وكأنها الأكثر الأهمية.. إذ أعلن الأمين العام للحركة د. محمود عزت في لقاء "متلفز" عن هذا الإجراء، ما أثار دهشة المراقبين على هذه الجرأة غير المسبوقة وغير المكترثة لرد فعل السلطات الأمنية التي لا تتوقف غاراتها الليلية على كوادر الجماعة بسبب وبدون سبب ! الإعلان جاء في صورة "مفاجأة" لأن د.عزت ليس مخولا له بحسب اللوائح الداخلية مهمة دعوة مجلس شورى الجماعة لانتخابات مكتب الإرشاد.. ما مثل صدمة كبيرة لقيادات الصف الأول والتي كانت مرشحة لخلافة أعلى سلطة في الجماعة "المرشد العام" وعلى رأسها النائب الأول د. محمد حبيب والذي قال لرويترز إنه لم يعلم بموعد الانتخابات إلا من خلال حوار عزت مع الجزيرة، ملمحا إلى استيلاء الأول على اختصاصات مكتب الإرشاد المناط به الدعوة لإجراء الانتخابات!. ظلت الانتخابات جارية على مرأى ومسمع من الإعلام والأجهزة الأمنية، إلى أن تم الإعلان عن نتائجها رسميا في بيان للمرشد العام الأستاذ مهدي عاكف يوم أمس بدون أن أية تدخل أمني وهو موقف كان خارج المألوف والمتبع مع الحركة التي تُستنزف يوميا من قبل مباحث أمن الدولة، وهو "العنوان" الأكثر بروزا في صدارة المشهد بلا جدال، ما أثار التساؤل عما إذا كانت الدولة تتوقع أن تأتي الانتخابات بنتائج تصادف هوى في نفس صانع القرار الرسمي، لصيق الصلة بالسيناريو الأهم، المتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. صحيح أن خروج نجوم الحركة الكبار مثل د. حبيب وأبو الفتوح والشاطر من مكتب الإرشاد ربما يكون الحدث الذي قد يخفي في تلابيبه دلالات ومعاني بالغة الخطورة، إلا أن الملاحظة الأخطر في تقديري هو هذه "الهدنة" التي بدت بين الجماعة وبين الدولة منذ عشية الإعلان رسميا عن إجراء الانتخابات عبر الجزيرة وعلى لسان أمينها العام وإلى أن تمت جولتها الأولى ثم الإعادة بسلام وإعلان نتائجها أيضا بجرأة لم نعهدها من قبل، من خلال بيان رسمي تضمن قائمة بأسماء الفائزين.. فيما اكتفت الأجهزة الأمنية ب"المشاهدة" وكأن السيناريو داخل الجماعة جاء على نحو ما تشتهي الدولة وتتمناه. هذه النقطة تقريبا هي التي أثارت قلق القطاعات الشابة داخل الجماعة، لأنها تحمل دلالات لا تبعث على الاطمئنان، خاصة وأن الأحداث تأتي عشية الترتيبات الرسمية لانتخابات مجلس الشورى وبعدها البرلمان استعدادا لتسمية رئيس مصر المقل عام 2011م [email protected]