يسود المجتمع المصري في الوقت الحالي مشاعر واضحة من الاحباطات لا تبعد كثيراً عما كان سائداً قبيل اندلاع حركة الجيش في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.. وإن كانت الأوضاع والسلبيات الحالية تختلف عن الدواعي التي اسرعت بتحرك الجيش المصري في ذلك الوقت.. إلا ان الاحتقان والشعور العام والسلبيات التي تحيط بنا، لا تختلف كثيراً في آثارها علي المجتمع المصري ومعاناة بني الوطن علي كافة مستوياتهم وفي حياتهم اليومية التي تقع مسئوليتها علي عاتق الحكومات المتعاقبة من جهة والنظام السياسي المصري في المقام الأول وعدم القدرة علي إدارة مواردنا. وما يسود المجتمع المصري من سلبيات وانهيار في كثير من مناحي الحياة ومن المقومات او من مصادر وإدارة ثرواته المتعددة سواء كان ذلك في الميدان والزراعي. أو في الميدان الصناعي. أو في ميدان الخدمات علي اختلاف مجالاتها أو ازدياد مظاهر الفوضي والتسيب والفساد إلا مظاهر واضحة لأي مراقب أو مهتم بالشأن المصري العام.. وقد يكون من الصعب حصر هذه السلبيات في هذه المساحة التي تتيحها لنا صفحة الرأي.. إلا ان انحدار مستوي المعيشة وانتشار الفقر الواضحين. وتتابع مشاكل الفساد والإفساد وتعرض الوحدة الوطنية لهزات واضحة. وهي عصب الأمن والأمان علي ممر التاريخ هي في مجموعها ما دفع إلي كتابة هذه السطور. أولاً: ففي الميدان الزراعي: ترتب علي اختيار فلسفة تقسيم الملكية الزراعية وتفتيتها دون إعداد مسبق أو اختيار يتناسب مع حسن استخدام واستغلال هذه الثروة الأساسية. مما ترتب عليه الانتقال غير المدروس من استغلال الأراضي الزراعية في ظل ملكيات واسعة الي استغلالها في نطاق ملكيات صغيرة دون خطوات تضمن عدم تدهور الإنتاج الزراعي أو ضياع الأراضي الزراعية نفسها. تحت مطالب صغار الملاك الأمر الذي ترتب عليه طبقا لتصريحات المسئولين سواء في الحزب الحاكم أو الحكومة ضياع قرابة »ألف وسبعمائة مليون فدان« تحت المباني التي أقيمت عليها طوال نصف قرن الماضي. وفي ظل تغيب القانون واحترامه. وتحت سمع وبصر الدولة وبمشاركة من جانبها، وهي تمثل ثلث الثروة المصرية البالغة ستة ملايين فدان الأمر الذي أدي إلي تدهور واضح في الإنتاج الزراعي ومع ازدياد مضطرد في عدد السكان واتساع المساحة بين المطالب القومية من الناتج الزراعي وما ينتج عن هذا الميدان مما أدي إلي ازدياد واضح وتدريجي في وارداتنا الزراعية وعلي رأسها القمح مما يعرض الوطن الي مخاطر أمنية بالإضافة إلي التدهور في مستوي المعيشة الواضح والمتزايد. ثانياً: في الميدان الصناعي: إذا كانت اختياراتنا في الميدان الزراعي قد ترتب عليها هذا التدهور في الإنتاج الزراعي وفي صادراتنا من أهم هذه المنتجات وهو القطن المصري فان اجتيازاتنا في تأميم الصناعة المصرية وتحويلها الي ملكية الدولة سواء كانت ملكية أجنبية أو حتي مصرية وعلي رأسها شركات بنك مصر التي بناها طلعت حرب بأموال ورؤوس أموال الشعب المصري العادي وتمكين أهل الثقة من هذا القطاع الهام دون رقابة حرية أو حساب لمن يخطئ أو غير قادر علي الإدارة، الأمر الذي أدي إلي انهيار كثير الصناعات التي كانت تشتهر بها مصر وعلي رأسها الصناعات النسجية وتدهورت كافة الشركات الصناعية التي استولي عليها في ظل عدم التجديد المستمر أو مواكبة العصر في هذه الميادين المختلفة .. او انتشار الفساد والمفسدين وضاعت الصناعات المصرية المحدودة التي استولي عليها ونهبت عند التأميم كما نهيت مرة أخري عند اعادة بيعها في ظل ما اطلق عليه سياسة التخصيص.. ولم يحصل العمال المصريون أو الفلاحون علي حقوق وعدوا بها بل استغلوا طوال الخمسين عاما الماضية تحت راية ال 50% من الحقوق النيابية. الأمر الذي أدي الي تدهور الحياة السياسية المصرية أيضا تحت ظل الرجل غير المناسب في المكان المناسب. وهي السياسة التي مازلنا نمارسها حتي يومنا هذا. وحتي الانتخابات البرلمانية التي ستجري ابتداء من هذا الشهر. ثالثاً: ميدان الخدمات: لا يبعد الانهيار الذي أصاب ميدان الخدمات في مصرنا العزيزة سواء كان ذلك في ميدان التعليم في المقام الأول أو في ميدان الصحة العامة وخدماتها، أو غير ذلك من خدمات تصل بالحياة العامة لكافة أفراد الشعب سواء في الريف أو في الحضر وهو ما تتناوله صحافتنا يوميا. هذا علاوة علي انتشار الفساد والمفسدين وسرقة البنوك وازدياد أعداد هيئات المنتفعين بالنظام وازدياد مظاهر الفقر والجوع وتدني مستوي المعيشة الذي أوصل مصر الي الدرجات السفلي علي قائمة مستوي المعيشة بين الدول سواء كانت نامية أو حتي فقيرة، وإذا اضفنا عدم احترام القانون والالتزام به سواء من جانب الدولة نفسها ورجالها أو بالتالي باقي طبقات الشعب التي لا تري سببا للالتزام بالقانون طالما ان الآخرين لا يمثلون قياسا يحتذي به. كل هذه السلبيات أدت إلي انهيار واضح في المجتمع الذي تصل نسبة الأمية فيه إلي أكثر من 60% وهو ما يقارب الأربعين مليون نسمة. في الوقت الذي يتطور فيه العالم من حولنا في ميادين التكنولوجيا والتقدم العلمي. مما أدي الي هذه الزيادة الكبيرة في البطالة التي لم تشهد مصر لها مثيلاً من قبل. كل هذه الشواهد بدت واضحة في البرامج الانتخابية التي تقدم بها المرشحون سواء في انتخابات الرئاسة السابقة أو في برنامج المرشحين لهذا المنصب الرفيع وعلي رأسها مرشح الحزب الوطني ومرشحو باقي الاحزاب التي شاركت في هذه الانتخابات لأول مرة منذ إعلان النظام الجمهوري في مصر في أوائل الخمسينات أو برامج المرشحين في الانتخابات البرلمانية الحالية. والتي تتناول معظم السلبيات التي تسود المجتمع. وخاصة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والسياسية أيضاً. وفي ظل هذا الشد والجذب بين السلطة من جهة وبني الوطن من جهة أخري. وتحسب الغالبية من بني الوطن أن تكون المرحلة الحالية بداية مرحلة جديدة تقوم علي أساس احترام حقوق المواطنين في عقد اجتماعي جديد تلتزم فيه السلطة بواجباتها التي تكفلها كافة الدساتير في دول العالم المختلفة. أو أفراد الشعب في ظل سيادة القانون واحترامه والالتزام به. وفي ظل نظام سياسي يقوم علي أساس حقوق المواطنة. أصبح من الطبيعي ان يأتي التغيير نتيجة لإجماع المواطنين علي عقد اجتماعي جديد لا علي وعود من جانب الدولة أو في ظل برامج انتخابية تصبح في خضم الاحداث بعد إعلان النتائج!! ومن هذا المنطلق فان عقد مؤتمر عام تدعي إليه كافة القوي الوطنية علي الساحة لدراسة خطوات التغيير والتطوير التي تطالب بها الغالبية والتي أعربت عنها في تجمعاتها ودعواتها المتعددة طوال الشهور القليلة الماضية. ان التقدم والتطور لا يأتي كمنحة من أحد بل هو محصلة المطالب التي تؤدي الي خدمة غالبية بني الوطن وتحقيق عيش كريم لهم علي أرض الكنانة في مصالحة بين السلطة وبني الوطن وفي عقد اجتماعي جديد يقوم علي أساس احترام القانون وتطبيق دستور جديد يساوي بين كافة فئات الشعب دون أي تمييز لاي فئة من الفئات وتحقيق العدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد والإفساد والتغلب علي المشكلات المتراكمة في كافة الميادين السابق الاشارة إليها!!.. لا في ظل وعود انتخابية تتبخر مع مرور الوقت. ويخطئ من يتصور ان قدرة الشعوب علي الاحتمال بلا حدود.. فمهما كانت قدرات مواجهة الصعاب فان حركة الشعوب نحو التقدم من الصعب إيقافها وكما قال الشاعر التونسي الشهير أبوالقاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة..... فلابد ان يستجيب القدر ولابد لليل ان ينجلي.. ولابد للقيد أن ينكسر فهل ستجد هذه الدعوة اهتماما؟! ------------------------------------------------------------------------ الوفد