لعل السؤال الملح يدور حول مستقبل الأحداث الطائفية، والتي تمثل نوعا من النزاع الطائفي بين مسلمين وأقباط في مصر. ومستقبل تلك الأحداث، يرتبط بما حدث في الماضي، كما يرتبط بالمناخ العام السائد، وردود الفعل حول ما حدث من أحداث. وضرورة السؤال تنبع من تسارع وتيرة الأحداث، منذ نهاية عام 2004، بصورة تختلف عن ما حدث قبل هذا التاريخ، رغم بداية الأحداث الطائفية منذ عام 1972، بحادثة الخانكة الشهيرة. ولعل تكرار أحداث العنف الطائفي، تشير ضمنا إلى احتمال تصاعد تلك الأحداث. فمنحنى الحدث الطائفي في تصاعد. لذلك نتوقع تكرار هذه الأحداث في المستقبل، فلا يوجد سبب لتراجع الأحداث. فعندما تحدث حالة عنف طائفي، لا نجد تغيرا يطرأ على المناخ العام، بما يمكنا من توقع عدم تكرار هذه الأحداث. فسيناريو الحدث متكرر، يبدأ بحادثة بسيطة أو عرضية، أو يبدأ بإشاعة، أو يبدأ حتى بحادث عنف طائفي مهم، وفي كل الأحوال تتفجر مشاعر الغضب الطائفي لدى الطرفين، بصورة تجعل الانفجار الطائفي واضحا جليا. والمناخ الذي يفرز حالة العنف الطائفي، وهو مناخ التعصب والظلم، مازال مناخا سائدا، فلا يمكن الحديث عن تغير المناخ بسبب أي معالجات تتلوا الحدث الطائفي. فالمعالجة الأمنية، تسيطر على الأوضاع قدر ما تستطيع، ولكنها لا تغير من حقائق الأمور شيئا. والمعالجة الأمنية في غالبها، تهتم بأمن النظام وأمن الدولة، أكثر من تركيزها على الأمن الاجتماعي، بل نقول أن أجهزة الأمن ليس لديها رؤية عن الأمن الاجتماعي، ولا تعرف هذا المفهوم أساسا. ولا توجد معالجة سياسية لحالة الغضب والعنف الطائفي، وليس لدى النظام تصور عن المعالجات السياسية الممكنة، والتي من شأنها تغيير حالة الغضب الطائفي المتصاعد. أما عن المناخ، فالسائد فيه حالة من التعصب تتزايد عبر الوقت، ولا نلمح لها مؤشرات للتراجع، فالتعصب لدى الطرفين المسلم والمسيحي، تتزايد بوتيرة خطرة. وينتج عن التعصب حالة من التصور السلبي لكل طرف عن الآخر، وتلك الحالة تعمق الخلاف والاختلاف بين الطرفين، حتى يظن كل طرف عدم وجود ما يجمعه مع الطرف الآخر. وفي هذا المناخ، نصبح بصدد جماعتين، وليس جماعة مصرية واحدة. ونعتقد أن هذا المناخ لا يساعد فقط على حدوث العنف الطائفي، بل يعد شرطا لازما له. فلا يمكن وقوع عنف بين طرفين، دون وجود تصورات سلبية بينهم. فتلك التصورات السلبية هي التي تبرر العنف بينهما. وحالة الاحتقان الطائفي تتواكب مع حالة الظلم العام، حيث يقع الظلم على كل الأطراف، بما في ذلك الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وتلك الحالة تشير إلى غياب العدل بمفهومه الشامل. فغياب العدل يؤدي إلى الشعور بالظلم. وعندما يتم تعميم الشعور بالظلم لدى معظم الفئات، تتكون حالة من الاحتقان العام، تكشف عن نفسها في الاحتقان الطائفي. فحالة الظلم التي تعاني منها الجماعة المصرية، بسبب وجود نظام سياسي استبدادي، لا يعرف مكانا للحرية والمساواة في الوجبات والحقوق، تؤدي إلى خلق شعور بالغضب يتحول إلى مجرى الطائفية، وسرعان ما يتحول هذا الغضب، ليصب على الطائفة الأخرى أو الجماعة الأخرى، بقدر ما يصب على النظام الحاكم أيضا. تلك المؤشرات معا، تعني أننا بصدد حالة احتقان طائفي، تتزايد في شدتها. والأحداث الطائفية تزيد من درجة الغضب والاحتقان، بصورة تجعل المشاعر السلبية متراكمة عبر الزمن. وعندما نخرج من واقعة عنف طائفي، نكون بذلك قد رفعنا درجة الغضب الطائفي، عن ما كان قبلها. ومع تكرار الأحداث، يكون لدينا شحنة من الغضب والشعور بالظلم، تكفي لجعل الحادثة القادمة أشد خطورة. من تلك المؤشرات، نرى أننا بصدد تصعيد مستمر لحالة العنف الطائفي، تتواكب مع تزايد المناخ العام المسبب لتلك الحالة من العنف والغضب الاجتماعي الشامل. وهو ما يدفع الجماعة المصرية، نحو خبرات ذات تأثير تاريخي. فكلما تزايدت حدة المواقف التي تشهد عنف طائفي، كلما تزايدت الجراح الطائفية في جسد الجماعة المصرية. ولأن المناخ لا يتغير، ونظام الحكم لا يملك ما يفعله تجاه تلك الأحداث، لهذا نتوقع الأسوأ. والأسوأ، هو موقف عنف طائفي، يؤدي إلى جرح غائر بسبب عموميته أو اتساع رقعته، أو بسبب ما ينتج عنه من خسائر على الجانبين. فالانفجار الطائفي قادم، وفي كل مرة يكون أشد من المرة السابقة، وتنتشر حالة الخوف الطائفي لدى الفئة الأقل عددا، نعني الأقباط، مما يشير إلى توسع حالة العنف الطائفي، لتأخذ منحى شعبي. وفي مختلف الأحداث، نرى أن العنف يأتي من العامة، وربما يأتي من الشرائح الدنيا، ولكنه يؤثر على كل الشرائح، وينشر الخوف بين الجميع. ومن الضروري التأكيد على الفروق بين حالة الغضب الطائفي بين الأقل عددا والأكثر عددا، فالأقل عددا، ينتابه خوف حقيقي. ولكن في المقابل أيضا، نجد أن الأكثر عددا، تتكون لديهم تصورات عن ظلم يقع عليهم، وتمييز للفئة الأقل عددا، ويتكون لديهم مخزون من الشعور بالظلم. ووسط دائرة العنف والغضب والشعور بالظلم، لا نعرف من الجاني ومن المجني عليه، ولكن ندرك أننا مقدمون على عنف طائفي يسبب جرح غائر. وربما تفيق الجماعة المصرية، عندما تجد الخطر يتهددها، ولكن بعد انتشار الجراح بين أبنائها. فلقد وصلنا للحالة التي يصبح عندها وقف العنف الطائفي رهنا بأحداث خطيرة، تهدد سلامة الجماعة المصرية. [email protected]