أسوان تستعد لإطلاق حملة «اعرف حقك» يونيو المقبل    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في دوري المحترفين لكرة اليد    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    العاهل الأردني يؤكد ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لتكثيف إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    يورو 2024 - رونالدو وبيبي على رأس قائمة البرتغال    مفاجأة مدوية.. راشفورد خارج يورو 2024    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محكمة بورسعيد تقضي بالسجن 5 سنوات مع النفاذ على قاتل 3 شباب وسيدة    ضبط 4 أشخاص بحوزتهم 6 كيلو حشيش فى الدقهلية    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    الإعدام لعامل رخام قطع سيدة 7 أجزاء بصاروخ لسرقتها فى الإسكندرية    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    النطق بالحكم على مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بعد قليل    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    السيسي يستقبل مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية ويؤكد على دورها في نشر وتعميق المعرفة والعلم    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    كيت بلانشيت.. أسترالية بقلب فلسطينى    محافظ الفيوم يترأس اجتماع اللجنة الاستشارية للسلامة والصحة المهنية    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    الجلسة التحضيرية الرابعة للمؤتمر العام للصحافة مع القيادات الصحفية، اليوم    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أسعار طن الحديد فى مطروح وسيوة اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفون يحللون ما جري في العمرانية ويضعون الحلول التي تضمن عدم تكراره:

ما جري في العمرانية خطير، وله أبعاد تنذر بكوارث في المستقبل مالم يتم التحرّك وإصلاح الخلل الذي أدّي إلي وقوعه.
لقد باتت الحاجة ملحة إلي قانون إنشاء دور العبادة الموحّد، فمن خلاله لا يحدث الالتفاف ويتم إنشاء مبني خدمي ثم محاولة تغييره إلي دار للعبادة (كنيسة) كما حدث في العمرانية.
لم يعد خافياً أنّ الاحتقان موجود، والإحساس بالظلم يتراكم، ومن يشعر بالظلم فإنه يتعامل بعنف كما حدث في العمرانية. لقد تمت مواجهة العنف بعنف أيضاً، وهذا غير معتاد، والحل لا يمكن أن يكون بهذه الصورة في المستقبل.
التوتر الطائفي موجود، وفي الصعيد مثلاً تقع الحوادث لحظة بناء دور العبادة، فإذا تم بناء كنيسة يسارع الطرف الآخر ببناء مسجد، وإذا تمت التعلية في الكنيسة يسارع الآخرون بتعلية جدران المسجد، والعكس صحيح، فكل طرف يريد أن يحجب الطرف الآخر مع أن الإله واحد والابتهالات تصعد إليه بغض النظر عن علو المكان!
هناك ثقافة ناقصة هي ثقافة التسامح، ولضمان وجود بذرة لها، فإنه لا بد من فرض القانون كبداية.. قانون دور العبادة الموحد سيضمن ألا يتحوّل البناء إلي مناقرة ديوك. القانون ببساطة سيعطي الحق لمن يطلب في البناء بالشكل وبالمقاييس التي يحددها.
في التحقيق التالي استطلعنا آراء مثقفين ومفكرين، وسألناهم عن رؤيتهم لما جري في العمرانية وكيف نضمن ألا يتكرر مستقبلاً؟!
تابعت باهتمامٍ كبير الأحداث الأخيرة المؤسفة التي دارت في منطقة العمرانية، والتي كان باعثها قصة الصدام بين بعض المتظاهرين من الأقباط مع قوات الأمن علي خلفية شائعات ترددت حول تحويل أحد المباني الخدمية إلي كنيسة. وبحكم خبرتي في دراسة تاريخ الأقباط في العصر الحديث أستطيع القول بأن الشق الأول من الموضوع، وهو الخلاف علي بناء كنيسة، ليس بالأمر الجديد في حوادث التاريخ؛ فمشكلة بناء الكنائس في مصر تاريخيًا هي قضية مُلتبَسة، إذ ليست هناك نصوص واضحة تُنظِّم عملية بناء الكنائس.
وربما يُرجعنا ذلك إلي ما عُرف في الحياة السياسية المصرية بمسألة "الخط الهمايوني" الذي اتهمه البعض، دون معرفة، بأنه السبب وراء عدم التصريح ببناء الكنائس. بينما الحقيقة التاريخية تؤكد أن الخط الهمايوني، والذي صدر في منتصف القرن التاسع عشر، كان أول محاولة قانونية جدية للتصريح ببناء الكنائس وتنظيم أوضاعها في ذلك الوقت. واعتُبر هذا الأمر في حينه تطورًا كبيرًا وتقدمًا محمودًا نحو حرية العبادة باعتراف الدول الأوربية التي كانت تتابع آنذاك مثل هذه القضايا. بينما المشكلة الحقيقية تكمن في الشروط التي أصدرتها الإدارة المصرية في ثلاثينيات القرن العشرين، والتي عُرفت باسم "شروط العزبي"، وهو الذي أصدرها آنذاك، كانت في الحقيقة هذه الشروط تطورًا إيجابيًا آخر في حينه ووقته. لكن المشكلة أنه علي مدار عشرات السنوات التالية لم يصدر أي اجتهاد قانوني جديد لإعادة تنظيم أوضاع ترميم وبناء الكنائس في مصر، رغم المتغيرات السكانية والسياسية التي مرت بها مصر حتي الآن.
وكان الأمل الذي تعلقت به عقول وقلوب المهتمين بالشأن القبطي ومسألة الوحدة الوطنية، هو صدور قانون تنظيم بناء دور العبادة الموحد. لكن هذا القانون تأخر كثيرًا وبالتالي استمرت مسألة بناء الكنائس، أو حتي إعادة ترميمها، مسألة شائكة ومُقلقة ومثيرة أحيانًا للفتنة الطائفية.
وربما يتذكر البعض ورود هذا الأمر علي لسان الرئيس السادات في خطبه السياسية في سنوات السبعينات. حيث أعلن السادات أن البابا شنودة طلب منه تصريحًا سنويًا ببناء عدد معين من الكنائس، فأجابه السادات بالموافقة بل وضاعف العدد الذي طلبه البابا. بينما أكد البابا شنودة بعد ذلك أنه لم يحصُل علي شئ يُذكر من مثل هذه التصاريح.
وتحولت مسألة التفاف الأقباط حول القرارات المُنظِمة لبناء الكنائس وتحويلهم مباني خدمية واجتماعية إلي كنائس، أمرًا شبيهًا بما يحدث في العشوائيات من بناءٍ دون تصريح ثم فرض سياسة الأمر الواقع، وأصبح للأقباط خبرة طويلة في هذا الشأن. لكن هذا الأمر كان يُثير حفيظة بعض المسلمين، وكثيرًا ما نشبت أحداث فتن طائفية جراء ذلك، وكانت الدولة تحاول أن تقف علي الحياد في مثل هذه الأمور، لكن تداعيات الأحداث كانت تؤدي إلي تورط الدولة في هذا الشأن.
لكن الجديد في أمر حادثة العمرانية هو الصدام المباشر بين الأقباط والدولة، مما يستدعي للذهن مسألة هيبة الدولة واستقرار الدولة المدنية في مصر. إن الأمر لم يعد، في ذهني، ضرورة إصدار قانون دور العبادة الموحد، بل الأمر أخطر من ذلك. إن المشكلة الحقيقية تكمن هنا في حالة الاحتقان الطائفي التي تسود مصر حاليًا، وفي ظل هذا المناخ لن يُجدِ صدور أي قانون جديد، ولن يؤدي لحل المشكلة.
وأتصور أنه حتي لو صدر هذا القانون فسوف يتم الالتفاف حول قواعد تنظيم بناء دور العبادة، وتاريخيًا للمصري خبرة طويلة في الالتفاف حول القوانين. وربما يأتي يومٌ نري تنافسًا حادًا بين المسلمين والأقباط علي، لا أقول بناء، ولكن سأستخدم مصطلح "زراعة" مسجد أو كنيسة في كل شبر من أرض مصر. إن المناخ الطائفي السائد في مصر سيساعد علي ظهور حالة تنافس بلهاء في بناء دور العبادة، وكأن الجنة ستفتح أبوابها لمن يقوم ببناء أكبر عدد ممكن من دور العبادة، هكذا سيلعب الطرفين لعبة "الأهلي والزمالك"!
إنني أحرص دائمًا علي تذكير طلابي في محاضراتي أن التدين الحقيقي هو: دنيا ودين؛ وأُذكرهم بأن كبار مُفسِّري القرآن الكريم في التاريخ الإسلامي، مثل الطبري وابن كثير، هم أيضًا من كبار المؤرخين. فلو كان الاهتمام بالشأن الديني فقط هو السبيل لرقي الأمة، ما أضاع أمثال الطبري وابن كثير، أو حتي القاضي والمؤرخ والفقيه ابن خلدون، أوقاتهم في كتابة مجلدات كثيرة في علم التاريخ؛ ولكنهم كانوا يدركون أن التدين الحقيقي ورقي الأمة الإسلامية لا يأتي من خلال كتب الدين فقط، وإنما من علوم الدنيا والدين. وأقول أيضًا لطلابي الأقباط مقولة الإنجيل: "السبت للناس وليس الناس للسبت"؛ أي أن الدين خُلق لنفع الناس وسعادتهم وليس ليحبس الناس أنفسهم في أمور الدين.
إن الناس التي تتقاتل من الجانبين القبطي والمسلم علي بناء كنيسة أو جامع، لا تُدرك أن الله يُفضِّل بناء مدرسة أو مستشفي لتعليم ورعاية الناس.
إن مسألة المواطنة والوحدة الوطنية لابد أن تتم معالجتها من خلال أطروحات جديدة وجريئة، لابد من التوقف عن تقديم الصورة التقليدية عند حدوث أي فتنة طائفية، حيث يتم إعداد لقاء بين قسيس وشيخ ويتم تبادل تقبيل اللحي والتصفيق الحاد دلالة علي تأكيد مفهوم درامي للوحدة الوطنية. إن الحل الوحيد يكمن في تأكيد مبادئ الدولة المدنية المصرية الحديثة التي تم وضع الأسس الحقيقية لها منذ عام 1805. إن علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ وعلم النفس هم الفئة التي ينبغي أن يُتاح لها المجال لمعالجة حالة الاحتقان الطائفي التي استشرت في مصر. كما ينبغي علينا عدم الزَّج بالأمن لمواجهة هذه الحالة الحالية، وإلا ضاعت هيبة الإدارة والدولة في مصر.
إن معالجة المسألة الطائفية في مصر هي ضرورة حياتية عاجلة للمجتمع المدني، وعلي الدولة أن تُدرك هذا الأمر وأن تُقدم له الأولوية وتُغيِّر استراتيجيتها التي كانت تعتمد سابقًا في معالجة المسألة الطائفية من خلال المواجهة الأمنية. لابد من إعادة تنشيط مظاهر الدولة المدنية في مصر وتقديم المشروع قومي جديد للمواطنة، سيكون هو الحل، والحل الوحيد، لمعالجة مسألة الفتنة الطائفية وحالة الاحتقان التي يُعاني منها المجتمع المصري.
إننا نُطالب بسرعة إصدار قانون دور العبادة الموحد، ولكن في نفس الوقت نُطالب بضرورة إعادة الروح من جديد للدولة المدنية في مصر، وإحياء المشروع القومي للمواطنة وإزالة مظاهر الاحتقان الطائفي، وإعطاء مساحات واسعة لتحرُك المجتمع المدني في الجامعات وبين أوساط الشباب لتأكيد قيَّم المواطنة. ولابد للمؤسسات الدينية الجليلة، "الأزهر والكنيسة"، الاكتفاء بدورهم التاريخي في رعاية الشئون الدينية فقط، وعدم التدخل في الشأن المدني. دعونا نفتح حوارًا مجتمعيًا حول عودة الروح من جديد للدولة المدنية الحديثة في مصر.
H رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب- جامعة القاهرة
ما حدث موقف متكرر حدث مرة وسيحدث ومرات، وهو يحدث لأن هناك نوعاً من عدم القدرة علي حسم مشاكل في الواقع المصري ينبغي النظر إليها بشكل متجدد، ومن أهمها مشكلة دور العبادة والتي تحتاج قانونا موحدا، وصار هذا الاحتياج ملحاً الآن أكثر من أي وقت مضي.
الخط الهمايوني التقليدي كان مفاده أن لكل حي أو منطقة أو محافظة عدداً من الكنائس يتم بناؤها كل فترة من الزمن، هذا كان السائد والمطلوب تنفيذه، ولكن هناك متغيرات في العالم، فهناك تزايد للبشر، وهناك عودة الدين لحياة هؤلاء البشر، الذين يحتاجون بالضرورة دور عبادة جديدة. ما تفعله الكنيسة المصرية هنا هو بناء كنائس، الجميع يعرفون أنها كنائس، مسلمين ومسيحيين، ولكن ترخيصها هو ترخيص "نادي خدمات قبطي" مثلاً. وفي النهاية يتم تدشين المكان وتقام الصلوات فيه، ويصبح مطلوباً إقامة قبة ورفع صلبان في أيام. أحياناً ما تكون الظروف هادئة ويكون المحافظ متفهماً فلا يفجر المشكلة، وأحيانا لا يصبح لدي المسئول هذه المرونة فتنفجر المشكلة. قيل وقتها بالتأكيد إنها لحظة مناسبة، هناك انتخابات وحراك في البلد والشرطة لن تهتم. ولكن الشرطة عاندت، ولابد أن تتدشن الكنيسة بالشهداء.
صحيح أن المشكلة قد تتعلق في شق منها بالقانون، ولكنها لا تكمن في مخالفة بعض الأقباط لقوانين البناء، وإنما هي في عدم ملاءمة هذه القوانين. لهذا لجأ الأقباط إلي الحلول الملتوية. القبطي يرد علي من يريدون تصوير الأمر وكأنه مجرد مخالفة لقوانين البناء ويتساءل: ماذا لو كان هذا البناء مسجداً، هل كان أحد ليقترب منه؟
هناك علي الجانب الآخر، ارتداد إلي مفاهيم سابقة علي مفاهيم الدولة، مثل مفاهيم العائلة والطائفة والعمل والقبيلة. القبطي يثور من أجل الكنيسة، والمسلم يثور من أجل المسجد، وهناك آلاف المحامين الذين انتفضوا لأن محامياً زميلاً تمت إهانته. الدولة وافقت منذ فترة طويلة علي أنّ الكنيسة هي "بيت الشعب القبطي"، وليس الوطن. يبدو وكأن الرموز الدينية هي الشيء الوحيد الذي تُرك للمصريين لكي يدافعوا عنه، فلكي يهرب المصري من البحث عن حلول عملية لمشاكل حقيقية فإنه يخرج طاقته في الانتفاض دفاعاً عن رموزه، إخراج هذه الطاقة يشعره بالزهو والسمو عن المصريين العاديين، يصبح هو الوحيد الذي يتحدث باسم الله.
ربما كان مطلوباً من الأغلبية المسلمة أن تستوعب وتتسامح، ولكن الأغلبية هنا متشددة، وتشدّدها يؤثر حتي علي صلب اللاهوت المسيحي الذي لم يعد محبوباً فيه مناقشة فكرة اللاهوت والناسوت، كي لا يقوم المسلمون باتهام المسيحية بالوثنية. تشدد المسلمين هنا أدي إلي تقية المسيحيين، ولكن إلي أمور أخري في نفسية القبطي، إلي تقوقعه علي ذاته. لماذا مثلاً ثارت الضجة الرهيبة ضد فيلم "بحب السيما"، بل لماذا تم النظر إلي بطل الفيلم باعتباره ممثلاً للمسيحيين المصريين، ولم يتم النظر أبداً إلي "السيد أحمد عبد الجواد" بطل "بين القصرين" لنجيب محفوظ، بوصفه رمزاً للإسلام؟
أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة
بالطبع حدث تغير كبير في علاقة الدولة المصرية بالأقباط..
التغير حدث منذ عصر السادات، الذي استخدم الدين سياسياً. قبل ذلك لم تكن هناك مشكلة لأن الدولة المصرية الحديثة منذ بزوغها تعترف بالمواطنة.. المشاركة في ثورة 1919 أكدت علي ذلك.
استقرت فكرة المواطنة في وادي النيل مع الدولة الحديثة، قبل ذلك كانت الدولة إسلامية، لكن مع محمد علي تغير الأمر واستقر تماماً مفهوم المواطنة.
الآن تتراجع الدولة وتخضع لضغوط أجنبية ليست في محلها.. فيما يخص الشأن المسيحي فهناك تهديد واضح يتمثّل في مشروع قانون يطالب الكونجرس به، وهذا يدفع بعض المتشددين المسيحيين لصنع مجال آخر لتواجدهم غير فكرة المواطنة.. هذا أمر غريب، لأن السبب الرئيسي لوجود الكنيسة الأرثوذكسية، واستمرارها حتي الآن، يعود إلي دخول الإسلام مصر.. قبل فتح عمرو بن العاص للبلاد كانت الكنيسة البيزنطية تصادر أملاك الأقباط، وتضطهدهم، لكن صيغة التعامل الأفضل مع مسيحيي مصر لم تتحق إلا علي يد ابن العاص، وهو ما أكدته كتابات ساويرس بن المقفع. أما الآن فإن هذه الصيغة الثابتة تتغير، والدولة تتراجع، ويستغل بعض الأقباط ذلك التراجع لصنع شكل آخر من التواجد بعيداً عن فكرة المواطنة.. تراجع الدولة تمثل فيما جري بالعمرانية من ترك الأمر للأمن.. المعالجة الأمنية "خاطئة"، لا يمكن أن يتم ترك مثل هذه المسائل الحساسة لها.. لابد أن من إبعاد الأمن عن ذلك، هم مؤهلون لأمور أخري!
بالطبع هناك قانون لابد أن يُطبّق علي الجميع، وإذا كان لا يُنفّذ علي البعض فلماذا يطبق علي الأقباط فقط؟! ما جري في العمرانية يدّل علي وجود تجرُّؤ علي الدولة كذلك، لكن ذلك قد يبدو طبيعياً لأن الدولة نفسها صارت تسلك مسلكاً غير قانوني، فإذا كانت الحكومة لا تلتزم بأحكام القانون فالناس ستتعرض لإغراء الخروج عن القانون..لهذا فإن العنف متوقع!
الحل،هو، إرساء حقوق المواطنة، قبل التحدث عن حقوق المسيحيين لابد من إرساء حرية المواطن المصري في ظل ديمقراطية حقيقية، ستؤدي لمناقشة كل المشاكل في العلن، لكن أن تترك كل المسائل لمناقشتها في الظلام ستحدث مشاكل..لماذا لم تلجأ الدولة للقيادات الكنَسيّة مثلا؟!
الناس لديهم مشكلة كبيرة ..هناك كنيسة وجهات وموظفون في الحي والمحافظة غير موافقة علي بناء مخالف للقانون، حيث أن الترخيص كان لمركز خدمات وليس كنيسة، لماذا لم تبلغ هذه الجهات في المحافظة والحي القيادات الدينية المسيحية.. لماذا يترك القرار لموظفين ورجال أمن؟
لابد من التحدث مع القيادات في هذه الحالة..وإذا يئست المحافظة من ذلك تماماً، تلجأ لتطبيق القانون.. ومن ناحية أخري لابد من حث الكنيسة علي تطبيق القانون، بالطبع الحكومة كان لديها حق فيما فعلت، لكن ما كان ينبغي عليها أن تستخدم ورقة التنفيذ المباشر في البداية، وقف البناء كان يجب أن يكون آخر وسيلة لحل المشكلة وتنفيذ القانون..والله أعلم.
أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق
جهود التنويريين
مبشّرة ولكنها لا تكفي
شريف يونس
ما يميز حادثة الاقتتال بين الأقباط والشرطة في العمرانية عن كل الحوادث السابقة هو أن الصدام كان مع الشرطة مباشرة. ما يحدث عادة هو صدام بين طرفين ثم تتدخل الشرطة بشكل متحيز. في نجع حمادي كانت المشكلة بين أحد أعضاء مجلس الشعب له "عزوة" ما وأقباط لهم "عزوة أيضاً، ثم تدخلت الشرطة. ولكن هنا كانت الشرطة هي التي قامت بالمبادرة.
من الناحية الشكلية، الشرطة تقوم بتطبيق القانون، ولكن اختيار الوقت والطريقة يدل علي أنه هناك رغبة في التصعيد. أسباب التصعيد غامضة فهي تمثل أرضاً خصبة للشائعات. يقال مثلا إن السلطة تنتقم لنفسها بعد خسارتها معركة إبراهيم عيسي، وأن الموضوع كله مرتبط بصراعات بين جهات سيادية. الطريقة السرية لحكم البلاد ليست كلها مزايا، فهذه السرّية بالتحديد هي التي تمهد الأرض للشائعات وتشجع علي محاولة استكشاف ما هو خفي وراء القرارات، لتصبح الشائعات سيدة الموقف. ويؤدي غياب الشفافية وانعدام القدرة علي التحقيق المستقل والمحاسبة إلي استحالة تفنيد أية شائعة.
الأمر الآخر المقلق هو تصرف الأقباط أنفسهم. فالأقباط تصرفوا في هذه الواقعة بشكل طائفي بحت. حين وصل الإنذار تجمعوا للدفاع عن الكنيسة، ولم يبذلوا أية محاولة للبحث عن حلفاء ولا رفعوا مطالبهم في إطار الدفاع عن الحريات المدنية. كانوا ببساطة يدافعون عن مقدساتهم بصفتهم الطائفية. كجزء من تدني الوعي السياسي العام، لم يعد لعامة الأقباط من مطالب سوي تلك التي تتعلق بالكنيسة والقساوسة. وليس من شأن هذا الوعي سوي تكريس الطائفية، وصولاً إلي تكريس الدولة الدينية، التي سيحكمها رجال الإسلام السياسي بالطبع، مع تصميم قوانين خاصة للأقباط، وقوانين عامة يضعونها باسم المسلمين. ما لم تدرك غالبية الأقباط أن حقوقها الدينية لا
بيان من لجنة المواطنة بالمجلس
الأعلي للثقافة ضد العنف المستجد
أصدرت لجنة المواطنة وحقوق الإنسان بالمجلس الأعلي للثقافة في اجتماعها الأسبوع الماضي بيانا ضد المواجهات الأخيرة التي جرت بين الأقباط والشرطة المصرية في محافظة الجيزة. وجاء في البيان أن هذه الأحداث تعتبر تطورات مستجدة في مجال العنف علي المجتمع المصري مما يستدعي وقفة متأنية وحاسمة من منطلق وطني وإنساني بهدف معالجة الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلي أحداث مشابهة، وقد خلصت اللجنة إلي عدة توصيات أهمها في اللحظة الراهنة:
1-سرعة معالجة مسألة مشاكل بناء الكنائس من أجل الحفاظ علي الأمن القومي منعًا لتكرار هذه الأحداث وتأكيدًا لمبدأ المواطنة الذي نص عليه الدستور.
2-محاسبة المسئولين من جميع الأطراف عن تصعيد العنف الذي وصل إلي حد إراقة الدم.
3-الإفراج عن الشباب الذين قبض عليهم لأول مرة في هذه الأحداث حرصًا علي مستقبلهم.
إن الحرص علي سلامة الوطن، يقتضي البدء في تنفيذ هذه الخطوات درءًا للأخطار المتصاعدة والتي يراها أعضاء اللجنة حاوية لنذر خطيرة تقتضي التدخل الحاسم من الدولة.
يمكن أن يضمنها إلا نظام للحقوق من أجل الجميع، سيظلون أسري الرؤية الطائفية المهلكة.
الظاهرة الوحيدة الجيدة الآن هي تصاعد الأصوات المعارضة للتمييز الديني والطائفية مع تزايد الخطر، ليس فقط في الجمعيات المهتمة، مثل "مصريون ضد التمييز الديني" أو وقفة الناشطين أمام المكتب النائب العام، ولكن أيضاً، علي ما جاء في الصحف، تضامن بعض المسلمين من السكان مع الأقباط الذين تعرّضوا لهجمة الشرطة.
هذه ظواهر مشجّعة، ولكنها محدودة. والأخطر أن استثمارها وتنميتها في منتهي الصعوبة. ببساطة لأنه لا يوجد أي تنظيم يغطّي البلاد في طولها وعرضها سوي النظام والأخوان، ولا يبدو أن أيا منهما مستعد لممارسة نفوذه لمواجهة الأسباب الأعمق للطائفية.
في ضوء ذلك تصبح مسئولية المثقفين العلمانيين، والأقباط منهم بالأخص، كبيرة. فالمطلوب لا يقل عن مواجهة فكرية، عقلانية ومستقيمة، للطائفية عموما: الطائفية الإسلامية، والطائفية القبطية المضادة، بمنطق توفير الحريات العامة، بما فيها الحريات الدينية للجميع، وعلي أساس سياسي، لا طائفي. والأصعب أن المطلوب مواجهة الجمهور والنظام والقوي السياسية معا. ليس بمقدور المثقفين بالطبع قلب موازين القوي في البلاد، ولكن بلورة المواقف الشجاعة والمتّسقة شرط جوهري لمساعدة القوي التي ترغب في مواجهة الطائفية.
أستاذ التاريخ بجامعة حلوان
تراكم الظلم
بهي الدين حسن
ما حدث في العمرانية هو نتيجة تراكم طويل وممتد للشعور بالظلم والإحساس العميق بعدم الإنصاف، والأسوأ هو الإحساس لدي غالبية الأقباط أن هذا الإنصاف الذي يطمحون إليه لن يتحقق، وهذا نتيجة إهمال كل المطالب المشروعة للأقباط منذ أحداث العنف الطائفي في "الزاوية الحمرا" في السبعينات. كما يعزز هذا الإحساس بعدم الإنصاف والإحباط فشل كل الجهود التي قام بها الأقباط أو المفكرون والمثقفون ومنظمات حقوق الإنسان في تبني هذا المطالب وتحقيقها.
وتتلخص أبرز هذه المطالب في مطلب واحد هو مساواة الأقباط بالمسلمين، فالمسلم من حقه أن يبني مسجد في أي مكان طالما يمتلك الأرض لكن بالنسبة للقبطي يحتاج بناء كنيسة لسنوات طويلة ويستلزم إجراءات قانونية وبيروقراطية معقدة. ولا يتعلق الأمر بالبناء فقط بل حتي إن أعمال صيانة الكنيسة أو ترميمها تحتاج لسلسلة من الإجراءات القانونية والإدارية الطويلة.
إلي جانب الحق في بناء دور العبادة هناك الحق في تولي مسئولية المناصب الكبري، إضافة إلي التمييز في مناهج التربية والتعليم وعدم تركيز مناهج التاريخ علي فترة مهمة من التاريخ المصري وهو التاريخ القبطي، كما تفرض مناهج التاريخ علي الطالب القبطي دراسة الدين الإسلامي من خلال نصوص القرآن الكريم.
كل هذه الأمور تعمق المشكلة، وتزيد من الإحساس بالاضطهاد الديني لدي القبطي، وهذه المطالب ليست وجهة نظر المعارضة ولا الكنيسة بل هي ما سنجده إذا راجعنا تقرير وزير الإعلام الأسبق جمال العطيفي في لجنة تقصي الحقائق بعد أحداث العنف الطائفي في السبعينيات. وفي التقرير ذاته سنجد الحلول التي وضعتها لجنة تقصي الحقائق برئاسة العطيفي وتتلخص في ضرورة القضاء علي جميع أنواع التمييز بين الأقباط والمسلمين، لكن المشكلة أنه لا توجد حتي الآن إرادة سياسية لحل هذه المشكلة بشكل نهائي.
مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

أحداث تكشف أزمة الدولة المصرية
حازم حسني
ما شهدته محافظة الجيزة مؤخراً من أحداث شغب، قامت بها جماهير احتكم إليها بعض آباء الكنيسة في تحد صارخ لسلطة الدولة، لم تنشئ علي أرض الواقع المصري أزمة جديدة لم تكن تعاني منها الدولة، وإنما هي أحداث كاشفة لحقيقة أزمة بنائية لازمت دولة محمد علي منذ تأسيسها؛ فطوال عمرها الذي يمتد لأكثر من قرنين والدولة المصرية الحديثة لم تحسم هويتها: هل هي دولة مدنية أم دينية؟ وقد ظل هذا السؤال بلا إجابة حقيقية حتي بعد التعديلات التي دخلت علي الدستور طوال ثلاثة قرون مضت، إذ صارت لدينا بعد هذه التعديلات المثيرة للجدل صياغة ملتبسة تسمح بوجود هويتين في آن واحد، فمصر دولة مدنية بحكم المادة الأولي من الدستور، لكنها دولة دينية بحكم المادة الثانية!
هذا الوضع الملتبس شجع الكثيرين من حسني النية، وبعضاً من سيئيها، علي الحديث عن "دولة مدنية ذات مرجعية دينية" ، وهي صياغة إن لم توصف بأنها خطيئة دستورية فهي بكل تأكيد _ من الناحيتين المنطقية والعلمية- عبارة تناقض ذاتها؛ فالدولة المدنية- بالتعريف- هي الدولة ذات المرجعيات المدنية، في حين أن الدولة الدينية هي الدولة التي تستمد مرجعياتها من المصادر الدينية، صحيح أنه لا تناقض بالضرورة بين ما هو مدني وما هو ديني ، حيث يشكل الدين بالضرورة ضمائر وأفكار وتوجهات الأمة صانعة الدولة المدنية، لكن الفرق يبقي شاسعاً بين أن تكون مصر، بتنوعها الديني، هي مصدر التشريع في الدولة المدنية وبين أن يكون النص الديني- المسيحي أو الإسلامي- هو مرجعية الدولة الدينية، خاصة وأن النص الديني لا وجود له بغير قارئ للنص هو بالضرورة بشر، ومن ثم تحتكر القلة القارئة للنص الديني سلطة التشريع بما يتفق وقراءتها للنص، فيتلاشي بذلك عملياً مفهوم المواطنة حتي وإن اتفقت الأمة كلها علي نص ديني واحد، فما بالنا بالدولة المصرية التي لا يتفق مواطنوها علي مرجعية نص ديني واحد!
مرة أخري: الدولة الدينية ليست هي التي يحكمها رجال الدين، فهذه الأخيرة تكون دولة الكنيسة أو الملالي، أما الدولة الدينية فهي الدولة التي يكون فيها الدين مصدر التشريع كما تنص علي ذلك المادة الثانية من الدستور، الأمر الذين زيّن لأجهزة الدولة الوقوع في خطيئتين، الأولي خطيئة التعنت بخصوص بناء الكنائس في التجمعات السكنية الجديدة، وغير ذلك من مظاهر التعسف في استخدام السلطة، بما يؤصل ضمنياً لبعض أفكار صاحبت ما كان يعرف بحقوق"الفتح" التي تتناقض جذرياً مع حقوق"المواطنة؛ أما الخطيئة الثانية، فتخلّي الدولة عن دور المؤسسة "الجامعة" لكل المصريين ، أياً كانت انتماءاتهم الدينية ، ومن ثم دعوة الكنيسة _ بشكل مباشر أو غير مباشر- لأداء هذا الدور بالنسبة للمصريين الأرثوذكس ، فصار بذلك جزء من شعب مصر شعباً للكنيسة بالمفهوم السياسي للكلمة، وامتد سلطان الكنيسة علي هذا "الشعب" حتي كاد يغطي كل شئونه الحياتية لا شئونه الدينية فحسب.
إذا لم تتم معالجة هذا الخلل في بنائية الدولة المصرية، دون الوقوع في فخ معاداة الدولة للدين، ودون الوقوع في فخ التغافل عن غير هذا الخلل من مظاهر الأزمة البنائية للدولة، فإن أحداثاً جساماً وأكثر خطراً بكثير مما شهدته محافظة الجيزة مؤخراً ستشهده كل محافظات مصر لاحقاً، الأمر الذي قد ينهي وجود الدولة نفسه لحساب مسخ مشوه قد ينتحل مستقبلاً اسم الدولة المصرية، وقد يسطو علي تاريخها وعلي جغرافيتها، لكن لن يكون الدولة المصرية التي عرفها المصريون منذ فجر التاريخ، وهو ما أعتبره أكثر وطأة علي النفس من فترة الاحتلال البريطاني لمصر التي ربما تكون قد أقعدتنا لكنها لم تسحقنا كما نفعل اليوم بأنفسنا، ولكم في السودان عبرة يا أولي الألباب.
الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
نوع من التعبئة الطائفية
محمد البعلي
أحداث العمرانية تكشف عن نوع من التعبئة الطائفية السلبية. التعبئة في المجتمع لا تحدث في طرف واحد، ولكنها تحدث في الجانبين. الأقباط والمسلمين، ولم يعد خافياً بالنسبة إليّ أنه يتم تحميل كثير من الأحداث العادية التي تقع بالمجتمع بأكثر مما تحتمل. أقصد صبغها بالطائفية وهذا خطير. وهكذا تحوّلت مسألة مثل إزالة مبني إلي أمر مرعب.
لا بد أيضاً من النظر إلي ما جري من منظور آخر. فالدولة تعاملت معه بعنف مبالغ فيه، وربما يكون ذلك له علاقة مباشرة بوقوع الحدث في فترة الانتخابات البرلمانية. استخدام القوة المفرطة ليس مقبولاً ويؤدي إلي نتائج عكسية، والتظاهر لسبب بسيط سواء من جانب المسلمين أو الأقباط لا يستدعي ردعه بهذا العنف، ورأيي أن المثقفين عليهم واجب ودور في تخفيف التوتر الطائفي. ليس المثقفين فقط ولكن كل الفاعلين المدنيين من الجانبين. لو حدث هذا لأصبح ارتباط الأقباط في العمرانية وغيرها بالوطن أكبر من تمثلهم لهوياتهم الدينية والطائفية. نريد أن نقول للطرفين إن المؤسسات الدينية ليست الممثل الوحيد لهم.
الباحث ومدير النشر بدار صفصافة
قوة
القانون
الأب بطرس دانيال
كان من الممكن تلافي ما حدث في العمرانية بقانون إنشاء دور العبادة الموحد. هذا القانون هو ما يضمن عدم تكرار الأحداث مستقبلاً. معظم الأماكن القبطية تقدّم الخدمات ومن يرتادونها مسلمون أكثر من الأقباط، وإذا حدث أن خالف أحد في البناء فلا بد من خضوعه لتحقيق قانوني بشكل عادي. القانون هو ما يحكم هنا وليس الناس العاديون. دخولهم يتسبب في الفوضي وحوادث الاحتقان.
لا بد أن يعرف الجميع أنّ القانون هو ما يحكم لا التصرفات الفردية، لا بد من التوعية وتضييق الخناق علي التطرف والمتطرفين، مثلما تم إغلاق بعض القنوات الفضائية التي تنشر وتحض علي أفكار العنف، وفي النهاية تعلو القيمة المصرية، ويظل المسلم مسلماً والمسيحي مسيحياً يحكمهما القانون لا أكثر!!
مدير المركز الثقافي الكاثوليكي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.