د.أسامة أبوزيد يكتب :حقًا.. أم الدنيا    أخبار كفر الشيخ اليوم.. انقطاع المياه عن مركز ومدينة مطوبس لمدة 12 ساعة اليوم    البنتاجون يرفع ميزانية الدفاع لحوالى تريليون دولار.. رسالة ردع أم حرب؟    الرئيس السوري يهنئ الشعب برفع عقوبات قيصر ويؤكد بدء مرحلة البناء    وزير الخارجية الأمريكي: المحادثات بشأن أوكرانيا لا تهدف إلى فرض اتفاق على أي طرف    علي ناصر محمد يوضح سبب اختياره دمشق كمحطة إقامته بعد خروجه من صنعاء    المصري يتخطى زد في كأس عاصمة مصر    إبراهيم زاهر رئيسا لنادي الجزيرة حتى 2029    عصام صاصا و 15 آخرين أمام المحكمة غداً بسبب مشاجرة المعادي    الشيخ مصطفى إسماعيل.. «دولة التلاوة» يحتفى بقارئ القصر الملكي    قلم على ورق    جامعة تبوك تحتفى باليوم العالمى للغة العربية    ياسمين عز لمحمد صبحي: لما تتكلم عن السعودية الزم حدودك    البلطى بكام النهاردة؟.. أسعار وأنواع الأسماك فى أسواق الإسكندرية    صبرى غنيم يكتب:النبت الأخضر فى مصر للطيران    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة إلى 16% لهذا السبب    بوتين: لا نية لدى كييف للحل السلمي والمبادرة الاستراتيجية في يد روسيا    كأس أمم أفريقيا.. منتخب الجزائر يستبعد حسام عوار ويستدعى حيماد عبدلى    حمدى رزق يكتب:«زغرودة» فى كنيسة ميلاد المسيح    على ناصر محمد يكشف تفاصيل الوحدة اليمنية: خروجى من صنعاء كان شرطًا    مستشار رئيس الجمهورية يؤدى واجب العزاء فى وزير الثقافة الأسبق محمد صابر عرب    هشام عطية يكتب: دولة الإنشاد    كيفية التخلص من الوزن الزائد بشكل صحيح وآمن    أول "نعش مستور" في الإسلام.. كريمة يكشف عن وصية السيدة فاطمة الزهراء قبل موتها    استمرار عطل شبكة Cloudflare عالميًا يؤثر على خدمات الإنترنت    القبض على التيك توكر نورهان حفظي لتنفيذ عقوبة حبس بقضية مخدرات    انخفاض درجات الحرارة وشبورة كثيفة على الطرق.. "الأرصاد" تُحذر من طقس الساعات المقبلة    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 4 ملايين جنيه    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية تتفقدان قرية النساجين بحي الكوثر والمنطقة الآثرية ميريت آمون    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية لتعزيز منظومة التأمين الصحي الشامل    شراكة استراتيجية بين طلعت مصطفى وماجد الفطيم لافتتاح أحدث فروع كارفور في سيليا    اليوم.. ريم بسيوني تكشف أسرار تحويل التاريخ إلى أدب في جيزويت الإسكندرية    الداخلية تضبط 3 سيدات بالإسكندرية للإعلان عن أعمال منافية للآداب    جوارديولا يحسم الجدل حول مستقبله مع مانشستر سيتي    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    حقيقة انتشار الأوبئة في المدارس؟.. مستشار الرئيس يُجيب    الصحة: إرسال قافلة طبية في التخصصات النادرة وكميات من الأدوية والمستلزمات للأشقاء بالسودان    وزير الخارجية: مصر وروسيا متفقتان على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره    تحرش لفظي بإعلامية يتسبب في وقوع حادث تصادم بالطريق الصحراوي في الجيزة    محافظ المنيا يعلن افتتاح 4 مساجد في 4 مراكز ضمن خطة وزارة الأوقاف لتطوير بيوت الله    لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب فى الأوبرا    كشف ملابسات وجود هبوط أرضى بطبقة الأسفلت الملاصق لسور أحد الكبارى بطريق السويس بالقاهرة    حلمي طولان: لم يُطلب مني المنافسة على كأس العرب.. ووافقت لحل الأزمة    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    الصحة: تنفيذ برنامج تدريبي لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    بث مباشر| مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء ونظيره اللبناني في بيروت    للقبض على 20 شخصًا عقب مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب بالإسماعيلية بعد إعلان نتائج الفرز    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    اليوم.. الأهلي يواجه الجزيرة في دوري سيدات اليد    داليا عثمان تكتب: كيف تتفوق المرأة في «المال والاعمال» ؟    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    فضل الخروج المبكر للمسجد يوم الجمعة – أجر وبركة وفضل عظيم    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقررة الأممية بالأراضى المحتلة فرانشيسكا ألبانيز ل«المصري اليوم»: على العالم أن يختار: عزل إسرائيل أو موت سكان غزة (الحلقة 33)
نشر في المصري اليوم يوم 24 - 07 - 2025

وسط عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، وفى ظل الصراعات المتزايدة التى تهز منطقة الشرق الأوسط، التى تعيش واقعًا معقدًا، بعد أكثر من عام على حرب الإبادة فى قطاع غزة دونما آفاق واضحة لإنهائها، مع تمدد النزاع إلى جنوب لبنان، ووصول أصدائه إلى اليمن والعراق، ثم إيران، نطرح فى سلسلتنا «مستقبل الشرق الأوسط» مسارات منطقتنا، عبر حوارات مع نخبة من الساسة والمنظرين والمفكرين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتقديم رؤاهم مستندين إلى تجارب الماضى ودروس الحاضر، لنستشرف معًا الطريق
نحو المستقبل.
وانطلاقًا من جذور الصراع العربى الإسرائيلى، مرورًا بالتدخلات الإقليمية وصعود بعض القوى الجديدة كالفواعل من غير الدول، وتعقد المشهد العربى، نفتح معًا أبواب نقاش مستنير حول الدروس المستفادة من التاريخ وتأثيرها على مستقبل منطقتنا؛ لطرح رؤى وأفكار لاستشراف الغد والدور الحاسم الذى يمكن أن تلعبه الدول العربية إذا ما أعادت إحياء روابط تاريخية فى محيطها والدفع نحو استقرار مستدام وتحقيق مصالحها.
تنقسم محاور النقاش إلى جزأين، الأول أسئلة سبعة ثابتة، اعتمدناها بناء على طلب كثير من القراء، تتمركز حول مستقبل المنطقة، أما الثانى فيتضمن أسئلة تتجه نحو مساحات تتناسب مع خلفية الضيف صاحب الحوار، كى يضيف لنا أبعادا أخرى حول الرؤية التى تنتهى إليها الحوارات وصولا إلى كيف يمكن أن يكون للمنطقة مشروعها الخاص، بعيدا عن أى مخططات تستهدفها؟.
«ما يجرى فى غزة إبادة جماعية، والعالم متواطئ».. قالتها فرانشيسكا ألبانيز مقررة الأمم المتحدة الخاصة المستقلة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الأرض الفلسطينية المحتلة، بعد فترة ليست بالطويلة من عمليات إسرائيل العسكرية فى القطاع. قالتها قبل أن تتحول غزة بالكامل إلى ركام، قالتها بهدف الصحوة للضمير العالمى، وقبل أن يتحول الأطفال إلى أرقام فى عداد الإبادة التى لا تتوقف عنها إسرائيل وسط صمت العالم.
فى حوارها ل «المصرى اليوم»، الذى رأينا أن يكون فى إطار سلسلة «حوارات الشرق الأوسط»، نكسر معها ثبات الأسئلة السبعة التى تمثل عماد السلسلة الحوارية، نظرا لاستثنائية الضيفة التى تمسكت بإنسانيتها وكافحت بمواقفها الصلبة الشجاعة ممارسات إبادة الشعب الفلسطينى من آلة الحرب الإسرائيلية، ولم تخش التهديد والملاحقة من قبل واشنطن وتل أبيب، ولم تلتفت لمحاولات إسكاتها بالتهم الجاهزة بمعاداة السامية وغيرها، واتخذت من الكلمة نورا يفرق بين القاتل والضحية، تصرّ على أن تكون شاهدة كما قالت سابقا «إننا أمام كارثة سياسية وإنسانية ذات أبعاد أسطورية»، وتواصل القول: «كفى إنها إبادة».
تقول «ألبانيز»، بعد قرابة عامين من الإبادة، إن عمر ذلك أكبر بكثير من 7 أكتوبر، حيث يبدأ من 1948، ومع ذلك علينا أن نبدأ جميعا، بالنظر فى منازلنا ومعرفة ما يدعم القتل ونقاطعه، بأن نمنع التمويل للشركات التى تدعمه، بأن نقول جميعا كفى وإلا سيكتب التاريخ أن العالم رأى ومضى، وإلى نص الحوار:
■ كيف تعلّقين على حملات ترشيحك لجائزة نوبل، خصوصًا أن هناك آلاف التوكيلات عبر الإنترنت لدعم ترشيحك فى مصر؟
- سبق وقلت مرارًا إننى أشعر بالحرج الشديد من أن ينصبّ هذا القدر من الاهتمام علىّ بدلًا من أن يُسلّط على الفلسطينيين الذين يُقصفون ويُحاصرون ويُجوعون. أرجو أن تُكتب كلماتى كما أقولها الآن: لا يجب أن يكون التركيز علىّ، ولا أن تُطلق الحملات للدفاع عنى. بل يجب أن تُوجَّه هذه الجهود لوقف الإبادة الجماعية التى يتعرض لها الفلسطينيون، من الغرب ومن بقية العالم.
ومع ذلك، أفهم لماذا يرى البعض فى شخصى بصيص أمل، فى وقت يغيب فيه الموقف الفعّال من معظم القادة، حتى فى الأمم المتحدة، الذين يفتقرون إلى الشجاعة لتسمية ما يجرى بأنه إبادة، تمامًا كما حدث فى رواندا أو البوسنة، حيث كانت الأمم المتحدة حاضرة ولم تحمِ أحدًا.
لكن رسالتى لكل من يقول لى: «نحن خلفك»، هى أن يسأل نفسه: هل أنتم خلفى للاختباء، أم لتنظيم أنفسكم والعمل من أجل مساعدة الفلسطينيين فى التحرر من الفصل العنصرى والإبادة والفساد، حتى يعيشوا بسلام؟
وفى النهاية، إن من يستحق جائزة نوبل فعلًا هم الفلسطينيون فى غزة، لأنهم يقاومون وسط كارثة إنسانية لا تُصدق. وإذا كان لابد من تكريم أحد، فليكن الأطباء والصحفيين هناك، على ما قدموه من تضحيات فى سبيل السلام والحقوق الإنسانية.
■ نشهد فى رفح، تلك المدينة الصغيرة، تحركًا عسكريًا واسعًا من قبل إسرائيل، وتحولها إلى ما يشبه سجنًا مفتوحًا، فى ظل موجة تهجير قسرى وإخلاءات هى الأكبر منذ بداية الحرب. من منظورك كمسؤولة أممية، كيف يمكن توصيف ما يحدث؟ وهل سيقتصر الموقف الدولى على الشجب والإدانة فقط؟
- يجب أن يكون واضحًا للجميع، أن ما يحدث الآن فى رفح أو غزة لم يبدأ بالأمس أو الشهر الماضى. هذا هو النهج الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين منذ عقود.
■ سؤالى هنا: هل يدرك الناس، حتى فى دول غربية، أن ما تفعله إسرائيل اليوم هو استمرار لسياسات طويلة الأمد من القمع والعقاب الجماعى؟
- غزة لم تكن يومًا مكانًا طبيعيًا للعيش؛ منذ عام 1948 وهى «جيتو» للاجئين الفلسطينيين، واليوم تحوّلت بالكامل إلى معسكر اعتقال. نعم، معسكر اعتقال بكل ما تعنيه الكلمة. الناس هناك يُبادون، يُجوَّعون، يُقصفون، يُحرقون أحياء، ويُعذّبون بكل الوسائل الممكنة. هذه ليست فقط أزمة إنسانية، بل جريمة مستمرة تُرتكب بحق شعب بأكمله.
■ ما الذى يمكن أن يوقف ما يجرى؟ وبصفتك مسؤولة أممية، كيف يمكنكم مواجهة ما يحدث؟ وهل سنظل نكتفى بالإدانة فقط؟
- لا، الأمر لا يجب أن يتوقف عند الإدانة. لكن يجب أن نكون صريحين: يجب على الجميع المشاركة فى حملة الضغط، أقول ذلك حتى للذين يريدون وقف الإبادة وبلدانهم مشاركة فيها فالمسؤولية على عاتقهم أيضا، أنا مثلًا، كمواطنة إيطالية، أقول بوضوح إن إيطاليا تساعد فى الإبادة الجارية. ولهذا أقول للإيطاليين: عليكم أن تتحركوا. نظّموا احتجاجات، قاطعوا، اسحبوا استثماراتكم من الشركات التى تربح من الحرب، انظروا داخل بيوتكم، داخل مجتمعاتكم، واسألوا من يستفيد ماليًا مما يحدث فى غزة؟ لأن هناك بالفعل من يربح من الإبادة، سواء فى القطاع العام أو الخاص. والأمر ذاته ينطبق على باقى الدول: اسألوا أنفسكم، هل هناك من يربح من هذا الخراب باسمكم؟ وإذا كان الجواب نعم، فأنتم جزء من المشكلة ما لم تتحركوا.
■ كشخص عربى، كثيرًا ما أشعر بالالتباس تجاه مواقف العالم الغربى. على سبيل المثال، إيطاليا – الدولة التى تحملين جنسيتها – ترفض حتى دعم مهمتك الأممية. لماذا تختلف المعايير بين الدول؟ وكيف يمكن صياغة ميثاق دولى واضح يجرّم هذا النوع من القتل بغض النظر عمّن يرتكبه وضد من؟
- أولًا، دعنى أوضح شيئًا مهمًا: ما أقوم به ليس «حملة» شخصية، فأنا لست ناشطة. أنا مقررة خاصة للأمم المتحدة، ومهمتى الرسمية هى وصف ما يحدث فى غزة وفقًا للقانون الدولى. والحقيقة أن بلدى، إيطاليا، لا تدعم مهمتى لأنها تدعم إسرائيل فى ارتكاب هذه الإبادة الجماعية. على الأقل، الموقف الإيطالى واضح وصريح.
أما عن سؤالك، فالميثاق الأممى موجود بالفعل، لكنه لا يساوى شيئًا إذا لم تحترمه الدول الأعضاء. ما نشهده اليوم هو انتهاك صارخ لهذا الميثاق، وهناك دول تحاول وقفه، بينما دول أخرى لا تبالى.
فى مؤتمر دولى عقد مؤخرًا فى بوغوتا، بدأت مجموعة «لاهاى» باتخاذ خطوات عملية لمواجهة هذه الجرائم، عبر وقف المساهمة فيها. لذلك، السؤال الحقيقى يجب أن يُوجَّه للحكومات: ما الذى تفعلونه لمنع هذه الإبادة؟ ما هى الإجراءات التى اتُّخذت فعلًا؟ هذا هو السبيل الوحيد لاحترام ميثاق الأمم المتحدة، وليس الاكتفاء بالشعارات.
■ تواجهين حملة تحريض شرسة، بل وحتى عقوبات من الولايات المتحدة، فى سابقة ضد موظف أممى. هل يمكنك الحديث عن طبيعة التهديدات التى وصلتك؟
- لا أرغب فى الحديث عن التهديدات التى أتعرض لها، لأن تحويل الانتباه نحوى أمر غير عادل فى ظل ما يواجهه الفلسطينيون. هناك أكثر من 60 ألف فلسطينى قُتلوا، بينهم 20 ألف طفل، والآلاف يعانون الجوع والدمار، فلا ينبغى أن ينصبّ التركيز علىّ.
ما أواجهه حاليًا هو أمر فظيع وغير أخلاقى بكل المقاييس، وأعتقد أنه يجب أن تتم مواجهته والتصدى له. ومع ذلك، أُكرر: لا أريد أن يكون الحديث عنى، بل عن الضحايا الحقيقيين فى غزة.
■ نرى اليوم استخدام التجويع كسلاح ضد سكان غزة، وهناك إدانات صدرت بالفعل، لكن السؤال الجوهرى هو: ماذا بعد؟ ما الذى يمكن أن يوقف ذلك.. وكيف يمكن إيصال الغذاء والماء لأطفال غزة؟
- ما يجب أن يحدث أولًا هو انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى الفلسطينية المحتلة. إسرائيل لا تمتلك أى حق فى التواجد فى غزة، ولا فى الضفة الغربية، ولا فى القدس الشرقية.
هذا هو الأساس الذى يجب أن يُبنى عليه أى تحرك. وعلى جميع الدول أن تتحمّل مسؤوليتها، خاصة العربية الكبرى، أنتم تمتلكون نفوذًا واسعًا، ولكن هذا النفوذ لا يُستخدم بالشكل الكافى لإنهاء الاحتلال، والفصل العنصرى، والإبادة الجماعية التى تُمارَس ضد الفلسطينيين.
إن إيصال الغذاء والماء للأطفال لن يتم عبر بيانات الإدانة فقط، بل عبر قرارات سياسية جادة تُنهى الاحتلال وتضع حدًا للجرائم المرتكبة.
■ كيف تعلقين على الطرح القائل بأن الدول المجاورة للقطاع يمكنها أن تكسر الحصار وتدخل المساعدات الإنسانية. فى المقابل ترد مصر والأردن مثلا، بأن السبب فى ذلك إسرائيل بصفتها قوة احتلال.. وهى من تتحمل المسؤولية. ما موقفك كمسؤولة أممية؟ ومن يتحمل المسؤولية الحقيقية؟
- كمسؤولة أممية أرجو أن تقوم مصر بأكثر مما تقوم به لمساعدة أهل غزة، لكن يجب أن نكون واضحين: إنه إذا فُتح المعبر وأُدخلت المساعدات، فإن إسرائيل قد تقصفها. هذه هى المعادلة القاسية.
لكن ما هو مطلوب فعلًا، وسط استحالة هذه الافتراضات، هو أن تستخدم الدول الأكثر نفوذًا فى المنطقة، مثل السعودية والإمارات، سلطتها لتقول لإسرائيل بوضوح: «توقفوا فورًا عن القصف، أو سنقطع كل أشكال التعامل معكم ومع الولايات المتحدة»، هذا هو الموقف القادر على إحداث تغيير.
اليوم، نرى إسرائيل والولايات المتحدة يساهمان معًا فى تقويض النظام الدولى، بينما يرتكبان إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. وللأسف، لا أرى تحركًا جماعيًا حقيقيًا من الدول العربية أو حتى الغربية لوقف هذا الجنون.
وبشكل صريح، نعم، أعتقد أن الدول العربية الكبرى لا تفعل ما يكفى لمنع هذه الإبادة. ولا أعلم حتى إن كانت تصف ما يحدث فى غزة بأنه «إبادة جماعية»، وهو سؤال يجب أن يُطرح بوضوح.
■ ما هو اقتراحك لحل هذه المأساة؟ وما الخطوات التى يجب أن تُتخذ، سواء من جانب إسرائيل أو من المجتمع الدولى، لوقف ما يحدث؟
- أول خطوة ضرورية هى فرض عقوبات على إسرائيل. يجب على الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وقف تصدير الأسلحة إليها، ووقف شراء الأسلحة والتقنيات الأمنية منها. وهذا يشمل أيضًا الدول العربية، التى يجب أن توقف أى شكل من أشكال التجارة مع إسرائيل.
يجب أن يفهم الجميع أنه لا وجود لما يُسمى «إسرائيل الجيدة» و«إسرائيل السيئة فى المستوطنات». الدولة الإسرائيلية بكل مؤسساتها ترتكب جرائم، وهى التى يجب أن تتحمّل العواقب. الآن هو الوقت الحاسم، وإلا فسيستمر القتل والتطهير العرقى بحق الفلسطينيين.
الحل يتطلب وحدة الشعوب وتكامل نضالاتها. أتوقع من الدول العربية أن تعود إلى تقاليدها التاريخية فى التوحد ضد دولة تنتهك القانون الدولى بشكل منهجى.
فلنتأمل: إسرائيل قصفت سوريا ووسّعت وجودها هناك، وقصفت لبنان، وتوسّعت فيه أيضًا. ومن يظن أن مصر بمنأى عن هذا، فقط لأنها ليست ضمن الأهداف الحالية، فهو مخطئ. مصر، الأردن، العراق، اليمن.. لا أحد فى مأمن حين توجد دولة تنتهك القانون الدولى بهذا الشكل السافر.
■ فى ظل استمرار المفاوضات على تبادل الأسرى تحت القصف والتجويع والتهجير القسرى، هل ترين أن هذه المفاوضات تُستخدم كأداة من قبل إسرائيل لإطالة أمد الإبادة، والحفاظ على الوضع القائم كما هو، بل وربما تعميقه أكثر؟
- بكل وضوح، نعم. أعتقد أن المفاوضات الجارية تُستغل من قبل إسرائيل لتكريس الأمر الواقع، وليس لتغييره. إسرائيل تفاوض بنية سيئة، وهذا ليس أمرًا جديدًا. على مدار أكثر من 35 عامًا، كانت تدّعى الدخول فى مفاوضات سلام، بينما كانت فى الواقع تمضى قدمًا فى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من تهجير قسرى، ونقل قسرى للسكان، إلى ضم الأراضى، واليوم نصل إلى الإبادة الجماعية.
لا يمكن التعامل مع جريمة إبادة بالتفاوض. لا يمكن أن نساوى بين القاتل والضحية على طاولة حوار، بينما يستمر القصف والتجويع. ما يجب أن يتم هو وقف الإبادة، لا التفاوض حول شروط استمرارها. ما يحدث الآن من مفاوضات فى ظل استمرار الجرائم هو ببساطة تسويف يسمح بمزيد من القتل والموت البطىء للفلسطينيين، سواء تحت القنابل أو بسبب الجوع والمرض.
المجتمع الدولى إذا أراد فعلًا وقف الكارثة، فعليه أن يعزل إسرائيل دبلوماسيًا واقتصاديًا، لا يوجد خيار آخر فعّال.
وفى الوقت نفسه، نعم، يجب أن يعود الرهائن إلى ديارهم، وهذا حق إنسانى لا خلاف عليه، لكن أيضًا هناك ما يقارب عشرة آلاف فلسطينى معتقلين الآن، نصفهم تقريبًا دون توجيه تهم أو محاكمات، فى ظروف احتجاز غير إنسانية. العدالة لا يمكن أن تكون انتقائية، والمفاوضات لا يجب أن تُستخدم غطاءً للإفلات من العقاب.
■ إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ما التحديات التى ستواجه سكان غزة فى المستقبل القريب؟ وما المصير الذى ينتظرهم؟
- سيموتون. نعم، سيموتون، فردًا فردًا، وجماعيًا. ما يحدث فى غزة هو تدمير ممنهج لحياة الناس، نفسيًا وجسديًا. الفلسطينيون أقوياء، وما يبهرنا جميعًا هو صمودهم رغم هذا الجحيم المستمر، لكن ما يحدث لهم يتجاوز حدود الاحتمال البشرى.
نحن نشهد إبادة تُرتكب أمام أعيننا، والعالم صامت. الجرح الأخلاقى الذى يتركه هذا الصمت لن يُشفى أبدًا، لا للشعوب التى تتابع، ولا للمؤسسات التى تفشل فى التحرك.
فى النهاية، لا شىء سيكون منطقيًا أو قابلًا للفهم، طالما أن الإبادة مستمرة. كل ما يمكن أن نحمله من مسؤولية أو إنسانية يجب أن يُكرّس الآن لوقف هذه الجريمة، وإلا فإن التاريخ سيكتب أن العالم رأى ومضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.