مؤكد.. مصر هبة النيل

كنت أقرأ مقالاً بعنوان «ارفع رأسك أيها المصرى» للكاتب الكبير صلاح عيسى، الذى ضمّنه رأياً مفاده أن مصر هبة المصريين!
وليست هبة النيل، كما قال هيرودوت.. عندئذ وجدتنى أتوقف بالتأمل عند جوهر هذا الرأى الذى طالما سمعته منذ أن كنت صغيراً، كتصحيح لرأى المؤرخ هيرودوت بأن مصر هبة النيل.. وكغالبية المصريين بعد معركة أم درمان الكروية الأخيرة بت ميالاً لتقصى جوهر الأفكار، واستخلاص الصالح منها والمتسق مع واقعنا الحالى والمعيش، لا ما قد أورثه إياناً السالفون فى قوالب سابقة التجهيز، لم تعد كما يبدو صالحة للانتهاج.. ذهبت حيث قادنى تفكيرى فوجدت المصرى قبل عدة آلاف من السنين لم يكن أكثر من تائه فى لجة رمال لا آخر لها..
رأيته يرتحل إثر مصدر الماء كأى بدوى رحال كلما جف نبع رحل خلف آخر، حتى وجد نهر النيل حيث الخير يفيض على مدار العام، فعرف لأول مرة منذ أوجده الله معنى الاستقرار.. وحينها فقط شعر بالأمان فامتد وانتشر، ثم زرع فأثمر، ثم بنى فعمر، وتطور فابتكر، وفكر فأبدع.. ومرت السنون مراكمة العصور فوجدنا أنفسنا -المصريين- هبة النيل.. النيل هبة الإله فمن الطبيعى أن نتوجه بالعرفان أولاً لله مانح الخيرات ومسبب الأسباب..
أول أوجه العرفان بفضل الله أن نحترم السبب الذى سخره الله لخيرنا ألا وهو النيل، نصونه ونبقيه طاهراً نقياً، حتى لو كلفنا ذلك حياتنا، فهو حياتنا، فإهماله ليس خطأ وإنما خطيئة لا تقل عنها خطيئة إهمالنا للدول التى يمر بها هذا النهر العظيم حتى يصلنا، فكم من عقود مرت ونحن نولى وجهنا شطر الجفاف والجفاء، متجاهلين البسطاء طيبى القلب شركاءنا فى شريان الحياة، متى سنعرف أنهم أولى بالاستثمارات التى نلقيها بالمليارات فى أحضان ذئاب الصحراء الذين لا يتورعون عن نهش لحمنا ولعق دمائنا.. إن مصر هبة النيل بحق، فدعونا نولِّ وجهنا شطر الحق، علنا نجد من الله رضاً وكرماً.