لأن الدكتور محمد عبداللاه كان قريباً من الرئيس السادات، ولأنه سمع منه وتكلم معه، بشكل مباشر، ولأنه كان صاحب دور أساسى فى المفاوضات السابقة على استعادة طابا عام 1989، فهو مدعو إلى أن يكتب لنا: ماذا رأى وماذا سمع.. فأهمية شهادته أنها شهادة من داخل إطار الصورة! مقالات متعلقة * الحرث فى البحر! * فعلها الألمان مرتين! * عين الصواب! روى له السادات يوماً أنه لما طار إلى دمشق قبل زيارة القدس، للقاء مع حافظ الأسد، لم يكن يسعى إلى تأييد سورى، وإنما كان الهدف أن يشرح للأسد أن زيارته إلى إسرائيل هى من أجل إعادة الأرض العربية المحتلة كلها، وليس أبداً من أجل الأرض المصرية وحدها! فماذا طلب من الأسد؟!.. طلب أن ينتظر هو وغيره من الرؤساء العرب، وأن يصبروا عليه، وألا يبادروا بالرفض، أو الهجوم، حتى لا يُضعفوا موقفه أمام الإسرائيليين.. فإن نجحت الزيارة، ومن قبلها المبادرة، وأعاد الأرض العربية كلها، لا المصرية وحدها، فلن يخسروا شيئاً، وإنما سوف يكسبون أرضهم العائدة.. وإذا لم ينجح، فسوف يتحمل وحده عواقب عدم النجاح! كان منطق الرئيس الراحل فى وضوح الشمس، وكان يتكلم مع كل رئيس عربى ولسان حاله يقول: نجاحى لكم جميعاً.. وفشلى علىّ وحدى!.. ولكنه ما إن عاد إلى القاهرة من زيارة سوريا، حتى كانت ماكينة الهجوم عليه قد بدأت، وحتى كان الذين دعاهم إلى أن ينتظروا ليروا، قد سارعوا بإغلاق الباب! وكان الوحيد تقريباً الذى استوعب منطق السادات هو الملك الحسن الثانى، ملك المغرب، الذى تحدث أيامها أمام اجتماع لوزراء العدل العرب فى الرباط، فدعا إلى الانتظار للحكم على مبادرة زيارة القدس، لأن نجاحها سيكون لكل عربى، ولأن إخفاقها سيكون على صاحبها بمفرده! وكان الحسن الثانى، يرحمه الله، أكثر الرؤساء العرب إدراكاً لبُعد نظر السادات، وكان يريد أن يمنحه فرصة، وكان يتطلع إلى المبادرة بعقله الواعى، لا وجدانه المندفع، ولكن جبهة الصمود والتصدى جرفته فى طريقها، ولم تشأ أن تعطيه، لا هو، ولا السادات، فرصة اختبار الخيال على الأرض! وكان السادات يدعو الفلسطينيين إلى أن يأتوا معه، ليحصلوا على أرضهم المحتلة، على أساس حدود الرابع من يونيو 1967، وكان ذلك فى عام 1977، ولكنهم هاجموه، وشتموه، وألحقوا به كل نقيصة!.. فلما دار الزمان دورته، وجئنا إلى 2017، أصبح كل ما هو متاح من أرضهم، لا يتجاوز 22٪ من أصلها عند احتلالها، ومع ذلك، فهذه المساحة تتناقص، يوماً بعد يوم، وتبدو فى ظل قرار ترامب حول القدس، وكأنها من بين الأحلام! كان السادات، على حد تعبيره، فى حديث له مع الدكتور نبيل العربى، فى أثناء مفاوضات كامب ديفيد، يريد، مثله مثل أى فلاح مصرى، أن يضع حديدة تفصل بين أرضه، وبين أرض الجار.. وما عدا ذلك كله تفاصيل.. قالها للدكتور نبيل، وذكرها الوزير محمد إبراهيم كامل فى مذكراته بالتفصيل! كان السادات فلاحاً من ميت أبوالكوم، يعرف أن هذه الحديدة هى دليل حيازة لدى الفلاح لا يقبل النقاش، وقد عاش يسعى إلى أن يضعها بيننا وبين إسرائيل.. وقد وضعها بعقل فلاح يدرك قيمة أرضه، ولا يفرط فى شبر واحد منها! يرحم الله فلاح ميت أبوالكوم، الذى رأى ما عجز ساسة عصره عن رؤية مداه! اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة