أثبتت المعارك، التى خاضها الجيش الليبى، مؤخرا، ضد فلول نظام العقيد الليبى الراحل، معمر القذافى، فى سبها، كبرى مدن الجنوب، وما سبقها من مواجهات مسلحة وسيطرة الميليشيات على العاصمة «طرابلس»، ومدن أخرى، وتكرار اقتحام مقر المؤتمرالوطنى العام، البرلمان، والحكومة، ووزارة العدل، وتفشى حوادث الاغتيالات والاختطاف بما فيها حادثة اختطاف رئيس الوزراء، على زيدان، هشاشة الدولة وهيمنة الميليشيات مع حلول الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة التى أطاحت ب«القذافى». وتعج ليبيا بعشرات الفصائل العسكرية والميليشيات المسلحة التى تنافس الأجهزة الأمنية الرئيسية فى صراع السيطرة والنفوذ، وحتى الآن لم تنجح سياسة حكومة «زيدان» فى دمج الميليشيات فى الجيش والشرطة، مع تداخل بعض المسلحين واختلاف الولاء للمؤسسات الحكومية والقبلية، أو أنصار معمر القذافى مما يزيد المشهد تعقيدا، ويزيد من صعوبة بسط السلطات الجديدة هيمنتها على البلاد. فالفراغ السياسى بعد سقوط نظام «القذافى»، والذى تفاقم حاليا، لم يملؤه غير الميليشيات التى اكتسبت شرعية ثورية وامتلكت السلاح مما دفع المحللين إلى وصف ليبيا بنموذج «الدولة الفاشلة»، التى تغرق فى الفوضى، وتزايد الانفلات الأمنى فى أنحاء البلاد، ويدعمه الثغرات الأمنية على الحدود مع دول الجوار، واكتساب بعض الميليشيات سمعة سيئة من تهريب السلاح والنهب والسلب والاتجار فى المخدرات. وتشير بعض الإحصائيات إلى أنَّه يوجد فى ليبيا قرابة 1700من الكتائب الرسمية وغير الرسمية، يعمل بعضها تحت سيطرة وزارة الدفاع وهى «تجمع سرايا ثوار ليبيا»، وتشمل كتيبة شهداء 17 فبراير، وكتائب شهداء أبوسليم، وكتائب شهداء راف الله الشحاتى، وقوات درع ليبيا. وتنقسم الجماعات المسلحة أو الكتائب إلى كتائب «جهوية» تتبع مدينة أو قبيلة ما، والكتائب «الفكرية» التى يجمعها فكر أو عقيدة ككتيبة «أنصار الشريعة» المتطرفة التى شاركت فى الثورة كأفراد ثم انتظموا فى جماعة ويرفضون الديمقراطية والانتخابات، ولا يعترفون بالدولة والحكومة، وتتركز «أنصار الشريعة» فى المنطقة الشرقية والغربية، وفى الجنوب، وتنتشر فى درنة إحدى أكثر الجماعات تشددا وهى كتيبة «عقبة بن نافع». وتوجد 4 أنواع من الميليشيات الكبرى فى ليبيا، وهى الكتائب «اللواءات» الثورية، والكتائب غير المنظمة، ولواءات ما بعد الثورة، والميليشيات. أولا: الكتائب الثورية، وتمتلك خبرة قتالية كبيرة كوحدات مقاتلة، وهذا يميزهم عن جماعات ما بعد الثورة التى ظهرت فى وقت لاحق، وتنتشر اللواءات الثورية فى مصراتة والزنتان، ففى مصراتة، تم تسجيل 236 كتيبة ثورية باتحاد ثوار مصراتة، تضم نحو 40 ألف عضو، وتتكون من الطلاب وعمال القطاعين الخاص والعام والمهنيين المتخصصين والعاطلين. وأنشأت الكتائب الثورية شبكةً من الاتحادات الثورية تحت اسم «درع ليبيا» ويضم 4 فرق موزعة فى أنحاء البلاد، وهى الأوسع انتشارا وتتصرف مثل الوحدات النظامية،، وتشكّل من 75 إلى 85 % من المقاتلين المتمرسين وتسيطر على أكبر مخزونات السلاح، وتضم ميليشيات أصغر فى مصراتة وعدة مدن وسط ليبيا، وتقوم بتنفيذ القانون، وإرساء الأمن، والمهام القتالية، ومن أبرزها: كتيبة شهداء 17 فبراير وتعتبر أكبر الميليشيات شرق ليبيا، وتحصل على تمويلها من وزارة الدفاع، وتتألف من 12 فوجًا عسكريًّا، وتمتلك الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ومنشآت تدريبية. ويتراوح عدد أعضائها ما بين 1500 و3500. وقامت بتنفيذ العديد من المهام فى بنغازى والكفرة، كما توجد كتيبة شهداء أبو سليم، وهى جماعة جهادية سابقة، وكتائب «الشهيد راف الله السحاتى»، وتضم 1000 فرد ينتشرون فى بنغازى والكفرة. ثانيًا: الكتائب غير المنظمة، وهى كتائب ثورية انفصلت عن سلطة المجالس العسكرية المحلية مع نهاية الحرب، ويقول كبار القادة العسكريين إنه، منذ مارس 2012، كان هناك من 6 إلى 9 كتائب غير منظمة فى مصراتة، واكتسبت بنية تنظيمية وقدرة عسكرية لكن قادتها رفضوا الانضمام للمجالس العسكرية المحلية، فتعمل فى بيئة غير قانونية، وتخضع لعشائرها، وترتكب الانتهاكات. ثالثًا: لواءات ما بعد الثورة، وظهرت لملء الفراغ الأمنى الذى خلّفته هزيمة قوات القذافى. وشاع ظهورها فى الأحياء الموالية للحكومة أو الموالية ل«القذافى»، مثل بنى وليد وسرت، ومدن أخرى، ويتزايد عدد كتائب ما بعد الثورة لكنها غير متماسكة أو فعالة عسكريا. رابعا: الميليشيات، وينتشر فى بنغازى العديد منها. وفى الغرب، اكتسبت الميليشيات قوة ونفوذًا خلال الثورة، وأبرزها المجلس العسكرى لثوار الزنتان، واكتسب شهرته من احتجاز سيف الإسلام القذافى بعد اعتقاله، فى نوفمبر 2011، وقد تقلّد أحد قادة هذا المجلس، أسامة الجويلى، منصب وزير الدفاع الليبى، ويضم المجلس 23 مليشيا فى الزنتان وجبل نفوسة وينضوى تحته 5 لواءات، أهمها لواء «سعدون السويحلى»، والذى ساهم فى تحرير طرابلس وسرت مسقط رأس «القذافى»، ويعمل بمعزل عن الحكومة، رغم صدور قرار بدمجه فى الجيش، بجانب لواء «السويق» فى الزنتان وجبال نفوسة ويقوم بحماية كبار المسؤولين فى الحكومة ويتمتع بتسليح جيد، ولواء «القعقاع» الذى يخضع رسميا لوزارة الدفاع.