على الرغم من أن الحقائق تستطيع أن تحرر البشر لكونها بسيطة، فضلاً عن أن كل ما هو بسيط يبدو وكأنه شىء جذاب وجميل، إلا أنه فى الوقت الراهن أصبح لا الأفراد ولا المجتمعات يستطيعون العيش دون تزييف وتشويه الحقائق. فى الواقع، إن العديد من العادات والتقاليد والأفكار المتوارثة بنيت من الخيال، ورويت وكأنها أساطير وخرافات، ومع مرور الأزمنة، أصبحت هذه الأساطير مقبولة وكأنها حقيقة واقعة. لكنه من الحماقة والجهل أن نعتبر الحضارة الأوروبية رائعة وعظيمة، فعلى سبيل المثال الولاياتالمتحدةالأمريكية أسست على الأساطير والخرافات، ودعمت بكم هائل من الأكاذيب والخداع. فقبل الحرب العالمية الأولى، عدد من الأوروبيين كانوا يعتبرون بلدهم صرحاً للديمقراطية، وفى ذلك الوقت كانت ولا تزال الولاياتالمتحدة تتعامل على فكرة التفرقة العنصرية، وتحديد التعامل على أساس لون البشرة، ويتضح ذلك من مقولة مايكل بارينتى أن الديمقراطية فى أمريكا هى «ديمقراطية للأقلية». وخلال الحرب العالمية الأولى، وبعد ذبح الأوروبيين بعضهم لبعض جراء أعمال العنف والدمار الناتجة عن الحرب، وجدت الولاياتالمتحدة نفسها فجأة فى موقف القيادة. قد يبدو كل ما سبق كأنه غش وخداع، وقد يكون كذلك فعلا، إذا وجد أى وعى تاريخى فى الولاياتالمتحدة، لكن نظراً لعدم وجود أى وعى تاريخى من أى نوع بشكل عام فى الولاياتالمتحدة، يكون من الصعب أن نوجه اللوم للمواطنين الأمريكيين. لكن الأزمة العالمية الحالية التى بدأت وستظل تنمو وتتطور، سوف تعيدنا جميعاً مرة أخرى إلى التاريخ، فالنظام العام الذى نعيش فيه حالياً مرتبط بشكل كبير بالخدع والأكاذيب الموجودة والتى تنتشر بغرض غرس الحيرة بداخلنا. كما أنه مرتبط بالقصص الخيالية العالمية عن النمو والتطور والتقدم الأبدي، والشباب الدائم والصحة والحيوية والقوة والفوائد التى لا تنتهى عن طريق أسواق البورصة، التى كانوا يرغبون فى أن يجعلونا نصدقها. الأزمة الحالية ستكون قاسية جدا بالفعل، لكن لماذا؟ لأن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والولاياتالمتحدة تبتكر مزيداً من الأكاذيب التى أعمت عيون الجميع، وقادتنا إلى أن نصدق ما لا يصدق. ونحن لا نتحدث عن كذبة أو كذبتين أو عن «دستة» من الأكاذيب، لكن نتحدث عن حزمة ضخمة من الأكاذيب، كل واحدة منها تتصل بغيرها من الأكاذيب الأخرى. دعونا نشير إلى بعض أكاذيب الولاياتالمتحدة والإدارة الأمريكية المتمثلة بشكل واضح فى ادعاءات الولاياتالمتحدة عن نظرية المؤامرة فى أحداث 11 سبتمبر، وتهديد بن لادن والقاعدة، ومصطلح الحرب على الإرهاب «الزائف»، ونشر الديمقراطية فى العراق وأفغانستان، والاحتياج للناتو والدولار الأمريكى، والقيم الديمقراطية للولايات المتحدة، والتفوق الأمريكى .. وغيرها من الأكاذيب التى لا حصر لها. ومن المفترض الآن أن نكون جميعاً منشغلين فى الوقت الراهن بالأكاذيب التى وقعت فى الماضى، لكن التفاهة أن نبحث عن المذنب أو الجانى وأن نعاقبه، لأننا جميعاً مذنبون لسذاجتنا، ويعد هذا درساً مهما يعلم الجميع كيفية الذهاب والرجوع إلى الطريق الصواب كمواطنين لديهم مسؤولياتهم الكبيرة، وأن نتوقف عن العمل كمستهلكين فقط. الجدير بالذكر أن من سيستفيد بشكل كبير من هذا الدرس هم مواطنو الولاياتالمتحدة، لأنها فرصتهم لأن يعودوا إلى طريق الصواب وأن يتواصلوا مع باقى العالم وأن يتقبلوا التاريخ ويتعلموا منه ويحترموه.