وصف القاضى هنريكس، رئيس المحكمة الإنجليزية الجنائية، مؤامرة تفجير ثلاثة من الإسلامجية من مواليد بريطانيا من أصول باكستانية يوم الإثنين لطائرات ركاب بأنها «أكثر المؤامرات التى أثبتتها الأدلة شرا فى تاريخ القضاء»، وذلك أثناء حكمه بحبسهم لمدة 108 أعوام مجتمعة؛ رابعهم حكم عليه بالحبس 22 عاما لتسجيله شريط فيديو على الطريقة البنلادنية الظواهرية وتصنيعه متفجرات مع «جهله بالهدف». خطتهم تسريب سوائل كالجلسرين، والنشادر وأوكسيد الأيدروجين ( ماء الأكسجين) فى زجاجات مشروبات. وعندما تكون الطائرة فوق مدينة يمزج الإرهابى السوائل فى تواليت الطائرة ويفجرها. ال»بى.بى.سى» جربتها بنصف لتر، فدمرت مبنى من حجرتين. ولو كتب للخطة الشريرة النجاح، فى تفجير ستة طائرات فوق مدن مزدحمة بالسكان، لكانت الكارثة أكبر من عدوان 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمية فى نيويورك. وهناك ثلاثة آخرون تمت محاكمتهم، وانقسم المحلفون فلم يستطيعوا التوصل إلى إجماع بإدانتهم أو تبرئتهم لعدم وضوح الأدلة. القضاء الإنجليزى يعتبر المتهم بريئا حتى تثبت إدانته بما لا يدع مجالا للشك، ولو كان هناك شك واحد فى المئة فقط، فيفسر لصالح المتهم، والأدلة هى الأدلة المادية ووجود البصمات وشهادة الشهود والصور والفيديو، أما الاعترافات أثناء التحقيق فلا تأخذ بها المحكمة. الحالة الوحيدة التى يعتبر اعتراف المتهم دليلا، هى أثناء المحاكمة بعد أدائه القسم وانتقاله من قفص الاتهام إلى كرسى أداء الشهادة. مدعى الاتهام يحاول مع النيابة العامة إيجاد مخرج قانونى فلا توجد سابقة قانونية لإعادة محاكمة شخص على الجريمة نفسها، لكن غالبا ما سيجد لوردات القضاء (أعلى سلطة قضائية فى البلاد) فتوى قانونية لمحاكمتهم بسبب تعدد التهم فى المؤامرة: (الإضرار بالممتلكات - التآمر - مساعدة مجرم على ارتكاب جريمة - التهرب من الجمارك - الشروع فى القتل.. إلخ) يرجع عدم وضوح الأدلة مع الثلاثة، إلى تسرع البوليس فى القبض عليهم قبل الوقت المحدد، وكانوا تحت المراقبة لأسابيع. مصادر بالقسم المخصوص فى بوليس لندن، قالت إن العقل المدبر كان فى باكستان، وهو ايضا تحت المراقبة، لكن المخابرات المركزية الأمريكية - ويفترض تنسيقها مع لندن - طلبت من بوليس باكستان القبض عليه دون التشاور مع الإنجليز وأخطرت إسلام آباد لندن أثناء القبض على العقل المدبر، فلم يكن أمام البوليس الإنجليزى إلا التحرك فورا للقبض على المجموعة كلها، خشية أن يستخدموا المتفجرات التى كانت لديهم ضد مواطنين آمنين خشية افتضاح أمرهم بعد القبض على زعيمهم. وجمع البوليس الأدلة لكنها لم تكن كاملة بشكل يكفى لإدانة العصابة كلها، فثلاثة لم يعثر على متفجرات معهم فصعب توصل المحلفين إلى إجماع بشأنهم. وفى الحكاية درسان مهمان: الأول أن الإرهاب اليوم.. وقد عانت منه مصر قبل أن تعانى منه أمريكا وبريطانيا.. هو مثل الاخطبوط أذرعه فى كل مكان. فلابد إذن من التعاون الدولى الكامل والصريح، حتى مع أعداء الأمس طالما هم فى سلام معنا اليوم. فخطأ الامريكيين البسيط كاد يتسبب فى كارثة لو فجر الإرهابيون فى لندن قنابلهم قبل القبض عليهم. الثانى أن القضية كلها منذ رقابة البوليس والمحاكمة تمت تحت القانون العادى وليست تحت قوانين الطوارئ ونجحت فى حماية المجتمع. ولم يتعرض المتهمون للإهانة أو ضغوط للاعتراف، فذكاء البوليس وبرود أعصابه والصبر نجح فى جمع الأدلة وإدانتهم. قوانين الطوارئ غير ضرورية لمكافحة الإرهاب، بل مضرة لأنها تغير سير الحياة اليومية فى المجتمع، ومكلفة للميزانية وتقلل إنتاج المواطن العادى وتفقده الثقة فى الدولة والبوليس، ويصبح اقل تعاونا معها وبالتالى تحقق أهداف الإرهابيين.