محمد عرابي في معرضه بخان المغربي السحر الشعبي و تصاوير من الجنوب مع التطور الهائل الذي تشهده البشرية كل يوم.. وماحققه الانسان المعاصر من كشوف واختراعات علمية ..جعلته يرتاد الفضاء ويرود الذرة ويستخدم الليزر في التكنولوجبا المتقدمة في مجالات الهندسة والطب والعلوم والفنون ..الا ان الانسان عموما والانسان الشعبي علي وجه الخصوص .. يظل حائرا تجاه مايعترضه من معضلات الحياة وقد يصل به الحال الي نوع من الخواء الروحي.. مما يجعله اسيرا للغيبيات موغلا فيما وراء المادة .. ومستغرقا في الخرافة التي تقوده الي اوهام وخيالات تقترب من السحر . وتنتمي اعمال الفنان محمد عرابي للسحر الشعبي ..هذا السحر الآسر المسكون بالطقوس والايماءات والممارسات التي تنقلنا الي افاق سيريالية ..تتجسد في تصاوير تتداخل فيها العناصر بكثافة وخصوصية شديدة .. وهي ذات نكهة جنوبية غارقة في دنيا من الرموز والطلاسم.. تعكس لمعايشة الفنان الشديدة لتلك الصور التي ترسبت في وجدانه بسوهاج حيث ولد وقضي طفولته وصباه هناك في عمق الريف المصري الذي يتعانق فيه الواقع بالخيال ..ومافوق المرئي بمشاهد الزار و الدراويش واصحاب القدرات الخارقة ودقات الطبول ورفرفات البيارق والاعلام حول الاضرحة باعمدتها في الاحتفالات الشعبية.. وكل ماله صلة بالتمائم والتعاويذ والاوردة والهمهمات البصرية . في معرضه بقاعة خان المغربي بالزمالك جاءت احدث لوحات عرابي لتأكيد هذا التراكم الذي يمتد بعمق الوجدان الشعبي بلمسة تضيف الكثير لمعني التعبير الحقيقي للفن المصري المعاصر . الفتاة والحصان المجنح وتمثل لوحة "الفتاة والحصان المجنح " ايقونة تعكس لملامح فنه وهي لوحة متسعة يعمد فيها الي الايهام حين ينتهي رأس حصان ابيض مجنح "براق "بوجه امرأة بجدائل كثيفة .. يطل ممتدا بعرض اللوحة علي متنه لفظ الجلالة متداخلا مع قبة داخل قبة ونقوش وكتابات وفتحات لبيوت ريفية ونخيل وهلال سابح في الافق.. ومع تداخل الصور في ايقاع ارابيسكي شعبي ..يدهشنا بهذا الكائن الزاحف الذي يشبه البرص مجسدا تعبيرية حوارية مع حصانه النافر.. وهنا تتأكد تلك العلاقة وهذا الخيط الممتد بين سحر الرمز والايقاع الكوني الذي يحلق بنا في اجواء اسطورية من الغموض والابهام . وعرابي في اعماله يقدم توليفات من رموز لقباب ونجوم واهلة وكتابات واقنعة وزهور ورؤوس حيوانات وحتي الحلي الشعبية ..ويشكل من كل هذا مزيجا يعد بمثابة خلفية لابطاله من الدراويش وبنات الزار ونساء السحر الاسود . تصاوير حديثة لقد استحضر الفنان كل الصور الطقوسية التي عاشها هناك في الجنوب البعيد وراها بعين المصري المحب واستقرت بداخله حتي تشكلت في النهاية في ايقاعاته التي تمثل تصاوير حديثة تتحاور و تلك الصور التي خرجت من رحم الواقع الشعبي المسكون بوجدانه مع عمق انتمائه له . واذا كانت جماعة الفن المعاصر التي اسسها المربي حسين يوسف امين عام 1946 من تلاميذه بالتعليم الثانوي والذين اصبحوا نجوما فيما بعد وكان لهم الحدس المدهش كما يقول الناقد ايميه ازار:" لفهم انهم سوف يجدون رسالتهم الذاتية في اعماق العقل الباطن الشعبي وقد شكلهم علي شاكلته مما تولد عنه هذا الطابع الدرامي المعتم القاسي والذي عكس حالات وافاق اجتماعية ".. فتعد اعمال عرابي ايقاعا آخر في هذا الاتجاه مع فارق الزمان والمكان واللمسة .. وفارق الحالة من القاهرة الشعبية .. قاهرة ندا والجزار ورافع ورائف .. الي جنوبالوادي حيث تتشكل دنيا اخري مليئة بالاسرار تخفيها الزروع التي تتحلق المقابر والاضرحة في الليالي الظلماء والبيوت الواطئة التي تتوحد في كتلة من الطين .. تتنفس بالصمت والسكون . وربما اهم مايجعل عالمه شديد الخصوصية فرط التداخلات بين السطوح التصويرية وبين العناصر..والتنوع والثراء بين احلام الانسان الشعبي ومايهفو وبين وطاة الواقع بكل مايشتمل من قيود الجهل والخرافة واحزان ومرارة الحياة اليومية في هذا المجتمع الخشن . ومن هنا تمثل لوحته " الحلم "..ذات الايقاع السيريالي بما تحمل من رموز تتدلي فيها عناقيد العنب مع منضدة حافلة بالدوارق والاكواب وشطائر البطيخ وحبات الفاكهة .. وتتوسط حواء المشهد "وقد تحولت الي عروسة من عرائس الدمي.. يسكنها وجه شهريارعلي الصدر " ويقتحم برص زاحف هذا العالم بكل عناصره الحيوية..تمثل معادلا يعبر عن هذا الواقع والحلم . والوان الفنان عرابي تنساب بين التوهج والخفوت وبين الحدة والهمس تبعا للايقاع البصري ومايمليه من معطيات ودلالات واجواء . ولقد جمعت اللوحات بين طزاجة اللمسة وحيوية التعبير وانسياب الخطوط التي تتوهج في تلقائية مع ثراء المساحات . ولاتحفي هنا ثقافة الفنان ووعيه التشكيلي والتي تتخلل المشاهد ..تعكس لروح معاصرة تمتد في عمق الانسان الشعبي بكا مايحمل من افكار تجسد هذا التلاحم الذي تتوحد فيه المراة والرجل والاضرحة .. المجذوب وفتاة الزار التي تبدو في ملامح غائمة شديدة الغموض والابهام بوجه مطموس بين نقوش الرداء .. وتتوحد العناصر في نسيج واحد يعلو ويهبط فيها اللون كدقات الطبول . تحية الي اعمال الفنان محمد عرابي التي نقلتنا الي تعبيرية جديدة من الجنوب ..جسدت ثنائية تفاعل فيها السحر الشعبي والوجدان المصري.