تتنوع الموسيقي وتنساب بالسحر والشجن ..والحزن والبهجة ..كما تمتد الي الثورة من الحماس والانتصار .. بما يعكس روح الحياة في توقدها وانطفائها من هنا جاءت علاقة الموسيقي بالابداع التشكيلي علاقة وثيقة .. ليس فقط من حيث وحدة الفنون .. ولكن لما يوحد بينهما.. حتي جاء تعبير القيلسوف العربي الكندي " العين تسمع والاذن تري" .. تاكيدا علي ذلك من تبادل الحواس .. فهما يشتركان في معني الايقاع .. كما ان " التون " او النغم يعادل درجة اللون في الفن التشكيلي . ولقد جاء معرض " الموسيقي والفن " الذي اقيم بمركز الجزيرة للفنون بمشاركة 12 فنانا .. التعبير الحقيقي لهذا المعني .. وهو يعد بحق احد المعارض الاكثر اهمية لما يعكس تلك العلاقة الوثيقة بين الصوت واللون. و " الفن والموسيقي " يمتد باتجاهين أحدهما تشخيصي والثاني تجريدي .. الاول يمثل توحد الانسان مع آلة الموسيقي .. اما الثاني فيتحول فيه الايقاع المسكون بلغة التشكيل الي دنيا من النغم المرئي .. وقد كان لقوميسيره الفنان محمد رزق دور كبير بتقديم نخبة من فنانينا شكلت هذا التناغم من خلال التنوع والثراء . التشخيص ودنيا النغم ولقدجسد العديد من الفنانين بطول التاريخ علاقة الانسان بالموسيقي ..وليس اجمل من اعمال الفنان فيرمير" 1632- 1675 " كما نري في لوحاته السابحة في الاضواء والظلال مثل "درس الموسيقي" والتي صور فيه الاستاذ والتلميذة "و عازفة الجيتار " لفتاة في رداء من الابيض البريء والاصفر البهي تتوحد مع الجيتار وفي الخلفية منظر طبيعي لاشجار كثيفة في خضرة ظلية . وللفنان ماتيس "1896 - 1945 " لوحة " موسيقي " صور فيها فتاتين مع الجيتار وتنساب الموسيقي من الاخضر الزرعي والاسود في الخلفية مع الكحلي والاصفر في الملابس و مساحات من الاحمر الناري . اما الرائد احمد صبري "1889- 1955 " فمع لوحته الشهيرة " عازفة العود " والتي صور فيها زوجته ممسكة بالة العود بنظرة جانبية جعل منها معزوفة شرقية توحدت مع النقوش في الخلفية .. صور تلميذه بيكار محتضنا العود في لوحة "اللحن الحزين " .. وكان يغني له ويغني معه الادوار والطقاطيق " . ولقد تألقت اعمال الفنان مصطفي الرزاز في معرض "الفن والموسيقي " بما تعد لحنا شرقيا آخر بالغ الرصانة في اناقة وشاعرية واختزال شديد من النحت الذي تخف فيه كثافة الكتلة تشدو باستدارات وانحناءات من الريليف اشبه بالرسم في الهواء من فرط رقتها مع تلك الفراغات التي تبدو في شبابيك ضوئية ..كما تظل اعماله التصويرية لغة اخري تكمل سيمفونية الاداء يصير فيها الانسان والالة الموسيقية وحدة واحدة بألوان رصينة من البيج والبنيات . وينقلنا الفنان عفت حسني الي ايقاع تعبيري آخر .. من عازف العود الي عازفة الاكورديون .. يحتشد بالرموز من الحصان والديك والورود مع النقوش والزخارف في انغام شرقية يغلب عليها اللون الاحمر ..وهو يعمد الي الايهام كما في لوحته التي يقبض فيها العازف علي العود وتبدو رأسه خارج الثياب في الخلفية وكأنه يؤكد تلك الحالة من الانقلاب الروحي . اما مي رفقي .. فتجمع اعمالها بين التجريد والتشخيص وبين البقع اللونية ورهافة الخطوط التي تجسد الموسيقار في حالة اشبه بالوتر المشدود من خلال حركة الاصابع وانفعالات الوجه في ايقاعات من الاحمر الناري والأزرق البحري . وقد جاءت أعمال مروة عادل من الوسائط الحديثة ..في تجليات واشراقات تألق فيها الجسد الانساني متوحدا مع الاوراق والاغصان النباتية .. والوجوه الموشومة بالكتابات التي تهتف بالحب في فضاءات تصويرية يغلب عليها البنيات التي تهمس باضواء بيضاء . لغة التجريد ولاشك ان الفن يمثل المعادل الحقيقي للموسيقي وقد كان كتَّاب الروحانية في الفن للفنان الروسي كاندنسكي عام 1911 المنقيستو الحقيقي لظهورالاسلوب التجريدي بافاقه العديدة حتي انه يطلق عليه موسيقار التشكيل وهو صاحب نزعة "التجريدية التعبيرية"ومعجمه الخاص عن اللون يعادل الموسيقي .. وكان يشبه اللون الازرق بالارغن الكنسي بينما يشبه اللون الاخضر بالنغمات الوسطي للكمان والابيض بالوقفات في الموسيقي . وقد امتد التجريد من الايقاع الهندسي الخالص كما في اعمال موندريان الي اتجاه السوربرماتيزم عند ماليفيتش والذي اعتمد علي الاشكال الهندسية من المربع والمستطيل والدائرة مع تغليب العقل علي المادة و الحرية الروحية . . كل هذا مع اعمال جاكسون بولوك الامريكي ذات الهدير الانفعالي ووليم دي كوننج وفرانز كلاين وغيرهم .. اضافة الي تجريدية بيكاسو وبراك والتي أكدت المعني الحقيقي للغة البصرية المجردة كما اختزلت فيها العناصر والكائنات . وفي " الموسيقي والفن " تنوعت اعمال فنانينا مثلما نري في اعمال ايمن السمري والتي تهمس بسحر اللون في ايقاع من الروز الهادئ الداكن والرمادي المشبع بالحمرة في غلالات لونية ونقوش جسدت مساحات من المشاعر والانفعالات الدافئة وتالقت بالشجن والحزن والصمت الجليل . يلتقي خالد سامي مع محمد بنوي في لوحات الموزاييك والتي تذكرنا بدرجات السلم الموسيقة وقد جمعت بين تعبيرية اللون والايقاع الهندسي في نغمات ودرجات شاعرية . ولاشك ان اعمال الفنان فاروق وهبة تمثل مساحة خاصة في الفن التجريدي بتلك الشرائح الكولاجية من التل والورق المفضض والمذهب والمخرمات والنقوش وعلامات الموسيقي مع تلك الطقوس والرموز الفرعونية التي تجسد الروح والخلود والحياة والموت من الاله انوبيس والتي تصل التراثي بالحديث .. في ايقاع درامي من الحلم واليقظة . كما تلتقي معه ريهام رزق من حيث استخدام الكولاج لكن في ايقاعات اخري بوسائط من شرائح لكتابات ونقوش وعيون تطل من السطوح التصويرية اشبه بمشربيات معاصرة في ايقاعات من البني الرصين والأحمر والبرتقالي تتنوع فيها الملامس والسطوح . ويقدم رضا عبد السلام ايقاعات موسيقية يغلب عليها الاسود الابنوسي تمتد باتجاهين من التعبيرية التشخيصية الي التجريدية التعبيرية وقد جسد دنيامن النغم المرئي تجسدت في هياكل اسطوانية وكتابات ونقوش بالكولاج وعالم الموسيقيين في توحد مع الالات الموسيقية. وبتواضع شديد يعرض محمد رزق مدير مركز الجزيرة للفنون ومنظم معرض "الفن والموسيقي" في اخر قاعة بالمركز .. لكن تظل أعماله مساحة متفردة في التجريد المصري المعاصر جمعت بين التعبيرية التجريدية والغنائية مع بعض العناصر الهندسية وقد جسدت العديد من المشاعر والانفعالات في بناء وكثافة لونية تمتد من الهدير والانفعال الي الحلم والهدوء اشبه بالقصيد السيمفوني بالاحمر الجهير والازرق البحري مع الابيض والكحلي والبرتقالي إلي الاخضر العشبي أشبه بالمشاعر والأحاسيس الإنسانية . ويبقي التشكيل المجسم لميريام جوهر " الكراسي الموسيقية " تتويجا لمعني عناق الفن والموسيقي من خلال تلك الكراسي التي تفيض بسحر اللون من الفوشيا والتركواز مع نسيج القماش الذي ينساب بالملائكة المجنحة والات الموسيقية والزهور والورود تحلق بنا في افاق نورانية مع انبعاث الانغام والالحان . تحية الي تلك الموسيقي البصرية التي تالقت بالسحروفاضت بهدير الحياة.