للعام الرابع علي التوالي.. جاء معرض المعارض للاقتناء «2010» والذي افتتح بمتحف العريش القومي.. أكثر تميزا وأناقة وأكثر تألقا وقد أضافت هذه الدورة الكثير للإبداع ومتذوقيه.. فمن ناحية تزامن التوقيت مع الاحتفال بأعياد سيناء.. وبمشاركة أبنائها من الفنانين مع فناني القاهرة والإسكندرية وتلك فرصة لتلاقي الإبداع من هنا وهناك.. والذي افتتحه اللواء مراد موافي محافظ شمال سيناء والفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية وقد بلغ عدد الفنانين المشاركين هذه الدورة 188 فنانا قدموا 210 أعمال فنية في مختلف المجالات «التصوير والنحت والخزف والتصوير الضوئي» وهم من أقاموا معرضا خاصا في الفترة من مايو 2009 وحتي أول إبريل 2010. الفن السيناوي شارك 17 فنانا من سيناء.. وقد عكسوا في أعمالهم روح المكان وعمق الزمان بتلك العناصر والمفردات البيئية التي تمثل خصوصية شديدة في إطار الوحدة والتعدد لأقاليم مصر. وتحفل لوحة مصطفي بكير «سباق الجمال» وهو قوميسير المعرض بالحركة والحيوية تؤكدها الحركة الخاطفة لسيقان الجمال وتنوع حركة الوجوه في ثلاثية من البيج والأبيض والأزرق المتمثل في الأفق.. كما قدم في لوحة أخري انطلاقة الإنسان المصري بعد العبور - أما الفنان فاروق ناجي فتجمع أعماله بين التجريد والتشخيص وبين الحروفية العربية والتي تمتزج بعناصر حيوانية كالجمل مع طيور الحمام في وحدة واحدة وبلاغة لونية. وينقلنا رجب عامر إبراهيم إلي تعبيرية الوجه الإنساني.. كما في وجه فتاة غارقة في الحلم والدهشة.. بينما يلخص محمد رجب المسطح التصويري إلي مساحات لونية قوسية وفي بؤرتها يطل وجه إنساني صبوح. وفي رصانة شديدة تتألق الطبيعة الصامتة في لوحة كمال الحلو بتشكيل من قلة وإناء وإبريق أسود ووعاء.. مسكونة بالصمت. وينتقل سحر المرأة السيناوية بالجلابية التراثية بلمسة تعبيرية ونقوش ودندشات غنائية في أعمال كل من خليل محمد خليل وفوزية عبدالسلام وهناء الفار. كل هذا مع أعمال: سليمان عباس - سهيلة عبدالرحمن - نبيلة مصطفي - حمدي بكير - محمد محمود - أحمد أمين جمعة - صبحة إبراهيم - حسام مصطفي.. ونحن نتمني أن تنتقل أعمالهم إلي القاهرة حتي يستمر التواصل والحوار. أعمال وأعمال وقد اكتملت منظومة الإبداع بمشاركة أكثر من مائة وخمسين فنانا من فناني القاهرة والإسكندرية في معرض المعارض يمثلون مساحة من بانوراما الفن المعاصر في التصوير والنحت والتصوير الضوئي والخزف. وتجمع أعمال الفنان مصطفي عبدالوهاب بين التجريدية التعبيرية والإيماءات التشخيصية كما في لوحته التي تجسد جرما سماويا يحلق في أفق أحمر يتحاور مع كتلة أكثر كثافة في قاع اللوحة. وتبدو تصاوير مدحت نصر أشبه بتذكارات مسكونة بكتابات خطية ونقوش ورموز وعناصر عضوية تعانق روح الحداثة. ولا شك أن أعمال الفنان عبدالسلام عيد تمثل قيمة كبيرة وهي أعمال كونية تحلق في الأفق في لوحته التي تجسد انفصال قطعة من الأرض وتحليقها في السماء في إيقاع ميتافيزيقي. أما الفنان محمد الطحان فينقلنا إلي سحر النقوش والمفردات الشعبية من العرائس والنجوم والأهلة والطيور والقباب وفي تشكيله المجسم تكاد تنطلق سمكة كمال السماك تشق المياه من فرط الرشاقة والحيوية. ويقوم عصمت داوستاشي عالما من السحر الشعبي الموغل في القدم من النخلة والتمساح والهلال مع قلوب ونقوش من حروفية وفي بلاغة لونية تتميز بالثراء والإشراق نطل علي لوحة سمير المسيري التي تصور ثلاثة قوارب علي شاطئ أصفر والموج الأزرق في الخلفية في حلول شديدة التلخيص من سطوح هندسية. وتطل «سيدة القصر» لمجدي الكفراوي حسناء غارقة في التأمل بنظرة رومانسية في ألوان من الشاعرية وتنقلنا نجوي البشري إلي إيقاع تجريدي.. يسبح فيه اللون في شفافية وحركة أشبه بالنغم الموسيقي. وتتميز أعمال إبراهيم الطنبولي بتعبيرية رفيعة في ألوان من الأزرق والأسود والبنفسجي.. مساحات وخطوط سريعة تجسد شخوصا في حالة حوار وتنساب لوحة عطية مصطفي بعالمها الطفولي الغني المليء بالعناصر والمفردات. ويطل تمثال ضاحي عارف بروح التراث الفرعوني مسكونا في جانب من الرأس بدوائر الترانزيستور تأكيدا علي تواصل الزمن. وفي بناء تجريدي للفنان محمد رضوان حجازي نطل علي ثلاثية لونية تتحاور وتتناغم من الأزرق والأحمر والأسود بلمسة عصرية خاصة. ويشدو والتشكيل النحتي للفنان طارق زبادي بأشكال عربية في سمو واستطالة.. غني بالتدرجات اللونية المؤكدة وأنغام من البارز والغائر وفي تشكيل نحتي للفنان شعبان عباس يقف حصان علي رجليه الأماميتين وبلا أرجل خلفية حاملا تمثال تاريخي وكأنه يحكي صور التاريخ والأحداث.. حكاية الزمن في خفة وطرافة. ومن توليف حديد الخردة يقدم عمار شيحة عملين: عنزة تكاد تنطق وتتحرك شكلها من جسم دراجة بخارية.. وراقص التنورة من الصفيح. وفي لوحة الفنان الراحل حسن راشد تطل عبلة بطلة الحكاية الشعبية. وفي تشكيل خزفي يجمع بين الجانب النفعي ولمسة الجمال لشوقي فهمي تتألق فيه الألوان بروح الفن القبطي. أما أحمد عاطف فيقدم إيقاعا تشكيليا بليغا.. تجريد في مسطحات من إشارات وشفرات هندسية. وتنتمي أعمال خالد هنو للتعبيرية الواقعية مصورا مشهداً لمحطة مصر بالإسكندرية في شتاء مطير مع جموع البشر والترم وتمتد الأفق في لمعة تعانق لمعة المياه علي الأرض. ويطل أبطال الحكايات الشعبية والفروسية علي جياد نافرة في لمسات تأثيرية وبقع ونقوش دقيقة في لوحة سيد عطوة. وفي تمثال محمد الشوربجي تبدو الأم مع طفلها في إيماءة تقترب في إيماءة السيدة العذراء بسمو ورقة وروحانية. مشاركة الأزهر وربما لأول مرة حضر اثنان من متذوقي الإبداع التشكيلي من كبار مشايخ الأزهر الشيخ شوقي عبدالله عطية مدير الوعظ ورئيس لجنة الفتوي بشمال سيناء والشيخ الجندي الطنطاوي مدير العلاقات العامة في الأزهر.. وأخذا يتأملا الأعمال باهتمام ودهشة تعادل دهشتنا واحترامنا لحضورهما.. خاصة مع دعاوي البعض ممن يحرمون التصاوير والتماثيل. وجاء تعليقهما: لا حرمانية في التصوير أو النحت.. يؤكد ذلك من قبل فتوي الشيخ الإمام محمد عبده منذ أكثر من مئة عام.. ونحن في عصرنا الحالي ليس من المعقول مع التطور العلمي الهائل وغزو الفضاء وثورة الليزر ترتد الأعمال الفنية بالإنسان إلي الجاهلية الأولي.. بالعكس يسمو الفن بالبشر ويرتقي بالذوق والإحساس ولنتأمل آيات الخالق سبحانه وتعالي التي تدعو للتفكير وإعمال العقل وإثراء العين والوجدان.. «إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب»... «ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح».. «وهو الذي صوركم في الأرحام كيف يشاء».. «قل انظروا ماذا في السموات والأرض».. «وهو الذي مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا».. كما يقول رسولنا الكريم: «إن الله جميل يحب الجمال» من داخل معرض المعارض بالعريش.. تحية بعمق الحاضر والتاريخ.. من علي تلك الأرض المباركة والتي تألقت في عيدها بجمال التشكيل والتعبير.