الوطنية للانتخابات: بعثة لوس أنجلوس آخر مقار التصويت بالخارج في جولة الإعادة بالدوائر الملغاة    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    مشاركة رئيس جامعة قناة السويس في افتتاحات تنموية بمحافظة الإسماعيلية    بعد خفض سعر الفائدة 1%.. كيف ينعكس قرار البنك المركزي على أسعار الذهب والبورصة في مصر؟    وزير الاتصالات يبحث مع غرفة التجارة الأمريكية تسريع التحول الرقمي والتشريعات    السعودية تطالب المجلس الانتقالي في اليمن بسحب قواته من محافظتين جنوب البلاد    الكرملين: موسكو قدمت عرضا لفرنسا بخصوص مواطن فرنسي مسجون في روسيا    العنف فى الضفة الغربية بات تطبيقًا ممنهجًا لسياسة الضم    الجونة يتعادل ايجابيًا مع البنك الاهلي بكأس عاصمة مصر    ضبط 360 كيلو دجاج فاسد في حملة تموينية بدمياط    له 72 سابقة.. مصرع مسجل خطر في تبادل إطلاق نار مع قوات الشرطة ببنى سويف    بعد عام من الانفصال.. طلاق شريف سلامة وداليا مصطفى    صحة بني سويف تنظم برنامجا تدريبيا لأطباء وتمريض أقسام حضانات المبتسرين    محمد صلاح يحتفل بالكريسماس مع مكة وكيان رغم تواجده مع منتخب الفراعنة بالمغرب    تكدس مروري في الرياض بسبب حفل تامر عاشور    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    سيناريوهات التعامل الفلسطيني مع خطة ترامب وقرار مجلس الأمن بشأن مستقبل غزة    محافظ الوادى الجديد يلتقى رئيس مركز بحوث الصحراء لبحث تعزيز التنمية الزراعية    اصابة 6 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص على طريق المنصورة - دمياط    تراجع معظم أسواق الخليج وسط ‍تداولات محدودة بسبب العُطلات    السجن المشدد 15 سنة للمتهم بخطف طفلة وهتك عرضها بالشرقية    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    بعد أزمة ريهام عبدالغفور.. تصعيد جديد من المهن التمثيلية    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    معارك انتخابية ساخنة فى 7 دوائر بسوهاج    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    إيبوه نوح.. شاب غانى يدعى النبوة ويبنى سفنا لإنقاذ البشر من نهاية العالم    حسام حسن: ⁠طريقة لعب جنوب أفريقيا مثل الأندية.. وجاهزون لها ولا نخشى أحد    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    سحب رعدية ونشاط رياح.. طقس السعودية اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفوق إيطاليا و«المطبخ».. وآفاق جديدة في الإبداع
نشر في القاهرة يوم 21 - 12 - 2010

من سحر الصورة وأيقونة التشكيل المجسم.. ومن التنوع والخروج إلي فضاءات أكثر اتساعا.. ارتاد الفن آفاقا جديدة مع التطور المتلاحق للعلوم.. بدءا من «النسبية» لإنشتاين بدايات القرن العشرين التي نقلت الفن من سكونية التكعيبية إلي الحركة الدائبة للمستقبلية.. وحتي عصر الفضاء والايهام بالبعد الرابع. ومع الألفية الثالثة تأكد زواج الفن والعلم.. والانتقال إلي مجتمع ما بعد الصناعة، بتلك الثورة الرقمية التي تنساب بأنظمة الديجيتال وتنوع الكيانات الإبداعية للفن المفاهيمي أو الفنون التي تعتمد علي أفكار وبرامج مسبقة، تعانقت مع وسائل الاتصال من الميديا الحديثة التي حلقت في دنيا الاليكترون. ومن وحي كل هذا، جاء بينالي القاهرة في دورته الثانية عشرة، بمشاركة 45 دولة من مختلف بلدان العالم بإجمالي 78 فنانا احتشدت أعمالهم بقاعات قصر الفنون ومتحف الفن الحديث ومركز محمود مختار الثقافي.
وقد تأرجحت الأعمال بين الصعود والهبوط في المستوي، وبين الابهار الظاهري والافتقار للدهشة وعمق الفن.
لكن يظل ما قدمته إيطاليا من تلك الفضاءات التصويرية مع تجهيز «المطبخ» للفنانة آمال قناوي، وقلة من الأعمال، إضافة ارتفعت بمستوي البينالي وأكدت شخصيته بين بيناليات العالم.
أمريكا العربية
جاء تمثيل أمريكا بأربع فنانات أمريكيات من أصل عربي تمثيلا منقوصا، خاصة وقد دفع بهن المتحف العربي الأمريكي الوطني التابع لمركز الجالية العربية للخدمة الاجتماعية والاقتصادية وكان من الأفضل أن تكون المشاركة أمريكية بشكل حقيقي رغم ذوبان الفنانات في نسيج المجتمع هناك، فالهدف الأساسي من البينالي هو إقامة جسر من الحوار بين شعوب العالم خاصة الشرق والغرب، وهنا نتذكر إنسان الفنان الأمريكي دانيل جوزيف في دورة البينالي العاشرة والذي كان يرقد مستلقيا علي ظهره ضئيلا مسلوب الإرادة، ويهتز آليا في تشنجات عصبية يكاد يقوم ثم يهدأ مرة أخري، وهو يعكس إنسان العولمة الذي يقاوم فقدان الهوية.
كما نتذكر عرض الفنانة الأمريكية ستاينكامب «الدراويش» في دورة البينالي الحادية عشرة ولذي جاء أشبه بنوافير الأحلام من خلال ثلاث شجرات تهتز وتميل إليكترونيا وتشرق باللون «فيديو».
والفنانات الأمريكيات الأربع: أنابيل ضو وداليا السيد وريم القاضي ونادية عياري قدمن أعمالا بوسائط من الميديا الحديثة وهي أعمال أشبه بخرائط تصويرية.
مثلما نري في عمل الفنانة أنابيل ضو «جائزة البيالي - مناصفة» وقد قدمت تجهيزا في الفراغ يشتمل علي كتابات نصية بالانجليزية والعربية، تؤكد فيه علي معني التواصل وتأكيد الوجود وتردد الكلمات: أنا هنا.. أنا «هون» وتنساب التساؤلات: من أين وإلي أين؟ وبين الكتابات والكتابات دوائر تلقائية سوداء بمثابة محطات للتواصل - لكن جاء تمثيل إيطاليا من أهم ما قدم بالبينالي: ثلاثة فنانين كبار يقدمون درسا في التنوع والأداء والثراء، تتعانق أعمالهم مع اتجاهات ما بعد الحداثة من خلال لوحة التصوير: الفنان باولوجيوتو والفنانة ريتا والفنانة فاليريا.
وتمتد أعمال باولو برقة وأناقة، تذكرنا بمداعبات الفنان ميرو، بتلك الخيوط الحريرية السوداء التي تنساب علي سطوح من الكتان، في كثافة شديدة أحيانا وفي أحيان أخري تتدلي أو تتحرك علي السطح في استدارات وإنحاءات وخطوط مستقيمة تشكل عالما غنائيا.
أما العمل المركب الذي قدمته ريتا ميلي فيشتمل علي 180 شريحة في أحجام صغيرة علي مساحة صرحية تتجاوز ثمانية أمتار مربعة، وهي تشتمل علي حروف بارزة وغائرة تشكل كلمة الحب بالعربية وكل لغات العالم ومعظمها تتشكل باللون الأبيض فوق الأبيض تذكرنا بصورة الفنان الروسي ماليفتسن «أبيض علي أبيض» التي أبدعها عام 1918، وتتخلل شرائح ريتا البيضاء شرائح أخري سوداء بمثابة انتقالات مع الاخضر الخفيف، وهي معزوفات تشد وبالحب والسلام.
وتبقي أعمال فالير ياكورفينو صورة لدقة وشاعرية الأداء، تنتمي للسوبر ريالزم أو الإمعان في الواقعية من خلال تلك الأعمال النحتية التي انجزت في العصر الروماني، التي نقلتها علي سطوح لوحاتها التصويرية وقد دبت فيها الروح من خلال الايحاءات والحركات واللقطات المقربة «الكلوز»، حيث نطالع العروق النافرة في الأذرع وهي تضيف إليها طيات من النسيج الأحمر مع الشرائط السوداء التي تبدو في الخلفية أو تقطع اللوحة كوسيلة للخروج إلي حالة أخري جديدة تتميز بالحيوية وحرارة التعبير.
رجل وامرأة
في الصحن الرئيسي بقصر الفنون يتربع التشكيل المجسم أو العمل الفني المركب للفنانة الفلبينية جوزفين وهو عبارة عن كائن ديناصوري متعدد الأطراف جسدته من بسط ومفارش أرضية ملونة مع دنيا من الاكسسوار، ورغم ما يحمل من الابهار إلا أنه لا يتجاوز في النهاية مشهدا سينمائيا، ديكور يفتقد إلي درامية الإبداع وقد شغل حيزا كبيرا وتصدر قصر الفنون.
ومن السويد جاء عرض ناتالي ديوربرج «تجهيز فيديو»، بمثابة صراع طويل بين عروستين: رجل وامرأة، تتشابك فيه الأيدي والسيقان ويدخل عنصر ثالث، كتلة فاحمة سوداء تزحف عليهما ويشترك في الصراع، وتبدو فكرة العرض من وحي الأساطير هناك، هل تقصد الفنانة ثنائية الخير والشر؟ «فاز بجائزة البينالي»، ومن جنوب أفريقا جسد الفنان ماركو ثلاثية تصويرية لجمجمة بالأبيض والأسود، جاءت في ثلاث حالات تعبيرية علي سطوح سوداء، تتألق بسحر كوني تعكس للصمت والسكون والوجود والعدم.
ومن زيمبابوي جاء تشكيل في الفراغ لكوداني شيوراي انعكاسا لهموم وطنه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والتشكيل عبارة عن ثلاثة صناديق خشبية مغلقة كل صندوق يعلو غطاءه صورة شخصية بالوسائط لأحد القادة من وزير الصحة إلي وزير الدفاع، ويحمل العمل الكثير من الغموض والايهام لما تحمل تلك الصناديق من أشياء مخبوءة، فهي صناديق مغلقة علي أسرار لا نعرفها «فاز بجائزة البينالي مناصفة».
ومن جورجيا جاء العرض البديع للفنان كوكارا «تجهيز فيديو» يصور رجلا وامرأة جالسين أمام منضدة زجاجية، هو يصب اللبن فينساب في بقعة علي سطح المنضدة وهي تصب الشاي من براد يمتد أيضا في بقعة، العجيب انهما لا يلتقيان، ولا يتمزجان، وعلي أرضية القاعة مساحة متسعة تسيل في بقعة كبيرة، وقد أراد الفنان أن يقول: رغم أننا من أصل واحد إلا أننا نلتقي.. إشارة إلي صدام وصراع الحضارات.
مصر والجائزة الكبري
في بينالي القاهرة شاركت مصر بأعمال خمسة فنانين: آمال قناوي وحلمي التوني وخالد حافظ وكريم القريطي ومحمد رضوان، وطوال رحلتها مع الإبداع تقدم آمال أعمالا تنتمي لفنون ما بعد الحداثة من تجهيز فيديو مع الأعمال المركبة، يتجسد فيها الحلم المجهض للمرأة، ومن خلال هذا العمل الذي قدمته «المطبخ» يتأكد وعيها الشديد ورؤيتها البليغة فيما يتعلق بهموم المرأة المعاصرة، وقد قدمت مطبخا كاملا في ركن من القاعة، مع ركن آخر يحتشد بأصص الزرع وقفص للعصافير، ومرايا وأضواء نيون وثلاث قنوات فيديو تبث صورا إلكترونية، الأول يصور أطفالا في مدرسة يقدمون أناشيد ورغم الغناء، يمارس عليهم القهر من مدرسهم، والثاني يجسد شخصا علي كرسي متحرك في اهتزازات، أما الثالث فيقدم عرضا حيا بالفيديو تبدو فيه آمال زاحفة علي الأرض تقود مجموعة من البشر من البسطاء، يزحفون علي مرأي ومسمع من المارة وحركة السيارات والباصات وهنا تشتبك مع الأمن ويحتدم الاشتباك والصوت العالي!
في هذا العرض تريد أن تؤكد أن المرأة مازالت تواجه العقبات والعقبات، فقط تمارس دورها داخل المطبخ بالمنزل، لكن حينما تخرج إلي الشارع حتي ولو تقلدت سلطة، تبدو مكبلة بتلك النظرة التي تعوق حركتها، وبدلا من أن تقف وتسير في اتجاهها تنحني وتزحف بيديها ومعها قطيع من البشر، هكذا أرادت لها الظروف وهكذا يريدها المجتمع والمسألة تبدأ بالقهر من التربية الأولي. العرض مسكون بالمرايا التي تجعل المشاهد يتوحد معه، فهو عرض تفاعلي يصدمنا ويدهشنا، ونتوحد معه ونفكر ونسأل: هل تتغير النظرة إلي المرأة في المجتمعات الحديثة؟!
وهو يمثل عمق «الفيمنيزم آرت» أو فن المرأة مع روح البوب «الثقافة الجماهيرية» وفي نفس الوقت ينتمي إلي واقعية أخري جديدة تلتقي مع الواقعية السحرية من خلال فن الأداء.
ومن مصر أيضا قدم الفنان حلمي التوني صروحا تصويرية تمتزج فيها اللمسة المعاصرة مع روح الفن الفرعوني في إشارات يتقابل فيها مفتاح الحياة مع علامة استفهام «شعار البينالي».
أما خالد حافظ فيقدم ملحمة طويلة متعددة الشخوص والكائنات بلمسة يتعانق فيها روح الفن الفرعوني، بشخوصه وحيواناه وكائناته المقدسة، لكن تبعث من جديد علي السطح التصويري في ايقاع آخر جديد وحالة تعبيرية تنتمي للألفية الثالثة يتقابل فيها الأصيل والمعاصر، وحين يمتزج القديم بالشعبي أو «البوب» الحديث تتحقق معادلة أن نكون وبشكل حقيقي خاصة والتشكيل يتجه نحو المستقبل في خط مستقيم.
وقد جاءت ثلاثية كريم القريطي التصويرية باتساع مساحتها تجسد معاني: السلطة والابتهال والقهر بألوان صفراء داكنة علي خلفية سوداء.
وتنساب وجوه وأقنعة محمد رضوان علي خلفية بيضاء، وهي وجوه بيضاء أيضا تبدو مسكونة بالتعبير، إلا أنها تعكس ضياعا بفعل الأبيض علي الأبيض. هل اراد الفنان الإشارة إلي ضياع إنسان الألفية الثالثة بفعل التطاحن البشري، خاصة وهي تحمل ملامح عديدة من الانفعال؟!
ألمانيا وعالم إنساني
ومن ألمانيا تألقت أعمال الفنانة هانا فان جنيكل في لوحة التصوير التي اعتمدت فيها علي الميثولوجي الشعبي هناك، وجاءت شديدة الإنسانية، كما في لوحتها التي جسدت فيها فتاة بيضاء في رداء أبيض بملامح البراءة وساقها مقطوعة تقف فيها دماء حمراء قانية وفي الخلفية لوحة لزوج من الوعول.
كما جمعت أعمال الفنان هانر زنجراف، بين دقة وبلاغة الأداء والايقاع الهندسي الصارم وبين إحكام التصميم والسطوح الصريحة التي تتقابل وتتحاور مع همس الظلال.
ومن لبنان جاءت أعمال زينا عاصي التصويرية دنيا من الزحام اشبه بالارابيسك تجسد روح المدنية المعاصرة تزدحم بالخطوط والمساحات والبشر والفتحات والبوابات.
وعلي سطوح قريبة من البرتقالي تتألق معزوفات الفنان اللبناني وليد المصري التصويرية بروح الفن الإسلامي في فضاء شاسع، فضاء صوفي حالم.
أما أعمال جوبل أندريا من مدغشقر فيقدم تجهيزا في الفراغ، مجموعة من اللوحات الضخمة مغلفة بالورق الأسود، تستند متجاورة إلي الحائط فقط يطل من لوحة عنيان بوسيط طباعي، وكأنها شفرات سرية.
ومن قطر جاءت أعمال سلمان المالك تفيض بعالم تعبيري من التواصل الإنساني مع حروفية علي حسن التي ينساب فيها الحرف العربي، ينثني ويبتهل يكاد يتحرك من فرط الحيوية.
وتطل أعمال خوان برجوس من ارجواي بواقعية أسطورية تزدحم بالنقوش والشخوص والاشجار والوحوش وطزاجة الألوان.
ويجسد ماهي ينبين من المغرب ايحاءات وإشارات تتواصل فيها البشر في آفاق سيريالية تتجاوز الواقع، كما تتوحد فنون النحت والتصوير والفيديو والرسوم في تجهيز في الفراغ لمنير فاطمي «جائزة البينالي».
وفي النهاية تحية إلي بينالي القاهرة في دورته الحالية بعمق تلك الأعمال التي جسدت روح الألفية الثالثة.
صلاح بيصار
تفوق إيطاليا و«المطبخ».. وآفاق جديدة في الإبداع
من سحر الصورة وأيقونة التشكيل المجسم.. ومن التنوع والخروج إلي فضاءات أكثر اتساعا.. ارتاد الفن آفاقا جديدة مع التطور المتلاحق للعلوم.. بدءا من «النسبية» لإنشتاين بدايات القرن العشرين التي نقلت الفن من سكونية التكعيبية إلي الحركة الدائبة للمستقبلية.. وحتي عصر الفضاء والايهام بالبعد الرابع. ومع الألفية الثالثة تأكد زواج الفن والعلم.. والانتقال إلي مجتمع ما بعد الصناعة، بتلك الثورة الرقمية التي تنساب بأنظمة الديجيتال وتنوع الكيانات الإبداعية للفن المفاهيمي أو الفنون التي تعتمد علي أفكار وبرامج مسبقة، تعانقت مع وسائل الاتصال من الميديا الحديثة التي حلقت في دنيا الاليكترون. ومن وحي كل هذا، جاء بينالي القاهرة في دورته الثانية عشرة، بمشاركة 45 دولة من مختلف بلدان العالم بإجمالي 78 فنانا احتشدت أعمالهم بقاعات قصر الفنون ومتحف الفن الحديث ومركز محمود مختار الثقافي.
وقد تأرجحت الأعمال بين الصعود والهبوط في المستوي، وبين الابهار الظاهري والافتقار للدهشة وعمق الفن.
لكن يظل ما قدمته إيطاليا من تلك الفضاءات التصويرية مع تجهيز «المطبخ» للفنانة آمال قناوي، وقلة من الأعمال، إضافة ارتفعت بمستوي البينالي وأكدت شخصيته بين بيناليات العالم.
أمريكا العربية
جاء تمثيل أمريكا بأربع فنانات أمريكيات من أصل عربي تمثيلا منقوصا، خاصة وقد دفع بهن المتحف العربي الأمريكي الوطني التابع لمركز الجالية العربية للخدمة الاجتماعية والاقتصادية وكان من الأفضل أن تكون المشاركة أمريكية بشكل حقيقي رغم ذوبان الفنانات في نسيج المجتمع هناك، فالهدف الأساسي من البينالي هو إقامة جسر من الحوار بين شعوب العالم خاصة الشرق والغرب، وهنا نتذكر إنسان الفنان الأمريكي دانيل جوزيف في دورة البينالي العاشرة والذي كان يرقد مستلقيا علي ظهره ضئيلا مسلوب الإرادة، ويهتز آليا في تشنجات عصبية يكاد يقوم ثم يهدأ مرة أخري، وهو يعكس إنسان العولمة الذي يقاوم فقدان الهوية.
كما نتذكر عرض الفنانة الأمريكية ستاينكامب «الدراويش» في دورة البينالي الحادية عشرة ولذي جاء أشبه بنوافير الأحلام من خلال ثلاث شجرات تهتز وتميل إليكترونيا وتشرق باللون «فيديو».
والفنانات الأمريكيات الأربع: أنابيل ضو وداليا السيد وريم القاضي ونادية عياري قدمن أعمالا بوسائط من الميديا الحديثة وهي أعمال أشبه بخرائط تصويرية.
مثلما نري في عمل الفنانة أنابيل ضو «جائزة البيالي - مناصفة» وقد قدمت تجهيزا في الفراغ يشتمل علي كتابات نصية بالانجليزية والعربية، تؤكد فيه علي معني التواصل وتأكيد الوجود وتردد الكلمات: أنا هنا.. أنا «هون» وتنساب التساؤلات: من أين وإلي أين؟ وبين الكتابات والكتابات دوائر تلقائية سوداء بمثابة محطات للتواصل - لكن جاء تمثيل إيطاليا من أهم ما قدم بالبينالي: ثلاثة فنانين كبار يقدمون درسا في التنوع والأداء والثراء، تتعانق أعمالهم مع اتجاهات ما بعد الحداثة من خلال لوحة التصوير: الفنان باولوجيوتو والفنانة ريتا والفنانة فاليريا.
وتمتد أعمال باولو برقة وأناقة، تذكرنا بمداعبات الفنان ميرو، بتلك الخيوط الحريرية السوداء التي تنساب علي سطوح من الكتان، في كثافة شديدة أحيانا وفي أحيان أخري تتدلي أو تتحرك علي السطح في استدارات وإنحاءات وخطوط مستقيمة تشكل عالما غنائيا.
أما العمل المركب الذي قدمته ريتا ميلي فيشتمل علي 180 شريحة في أحجام صغيرة علي مساحة صرحية تتجاوز ثمانية أمتار مربعة، وهي تشتمل علي حروف بارزة وغائرة تشكل كلمة الحب بالعربية وكل لغات العالم ومعظمها تتشكل باللون الأبيض فوق الأبيض تذكرنا بصورة الفنان الروسي ماليفتسن «أبيض علي أبيض» التي أبدعها عام 1918، وتتخلل شرائح ريتا البيضاء شرائح أخري سوداء بمثابة انتقالات مع الاخضر الخفيف، وهي معزوفات تشد وبالحب والسلام.
وتبقي أعمال فالير ياكورفينو صورة لدقة وشاعرية الأداء، تنتمي للسوبر ريالزم أو الإمعان في الواقعية من خلال تلك الأعمال النحتية التي انجزت في العصر الروماني، التي نقلتها علي سطوح لوحاتها التصويرية وقد دبت فيها الروح من خلال الايحاءات والحركات واللقطات المقربة «الكلوز»، حيث نطالع العروق النافرة في الأذرع وهي تضيف إليها طيات من النسيج الأحمر مع الشرائط السوداء التي تبدو في الخلفية أو تقطع اللوحة كوسيلة للخروج إلي حالة أخري جديدة تتميز بالحيوية وحرارة التعبير.
رجل وامرأة
في الصحن الرئيسي بقصر الفنون يتربع التشكيل المجسم أو العمل الفني المركب للفنانة الفلبينية جوزفين وهو عبارة عن كائن ديناصوري متعدد الأطراف جسدته من بسط ومفارش أرضية ملونة مع دنيا من الاكسسوار، ورغم ما يحمل من الابهار إلا أنه لا يتجاوز في النهاية مشهدا سينمائيا، ديكور يفتقد إلي درامية الإبداع وقد شغل حيزا كبيرا وتصدر قصر الفنون.
ومن السويد جاء عرض ناتالي ديوربرج «تجهيز فيديو»، بمثابة صراع طويل بين عروستين: رجل وامرأة، تتشابك فيه الأيدي والسيقان ويدخل عنصر ثالث، كتلة فاحمة سوداء تزحف عليهما ويشترك في الصراع، وتبدو فكرة العرض من وحي الأساطير هناك، هل تقصد الفنانة ثنائية الخير والشر؟ «فاز بجائزة البينالي»، ومن جنوب أفريقا جسد الفنان ماركو ثلاثية تصويرية لجمجمة بالأبيض والأسود، جاءت في ثلاث حالات تعبيرية علي سطوح سوداء، تتألق بسحر كوني تعكس للصمت والسكون والوجود والعدم.
ومن زيمبابوي جاء تشكيل في الفراغ لكوداني شيوراي انعكاسا لهموم وطنه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والتشكيل عبارة عن ثلاثة صناديق خشبية مغلقة كل صندوق يعلو غطاءه صورة شخصية بالوسائط لأحد القادة من وزير الصحة إلي وزير الدفاع، ويحمل العمل الكثير من الغموض والايهام لما تحمل تلك الصناديق من أشياء مخبوءة، فهي صناديق مغلقة علي أسرار لا نعرفها «فاز بجائزة البينالي مناصفة».
ومن جورجيا جاء العرض البديع للفنان كوكارا «تجهيز فيديو» يصور رجلا وامرأة جالسين أمام منضدة زجاجية، هو يصب اللبن فينساب في بقعة علي سطح المنضدة وهي تصب الشاي من براد يمتد أيضا في بقعة، العجيب انهما لا يلتقيان، ولا يتمزجان، وعلي أرضية القاعة مساحة متسعة تسيل في بقعة كبيرة، وقد أراد الفنان أن يقول: رغم أننا من أصل واحد إلا أننا نلتقي.. إشارة إلي صدام وصراع الحضارات.
مصر والجائزة الكبري
في بينالي القاهرة شاركت مصر بأعمال خمسة فنانين: آمال قناوي وحلمي التوني وخالد حافظ وكريم القريطي ومحمد رضوان، وطوال رحلتها مع الإبداع تقدم آمال أعمالا تنتمي لفنون ما بعد الحداثة من تجهيز فيديو مع الأعمال المركبة، يتجسد فيها الحلم المجهض للمرأة، ومن خلال هذا العمل الذي قدمته «المطبخ» يتأكد وعيها الشديد ورؤيتها البليغة فيما يتعلق بهموم المرأة المعاصرة، وقد قدمت مطبخا كاملا في ركن من القاعة، مع ركن آخر يحتشد بأصص الزرع وقفص للعصافير، ومرايا وأضواء نيون وثلاث قنوات فيديو تبث صورا إلكترونية، الأول يصور أطفالا في مدرسة يقدمون أناشيد ورغم الغناء، يمارس عليهم القهر من مدرسهم، والثاني يجسد شخصا علي كرسي متحرك في اهتزازات، أما الثالث فيقدم عرضا حيا بالفيديو تبدو فيه آمال زاحفة علي الأرض تقود مجموعة من البشر من البسطاء، يزحفون علي مرأي ومسمع من المارة وحركة السيارات والباصات وهنا تشتبك مع الأمن ويحتدم الاشتباك والصوت العالي!
في هذا العرض تريد أن تؤكد أن المرأة مازالت تواجه العقبات والعقبات، فقط تمارس دورها داخل المطبخ بالمنزل، لكن حينما تخرج إلي الشارع حتي ولو تقلدت سلطة، تبدو مكبلة بتلك النظرة التي تعوق حركتها، وبدلا من أن تقف وتسير في اتجاهها تنحني وتزحف بيديها ومعها قطيع من البشر، هكذا أرادت لها الظروف وهكذا يريدها المجتمع والمسألة تبدأ بالقهر من التربية الأولي. العرض مسكون بالمرايا التي تجعل المشاهد يتوحد معه، فهو عرض تفاعلي يصدمنا ويدهشنا، ونتوحد معه ونفكر ونسأل: هل تتغير النظرة إلي المرأة في المجتمعات الحديثة؟!
وهو يمثل عمق «الفيمنيزم آرت» أو فن المرأة مع روح البوب «الثقافة الجماهيرية» وفي نفس الوقت ينتمي إلي واقعية أخري جديدة تلتقي مع الواقعية السحرية من خلال فن الأداء.
ومن مصر أيضا قدم الفنان حلمي التوني صروحا تصويرية تمتزج فيها اللمسة المعاصرة مع روح الفن الفرعوني في إشارات يتقابل فيها مفتاح الحياة مع علامة استفهام «شعار البينالي».
أما خالد حافظ فيقدم ملحمة طويلة متعددة الشخوص والكائنات بلمسة يتعانق فيها روح الفن الفرعوني، بشخوصه وحيواناه وكائناته المقدسة، لكن تبعث من جديد علي السطح التصويري في ايقاع آخر جديد وحالة تعبيرية تنتمي للألفية الثالثة يتقابل فيها الأصيل والمعاصر، وحين يمتزج القديم بالشعبي أو «البوب» الحديث تتحقق معادلة أن نكون وبشكل حقيقي خاصة والتشكيل يتجه نحو المستقبل في خط مستقيم.
وقد جاءت ثلاثية كريم القريطي التصويرية باتساع مساحتها تجسد معاني: السلطة والابتهال والقهر بألوان صفراء داكنة علي خلفية سوداء.
وتنساب وجوه وأقنعة محمد رضوان علي خلفية بيضاء، وهي وجوه بيضاء أيضا تبدو مسكونة بالتعبير، إلا أنها تعكس ضياعا بفعل الأبيض علي الأبيض. هل اراد الفنان الإشارة إلي ضياع إنسان الألفية الثالثة بفعل التطاحن البشري، خاصة وهي تحمل ملامح عديدة من الانفعال؟!
ألمانيا وعالم إنساني
ومن ألمانيا تألقت أعمال الفنانة هانا فان جنيكل في لوحة التصوير التي اعتمدت فيها علي الميثولوجي الشعبي هناك، وجاءت شديدة الإنسانية، كما في لوحتها التي جسدت فيها فتاة بيضاء في رداء أبيض بملامح البراءة وساقها مقطوعة تقف فيها دماء حمراء قانية وفي الخلفية لوحة لزوج من الوعول.
كما جمعت أعمال الفنان هانر زنجراف، بين دقة وبلاغة الأداء والايقاع الهندسي الصارم وبين إحكام التصميم والسطوح الصريحة التي تتقابل وتتحاور مع همس الظلال.
ومن لبنان جاءت أعمال زينا عاصي التصويرية دنيا من الزحام اشبه بالارابيسك تجسد روح المدنية المعاصرة تزدحم بالخطوط والمساحات والبشر والفتحات والبوابات.
وعلي سطوح قريبة من البرتقالي تتألق معزوفات الفنان اللبناني وليد المصري التصويرية بروح الفن الإسلامي في فضاء شاسع، فضاء صوفي حالم.
أما أعمال جوبل أندريا من مدغشقر فيقدم تجهيزا في الفراغ، مجموعة من اللوحات الضخمة مغلفة بالورق الأسود، تستند متجاورة إلي الحائط فقط يطل من لوحة عنيان بوسيط طباعي، وكأنها شفرات سرية.
ومن قطر جاءت أعمال سلمان المالك تفيض بعالم تعبيري من التواصل الإنساني مع حروفية علي حسن التي ينساب فيها الحرف العربي، ينثني ويبتهل يكاد يتحرك من فرط الحيوية.
وتطل أعمال خوان برجوس من ارجواي بواقعية أسطورية تزدحم بالنقوش والشخوص والاشجار والوحوش وطزاجة الألوان.
ويجسد ماهي ينبين من المغرب ايحاءات وإشارات تتواصل فيها البشر في آفاق سيريالية تتجاوز الواقع، كما تتوحد فنون النحت والتصوير والفيديو والرسوم في تجهيز في الفراغ لمنير فاطمي «جائزة البينالي».
وفي النهاية تحية إلي بينالي القاهرة في دورته الحالية بعمق تلك الأعمال التي جسدت روح الألفية الثالثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.