خبير عسكري: السودان يواجه أزمة أمنية كبيرة قد تؤثر على استقرار المنطقة(فيديو)    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة ودموية وكان ممكنًا تفاديها    النيابة تستمع إلى معلمات النشاط في اعتداء عمال على 4 أطفال بمدرسة خاصة    رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة يدعو الحكومة لمراجعة رسوم الإغراق على البليت لضمان التنافسية وتشغيل المصانع المتعطلة    انتخابات مجلس النواب.. إقبال كبير على التصويت في النمسا وتوقعات بزيادة مشاركة المصريين بالخارج    البلشي يدعو الصحفيين إلى الامتناع عن نشر معلومات حول الأطفال ضحايا الاعتداء بمدرسة العبور    أوروبا تتعهد بمنح أفريقيا أكثر من 15 مليار يورو للطاقة النظيفة    اضرب بكل قوة.. مصطفى بكري يوجه رسالة حاسمة للرئيس السيسي    ب 10 لاعبين.. أهلي جدة يحقق فوزًا صعبًا على القادسية بالدوري السعودي    الأهلى يهزم الطيران في الجولة الخامسة عشر بدورى محترفي اليد    إطلاق حزمة تسهيلات ضريبية جديدة.. خلال أيام خبراء: خطوة لمنظومة أكثر مرونة وجاذبية للمستثمرين.. وتعزيز ثقة مجتمع الأعمال    الداخلية تكشف ملابسات فيديو اختطاف طالب بالسويس    صناع «كان يا ما كان في غزة» يهدون جائزته لهند رجب وغزة وأهلها بمهرجان القاهرة    عرض أزياء إسلام سعد يجمع نجوم الفن ومى عز الدين تخطف الأنظار فى أول ظهور بعد الزواج    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يقيم ندوة الاحتفاء بإصدار يوثق مسيرة جيل من المخرجين    وكيل صحة شمال سيناء يزور وحدة الشلاق بالشيخ زويد لمتابعة الخدمات    أهلي جدة المنقوص يتقدم على القادسية في الشوط الأول    للمرة الثانية في تاريخه.. الجيش الملكي بطلًا لدوري أبطال أفريقيا للسيدات    "السنيورة": لبنان بحاجة إلى قيادات وطنية تحترم التنوع وتعزز الوحدة    آية عبد الرحمن: الشيخة سكينة حسن شهد لها كبار القراء بخشوع صوتها ودقة آدائها    الترسانة يتعادل مع المنصورة في ختام الأسبوع ال13 بدورى المحترفين    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    موظف يتهم مدرسًا بالاعتداء على نجله داخل مدرسة ابتدائية في أوسيم    سقوط عصابة تقودها فتاة استدرجت شابًا عبر تطبيق تعارف وسرقته تحت تهديد السلاح بالدقي    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    اتحاد جدة يستعيد الانتصارات أمام الرياض في الدوري السعودي    أحمد فؤاد سليم يكشف سر استمرار زواجه 50 عاما: الحب هو الأساس والأحفاد فلفل الحياة    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي بتوقيع الموسيقار هاني فرحات    «المال في مواجهة الطموح».. هل يحسم «طوفان اللافتات» مقاعد البرلمان؟    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    أول تعليق من نادية مصطفى على أزمة ملف الإسكان بنقابة الموسيقيين    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    السفير المصري بنيوزيلندا: انتخابات النواب تسير بسهولة ويسر    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    11 قرارًا جمهوريًّا وتكليفات رئاسية حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات ورسائل قوية للمصريين    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل علي المبدعة أن تضع جسدها فيما تكتب؟
نشر في القاهرة يوم 07 - 09 - 2010

"هذا وحده هو المفجر لمكنونات اللاشعور " هكذا تقول "هيلين سيكسوس تأكيدا لنصيحتها القائلة " إن علي المرأة أن تضع جسدها فيما تكتبه،وأن تحسن الاستماع إلي صوت هذا الجسد ".
ومسألة الجسد هذه تتسع لأكثر من قضايا الجنس،فالجسد أعم من ضيق لحظة اشتهاء مهما كانت دواعي هذه اللحظة، ولذا نجد جسد المرأة في المجموعة مرة مشوهًا ومرة ميتًا ومرة غامضًا، من خلال عناوين الاثنتي عشرة قصة : وإذا الضوء انهمر، علي وتر مشدود،تمزق، عن الدبساء قالوا،صليل الأساور،ليس قبل اكتمال الحلم، عند حافة الدفء،من علمك الأسماء كلها،المفتاح، في منتصف النهار،من خرم إبرة ، الاحتشاد لحظة صدق.
يقول عبد الحميد الكاتب (خير الكلام ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا ) لكن المرأة العربية - وهي حديثة عهد بالحرية - أيحق لها أن تكتب وتمارس اللغة واللفظ الفحل - كما يتساءل عبد الله الغذامي - وتظل مع هذا محتفظة بأنوثتها؟ ام يلزمها أن تسترجل لكي تكتب وتمارس لغة الرجل؟.
ملامح أنوثة شديدة البهاء،في لغة شديدة الاقتصاد،السيطرة علي اللحظة القصصية يبلغ الذروة هنا،رصد خلجات النفس ودواخل البشر تؤديه الكاتبة بمعايشة لحظية دقيقة،نحن مع أنثي تكتب لتكمل بناءها بلمحات بهية ( حرصت علي شراء ملابس أنيقة،لونت شعري، ونثرت خصلات بلون مغاير،ارتديت عقد اللؤلؤ).
محاولة من الساردة للزيف المبرر،للتغيير المخادع،تبديل لون الشعر،التزين باللؤلؤ المزيف،بهذا المستوي الرفيع تلتقط القاصة صورا أنثوية هامشية،لكنها لا تطرح - بشكل عام - صوت المرأة في المجتمع،هي توقف عربة إبداعها في محطات أنثوية خاصة وأحيانا مصنوعة .. وفي مقابل هذه المرأة الخاصة - الساردة - تطرح المرأة العامة - الغائبة - (قلن: هذه عادتها،تعامل الآخرين كما لو كانوا قد باتوا معها في الفراش،وأطلعوا علي أحلامها أيضا ) عبارة غارقة في ثرثرتها المتناسبة مع طبيعة المحكي عنه،لكنها في النهاية تجعل خلاص البطلة في " الجمع الكلي ".. (فهرعن لنجدتها) .
المرأة محكي عنها
السارد في قصة " تمزق" رجل يصور نتيجة شجاره مع زوجته، وكيف اصطدمت بالحائط، فماتت، وطوال القصة يعيش الراوي حالة "تمزق" بين حزنه علي زوجته، وندمه علي نتيجة شجاره معها،وبين خوفه علي ذاته، تداخل الواقع والمتخيل في القصة يتم بشكل صادم (وجدتهم يقتحمون البيت،يندفعون كالشلال من باب الشقة،ويهجمون علي) لا أعرف كيف عرف الجميع بموتها ) ثم انتقال للواقع مباشرة (تأكدت أن ما رأيته لم يكن سوي تصورات،لما سوف يحدث في الساعات التالية) جملة ثقيلة بلا ضرورة فنية،لتواصل القاريء مع النص والحدث، ثم تبدأ مرحلة التذكر،ثم ترتيب الأفكار لمواجهة الكارثة، وقراره بإلقائها- وهي ميتة - من الشرفة،ثم تنتهي القصة ب (رجعت للشرفة ودمعي يتساقط غزيرا، ونهنهتي تعلو، وأنا أحاول أن أرفع جسدها بين يدي).
وفي "عن الدبساء قالوا " تواصل القاصة الاقتراب من نساء الظل،النموذج النادر،لكنها ندرة ثرية كثيفة،قطعة من الشاعرية المدهشة،إمكانات التأويل بلا حدود،تبدأ القصة بجملة تبدو وكأنها تواصل كلاما كثيرا بقولها (هكذا عرفوا الخبر) ثم تندلع فكرة الغياب، وكيف سرقت منّا معاني الخير والبركة،وكيف سادت فينا معالم التخلي الهائل،ماتت المرأة التي خدمت الجميع وبموتها (الزير جف،يسقط ورق شجر الكافور العجوز) توحد الطبيعة مع المرأة يقابله جحود ممن خدمتهم،تتحول الدبساء إلي رمز قابل للتأويل بيسر،تراها وطنا حينا وأصالة احيانا،تري الرمز زمنا انتهك ( لم يلحظ أي من الرجال الثلاثة غيابها،ذلك الذي نهب الأرض في زمنها الأول ........ والذي كسر لها الجرة وهو يقبض علي طرف ثوبها محاولا احتجازها بين عشب صدره والجدار .... والأخير من قفز ليلا فوق سور بيتها ليتلصص علي انحناءة خصرها) .
هكذا تتوقف مني الشيمي أمام المرأة كمفعول به، كأداة لا أكثر،وهي في رصدها تحاكم المجتمع بما حمله من ميراث ذكوري شديد القسوة،لكن ذلك لا يعني إنكارها للمرأة المقاومة الفاعلة ،حيث تلجأ للحظات المقاومة الصغري، خاصة مع التحام المقاومة ببعد إنساني شديد البهاء،حيث اختارت أطفالا في مدرسة للمكفوفين، وقد أصرت القاصة علي توصيل المعلومة والتأكيد عليها رغم وضوح السياق ( تركت خلفها يافطة مدرسة للمكفوفين معلقة ) مشرف الرحلة لم يقم بواجبه وينهي أوراق الرحلة،ورئيس مجلس الإدارة مسافر،والمطلوب أن تخرج المعلمة إلي الأطفال لتخبرهم بإلغاء الرحلة،لكنها وجدت نفسها تقول " لنبدأ رحلة الأحلام " قامت بخدعة صغيرة حيث دار السائق، وذهب لقطعة أرض واسعة،لكن صوت المشرف يطاردهم عبر المحمول يأمرها:
عودي بالأطفال قبل أن أبلغ الشرطة بما فعلت.
ترد: ليس قبل أن أكمل الحلم .
ثم تضع الكاتبة سبعة أسطر بعد أن انتهت - في تصوري - القصة.
لم تسع الكاتبة لاستنزاف مشاعر القاريء عبر نماذجها،لكنها أقرت قدرة المرأة علي المقاومة،مهما كانت قوة استبداد الآخرين،ليتحول بها من مفعول به إلي فاعل قادر.
رحلة البحث عن الدفء
تمثل قصة "عند حافة الدفء" نموذجا للإبداع النسوي الرائق الراقي،الخالي من مشكلات العنوسة الخانقة الكاذبة، إنها رحلة امرأة تبحث عن نفسها،امرأة سرقت منها الحياة الحقيقية،حياة وزوج وبيت،لكنه كله بلا روح، بلا دفء، لم تقل القاصة شيئا،إنما باحت الراوية (الساردة ) بآلامها بوحا رهيفا،تقوم القصة علي عدة ثنائيات بنائية دقيقة : الزوجة الراوية،وجارتها،الزوج النائم والزوج الغائب،الشرعي المكروه والمحرم المشتهي،الغائبون عن الشقة والغائبون عن البوح.... زوجة تجد جارتها الجميلة المثيرة ( تمنطق بحزام يبرز نفور نهديها ونحافة خصرها) تعيش هانئة مع نباتاتها والشمس تزور شقتها،لكنها لا تزور شقة الساردة،تلعب الشمس هنا دورا بنائيا راقيا،فحينما تزورها الشمس/الدفء/ الحياة يمنعها الزوج الذي يضايقه ضوء الشمس،بينما تلمح رجلا يدخل بيت جارتها،فتنظر لزوجها فتجده (متحدا بالسرير كأنه جزء منه) هذا الفقد العاطفي العام عبرت عنه الكاتبة بالغضب عبر تكسير المرآة التي تكشف آلام هذه الروح الضائعة الوحيدة،زوجها بصوت الشخير موجود غائب، ذهبت تخيلاتها بعيدا مع زائر جارتها ( تري هل يعتصرها بقوة ؟ تتأوه له.... (تنفرط قبلته علي خدها قبلا صغيرة متلاحقة علي رقبتها ونهديها) تلتهب آلام الوحدة - وهي بجوار الزوج- تصل مداها معلنة عن غضبها من هذه التي عاشت ليلتها هانئة بحضن رجل،تخرج غضبها في صراخ شاك لزوجها (هذا يجب ألا يصمت عليه رجال البناية).
نفس هذه الروح الهائمة الوحيدة الثائرة تتلبس بطلة " من علمك الأسماء كلها " قصة اختارت جوا غرائبيا خانقا مخيفا،صوت المرأة في هذه المجموعة لم يختف ابدا،مثلما لم تقع الكاتبة في فخ " المقالية " إنما قدمت قصصا قادرة علي حمل آلام المرأة برقة ورهافة وفي تصوري لو ألغت الاقتباسات التي تبدأ بها قصصها لكان هذا أفضل للقاريء وللكاتبة معا،حيث تغري بعض الجمل الكُتّاب للاقتباس، رغم قدرة العمل علي التأثير الكامل بدون مصادرة حق القاريء في تصور المفهوم الذي يخرج به.
وتبقي اللغة
إن كان أستاذنا الراحل دكتور طه وادي قد قال " إن الحديث عن اللغة هو حديث عن كل شيء في القصة القصيرة " فإن مجموعة " وإذا انهمر الضوء " تجسد هذه المقولة،حيث تخضع مني الشيمي لغتها لمصفاة نادرة الجمال والدقة،من خلال انبثاقات بلاغية خالصة من الحلية اللفظية والاصطناع والتكرار، كما خلت اللغة من الثرثرة،واقتنصت مفردة وصورة لها تفردها،ورغم بدء بعض القصص باقتباسات - جاءت - في تصوري - حملا علي النص،فقد تدفقت لغتها ببراعة أنست القاريء الاقتباس الذي من شأنه المصادرة علي المضمون العام للعمل،وأحيانا تسطيحه،فانظر مثلا: (قش أشيب كلل سقف هذا السطح ) لا تلتفت للتكرارالثنائي للحروف س ش ق فقط، إنما لبلاغتها،وانظر (هش الجميع عليها بمذبة التجاهل) (انثال صمغ صمتهم مطبقا) (تخضب قدميها بغبار الطريق) (الهواء الذي فر من الشمس ) (ألقيت بالحرج في الجوار كثوب مهمل).
هذه الاقتباسات المتعددة من صفحات مختلفة جاءت دالة علي نص مميز لكاتبة مدهشة تعطي ذاتها كاملة لنَصها، وها هو يرد الجميل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.