تعتبر مهنة «مكوجى الرجل» من المهن التى انقرضت واختفت من المجتمع، وزحف عليها قطار التغيير والتطوير، وبدلا من انحناء الظهر طيلة وقت العمل، أصبح الكى واقفا، وبدلا من استخدام الرجل في الضغط وفرد الملابس الثقيلة أصبح الكى بالبخار وتطورت المهنة وكادت أن تندثر، ولكن محمد منجود ابن قرية إخناواى مركز طنطا بمحافظة الغربية، له رأى آخر لإحيائها. محمد عبد العزيز منجود يعمل محامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة نهارا، ومكوجى رجل ليلا ويقول إنها مهنة والده وورثها عن جده ولم ولن يتخلى عنها حتى لو كان مستشارا. وأضاف «منجود» إن مهنة مكوجى الرجل في الماضى، هى كى الجلباب العربى والصوف والعبايات الجوخ التى تحتاج إلى جسم ثقيل في درجة حرارة معينة، ولأن المكواة في هذا الحجم الثقيل من الصعب أن يحركها أحد بيده فقط فقد كان يستعين بقوة الدفع من رجله مع ذراعه، وهذا الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة لا يستطيع أن يقوم بها أى إنسان وتقتضى مهنة مكوجى الرجل أن يعمل على بنك منخفض فوق سطح الأرض بقليل بخلاف المكوجى العادى حيث يقوم بأداء عمله جالسا أو منحنيا ومن شدة الحرارة المنبعثة من تلك المكواة الكبيرة بذراعها الخشبية الطويلة. وتابع منجود» وعيت أبى وشاهدته وهو يكوى ورأيت زبائنه من العمد والمشايخ والأعيان وكبار القوم، وكنت أفرح لأن أبويا يكوى جلباب العمدة ورواده من علية القوم، وأصر أبى أن أمتهن وأتعلم المهنة حتى أكون وريثا له رغم حرصه على تعليمى، وتخرجى في كلية الشريعة والقانون بتقدير جيد جدا، وعلى مدى سنوات عمرى رأيت أبى يكافح ليصبح ميسور الحال وقد زوج أخواتى البنات جميعهن وبنى لى بيتى وأسس لى مستقبل حياتى، وأوصانى أن اعتمد على المكواة في أكل عيشى قائلا: «اللقمة الحلال من عرق الجبين» كما أوصانى على العدة التى تركها لى كتراث ورثه عن والده مكوة الرجل والبخار وأكد «منجود» أن هناك فرقا كبيرا وشاسعا بين مكواة الرجل والبخار، المكواة البخار يمكن لأى شخص استعمالها، حتى ولو لم يكن مكوجى، أما مكواة الرجل فلا بد أن يكون من يستخدمها «صنايعى» وتعلمها من أحد، ومعتاد على استخدامها، نظرًا لارتفاع درجة حرارتها، فلا بد من التعامل معها بطريقة معينة، حتى لا يتعرض من يتعامل معها لأية أضرار.وكلما ارتفعت درجة حرارتها نستخدمها في كى الأقمشة الثقيلة مثل الصوف، وعندما تنخفض حرارتها تستخدم في كى الأقمشة الخفيفة. وأوضح ان أدواته بسيطة وبدائية للغاية لكنها انقرضت، وهى عبارة عن لوحة الكى، جزء خشبى: «نصف شجرة مشقوق، يتم تغطيتها بقطعة من القماش الأبيض، وقطعة خشبية يتم وضعها وإحكامها على أعلى المكواة لكى يضع المكوجى قدمه عليها، فتمنع الحرارة من الوصول إليه، وتجعله يتحكم في المكواة كما يشاء، بالإضافة إلى الصاجة التى توضع عليها المكواة بعد رفعها من على النار لتسخينها، وسابقا كان وابور الجاز وحاليا فرن غاز لتسخين المكوة. ذكريات العمر وقال «منجود» إن المهنة شأن أى مهنة لها مواسم ترفع من شأنها وتحتاج لضغط شغل ويتوافد عليها المئات للحصول على «مكوة مظبوطة» أهمها ليالى العيد حيث نظل نعمل على مدى 72 ساعة متواصل دون نوم بسبب ضغط الشغل، وهنا نستعين بمساعد وصبى ويبدأ الموسم قبل العيد ب3 أيام ونظل نعمل على قدم وساق حتى صلاة العيد، وبمجرد رؤية العيد أرجع بذكرياتى، حيث كنت أساعد والدى على أنغام أغنية أم كلثوم «يا ليلة العيد» وكان لها بهجة وفرحة لا توصف وسط تجمع الأطفال، وتردد الكبار لاستعجال المكوة وأكد منجود أن مهنة مكوجى الرجل لن تنقرض ما دام هناك ترزى بلدى، حيث إن الملابس الصوف والجلابيب البلدى لا بد لها من مكوة رجل ولو مرة واحدة حتى يظهر شغل الترزى ومهارته، وما زالت الجلاليب الصوف والجوخ لها روادها من كبار الفلاحين وأعيان القوم. وأشار إلى أن المهنة فعلا كادت أن تندثر حيث إن مدينة طنطا وحدها كان يوجد بها أكثر من 20 مكوجى رجل كلهم تحولوا لمكوى البخار أو قطع العمل بعد موت والده، وحاليا طنطا كلها يوجد بها سوى 2 مكوجى رجل فقط، ومعروفين أنهم ورثوها عن آبائهم. بين المحاماة والمكواه وقال منجود التزامى بعملى في المحاماة جعلنى أحدد وقت ومعين يومين في الاسبوع لمدة ساعتين فقط ومحلى الخاص أصبح مثل عيادة الدكتور له مواعيد ثابتة ساعتين فقط فأنا بالفعل دكتور الملابس أعالج أمراضها وعيوبها وأصلح ما أتلفته مكوة البخار من تجاعيد وتشققات في الملابس وأشعر بكل قطعة ملابس وهى سعيدة تحت قدمى ومبتهجة من جراء مرور المكوة عليها، وحتى وصاحبها يرتديها أفرح بإنتاجى وجهدي.وناشد منجود إحياء تراث الآباء والأجداد قائلا «اللى ملوش ماضى ملوش حاضر».