كتبت مارينا ميلاد: داخل محل صغير يمتلأ بالملابس المُعلقة على جدرانه و المُنتشرة على أرضيته، يجاورهم راديو قديم تنبعث منه أغنية "اغدًا ألقاك" لأم كلثوم .. يقف صبرى فهمى، أو"عم صبرى"، ممسكًا ببخاخ المياة، والمكواة، ليمارس مهنته، التى ورثها عن والده منذ خمسون عامًا. وهو «يفرد» الجلباب على الطاولة الخاصة بالكى .. يحكى :"بدأت الشغلانة وأنا عمرى 10سنين، وبعد ما خلصت الدبلوم كان والدى اتوفى و مسكت المحل، لأن دى الصنعة اللى بحبها، وربنا رضانى و اتجوزت و ربيت عيالى منها". لا يزال «عم صبرى» يستخدم الطريقة القديمة فى الكى، معتمداً على مهارته الشخصية؛ فيقوم بتنظيف الملابس على يديه واستخدام المكواه "العادية"، التى يفضلها عن مكواة البخار:"الدراى كلين مكن بينضف، لكن أنا عندى مهارة التنظيف على يدى باستخدام مزيل الحبر و الصدأ و المواد الدهنية، والمكوه العادية هى اللى اتعودت عليها من زمان، رغم إنها أصعب من البخار". ورغم إقبال الكثيرين على الأماكن، التى تستخدم التكنولوجيا الحديثة، إلا أن الرجل السبعينى يرى أن مازال هناك من يفضلون طريقته القديمة: "فى ناس بتعتقد أن المكوه العادية بتفرد أكثر، وبتثق فى الحاجة البدائية أكثر من الحديث، لكن برضو بحدد على حسب نوع القماش، وهل يستحمل المكوه العادية التقيلة و لا لأ". - "قليل لو لقيت فلوس فى الهدوم، ممكن الاقى ورق، وتذاكر أتوبيس أو مترو، عمومًا أى حاجة بلاقيها بشيلها لصاحبها مع الهدوم". "فودره" .. مصطلح يطلقه المكوجية على قطعة القماش، التى توضع فوق الملابس، ليتم الكى فوقها، وهى ما يقول عنها صاحب أقدم "تنترليه" بحدائق القبة :"أهمية الفودرة عشان فى أنواع من الملابس ممكن المكوه تعلم فيها أو تلمع؛ فلازم يبقى فى عازل بين المكوه و القماش، لكن فى أنواع تقيلة المكوه متأثرش فيها؛ فمش بتحتاج فودرة". لم يتذكر "عم صبرى" حدوث أى خلافات مع زبائنه فيما يخص الأجرة أو ميعاد تسليمه ملابسهم:" بيجيلى حوالى 30 زبون فى اليوم، وأغلبهم زباينى من زمان، وأنا ببقى عارف هما عايزين ايه من غير ميطلبوا، ومفتكرش أى خلاف حصل على فلوس لأنه محدش بيفاصلنى، ولا ميعاد تسليم الملابس لأنهم برضو بيقدروا ظروفى أنى راجل كبير و بشتغل لوحدى". -"المكوه العادية بتسخن بعد 3 دقايق، وعشان كدة لازم استخدمها لو حد مستعجل، لكن المكوه البخار بتسخن خلال تلت ساعة." "مكوه رجل" .. أقدم وسيلة للكى لم تكن بعيدة عن استخدام "عم صبرى" منذ سنوات، لكنه تركها كونها تحتاج إلى جهد لا يناسب عمره، خاصة أنه يعمل بمفرده:"معنديش صبى يساعدنى أو يوصل الهدوم للزباين، لأن المهنة مش مربحة؛ فالناس بتجيب و تاخد حاجتها بنفسها". يرى "عم صبرى" أن عدم تقدير المهنة يأتى من أصحابها أولًا ثم بعض الزبائن:"المكوجية دلوقتى غير زمان، مبقوش عارفين أصول الصنعة، وأنه كل حاجة و ليها طريقة معينة و لازم تطلع مظبوطة، أما الزباين فمثلًا حد يقولى اكويلى القميص ده فى 3 دقايق، وهو مش فاهم أن مش كل حاجة زى التانية، ممكن قميص يأخد وقت أطول من قميص تانى حسب نوعه، وبالتالى بتختلف أجرته، لأنه بياخد مجهود ووقت أكتر". لم يفكر صبرى فهمى فى تجديد المحل لرغبته فى أن يبقى شكله ومعداته كما هى، رافضًا ترك المهنة أو الإنتقال لمنطقة أخرى:"دى المنطقة اللى اتولدت و اتعلمت واشتغلت فيها، ودى مهنتى اللى بحبها حتى لو مكسبتش منها، وعهدت نفسى أنى اكمل حتى النهاية".