طوابير، تدافع ومشادات بسبب الأعداد الكبيرة التى اصطفت أمام المولات والمحلات التجارية، انتظارا لفتح المحلات أبوابها، لاستغلال التخفيضات المُعلن عنها بمناسبة «الجمعة السوداء».. كان هذا هو المشهد منذ أيام قليلة، الأمر الذى دفع رواد التواصل الاجتماعى إلى السخرية، ووصف ما يحدث بأنه لا يوجد فقر فى مصر، وأن المواطنين يملكون الأموال، لدرجة الوقوف فى طوابير، فى انتظار فتح أبواب المولات والمحلات التجارية المعروفة، رغم الحالة الاقتصادية المضطربة للبلاد. «سيتى ستارز، كايرو فيستيفال سيتى وهايبر وان».. أمثلة لأماكن لم يكن بها موضع قدم، بسبب الإقبال الشديد على الشراء من قبل آلاف المواطنين، والمعروضات بمختلف أنواعها تم بيعها بصورة سريعة، بل إن الأماكن المخصصة لركن السيارات، لم يكن بها شبر فارغ، وازدحمت الشوارع عن بكرة أبيها، وتأثرت حركة المرور فى الكثير من مناطق القاهرة والجيزة. رامى هاشم شاب انطلق منذ ظهور شمس يوم الجمعة، وذهب إلى مول «سيتى ستارز» بمدينة نصر، فى انتظار أن تفتح المحلات أبوابها، وأحضر مبلغا جيدا، حتى يتمكن من شراء أكبر قدر من الملابس، من أحد المحلات المعروفة عالميا، وما إن وصل حتى تفاجأ بأن الكثير قد سبقوه، ووقفوا فى طابور طويل. انتظار «رامى» لمدة زادت على الساعات الأربع، ومعاناته للوصول إلى المحل، لم يكن ليعوقه عن شراء العديد من قطع الملابس، من أحد المحلات الشهيرة، رغم أن الأمر حمل بعض الشوائب، حسبما يوضح الشاب: «وصلت واشتريت لكن لقيت التخفيضات مش على كل الهدوم، وفيه حاجات كتير مش موجودة بشكل مقصود، عشان هى حاجات قيمة، ولو اتباعت فى الوقت دا مش هيكسبوا فيها». يضيف «رامى» أنه اعتاد النزول فى مثل تلك الأيام، التى تشهد تخفيضات على الأسعار، خصوصا الملابس والأحذية، لأنها تباع فى الأوقات العادية بأسعار كبيرة، لكنه يؤكد أنه حتى فى الأيام العادية، قد يشترى من تلك المحلات المعروفة، نظرا لجودة منتجاتها، حتى وإن كانت أسعارها عالية: «ساعات كتير بشترى من هنا، لأن الحاجات بتقى كويسة من ناحية مستوى الصناعة أو مواكبتها للموضة». الكثير من المواطنين وقفوا فى طوابير طويلة لساعات طويلة، رغم تحذيرات عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، بأن الكثير من التخفيضات التى يتم الإعلان عنها فى المولات التجارية هى فى الأصل وهمية، مؤكدا أنه تم رفع الأسعار فى بعض المولات بنسبة قد تتخطى ضعف سعرها الأصلى، حتى يتم خداع المواطنين، وإيهامهم بأنهم يشترون بالأسعار المخفضة. «هايبر وان» ازدحم بشكل كبير يوم الجمعة، بعد أن تم الإعلان عن تخفيضات كبيرة، وذلك عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، فاصطفت الطوابير على المنتجات، وتهافت المواطنون على شراء الكثير من المنتجات الغذائية والكهربائية، وكان المشهد هو طوابير من الزبائن أمام «الكاشير» يدفعون العديد من العربات الممتلئة بالبضائع، حتى إنه من الطبيعى أن يدفع كل شخص ما لا يقل عن 3000 جنيه. فى طابور المحاسبة على البضائع، وقف «إبراهيم فهمى» لمدة زادت على الساعتين، ومعه 4 عربات من البضائع، يساعده على دفعها أحد أبنائه، وما إن وصل إلى «الكاشير» حتى تهلل وجهه، وفرح بانتهاء الانتظار رغم أنه دفع حوالى 3500 جنيه، يقول إنه ينتظر تلك الفرص والخصومات، من أجل شراء كميات كبيرة من المنتجات الغذائية والبضائع المنزلية، حتى تكفيه لفترة جيدة، بدلا من الشراء بشكل يومى. رحلة الشراء هذه قد تتكرر كل 3 أسابيع، وتكلف «فهمى» نفس المبلغ تقريبا كل مرة، لكنه يرى بأنها أشياء أساسية بالنسبة إليه هو وعائلته، فهى تشمل كمية مناسبة من البيض والألبان المعلبة والزبادى، بالإضافة إلى المجمدات من لحوم ودجاج، وحتى الخضروات والفاكهة، إلى جانب عبوات النوتيللا وطعام جاف لكلبه. يضيف «فهمى» أنه لا يعتبر نفسه ممن ينفقون الكثير من المال فى التسوق، بل هناك الكثير من المواطنين ممن يدفعون أموالا أكثر من ذلك بشكل دورى: «مسألة مصروفات الشراء من مولات الأكل، بتتوقف على مستوى الشخص وعدد أفراد أسرته، لكن فيه كتير بيصرفوا على المولات والشرا أكتر منى بكتير». للوهلة الأولى اعتقد المارة أنه طابور للحصول على السكر المختفى من الأسواق أو منتجات اللحوم من أحد منافذ البيع المخفضة، لكنهم لم يتخيلوا أن يكون مشهد ازدحام ووقوف مواطنين، فى طابور طويل تحت أشعة الشمس لعدة ساعات، قد يكون محاولة للحصول شقة ثمنها مليونا جنيه.. لكن هذا ما حدث فى حجز أحد مشروعات الشركات المعروفة، بعدما أتاحت شققًا بنظام التقسيط، فى أحد الأماكن الراقية. توفيق أدهم أحد المواطنين الذين حاولوا الحصول على شقة من تلك الشركة، برر ذلك بأنه يحب أن يدفع مبلغا كبيرا بأى طريقة، فى مقابل ابتعاده هو وأبنائه عن الازدحام والتلوث الذى أصاب كل مناطق القاهرة، بالإضافة إلى إبعاد أطفاله عن الانحطاط الأخلاقى المنتشر فى ربوع القاهرة: «عادى إنى أعيش مديون أو بدفع أقساط للبنك بقية حياتى، مقابل إنى أعيش حياة نضيفة مع أبنائى، وأبعدهم عن الجهل والتخلف اللى ملوا البلد».