أخيرا وبعد مفاوضات شاقة أجراها اسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوث الامين العام للامم المتحدة الى اليمن مع الاطراف اليمنية وقبل يومين من مرور عام على عاصفة الحزم لعودة الشرعية لليمن أعلن ولد الشيخ أن أطراف النزاع قد وافقت على إعلان وقف الأعمال القتالية في كافة أنحاء البلاد ابتداء من 10 ابريل القادم وعقد جولة ثالثة من المفاوضات بين الحكومة اليمنية الشرعية ومليشيات الحوثيين وصالح في الكويت يوم 18 ابريل . وقد استقبل اليمنيون هذا الاعلان بمزيد من الامل في أن تتوج المفاوضات بحل يؤدى الى وقف الحرب وعودة الحياة الطبيعية الى اليمن واليمنيين الذين عانوا من أوضاع اقتصادية خانقة على مدى عام وارتفاع أسعار كل المواد الغذائية والنفطية وانقطاع تام للكهرباء وفقد الكثير منهم وظائفهم بالاضافة الى تآكل الاحتياطى النقدى الذى استخدمه الحوثيون في الحرب وتدهور سعر الريال وعجز البنك المركزى عن السيطرة على ارتفاع اسعار العملات الاجنبية وارتفع عدد الذين هم تحت خط الفقر الى 80% أصبحوا بحاجة الى المساعدات . وتنعقد جولة المفاوضات الثالثة في ظروف مختلفة تماما عن الجولتين السابقتين اللتين عقدتا في سويسرا في شهرى يونيو وديسمبر من العام الماضى فقد كانت كل المؤشرات تؤكد فشلهما قبل الانعقاد خاصة الاولى التى جاءت في وقت تسيطر فيه المليشيات على كل المحافظات اليمنية لتبدأ بعد ذلك مرحلة الانهيارات في صفوفهم واستطاعت قوات الشرعية تحرير محافظات الجنوب وسيطرت على أماكن كثيرة في محافظات شمالية وجاءت الحولة الثانية في ظل استمرار الهزائم للمليشيات التى لم تعد تسيطر الا على صنعاء وتحاصر تعز ورغم ذلك لم تؤد المفاوضات الى احراز اى تقدم بسبب تعنت الحوثيين وعدم الاعداد الجيد لهذه الجولة . أما الجولة الثالثة فهى تجىء في ظروف مختلفة تماما فقد استمرت هزائم المليشيات وتقلصت مساحة سيطرتهم على الارض لصالح الشرعية واستطاعت قوات الجيش والمقاومة دخول مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء والبوابة الشرقية لها وتحرير مديرية حريب في مأرب والتى أصبحت شبه محررة بالكامل ولم يتبق منها الا جيوب صغيرة في مديرية صرواح وتحرير مديريتى عسيلان وبيحان بشبوة في الجنوب والسيطرة على معظم مناطق محافظنى حجة والجوف واعلان التهدئة على الحدود السعودية اليمنية وسيطرة القوات الشرعية والتحالف على نحو 85 % من الاراضى اليمنية ولم يعد للحوثيين أى مجال للمناورة سوى حصارهم لمدينة تعز والتى استطاعت قوات الشرعية كسر الحصار عنها من الناحية الجنوبية الغربية وتستميت المليشيات في استعادة المناطق التى خسروها في تعز لانها الورقة الأخيرة التى يمكنهم المساومة بها على الاحتفاظ ولو بجزء من المكاسب التى حصلوا عليها بعد دخولهم صنعاء في سبتمبر عام 2014 . كما تجىء هذه الجولة في ظل احتدام الخلاف بين الحليفين على عبد الله صالح والحوثيين الذين أحكموا سيطرتهم على العاصمة وقوات الجيش والامن ووزارة المالية وباتوا هم الذين يعطون قوات الجيش التى كانت موالية لصالح رواتبهم وأزاحوا أنصار صالح وحزب المؤتمر من مواقعهم في الوزارات بالاضافة الى توصلهم الى تهدئة على الحدود مع السعودية بدون علم صالح أو التشاور معه .. ويتضح هذا الخلاف الآن في عدم اتفاق الحليفين على عقد فاعلية مشتركة بمناسبة مرور عام على عاصفة الحزم اذ يسعى صالح الى تنظيم فاعلية في ميدان السبعين وحشد أنصاره ورفض جماعة الحوثيين ذلك فهم يسعون لتنظيم فاعلية في ميدان الستين ولكن صالح يرفض ويصمم على تنظيم الفاعلية بنفسه لتعبر عن مدى شعبيته وحزبه ليكون رقما في أى تسوية قادمة دون أن يعبأ الحليفان بما يعانيه الشعب اليمنى الذى يظل قابعا في آخر اهتماماتهما . وفقا للمؤشرات الحالية على الارض والتفوق العسكرى لقوات الشرعية والتحالف تجىء فرص نجاح المفاوضات كبيرة نسبيا ولكن المشكلة تكمن في التفاصيل وكيفية تنفيذ بنود قرار مجلس الامن الدولى رقم 2216 مما يلقى بشكوك كبيرة في نجاح المفاوضات خاصة وأن الحوثيين لن يستسلموا بسهولة ويخسروا المكاسب التى حققوها قبل انطلاق عاصفة الحزم وسيطرتهم على كافة الوزارات وزرع أنصارهم بها من خلال تعيينات غير قانونية حتى أن الرئيس اليمنى والحكومة أصدرا قرارات كأنها لم تكن . وحسب تصريح المبعوث الاممى أمس فان المحادثات القادمة تهدف إلى التوصل لاتفاق شامل ينهي الصراع ويسمح باستئناف الحوار السياسي الشامل وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 وجميع القرارات ذات الصلة والوصول إلى عملية انتقالية سلمية ومنظمة تقوم على أساس مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات الحوار الوطني. ويقول ولد الشيخ أن المحادثات بين الاطراف اليمنية ستركز على خمسة مجالات هى انسحاب الميليشيات والجماعات المسلحة ..وتسليم الأسلحة الثقيلة إلى الدولة ..والتوصل الى ترتيبات أمنية انتقالية ..واستعادة مؤسسات الدولة واستئناف الحوار السياسي الجامع بالإضافة إلى تشكيل لجنة خاصة معنية بالسجناء والمعتقلين. وكل هذه الاهداف التى يسعى المبعوث الاممى الى تحقيقها واردة فى قرار مجلس الامن الذى حاول الحوثيون وصالح اختراقه وفرض واقع جديد ولم يفلحو ولم يجدوا مفرا سوى اعلانهما الالتزام بتنفيذ القرار لتظل الشكوك قائمة حول تنفيذ بنوده ومن سيتسلم الاسلحة والمعسكرات من المليشيات وهل ستستطيع الحكومة استعادة السيطرة على مؤسسات الدولة وفيها المئات من أنصار الحوثيين الذين لن ينسحبوا منها بسهولة خاصة وأن معظمهم من الشباب صغار السن الذين تحكموا فى كل الوزارات وأزحوا العناصر القديمة فيها وتسلموا مقاليد الامور فى الوزارات والمؤسسات الحكومية وخلقوا عداوات شديدة مع كبار الموظفين فى هذه المؤسسات بالاضافة الى أنه لم يتم تحديد الترتيبات الامنية الانتقالية حتى الآن.. وبذلك ستكون المفاوضات شاقة وطويلة ومعقدة ولا توجد ضمانات لتحقق نجاحا يمكن أن يتم البناء عليه للتوصل الى اتفاق يمكن أن ينهى الوضع المتأزم فى البلاد . ويتبقى 18 يوما لدخول وقف الاعمال القتالية حيز التنفيذ حسب اعلان المبعوث الاممى وهى فترة طويلة يمكن أن تشهد تغييرات عسكرية على الارض خاصة فى تعز تنزع آخر ورقة لدى الحوثيين يمكنهم التفاوض بها ولهذا فمن المتوقع أن تشهد هذه الفترة أعمال عسكرية فى محافظات تعز ومأرب والمديريات فى شمال وشرق صنعاء فى محاولة من الطرفين انتزاع مكاسب تعزز موقفهما التفاوضى .