شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية تطورًا ملحوظًا على كل الصعد السياسية والإستراتيجية في الآونة الأخيرة، فقد تبدلت علاقة التوافق والمودة المتبادلة في عهد جماعة الإخوان الإرهابية، لعلاقة ندية متوازنة مع النظام المصرى، بعد أن قدمت قيادات الإخوان لهم أكثر مما كانوا يتوقعون للبقاء في الحكم، حيث اختلفت موازين القوى لصالح مصر بعد اندلاع ثورة 30 يونيو، وانعكس ذلك بوضوح بعد التقارب المصرى الروسى منذ زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لروسيا، وتوارد أنباء عن التوقيع على صفقه أسلحه قد تحدث تطورًا نوعيًا في التسليح المصرى، ما أثار خشية الجانب الإسرائيلى. في السياق نفسه، أثارت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حواره مع وكالة أنباء «الأسوشيتدبرس»، حالة من الجدل في الأوساط السياسية، عن العلاقات المصرية الإسرائيلية، حيث وجه من خلالها توسيع جهود عملية السلام بين العرب وإسرائيل لحل القضية الفلسطينية، الأمر الذي يعطى الفرصة للوصول لنتائج إيجابية حول تحسين أوضاع المنطقة، ما أشاد به رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، مرحبًا بدعوة السيسى لتوسعة معاهدة السلام مع إسرائيل لتشمل دولا عربية أخرى، فضلًا عن إعادة افتتاح سفارة إسرائيل بالقاهرة، في خطوة جاءت بعد ما يقرب من شهر على إعادة مصر سفيرها إلى تل أبيب، بعد أكثر من عامين على سحبه في أعقاب الحرب التي شنتها تل أبيب على غزة عام 2012. الخبراء أرجعوا تطور العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى الالتزام الإستراتيجي بمعاهدة «كامب ديفيد» التي تلزم الطرفين على تكوين علاقات موسعة بين الطرفين، مؤكدين أن علاقتنا مع إسرائيل حذرة ومتزنة، وتأتى لتأمين الحدود المشتركة بين البلدين ولخدمة القضية الفلسطينية. في البداية، أكد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، أن العداء بين مصر وإسرائيل على المستوى الشعبى تاريخى، بسبب سياسة الاحتلال والاستيطان التي تعتمد عليها الدولة العبرية، مؤكدًا أن معاهدة السلام بين الطرفين التي تمت برعاية أمريكية في منتجع كامب ديفيد، هي معاهدة تلزم كلًا من مصر وإسرائيل بعدم الاعتداء على أي منهما، إضافة إلى تكوين علاقات بين الدولتين عقب تلك الاتفاقية. وأضاف فهمى، وهو رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، أن حديث الرئيس السيسى مؤخرًا عن توسيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لتشمل دولًا عربية من أجل حل القضية الفلسطينية، يأتى وفقًا لنص المعاهدة التي تنص على أنه «على حكومتى مصر وإسرائيل، اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط، وفقا لقرارى مجلس الأمن 242 و338، فإنهما يؤكدان من جديد التزامهما بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في اتفاقية «كامب ديفيد» يوم 17 سبتمبر 1979. وأشار فهمى إلى أن اتفاقية السلام بين الطرفين أمر طبيعى بعد الحروب، لأنها طبائع الدول، فحين تكون هناك أزمات يحدث ذلك، منوهًا بأن الإطار المشترك في تلك الاتفاقية يقصد به أن يكون إطارًا للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فقط، بل بين إسرائيل وكل جيرانها، ليكونوا على استعداد للتفاوض معها. ونوه فهمى إلى أن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل تنص على «رغبة كل من مصر وإسرائيل في إنهاء حالة الحرب بينهما وإقامة سلام تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمن، واقتناعا منهما بأن عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل يعتبر خطوة هامة في طريق السلام الشامل في المنطقة والتوصل إلى تسوية للنزاع العربى الإسرائيلى بكافة نواحيه، فإن الاتفاقية تدعو الأطراف العربية الأخرى في النزاع إلى الاشتراك في عملية السلام مع إسرائيل على أساس مبادئ إطار السلام المشار إليها آنفا واسترشادا بها». من جانبه، قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عن توسيع العلاقات مع إسرائيل وعقد اتفاق عربى موحد: «إن إسرائيل رفضت مثل هذه الاتفاقات قبل ذلك، ضاربًا المثل باتفاقات مسبقة طالب بها الملك السعودى الراحل عبد الله بن عبد العزيز من أجل الوصول إلى تسوية شاملة رفضتها إسرائيل حينها، بل وقامت بمحاصرة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، تأكيدًا على رفض المبادرة بطريقتها الهمجية، مشيرًا إلى أن الاتفاقات لا توسع ولكن تبرم بعد مفاوضات الدول المعنية بالتفاوض». وأضاف نافعة ل«البوابة»: «إن القضية أعقد مما يقوله الرئيس السيسى بكثير، فإسرائيل ترفض المبادرات العربية الموحدة، وليست مستعدة للتخلى عن القدس أو الضفة الغربية واتفاقية أوسلو أكبر دليل على ذلك، ولو كانت جاهزة للانسحاب بنفس الشروط التي انسحبت على إثرها من مصر لكانت انسحبت من الأراضى الفلسطينية والسورية». وتابع نافعة: «إن على إسرائيل إعلان استعدادها لقبول المبادرة الجماعية للملك عبدالله، أو تبدى استعدادها للتفاوض مع وفد عربى موحد للتوصل لحل من أجل القضية الفلسطينية». فيما يرى الدكتور وحيد عبدالمجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن اتفاقية السلام مع إسرائيل أدت إلى استمرار الاحتلال الغاشم، مشيرًا إلى أن التجارب السياسية السابقة تؤكد أن أي تطوير للعلاقات العربية مع إسرائيل لن يحل القضية الفلسطينية. وأضاف عبد المجيد، أن القضية الفلسطينية تعقدت كثيرًا بعد قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعقد معاهدة «كامب ديفيد»، مما يقوض أي رئيس لمصر نحو الالتزام ببنود الاتفاقية التي تمثل «أكبر كارثة» على القضية الفلسطينية. وتابع عبد المجيد، أن الشعوب العربية تزداد كراهية للإسرائيل بعد المجازر المستمرة التي ترتكبها نهارًا جهارًا، موكدًا أنه لا يوجد علاقات سلام مع إسرائيل، ولكن توجد علاقات بين حكومات الدول فقط، لافتًا إلى أن توسيع العلاقات مع إسرائيل لن تستفيد منه مصر بشيء. بينما وصف اللواء حمدى بخيت، الخبير العسكري والإستراتيجي، العلاقات المصرية الإسرائيلية بأنها علاقات حذرة ومتزنة، وكل القضايا التي تتم مناقشتها بين البلدين تتم مناقشتها بميزان من ذهب، مشيرًا إلى أن هناك معاهدة سلام بين البلدين، وتمثيلا دبلوماسيا، وقراءة لما يمكن أن يتم في موضوع أمن الحدود. وأضاف الخبير العسكري والإستراتيجي، ل«البوابة»، أن الجانب المصرى يعلم تمامًا ما هو التوجه الإسرائيلى، مشيرًا إلى أن حل القضية الفلسطينية يقع على عاتق الجانب الإسرائيلى المتعنت في حل تلك القضية منذ مدة طويلة، لافتًا إلى أن مصر لديها مبادئ ثابتة لحل تلك القضية تقوم على الاعتراف بشرعية إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، وأن تكون القدس عاصمة لها، إضافة إلى وضع حل ملائم لمشاكل اللاجئين. ونوه بخيت إلى أن هناك عددا كبيرا من الوسطاء في العلاقة بين مصر وإسرائيل، تتمثل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعدد كبير من دول أوربا، إلا أن مصر مازالت الدولة الوحيدة التي تحفظ قدرا كبيرا من القدرة على إدارة العلاقة بين الجانبين بشهادة إسرائيل نفسها، مؤكدًا أنهم يعرفون أن الدور المصرى مهم جدًا. وأكد بخيت، أن إسرائيل كانت وستظل هي العدو الرئيسى لنا، والتهديد القائم، طالما لم تلتزم بمبادئ القانون الدولى وقرارات الأممالمتحدة.