تاجر ترامادول قريب ل"نور" شارك في التمويل عدد من شباب الجماعة ألحد بعد الفض سائلًا: «إنت فين يا رب؟» قسّموا البلاد إلى فصيلين الأول موحد بالله يقف بجوار «مرسي».. والثاني كافر يتآمر على «الرئيس المؤمن» قبل أن تقرأ «فى الذكرى الأولى لفض اعتصام رابعة العدوية، كنت قد توقفت قليلًا أمام ما جرى، قبلها بشهور تفرغت تقريبًا لمشاهد كل الفيديوهات التى سجلت الحدث، لم تكتب كلمة عن الاعتصام إلا وكانت تحت يدى، استمعت لشهادات من جبهات مختلفة عن الجحيم الذى كان يستعد لالتهام الجميع، خططت على الورق مشروع كتاب، عما عرفت، لكننى أجلته لأننى كنت على يقين أن هناك كثيرًا لم يعلن بعد. ما توصلت إليه وأيقنت أنه حقيقة كاملة، كان أن الاعتصام الذى أعلن الإخوان أنهم يتقربون به إلى الله، ودفاعًا عن الإسلام، لم يكن إلا خدعة كبرى، محاولة سياسية لجنى أكبر قدر من المكاسب، حتى لو كان الثمن قتلى وجرحى ويتامى وأرامل، فمجد الجماعة يعلو عند أعضائها على الجميع. للأسف الشديد سقطنا جميعًا فى الفخ، البسطاء دفعوا حياتهم دون ثمن، والأبرياء ممن دفعوا لفض الاعتصام سلميا، تورطوا بعد قليل فى التحريض على فضه بأى طريقة، فورثنا جميعًا حالة من الثأر أعتقد أنها لن تنتهى قريبًا، راجعت ما كتبته من عام مضى، فوجدته صالحًا للقراءة من جديد، يحتاج فقط إلى قليل من التأمل، فأنا لم أكتب ما جرى، لكننى حاولت أن أكتب عن أسبابه ودوافعه ونتائجه وآلامه. بعد فض اعتصام رابعة العدوية 14 أغسطس 2013 بساعات قليلة استمعت إلى تعليق من مواطن لا تشغله السياسة ولا يعطى أذنيه لتعقيداتها، قال لى: «ألم يكن فى هذا الاعتصام كله رجل يعرف الله.. يكون شفيعًا لهم حتى لا يقعوا فى هذه النهاية المؤلمة؟». لم يمنحنى فرصة للرد، على ما يبدو لم يسأل ليعرف، كانت الفكرة عنده مكتملة، قال: «لقد ظل هؤلاء المعتصمون 45 يومًا الاعتصام بدأ فى 28 يونيو وانتهى فى 14 أغسطس فى حالة صلاة دائمة، لا تفارقهم المصاحف.. يقرأون القرآن آناء الليل وأطراف النهار، يقومون الليل ويقيمونه، وفى رمضان حولوا الساحة إلى مساحة متصلة من العبادة والخضوع والخشوع.. صلوا التراويح والتهجد وختموا القرآن أكثر من مرة، وفى كل هذا لم ينقطعوا عن الدعاء لهم بالنصر وعلى أعدائهم بالهلاك. تنتظرون قفلة لهذا الكلام؟ أليس كذلك؟ قال محدثى: «لو كان من بين هؤلاء رجل واحد يعرف الله حق المعرفة، وبينه وبين ربنا عمار، ودعاه بإخلاص لاستجاب له، ولما جرى للإخوان كل ما جرى من خلع عن السلطة وحصار وتشريد وقتل وسجن». ■ ■ ■ يلخص لى هذا الموقف ببراعة كل ما حدث فى رابعة العدوية منذ الأيام التى بدأ فيها الاعتصام يتشكل، وحتى تم فضه بالقوة التى كان لابد أن تكون مفرطة، فقد كان النظام أمام مجموعات مغيبة تعتقد أنها قادرة على تحطيم الجيش والشرطة وسحق الشعب فى الطريق، أعلنوا أنهم لا يعرفون غير لغة القوة، فكان لابد لأصحاب القوة أن يتحركوا. لم يتشكل اعتصام رابعة العدوية فى 28 يونيو، وهو اليوم الذى أعلن فيه أنصار محمد مرسى من كل التيارات السياسية الإسلامية التواجد فى الميدان ردًا على الدعوة للنزول فى 30 يونيو، كان هذا هو يوم التنفيذ، أما الفكرة نفسها فأعتقد أن خيوطها الأولى بدأت تتشكل يوم 16 يونيو. فى هذا اليوم عقد مرسى اجتماعه المخزى بأنصاره فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة، كان التواجد الإخوانى الزاعق والعنيف والمتوتر تحت لافتة مؤتمر نصرة سوريا، لكن الحقيقة كانت كما ظهر للجميع أن الاجتماع ما عقد إلا من أجل استعراض القوة أمام المعارضين، تحدث السلفى محمد عبد المقصود بصراحة عن الذين عقدوا العزم على الخروج فى 30 يونيو، دعا الله أن يجعله يوم عز ونصر للمسلمين وخزى لأعدائهم.. والمفاجأة أن محمد مرسى كان يُؤمّن على دعاء محمد عبد المقصود.. فى إشارة واضحة إلى أنه لا يوافق على هذا الكلام فقط، ولكن يباركه أيضًا، وكانت هذه أول مرة يدعو فيها رئيس يقول إنه مؤمن على شعبه بالهلاك. حسم مرسى وأنصاره الأمر إذن.. قسموا البلد إلى فصيلين، فصيل مؤمن موحد بالله يسعى إلى نصرة الإسلام ويسعى إلى إقامة دولته يقف إلى جوار محمد مرسى، وفصيل آخر كافر يتآمر على الرئيس المؤمن ويسعى إلى هدم الإسلام وتقويض دعائم دولته.. وهؤلاء يقفون فى معسكر يخاصم ويعادى الرئيس مرسى. ■ ■ ■ دخل الإخوان إذن إلى اعتصام رابعة العدوية الذى استمعوا فيه إلى بيان عبد الفتاح السيسى بعزل مرسى فى 3 يوليو 2013 وهم فى حالة ذهول وانهيار، بعضهم دخل فى حالات إغماء بالفعل - وهم يعتقدون أنهم جند الله، مسلحون باعتقادهم أن إيمانهم الذى يدعون سيكون كافيًا للانتصار على شعب لا يملك إلا إيمانه بالله، لكنه إيمان حقيقى وليس نفعيًا، يسعى من يعتنقه إلى التجارة بأي وكل شيء، حتى لو كانت التجارة فى الله نفسه. هذه الحالة الإيمانية الزائفة التى تَقَنّع بها الإخوان ومن سار على ضلالهم فى الطريق إلى رابعة العدوية جعلتهم يتوهمون أشياء كثيرة خلال أيام الاعتصام.. وربما لم تنته إلا ساعة الفض. هل نشير إلى بعض ما جرى؟ ولِمَ لا.. خاصة أن الاعتصام كان مذاعًا على الهواء مباشرة، أرادوا أن يرهبوا به من يتابعونه، وأراد الله أن يفضحهم على رءوس الأشهاد. أولًا: عندما خرج الإخوان وأتباعهم لحصار مبنى الحرس الجمهورى فى 5 يوليو 2013 فيما زعموا لتحرير محمد مرسى لاعتقادهم أنه محتجز هناك، كانوا مشحونين بأنهم ما خرجوا إلا من أجل معركة مقدسة، شبهوا أنفسهم بالصحابة وبرفاق الرسول الأوائل الذين كانوا يضحون بكل غالٍ وثمين من أجل رفعة الإسلام.. كانوا يرددون أنهم لن يعودوا إلا والرئيس بينهم. وعلى هامش هذا كانت هناك إشارات كثيرة منها: ■ لم يخرج الإخوان من أجل معركة يحررون فيها محمد مرسى الرئيس الأسير، ولكنهم خرجوا بمتاعهم كله فى إشارة إلى أنهم كانوا يخططون إلى الاعتصام أمام الحرس الجمهورى، والمعنى أنهم كانوا يخططون إلى زيادة رقعة الاعتصام والاحتكاك بقوات الحرس الجمهورى. ■ ظهر صفوت حجازى ومحمد البلتاجى فى بداية تواجد الإخوان أمام مبنى الحرس الجمهورى، تحدثا مع ضباط وجنود الحرس، طلب منهما الضباط أن يبتعدا، لكن بعد دقائق عادا إلى مقر إقامتيهما الدائم فى الاعتصام كان حجازى والبلتاجى يقيمان فى غرفة واحدة خصصت لهما، عندما أعلنت الجماعة عن قتلاها أمام الحرس لم يكن حجازى ولا البلتاجى من بينهم.. فقد قاما بعملية الشحن وعادا مرة أخرى إلى المخبأ. ■ الملاحظة الأولى بالرعاية بالفعل أن المجموعة التى خرجت من أجل حصار مبنى الحرس الجمهورى كان هناك من بين شباب الإخوان من يحصل منهم على بطاقاتهم الشخصية.. ولم يكن سبب هذا غامضًا.. فطبقًا لمعلومات مؤكدة، كان الإخوان من اليوم الأول يستأجرون بلطجية ليقيموا معهم فى الاعتصام، وتنفيذ عمليات بعينها من بينها حصار الحرس الجمهورى ومحاولة اقتحامه، ومنها أيضًا، عملية «المنصة» وعملية «طريق النصر»، وقد أراد المسئولون عن تنظيم الإخوان مصادرة الهويات الشخصية حتى لا يتعرف أحد على هؤلاء البلطجية، وقد يكون هذا هو السبب الأساسى فى وجود كثير من القتلى مجهولين سواء فيما جرى أمام الحرس الجمهورى أو أمام المنصة أو حتى فى عملية الفض. بعد أن عاد قتلى الإخوان من أمام مبنى الحرس الجمهورى تجلت أعلى صور وآيات الغيبوبة الناتجة عن الحالة الإيمانية الزائفة، وقف صفوت حجازى على المنصة ليقول بجرأة لا أستطيع أن أحسده عليها ولا حتى أن أشفق عليه إنهم سيقومون بوضع صورة محمد مرسى فى أكفان الشهداء حتى يخفف الله عنهم العذاب. وهنا لابد من وقفات وليست وقفة واحدة، فما قيمة محمد مرسى عند الله حتى يخفف عذاب من ماتوا فى سبيله؟ سبيل مرسى وليس سبيل الله بالطبع ثم إذا كان صفوت حجازى يعترف بأن من ماتوا أمام الحرس شهداء، فهل يحتاج الشهيد إلى واسطة عند الله حتى يخفف عنه عذابه؟، أم أن صفوت نفسه كان يتشكك فى أن يكون هؤلاء شهداء؟... أغلب الظن أنه كان واثقًا من ذلك، فهو واحد ممن حرضوا ومن شحنوا ومن كذبوا، وكان يعرف أن هؤلاء لم يخرجوا إلا من أجل السلطة، ولم يكن لله فيها أى شىء. ثانيًا: اجتهد الإخوان المسلمون للتأكيد ليس على أن الله يؤيدهم فقط ولا يقف وراءهم فقط، ولكن الله موجود معهم فى الميدان، ولأن الصورة الراسخة لديهم أن الملائكة تحارب مع المسلمين فى معاركهم الفاصلة الذهنية الإسلامية تشير إلى أن ذلك حدث فى غزوة بدر الكبرى- فقد تجرأ الإخوان وقالوا إن جبريل، عليه السلام، كان يصلى معهم فى ميدان رابعة العدوية، عرفت الجماعة أن مثل هذه الشائعة يمكن أن تكون عونا لهم فى التأثير على البسطاء الذين باعوا عقولهم وعطلوها، فلا يفكرون للحظة فيما يقال لهم. قد يكون جبريل ظهر لبعض الإخوان فى رابعة العدوية، صلى إلى جوارهم، شد على أيديهم، دعا معهم على السيسى وأتباعه بالخراب والخذلان والهلاك.. لكنه ظهور الذى يهزى... تصور من يتعلق بقشة حتى يخرج من أزمته التى لم يكن لها مخرج إلا بالمواجهة فقط. الغريب والذى لم يقف أمامه أحد لا من الإخوان ولا ممن ناصروهم ولا حتى ممن هاجموا الجماعة فيما قالته، إن جبريل عليه السلام لم يكلف خاطره ويذهب إلى ميدان النهضة حيث يعسكر أنصار محمد مرسى ليصلى معهم ويشاركهم اعتصامهم ويدعو معهم على السيسى والذين معه، وكأن معتصمى رابعة العدوية درجة أولى يذهب إليهم جبريل، أما هؤلاء الذين يعتصمون فى النهضة فهم مواطنون درجة ثانية لا يذهب إليهم جبريل.. بل تذهب إليهم فقط عزة الجرف الشهيرة بأم أيمن لتشد من أزرهم، ويقف بينهم الشيخ محمود شعبان «صاحب صرخة هاتوا لى راجل» خطيبًا ليقول لهم إنه لن يذهب إلى اعتصام رابعة العدوية لأن به مخالفات شرعية دون أن يقول لنا أو لهم ماهية هذه المخالفات الشرعية. يمكن أن تفسر إلحاح الإخوان على ظهور جبريل إلى جوارهم فى رابعة العدوية على أنه محاولة يائسة لإثبات أنهم على حق، وأن الله ينصرهم ويناصرهم، تهيأوا ذلك ما فى ذلك شك، وهو ما يجعلنى دائما أشير إلى أن التحليل النفسى أهم المداخل لتفسير ما جرى فى رابعة العدوية. قبل الاعتصام وفى محاولة من أنصار الإخوان للتأكيد على أن مرسى على حق، شطح أحد شيوخ السلفية التابعين للإخوان شطحة وصلت إلى أنه رأى فى منامه أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» كان يصلى جماعة، وبدلًا من أن يؤم المصلين قدم محمد مرسى عليه جاعلًا منه إمامًا ليس على المسلمين فقط، ولكن على صاحب الرسالة نفسها. هلل الإخوان وقتها معتقدين أن هذه الرؤية المنامية فى صالح محمد مرسى، فما دام الرسول «صلى الله عليه وسلم» قدمه عليه ليؤم المسلمين بدلًا منه، فلابد أنه خليفة المسلمين الذى جاء ليحيى دولة الخلافة التى استأمنه الرسول عليها. دعك ممن روى هذه الرواية.. وهل هو صادق أم كاذب؟.. دعك من أن موقفه المناصر لمرسى، والذى كان مستفيدًا منه بالطبع يمكن أن يجرح شهادته، وركز فقط فى تفسير الحلم، العالمون بتفسير الرؤى يشيرون إلى أنه لو صح أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» قدم محمد مرسى عليه فى الصلاة جاعلًا منه إماما، فمعنى ذلك أن إمامة مرسى باطلة، لأنه لا إمام يسبق الرسول.. بما يعنى أن الإشارة واضحة، فحتى من حاولوا نسج أسطورة حول مرسى كانوا يضرونه من حيث لا يعلمون.. وإن كان دراويشه صدقوا الرواية فإن من عقلوا كانوا يعرفون أنهم يتعرضون لأكبر عملية نصب باسم الله. ثالثًا: هذه الحالة الإيمانية الزائفة التى عاشها الإخوان فى اعتصام رابعة، وجعلت منهم مجموعة من الهائمين المخرفين، يسيرون خلال ضلالات فكرية هلاوس بصرية، لم تحمهم خلال ساعات الفض. من بين المواقف الكثيرة - التى أعتقد أننا سنعود إليها مرة أخرى ونحن نتعرض لما حدث فى فض رابعة، موقف دخول إحدى الجرافات إلى مقر الاعتصام، أخذت فى طريقها عددًا من الجثث التى كانت قد تساقطت وتمكن الإخوان من تكفينها، كان المشهد مذهلًا لمن وقفوا أمامه دون أن يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا. أحد الشباب الذى اقتحمه الموقف ولا أدرى هل كان من بين هذه الجثث أحد أصدقائه أو أقاربه أو من زاملوه فى الميدان خلال فترة الاعتصام، صرخ قائلا: «إنت فين يارب؟». هنا يأتى الاشتباك الذى يتهرب منه الإخوان المسلمون ولا يريدون أن يعترفوا به، لقد امتلأت قلوب الإخوان بالإيمان الوظيفى خلال أيام الاعتصام، يحلفون بها ويتمنون رجوعها، عندما دخلوها فى حين غفلة من رجال الأمن الذين جلسوا لمشاهدة إحدى مباريات كرة القدم، ألقوا بأنفسهم على أرض رابعة قبلوها ومرغوا جباههم فى ترابها.. وكأنها أرض الميعاد. عدد ليس هينًا من شباب الإخوان خرج من رابعة العدوية وهو ملحد تماما، حالة تترجمها كلمة الشاب الإخوانى الذى وقف عاجزًا أمام الجرافة التى رفعت الجثث لأعلى: «إنت فين يارب؟». فى اعتقاد هؤلاء أنهم صلوا وقاموا وقرأوا القرآن وتهجدوا ودعوا الله الذى قال «ادعونى أستجب لكم».. ثم أنهم كما يعتقدون على الحق، وفى اللحظة التى كان يجب أن يظهر فيها الله لهم، لم يجدوه، فخلعوا كل إيمان به. فض رابعة العدوية لم يكن هينًا.. لم يستوعبه كثيرون من داخل جماعة الإخوان، شعروا بأن الجميع يتخلى عنهم، قياداتهم الذين شحنوهم وملأوهم عزًا وفخرًا لم يجدوهم إلى جوارهم ساعة الفض، نجوا بأنفسهم وتركوا الشباب وراءهم، لم يعثروا على أثر لجبريل «عليه السلام» ساعة الفض ليحميهم أو يزود عنهم، ولم يجدوا الله إلى جوارهم.. فخلعوا كل ما يربطهم بالحالة الإيمانية التى عاشوا بها وعليها طوال 45 يومًا. لقد دخل شباب كثيرون من جماعة الإخوان المسلمين إلى اعتصام رابعة العدوية وفى اعتقادهم أنهم أولياء الله الصالحين.. لكنهم خرجوا مودعين إيمانهم واعتقادهم وربما رغبتهم فى الحياة أيضًا. ■ ■ ■ ليس من المنطق ولا العقل ولا الإنصاف القول بأن كل من كانوا فى رابعة العدوية مغيبون أو مضحوك عليهم، أو تعرضوا لعملية غسل مخ من قبل جماعة الإخوان المسلمين، فهناك وتحديدًا أعضاء الجماعة وشبابها ذهبوا إلى هناك وهم يعرفون جيدًا ماذا يريدون، وما الهدف الذى يعملون لتحقيقه. لقد صور لهم غرورهم أن اعتصامهم برابعة العدوية يمكن أن يجبر الجيش على التراجع والشعب على الاعتذار، فيعود مرسى إلى القصر، وتركب الجماعة على رقاب الجميع مرة أخرى. هل كانوا رومانسيين أكثر من اللازم؟ أم كانوا جهلاء أكثر مما ينبغى، فلم يستطيعوا تحديد قوتهم؟ هل راهنوا على الضغوط الدولية ومساندة الأمريكان وتمدد التنظيم الدولى فى كل دول العالم؟ ربما.. لكن ألم يروا هم أنفسهم كيف باع الأمريكان مبارك حليفهم الكبير وكنزهم الاستراتيجى... فلو صان الأمريكان مبارك ما وصلت السلطة إليهم. كنت أبحث طوال مدة الاعتصام عن إجابة لسؤال واحد، وهو: هل يعتقد هؤلاء أنهم يمكن أن يهزموا الجميع؟ كان صمودهم لافتًا.. آلاف يقفون فى حر الشمس صائمين يرددون هتافات محددة بنفس الحماس، يستمعون لخطب حماسية من قادة الجماعة، يهللون لكل كلمة تقال تدفع فى شرايينهم بدم الانتقام الساخن، تهديداتهم الحاسمة بأنهم سيدفنون كل من يقترب منهم، تحديهم الواضح للجيش والشرطة، تصديرهم لصورة المقاتلين الأشداء وهم يمسكون بعصى غليظة فى أيديهم، ويقومون ببعض التمرينات الرياضية. الصورة على البعد لم تقدم إجابة لا واضحة ولا غير واضحة، لكن عندما التقيت به وجدتنى أضع يدى على حقائق كثيرة كانت تائهة فى زحام الاعتصام الذى لم يرحم. أعرفه جيدًا لأنه كان من بين طلابى فى الجامعة، ورغم اختلافى الشديد مع كل ما هو إخوانى، إلا أننى كنت كثيرًا ما أتحدث معه، خلال فترة الاعتصام اختفى تمامًا، عرفت منه أنه دخل فى يومه الأول ولم يخرج مطلقًا إلا فى الساعات الأخيرة لعملية الفض، يكتم فى صدره الكثير.. معلومات وتساؤلات وحيرة وغضب وعنف ودماء وأكاذيب، لكنه قرر أن يكتم كل هذا فى صدره وينصرف إلى دراسته وعمله. ينتمى إلى إحدى شعب منطقة راقية، من الإخوان الأثرياء هو، رفض أن يقتصر دوره على مد المعتصمين بالمال أو الطعام، واختار أن يكون معهم، صلى إلى جوارهم، دعا معهم على كل خصوم الإخوان، نام فى خيام لا يدخلها الهواء ويفتك الحر بضيوفها، كانت هناك خيام بها مراوح ومعدة بشكل جيد، لكنه رفض وأقام مع أصدقائه، لأنه كان يصدق أنهم يمكن أن يجبروا النظام على أن يتراجع. يتبنى الشاب الإخوانى ما يسميه هو الخدعة الكبرى. يقول: لقد تعرضنا لأكبر خدعة فى تاريخ الإخوان المسلمين، لقد ذهبنا إلى هناك وراء قادتنا وشيوخنا دون أن نسأل أو نناقش، كان بعضنا يتشكك فى جدوى ما يجرى هناك، لكن طالما أنهم قالوا فلابد أنهم على الحق، وليس أمامنا إلا أن نسمع ونطيع. لفت انتباهه حالة الحماس الزائدة فى خطب من يستولون على المنصة، قال لى: كنا نعتقد ونحن نسمع تحديدًا إلى ما يقوله صفوت حجازى ومحمد البلتاجى أننا يمكن أن نخرج من الميدان فى أى لحظة ونفتك بكل من يقابلنا، كانوا يتعاملون معنا وكأننا جيش كبير، يمكنه أن يحقق أى انتصار فى أى وقت. فى لحظة محددة استرد هذا الشاب الإخوانى وعيه، كان يعرف أن الموجودين من حوله بلا سلاح، فعليًا لم يكونوا مسلحين، كان يرى سلاحًا فى أيدى مجموعة محددة، وكان يسمع كثيرًا عن السلاح الذى يمكن أن يستخدموه للدفاع عن الميدان فى مواجهة أى محاولة لفض الاعتصام، لكنه كان على ثقة أن هناك ترسانة من الأسلحة تحت يد الجماعة، وأن هذه الترسانة الكبيرة سوف تخرج فى اللحظة المناسبة، كان يتصور أن الأسلحة التى يضع الإخوان يدهم عليها لا تقل عن طائرات ودبابات ومدافع وقنابل!!!!!! «علامات التعجب من عندى بالطبع». سألته ربما بسذاجة مفرطة: ومن أين تأتى الجماعة بكل هذه الأسلحة؟ قال لى: ألم يكن محمد مرسى رئيسًا؟ ألم يكن الجيش تحت يديه؟ مؤكد أنه استطاع أن يحصل على سلاح ويخزنه، لأنه كان يعرف جيدًا أنهم لن يسمحوا له بالاستمرار، ثم أنهم كانوا يؤكدون أنهم قادرون على المواجهة، ولا مواجهة دون سلاح. تنهد الشاب الإخوانى بحسرة، قال: «كانوا يحدثوننا عن سلاح.. لكنهم كانوا يقصدون سلاح السماء فيما يبدو، وهو سلاح لم يستطع أن يفعل شيئًا أمام السلاح الحقيقى لحظة الفض». لم يكن هذا هو سبب الحسرة بالطبع، كان هناك سبب آخر، فما جرى عندما بدأ الفض كان مذهلًا للشاب الإخوانى ولغيره، على الفور توجهوا لمشايخهم وقادتهم، ودون أن يتحدثوا معهم، سمعوا القادة يقولون لهم: «اذهبوا واطلبوا الشهادة الجنة فى انتظاركم». لم يكن لدى الشباب الإخوانى أزمة بالمناسبة فى الموت أو طلب الشهادة، لكنهم كانوا يريدون أن يقاتلوا أولًا، أن يقوموا بما عليهم أولًا، فإذا ما قتلوا بعد ذلك يشعرون بأنهم قدموا شيئًا له قيمة، لكن أن يخرجوا بصدور عارية ودون أن يكون معهم سلاح، فلا معنى لذلك إلا أنهم مجرد وقود لمعركة لا ناقة فيها ولا جمل لهم. أدرك الشاب الإخوانى أن الإخوان ليسوا أكثر من تجار جثث، يريدون أن يموت أكبر عدد من الشباب حتى يتم التفاوض بحق الدم بعد ذلك، لا يشغل الإخوان من يموت ومن يعيش، لا يشغلهم أن تترمل زوجة أو يتم ابن، المهم لديهم أن تظل المعركة مشتعلة إلى النهاية، اعتقادًا منهم بأنهم يمكن أن ينتصروا فى النهاية. من كلام الشاب الإخوانى أمسكت بطرف خيط أعتقد أنه مهم. فبعد فض رابعة لم ينشغل الإخوان المسلمون بدفن من ماتوا، بقدر ما انشغلوا باستعراض الجثث وتصويرها والحديث بمبالغة كبيرة عن أعدادها (بمناسبة أعداد من ماتوا فى رابعة لا يوجد حتى الآن إحصاء واحد حقيقى يمكن أن نعتمد عليه، فالإخوان ومن يسيرون خلفهم يبالغون فى الأعداد، ويصلون بها إلى عدة آلاف، والدولة تقلل من العدد وتصل به إلى 600 فقط، وما أعرفه أن جماعة الإخوان لم تستطع أن توثق إلا 800 قتيل فقط فى فض الاعتصام، أما الأعداد الكبيرة التى يتحدثون عنها، فلم يتمكنوا من إثباتها). هناك من بين شباب الإخوان من يعانون من مشهد النهاية، يقولون إن البدايات دائما جميلة ومشرقة ومبشرة، بدايات الاعتصام كانت مبهرة، صوروا لهم أنهم جند الله الذين أرسلهم لينقذوا الإسلام، استنهضوا الهمم، وتعاملوا مع الشباب على أنهم قادة الإسلام الجدد، الذين لا يقلون بأى حال من الأحوال عن الصحابة الأولين الذين نصروا الإسلام ورفعوه على الجميع. لكن النهاية كانت مخزية، وجد الشباب قادتهم الذين قادوهم إلى الموت يهربون من الميدان قبل أن يتم فضه.. خرجوا بحثًا عن النجاة، وحتى عندما قيل لهم بعد ذلك إن قادة الجماعة كان لابد أن يهربوا حتى يتمكنوا من قيادة المعركة بعد ذلك، لم يقتنعوا بشىء، لأنهم وجدوا بعض قادة الجماعة عندما سقطوا ينكرون صلتهم بما جرى، أسد الميدان كما كانوا يسمونه صفوت حجازى أنكر تمامًا أن يكون معه سلاح، وحتى يخفف الإخوان من صدمة ما قاله، زعموا أن من أمسكوا به ليس صفوت، لكن ظهر الرجل فى المحكمة وتأكد للجميع أنه هو من سقط قبل هروبه إلى ليبيا، وأنه هو تمامًا من حاول إنكار أى صلة تربطه بجماعة الإخوان المسلمين. يروج الإخوان لفيديوهات يزعمون بها أن قادة الإخوان ظلوا حتى الساعات الأخيرة لفض الاعتصام، وأنهم وقفوا إلى جوار الشباب ولم يتركوهم فى الميدان بمفردهم، دون أن يجيبوا عن سؤال مهم، وهو: «لماذا لم يسقط أى من هؤلاء القادة قتيلًا أو جريحًا كما سقط الآخرون؟ وكيف استطاعوا الهرب من الميدان بعد أن تمت السيطرة عليه؟». مساء 13 أغسطس وفى الساعات الأولى من صباح 14 أغسطس حيث تم الفض، كان قادة الجماعة يعرفون جيدًا أن ساعات قليلة تفصلهم عن التنفيذ، وأن المسألة هذه المرة جدية ولا رجعة فيها، بعد أن رفضت الجماعة كل عروض محاولات التفاهم مع النظام الجديد، كانوا يعرفون أن قتلى كثيرين سوف يسقطون، لكنهم واصلوا تحميس الشباب والدفع بهم إلى القتل. بعد صلاة الفجر لم يكن فى أرض الميدان كثيرون، كانوا قد أنهوا صلاتهم ودخلوا إلى خيامهم ليناموا، لحظتها صعد صفوت حجازى فوق المنصة، وأمسك بالميكروفون وأخذ ينادى على المعتصمين بأن يخرجوا وأن يدافعوا عن ميدانهم، ويتوعد كل من يقترب بالهلاك، فالذين يقفون فى الميدان ليسوا رجالا بل أسود يستطيعون أن يدافعوا عن الإسلام، ما الذى فعله صفوت بعد ذلك، لا أحد يدرى، أخرج الناس من خيامهم ثم اختفى هو، فى حالة نادرة من الخسة، أعتقد أن كثيرين لا يمكن أن يسامحوه بسببها. لقد قبل قادة الإخوان المسلمين فى الأيام الأخيرة أن يتم إخلاء الميدان من المعتصمين، كان الاتفاق الذى رعاه البرادعى هو أن تقوم قوات الأمن بالتوجه إلى مقر الاعتصام، تعلن أنها جادة فى فض الاعتصام، فيستجيب المعتصمون حقنًا للدماء، فيحتفظ الجميع بماء وجههم، الجماعة حافظت على أرواح أبنائها، والنظام فعل ما يجب أن يفعله، وتنتهى هذه المأساة تماما دون خسائر، وبعدها يتم التفاوض فيما يخص وضع الجماعة فى الحياة السياسية المصرية. كانت مهمة قادة الجماعة أن يقنعوا حلفاءهم من السلفيين الذين اعتصموا إلى جوارهم وشباب الجماعة الإسلامية بأن يقبلوا فض الاعتصام دون خسائر، لكن شباب السلفيين وشباب الجماعة الإسلامية رفضوا الفكرة تماما، واتهموا من تبنوا الفكرة من الإخوان بالتخاذل والهوان، أبدى الإخوان تفهمهم لموقف السلفيين والجماعة الإسلامية، ولم يعودوا مرة أخرى للحديث عن صفقة الفض، لكنهم ودون أن يخبروا أحدًا تسربوا من داخل الاعتصام. لم يكن ياسر برهامى كاذبًا عندما قال إن معظم من ماتوا فى رابعة من بين شباب السلفيين، ولم يكن من قالوا من بين قادة الجماعة الإسلامية إن شبابهم سقطوا ضحايا فى رابعة يكذبون، لكن لم يشر أحد إلى أن قادة الجماعة ارتكبوا خيانة جديدة قبل فض رابعة، فقد باعوا الجميع من أجل أن يخرجوا هم سالمين، معتقدين أن الله يعدهم لمعركة أكبر. ■ ■ ■ والآن يأتى السؤال المهم... من أين أنفقت جماعة الإخوان المسلمين على اعتصام رابعة العدوية؟ من أين جاءت بكل هذه الملايين لإعاشة آلاف المعتصمين 45 يومًا، يأكلون ويشربون وينفقون على عائلاتهم التى تركوها خلفهم فى بلادهم التى جاءوا منها؟ من أين حصلوا على الأموال التى اشتروا بها الأسلحة التى ظهرت خلال الاعتصام، والتى قاموا بتخزينها فى أماكن بعينها فى الجيزة وكرداسة وإمبابة، استعدادًا للحظة الفض التى قرروا فيها أن يشعلوا النار فى الجميع، وكأنهم يريدون هدم المعبد على كل من فيه؟ كل هذه أسئلة لا تزال فى حاجة إلى إجابات واضحة، لكن من قال إننا فى مصر نستطيع أن نحصل على إجابات واضحة، أو حتى نحصل على إجابات؟ يمكن للبعض أن يستريح لما ردده الإخوان عن مصادر الإنفاق على الاعتصام، فقد كان تمويله ذاتيًا، أنفقوا من جيوبهم وأرزاق أولادهم من أجل البقاء على أرض المعركة - التى قرروا أن يخوضوها ضد الشعب والجيش- وهو كلام متهافت بالطبع، لا يمكن لعاقل أن يصدقه نهائيًا، فالذين خرجوا من بيوتهم يستطيعون أن يعيلوا أنفسهم طوال أيام الاعتصام، لكنهم لن يتمكنوا من الإنفاق على الآخرين، ولن يستطيعوا تمويل معركة كانوا يظنون أنها محسومة لصالحهم. تمويل اعتصام رابعة على أي حال كان مثل السيف الذى سلطه البعض على رقاب خصومهم، فإذا أردت أن تهدم أحدًا، أو تشوه سمعته، أو تقضى على مستقبله الاقتصادى والسياسى، فيكفى فقط أن تقول إنه كان من بين ممولى رابعة العدوية. حدث هذا بالفعل، فعندما اختلف الزميل نصر القفاص مع صاحب قناة المحور، أصدر بيانًا حادًا وحاسمًا وواضحًا، يوضح أسباب خروجه، والتى كان من بينها أن حسن راتب - رجل الأعمال المعروف وصاحب القناة- على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وأنه أنفق الملايين على اعتصامى رابعة العدوية والنهضة. كان حسن راتب بالفعل وثيق الصلة بالإخوان المسلمين، وكان يدفع شهريًا راضيًا مرضيًا إلى قصر الرئاسة مباشرة ما يقرب من عشرة ملايين جنيه، مساهمة منه فى دعم الإخوان المسلمين، وكان يحمله فى سيارته شقيقه رفيق راتب، وهناك شهود على ذلك، بل إنه كان يردد أن اسمه الحقيقى هو حسن البنا راتب (والده أطلق عليه اسم مؤسس جماعة الإخوان المسلمين)، لكنه كان يخفى ذلك خوفًا من بطش نظام مبارك. أنكر حسن راتب كل ما تردد عن سلوكه وكلامه خلال حكم الإخوان، لكن الغريب أنه لم يرد على نصر القفاص فيما ردده عن تمويله لاعتصامى رابعة والنهضة. الاستسلام للشائعات لن يمكننا بالطبع من وضع أيدينا على من دفع ومن موّل ومن أنفق.. لكن هذه محاولة لكشف حقيقة ما جرى؟ وقبل الدخول فى تفاصيله، هناك سؤال أعتقد أن الإجابة عنه يمكن أن تفسر لنا الكثير مما جرى، وتساعدنا فى معرفة الممولين الحقيقيين، وهو: لماذا استمر الاعتصام هذه المدة الطويلة؟ ولماذا رفضت الجماعة كل محاولات الفض السلمى؟ ولمَ كانت واثقة من أنها ستنتصر وستفعل ما تريده؟ خلال الاعتصام قابل عدد كبير من قيادات العالم - وخاصة من أمريكا وأوروبا- عددًا من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، كانت الرسالة التى تسلمها الإخوان من الجميع أن الاعتصام لا بد أن يستمر لأطول مدة ممكنة، وأن العالم لا يمكن أن يتخلى عن المعتصمين، ولن يترك الاعتصام يُفض، ولن يسمح بأى انتهاك لحقوق الإنسان، اعتقدت الجماعة أنها بتأييد الأمريكان والأوروبيين أقوى من الجميع، تستطيع أن تفرض إرادتها على الشعب المصرى، تستطيع أن تكسر الجيش وتهزمه، تستطيع أن تعود مرة أخرى إلى السلطة، خاصة أن من جلسوا إليهم لم يمانعوا فى أن يعود مرسى إلى الرئاسة مرة أخرى. هذا التأييد الخارجى لم يكن معنويًا فقط، كان هناك دعم مالى كبير جدًا، وليس بعيدًا عن الحقيقة ما تردد عن تمويل قطر للاعتصام ب250 مليون دولار. أعلنت قطر منذ البداية رفضها ل 30 يونيو، سارعت قناة الجزيرة لوصف ما جرى بأنه انقلاب، وأصبحت الكلمة هى الوصف الأساسى لما جرى فى مصر ضمن تغطيات قناة الجزيرة للأحداث، بل نقلت قناة «الجزيرة مباشر مصر» كل ما جرى فى رابعة على الهواء مباشرة ودون انقطاع، كانت المصدر الوحيد لمعرفة ما يجرى هناك، وأعتقد أن هذا كان دعمًا هائلًا. السؤال: كيف دخلت الملايين القطرية إلى أيدى الإخوان المسلمين؟ سابقة عابرة يمكن أن تضع أيدينا على حقيقة ما جرى، ففى يونيو 2012 - وقبل جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية بين محمد مرسى وأحمد شفيق- دخل مدير المخابرات الحربية القطرية إلى مصر عبر مطار القاهرة، دون أن يخبر أحدًا بزيارته، وعندما اكتشف وجوده، وبخه مدير المخابرات الحربية المصرية، وكان وقتها هو اللواء عبدالفتاح السيسى، فلم يكن مناسبًا أن يدخل مصر دون أن يخبر الجهات المسئولة عن ذلك، على الأقل من باب توفير حماية مناسبة له. ما لم يتم الإعلان عنه وقتها أن مدير المخابرات الحربية القطرية دخل مصر ومعه ملايين الدولارات، وأنه قابل قيادات من جماعة الإخوان المسلمين، كان على رأسهم عصام العريان الذى تسلم منه حقيبة الدولارات، فقد كانت قطر تمول الحملة الانتخابية لمحمد مرسى، الذى رأت أنه الرئيس المناسب لتحقيق كل أهدافها فى مصر مرة واحدة. كما دخلت الأموال التى استخدمتها الجماعة فى تمويل حملة مرسى خلال الانتخابات الرئاسية، دخلت الأموال التى أنفقتها الجماعة على اعتصام رابعة خلال الأيام الأخيرة لنظام الإخوان. المفاجأة أن الجماعة قبلت تمويلًا من تجار مخدرات وسلاح، وهناك قضية شهيرة نستطيع أن نربط بينها وبين ما جرى فى رابعة. بطل القضية هو سعد أبوالغيط، وهذه حكاية طويلة لا بد أن تروى. فى وثائق الإدارة العامة لمكافحة المخدرات يمكن أن تقرأ نص محضر التحريات الآتى: «وردت إلينا معلومات من أحد مصادرنا السرية، مفادها قيام شخص يدعى أكرم على أبوالنصر محمد معتمد، بتسهيل وعقد الصفقات لعقار الترامادول للمدعو سعد أبوالغيط، وهو قد جلب كمية من عقار «كبتجون» من الهند وأرسله لدولة قطر حيث يوجد بعض عملائهم فى دولة قطر، وهو الآن فى طريقه لدولة قطر، وذلك لاستلام مبلغ 5 ملايين يورو قيمة تلك الصفقة، وهو ينوى تهريبها عبر مطار القاهرة عن طريق مساعدة شخص يدعى أسامة، له اتصالات بمطار القاهرة، والمدعو أكرم قام بشراء قطعة أرض بالعباسية بمبلغ 20 مليون جنيه لصالح سعد أبوالغيط، وهو الذى يقوم بإخفاء سعد حاليًا، ويوجد الآن مليونا شريط ترامادول عند شخص يدعى شجيع، (ليبى) فى مدينة مساعد على الحدود المصرية الليبية». انتهى تقرير التحريات عند هذا الحد، كان لا بد من التحرك السريع، لكن المفاجأة أن القوة التى خرجت لتضبط الترامادول، وجدت فى طريقها شحنة أسلحة تصل إلى 806 بنادق آلية، كان سعد أبوالغيط يستعد لإدخالها إلى اعتصام رابعة العدوية. الذين قرأوا محضر التحريات وحتى بعد أن ألقوا القبض على سعد أبوالغيط، كانوا يتعاملون معه على أنه تاجر مخدرات له فى عالم «الكيف» صولات وجولات وعلامات، وكان القبض عليه بمثابة انتصار كبير للإدارة التى ترصده منذ سنوات بعد صدور عدة أحكام غيابية ضده، منها حكم بالسجن المؤبد، لكنه كان بعيدًا عن أيديهم حيث كان يقيم بشكل كامل فى الأردن ومنها يتنقل إلى الصينوالهند التى أقام فيها مصنعًا للترامادول الذى كان يصدره لمصر. عاد «سعد» إلى مصر بعد 25 يناير، ولأن كل الأحكام التى صدرت ضده كانت غيابية، فقد قام بالإجراءات القانونية التى تمكنه من المعارضة فى الأحكام، وأعلن أمام ضباط مكافحة المخدرات أنه تاب وأناب ولن يعمل فى تجارة المخدرات مرة أخرى، بل سيقوم بتأسيس مصنع للأدوات الكهربائية فى مدينة العاشر من رمضان، وقد بدأ فى إجراءات التأسيس بالفعل بعد أن عاد إلى مدينة نبروه فى الدقهلية، التى هى مسقط رأسه. من نبروه يمكن أن تبدأ الحكاية من جديد، فنبروه هى نفس البلد التى ولد وعاش فيها لفترة طويلة أيمن نور، لكن المفاجأة الأكبر أن «سعد» ليس بلديات أيمن فقط، ولكنه أيضًا ابن عمته، أى أنه قريبه من الدرجة الأولى. منذ وصول سعد أبوالغيط إلى مصر وعلاقته بأيمن نور توثقت تمامًا، وتؤكد مصادر أن أيمن نور حصل من سعد أبوالغيط وشريكه أكرم أبوالنصر على أرض فى طناش بالوراق، مقام عليها فيلا، وفيلا فى الجيزة على طريق البدرشين، وفيلا ثالثة فى أبوتلات بالإسكندرية، وكل ذلك من أجل أن يعرفهما بخيرت الشاطر، الذى يبدو أن الكثيرين كانوا يدفعون الملايين من أجل أن يتعرفوا عليه، لأنه فى النهاية كان يمثل الباب السحرى لدخول أى رجل أعمال أو حتى تاجر مخدرات إلى عالم البيزنس والاستثمار. علاقة أيمن نور ب«سعد» لم تتوقف على أنه كان قناة الاتصال بينه وبين خيرت الشاطر، ولكن - ولأن سفريات «سعد» كانت كثيرة - كان أيمن نور يحرص فى كل مرة على أن يستقبل «سعد» فى المطار بنفسه، والأمر لا يتعلق بالطبع بكونه قريبه، ولكن بكونه شريكه، وهذه قصة جديدة. من بين المشروعات التى شارك فيها سعد أبوالغيط أيمن نور كانت قناة فضائية أعلن أيمن بالفعل أنه سيعمل بها ويقدم من خلالها برنامجًا يوميًا لمدة ساعة بعد أن يعتزل العمل السياسى. الجديد أن القناة الفضائية التى سعى أيمن نور إلى تأسيسها تظهر فيها مخالفة قانونية واضحة، فعندما علم الزميل أحمد صقر رئيس تحرير جريدة «الميدان» السابق أن أيمن نور يسعى لتأسيس قناة فضائية، اتصل به وأخبره أن أصحاب قناة البدر يستعدون لبيعها، وبالفعل جلس أيمن مع صاحب القناة شعبان رشاد، وتقريبًا اتفق معه على الشراء. لكن أيمن نور وكعادته ترك اتفاقه جانبًا واستخدم صلاح عبدالمقصود - وزير الإعلام الإخوانى السابق- فى تجاوز القانون، حيث مكنه من استديو قناة البدر فى مدينة الإنتاج الإعلامى، رغم أن القناة لا تزال تملكه ومعداتها به، لكن أيمن وبقربه الشديد من الإخوان حصل على الاستديو، لكن الثورة التى أطاحت بأحلام الكثيرين أطاحت بمشروع القناة من الأساس. وفجأة خرجت علينا اللجنة الإعلامية فى حزب «غد الثورة» وزعيمه أيمن نور، ببيان أشارت فيه إلى أن أيمن نور سيخضع لجراحة دقيقة فى الجهاز الهضمى، وأن هذه الجراحة تحتاج لتحضير المريض قبلها بفترة تقترب من ستة أسابيع، ورغم أن الجراحة كان مقررًا لها الأول من يوليو الماضى كما يدعى البيان إلا أن أيمن نور فضل عدم السفر حتى لا يتهم من أحد أنه تخلى عن المشهد السياسى المرتبك. صياغة البيان ليست بعيدة على الإطلاق عن أيمن نور، فهو لا يخشى اتهامه بالهروب من المشهد السياسى المرتبك، ولكن يخشى أن يجد نفسه متهما فى قضية ابن عمته سعد أبوالغيط، بدليل أن «سعد» تم القبض عليه يوم الأربعاء 24 يوليو ساعة الإفطار، وأيمن سافر إلى لبنان بصحبة إحدى سكرتيراته يوم الخميس 25 يوليو، وكأنه لا يريد أن يضيع وقتًا حتى لو كان من أجل سؤاله ليس كمتهم، ولكن كشريك لسعد أبوالغيط فى العديد من المشروعات. أيمن على أي حال يجيد الهروب فى اللحظات الحاسمة، وإعلانه عن عملية جراحية فى هذا التوقيت كان مريبًا إلى حد كبير، لكنه يعمل على طريقة العصفورة، يشغلنا بشىء حتى لا نهتم بالشىء الحقيقى المتورط فيه، خاصة أن سعد أبوالغيط ليس مجرد تاجر مخدرات قام بتغيير نشاطه إلى تجارة السلاح بعد الثورة، وليس مجرد أحد رجال خيرت الشاطر المقربين وهنا يمكن أن نسأل عن السلاح وعن استخدامه، وإنما كان أحد كبار الموردين للطعام إلى اعتصام رابعة العدوية، فقد كان الرجل يقوم بذبح 6 عجول يوميًا فى مصنعه بالعاشر ثم يرسل بلحومها إلى إخوان رابعة، ومن يرسل الطعام بهذا السخاء لم يكن غريبًا أن يتورط فى استيراد السلاح لإدخاله رابعة العدوية. من بين مصادر تمويل رابعة العدوية أيضا كانت أموال الإخوان المدفونة فيما أطلقوا عليه «الصناديق الميتة»، وهى صناديق كان الإخوان يضعون فيها أموالهم خوفًا عليها من المصادرة، وكانوا يضعونها فى شقق وفيلات أعضاء ورجال أعمال يرتبطون بعلاقات بيزنس مع الجماعة دون أن يكونوا من بين أعضائها، هذه الأموال التى كانت بعيدة عن الرقابة وعن المتابعة تم الاعتماد عليها بشكل كبير لتمويل الاعتصام والإنفاق عليه. لقد اشترى الإخوان المسلمون عددًا كبيرًا من المعتصمين، بعضهم كانوا باعة جائلين يشكون من سوء الحال، وأطفال شوارع وجدوا فى الاعتصام المبيت والطعام، وسوريون لاجئون وجدوا فى اعتصام الإخوان أرضًا للإيواء، وعواطلية كانوا يحصلون على مقابل يومى لوجودهم فى الاعتصام، كل هؤلاء كانوا يحتاجون الإنفاق عليهم، وكانت الأموال الحرام كثيرة.