في موسم الحج، تتفتح الأرواح على النور، وتعلو فيه أصوات "لبيك اللهم لبيك" من كل فجٍّ عميق، يبدأ الحاج رحلته الإيمانية إلى أطهر بقاع الأرض، حيث تسكن الروح وتسمو، ويبدأ الإنسان صفحة جديدة من حياته بعد أن يُغسل قلبه بماء التوبة والرجاء. فالحج عبادة عظيمة تجمع بين القلب والبدن، وليس مجرد طواف وسعي ورجم فقط، وتُحيي في المسلم معنى العبودية الكاملة لله عز وجل. وللحج أركان لا يتم إلا بها، ومناسك تتتابع في أيام معدودات، كل منها يحمل سرًا ومعنى. أركان الحج الأربعة الحج رحلة لا تُنسى، تكتب على جبين العمر ذكرى، وتطبع في القلب أثرًا لا يُمحى، فمن أكرمه الله بأداء هذه الفريضة، فقد نال شرفًا عظيمًا، فالحج المبرور جزاؤه الجنة، وما أعظمها من نهاية لرحلة بدأت ب"لبيك" وانتهت بمغفرة وقرب من الله، ووفقًا لما أجمع عليه جمهور العلماء، فإن للحج أربعة أركان أساسية، لا يتم الحج إلا بها، وهي: الإحرام وهو نية الدخول في النسك، ويكون من الميقات المكاني المخصص لكل بلد. يرتدي فيه الرجال لباس الإحرام الأبيض، فيما تلبس النساء ما تشاء دون زينة، ويُحرم الحاج قائلًا: "لبيك حجًّا" أو "لبيك عمره وحجًا"، حسب النية. الوقوف بعرفة وهو الركن الأعظم، ويكون يوم التاسع من ذي الحجة، من زوال الشمس حتى فجر اليوم التالي. وفيه يقف الحاج في صعيد عرفات، رافعًا يديه، متضرعًا لله، ف"الحج عرفة"، ومن فاته هذا الركن بَطَلَ حجّه. الطواف بالبيت (طواف الإفاضة) يكون بعد الرجوع من مزدلفة يوم العيد، وهو طواف واجب لا يصح الحج إلا به، يطوف فيه الحاج سبعة أشواط حول الكعبة المشرّفة. السعي بين الصفا والمروة وهو سعيٌ بين الجبلين، بعد طواف الإفاضة، يذكّر الحاج بسعي هاجر أم إسماعيل في طلب الماء، ويبدأ من الصفا وينتهي بالمروة، سبعة أشواط، تبدأ من الصفا وتنتهي بالمروة. مناسك الحج بالترتيب اليوم الثامن (يوم التروية) يتوجه الحاج إلى منى، حيث يبيت بها ويصلي الصلوات الخمس قصرًا بدون جمع، استعدادًا ليوم عرفة. اليوم التاسع (يوم عرفة) بعد الشروق، يغادر الحاج منى إلى عرفة، ويقف هناك إلى غروب الشمس، ثم ينطلق إلى مزدلفة بعد المغرب، ليبيت فيها ويجمع الحصى. اليوم العاشر (يوم النحر) يعود الحاج إلى منى، ويرمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات، ثم يذبح الهدي (لمن كان متمتعًا أو قارناً)، ويحلق رأسه أو يقصّر، ثم يتجه إلى مكة ليؤدي طواف الإفاضة وسعي الحج. أيام التشريق (11-12-13 من ذي الحجة) يبيت الحاج في منى ويرمي الجمرات الثلاث (الصغرى، الوسطى، الكبرى) كل يوم بعد الزوال، ويجوز التعجل في يوم 12 لمن شاء. طواف الوداع وهو آخر العهد بالبيت، يقوم به الحاج عند مغادرة مكة، وهو واجب عند جمهور العلماء لغير أهل مكة.