فى الفصل السادس، والأكبر حجمًا، يتتبع خالد عكاشة فى كتابه «أمراء الدم» مسيرة أيمن الظواهرى منذ نشأته الأولى، وانضمامه إلى تنظيم «الجهاد» الذى قتل السادات، ثم سجنه وهربه حتى تحوله إلى أكبر إرهابى فى العالم، وحتى علاقته بالإخوان واتصالاته المسجلة مع خيرت الشاطر ومحمد مرسى، وخلافه مع أبى بكر البغدادى أمير تنظيم «داعش». wهو العقل المدبر وراء أخطر تنظيم دموى عرفه العصر الحديث، وهو تنظيم «القاعدة». بعد فشل العمليات الإرهابية التى دبرها فى مصر، هرب إلى أفغانستان لينضم إلى جموع «المجاهدين» ضد الاتحاد السوفيتى، مدعومًا من أمريكا وبعض البلاد الإسلامية قبل أن ينقلب عليها جميعًا. أنه جراح العيون «أيمن الظواهرى»، أول من جعل من العنف الأصولى ظاهرة كونية عابرة للحدود، وأيديولوجية تحرق كل من تضعه فى قائمة الأعداء». التكوين هو «أيمن محمد ربيع الظواهرى»، المولود عام 1951 فى الجيزة، الذى تخرج عام 1974 فى كلية الطب، والذى انضم إلى العمل السرى منذ أن كان طالبًا فى الثانوية العامة. والمشارك فى تأسيس جماعة «الجهاد» عام 1976، حيث نجح فى ضم نقيب فى الجيش هو عصام القمرى، ووضع خطة القيام بانقلاب عسكرى تعضده وتسانده ثورة شعبية إسلامية. أحاط عمله بسياج كثيف من السرية، وصلت إلى عدم معرفة أفراد أى مجموعة لأفراد المجموعة الأخرى، وهو الأمر الذى قلل من فرص ضرب تنظيمه بالكامل عام 1981. اعتقل عقب اغتيال السادات وحكم عليه فى قضية «الجهاد الكبرى» على بالسجن لمدة 3 سنوات، وفى نهاية عام 1984 خرج من السجن، مع ما يزيد على المائتين، ونجح فى الفرار خارج البلاد عام 1986. ذهب إلى تونس سائحًا، وغادرها سريعًا إلى جدة، حيث عمل لأشهر معدودة فى «مستوصف ابن النفيس» والتقى هناك بأسامة بن لادن وتوطدت علاقته به، قبل أن يغادر إلى باكستان، ومنها إلى أفغانستان. كلف بإنشاء دار ضيافة للقادمين العرب أطلق عليها «بيت القاعدة»، ومنها اكتسب اسم التنظيم الشهير الآن، وراح يستقبل آلاف الشباب القادمين من مصر، والعراق والجزائر وتونس وفلسطين والسودان والسعودية والكويت وغيرها، لتكون محطتهم الأولى قبل دفعهم لجبهة القتال. المال الحرام فى عام 1987 أنشأ الظواهرى مكتبًا «الجهاد الإسلامى» فى «بيشاور»، وأصدر مجلة شهرية تحمل اسم «الفتح»، وحصل على ملايين الدولارات من تنظيمات الإغاثة وأثرياء الخليج، الذين كانوا يقدمون تبرعات إليه بوصفه المسئول الموثوق به من قبل قادة المجاهدين الأفغان. وسرعان ما اختلف لصوص التبرعات ومنهم الظواهرى على الأموال التى تضخ إليهم بغير حساب، وتحول الخلاف إلى صراع اتهم فيه الظواهرى باختلاس أموال وأسلحة التبرعات، مما أثار عليه حفيظة أصحاب رءوس الأموال النفطية وخاصة السعوديين، الذين قرروا معاقبته بالمزيد من المعونات لبيت الأنصار والجماعة الإسلامية، لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب ومنعهم من الانضواء تحت راية الظواهرى، وقد وصل حجم المساعدات الممنوحة للجماعة الإسلامية وقتها إلى أكثر من «200 ألف دولار» شهريًا. بمجرد انتهاء الحرب، وشروع القوات الروسية فى الخروج من أفغانستان فى بدايات عام 1990م، تصاعدت حدة الخلاف بين «تنظيم الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»، ووصلت إلى حد التكفير المتبادل والشروع فى بعض حوادث الاغتيالات، وهو ما دفع الظواهرى للبحث عن محطات جديدة، خاصة أن باكستان كانت تجرى مشاورات مع الحكومتين المصرية والأمريكية، تقضى بتسليم «المجاهدين» وعلى رأسهم قادة جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية. فر مع بن لادن إلى السودان، الذى كان يحكم بواسطة «جبهة الإنقاذ» التى يتزعمها حسن الترابى. وقاما بتكوين تنظيم عسكرى شبه عالمى، للقيام بعمليات ضد المصالح الأمريكية. فى بدايات عام 1993، اُختير أيمن الظواهرى «قائدًا ميدانيًا للتنظيم»، وأُوكلت إليه مهمة إعادة تنظيم الأوضاع فى منطقة شرق إفريقيا، وكان الهدف هو تعزيز وجود «شبكة تنظيم القاعدة» فى المنطقة. أرسل الظواهرى عددًا كبيرًا من طلائع الفتح إلى كينيا ثم إلى مقديشيو، حيث خاضوا صراعًا عنيفًا ضد القوات الأمريكية فى الصومال. وبعدها قام التنظيم بعدد كبير من العمليات ضد المنشآت والقواعد الأمريكية فى الخارج. مصر.. عصيّة مع الضربة الكبرى التى تلقاها تنظيم الجهاد فى مصر عام 1992، بعد القبض على 400 من عناصر تنظيم «تثوير المدن»، قام أيمن الظواهرى تحت ضغط من شباب الجماعة الذين طالبوا بسرعة الرد على النظام المصرى، بالدفع بعدد من مجموعات «الطلائع» للقيام بعمليات فى القاهرة، منها محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفى، ورئيس الوزراء حسن الألفى، وغيرهم، ولكن معظم هذه العمليات باءت بالفشل، مما زاد من حنقه على مصر والسعى المحموم لتدبير عمليات ضد السياح والمواطنين الأبرياء. ومع منتصف 1995، أراد الظواهرى تدشين نشاط الجبهة الجديدة بعدة عمليات، ترد بها «الشبكة الإسلامية المسلحة» على فشل عملياتها فى مصر، مما دفعه إلى التعاون مع «تنظيم الجماعة الإسلامية»، فى مهمة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى أديس أبابا بإثيوبيا، وعقب محاولة الاغتيال الفاشلة وجه الكثير أصابع الاتهام لجهاز الأمن الإثيوبى والسودان، لكن لم ينتبه أحد إلى وجود أكثر من 1600 إرهابى مسلح، 900 منهم تابعون لحزب الله والباقى لشبكة تنظيم القاعدة منذ عام 1992 فى منطقة شرق إفريقيا. أيضا راح الظواهرى يخطط لضرب أهداف مصرية فى الخارج، ففى 13 نوفمبر 1995 قامت عناصر تابعة لتنظيم القاعدة فى جنيف باغتيال علاء نظمى، وهو دبلوماسى مصرى يعمل بالسفارة المصرية بسويسرا، وقد كشفت التحقيقات التى أجرتها السلطات السويسرية، أن الدبلوماسى المصرى كان مكلفًا بمتابعة ملف أيمن الظواهرى، وكشف حقيقة تواجده من عدمه بالأراضى السويسرية، ومحاولة الربط بين خطوط اتصاله وتمويله من خلال متابعة بعض الاتصالات والحسابات فى بعض البنوك، وأنه كان قاب قوسين أو أدنى من كشف غموض هذا الملف. بعدها بأيام نفذت جماعة الجهاد تفجير السفارة المصرية فى إسلام آباد. وبعد عدة أشهر أصدر أيمن الظواهرى كتيبًا بعنوان «شفاء صدور المؤمنين رسالة عن بعض معانى الجهاد فى عملية إسلام آباد»، قدم فيه مبررات شرعية لجواز تفجير السفارة المصرية فى «عملية استشهادية». بعد «انفجار الخُبر» الذى راح ضحيته 19 جنديًا أمريكيًا، وجرح المئات فى السعودية، ضغطت حكومات مصر والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة على الحكومة السودانية للتخلى عن دعم التنظيم، وتم طرد بن لادن والظواهرى وتنظيمهم من السودان. من الأقصر إلى نيويورك كانت «مذبحة الأقصر» عام 1997 ثالث أكبر تعاون خطط له الظواهرى بين جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية المصرية، بعد عمليتى اغتيال مبارك فى أديس أبابا، وتفجير السفارة المصرية فى إسلام أباد. وقد أدت العملية إلى قتل 58 سائحًا أجنبيًا وثلاثة مصريين. استمر تنظيم القاعدة برئاسة أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهرى فى أفغانستان، وقام التنظيم بإقامة معسكرات التدريب التى أفرزت آلاف المقاتلين من عشرات الجنسيات، مما سهل لها أن توجههم فيما بعد لضرب أهداف فى قارات بعيدة، كما جرى فى تفجير برجى التجارة فى نيويورك فى الحادى عشر من سبتمبر. كان لافتًا للانتباه أن يظهر أيمن الظواهرى وأبو حفص المصرى بجانب بن لادن فى شرائط الفيديو التى بثتها قناة الجزيرة القطرية، عقب تفجيرات 11 سبتمبر، وكان ذلك بمثابة الاعلان الصريح عن المكانة التى يتمتع بها الظواهرى فى التنظيم. استمرت المعركة بين الولايات المتحدة و«القاعدة» لسنوات، وبعد اغتيال بن لادن تعهد الظواهرى بمتابعة «الجهاد» ضد الغرب على خُطى أسامة بن لادن. القاعدة فى سوريا فى 7 إبريل 2013م، دعا أيمن الظواهرى المعارضين السوريين الذين يقاتلون ضد نظام الرئيس بشار الأسد، إلى إقامة دولة إسلامية. واستجابة لدعوة الظواهرى فى التاسع من إبريل عام 2013، بثت رسالة صوتية عن طريق «شبكة شموخ الإسلام»، أعلن فيها «أبو بكر البغدادى» دمج «جبهة النصرة» مع دولة العراق الإسلامية (التى تمثل تنظيم القاعدة فى العراق)، تحت مسمى «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، التى يرمز لها اختصارًا باسم «داعش». وبعد هذا الفيديو بثلاثة أيام، أعلن المسئول العام ل«جبهة النصرة» فى سورية «أبو محمد الجولانى»، مبايعة الجبهة لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهرى، مضيفًا أنه لم يكن على علم بإعلان توحيد الجبهة مع «دولة العراق الإسلامية». وأدى هذا الاختلاف إلى معارك دامية بين «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش»، دارت جميعها على الأراضى السورية، كان أبرزها «معركة البوكمال» الدامية، فى استحضار لصورة سفك دماء التنافس التى دارت قبل عقود على أبواب كابل فى أفغانستان. تدخل أيمن الظواهرى، وطلب من الطرفين وقف الصراع، وذكر فى تسجيل صوتى: «تُلغى دولة العراق والشام الإسلامية، ويستمر العمل باسم دولة العراق الإسلامية، وجبهة النصرة لأهل الشام فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة»... وأوضح أن الولاية المكانية لدولة العراق هى العراق، والولاية لجبهة النصرة لأهل الشام هى سوريا. وقال إن «أبو بكر البغدادى» هو فقط أمير «الدولة الإسلامية فى العراق»، مؤكدًا أنه يبقى أميرًا عليها عامًا كاملًا، ثم يقدّم تقريرًا إلى قيادة تنظيم القاعدة عن أدائه، ليُصار فيما بعد إلى تجديد الإمارة له، أو اختيار أمير آخر، وهو ما رفضه بشدة أبو بكر البغدادى. التغريدة الأخيرة.. بدأت علاقة تنظيم «القاعدة» بالإخوان المسلمين تظهر جليًا، حينما قام الرئيس المعزول «محمد مرسى» بتعيين «السفير محمد رفاعة الطهطاوى» فى منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وهو ابن خالة أيمن الظواهرى، مما أتاح له ترتيب العلاقات، وفتح قنوات الاتصال بين القاعدة والإخوان. واستطاعت أجهزة الأمن المصرية أن ترصد اتصالات مرسى والظواهرى، حيث اتفق الطرفان على إصدار محمد مرسى عفوًا رئاسيًا عن 20 إرهابيًا. كذلك اتصل مرسى بالظواهرى عقب توليه رئاسة الجمهورية بشهر، وطالبه بدعم المجاهدين لحكمه وضرورة مساندة الإخوان، فيما هنأ الظواهرى مرسى بتوليه الحكم، وقال الظواهرى لمرسى : «احكم بشرع الله لنقف بجوارك، من البداية ليس هناك ما يسمى بالديمقراطية، وتخلص من معارضيك». وفى أكتوبرعام 2012 جرت مكالمة ثانية بين مرسى والظواهرى، عاتب مرسى خلالها الظواهرى بسبب مهاجمته وانتقاده لحكم الإخوان، قائلًا: «إننا سنطبق الشريعة والشرعية بما يرضى الجماعة، ولكن نحن فى مرحلة التمكين، ونحتاج إلى مساندة كل الأطراف، ولا يجوز أن نطبق من الآن نفس المنهج الإيرانى أو حكم طالبان فى مصر، لأنه من المستحيل تطبيقه الآن»، فيما طالب الظواهرى خلال الاتصال بالإفراج عن جهاديين اعتقلوا خلال حكم «مبارك»، قائلًا: «لازم تفرج عن الجهاديين اللى كانوا فى سجون مبارك، وإخراج كل الإسلاميين من السجون كضمان وعهد للتعامل، وللتأكيد على طى صفحة الماضى»، وفيها وعد مرسى بتسهيل عودة الظواهرى إلى القاهرة مرة أخرى. وبناء على هذه المكالمة، أعد محمد الظواهرى قائمة بأسماء المعتقلين بالتنسيق مع أخيه أيمن الظواهرى. أما المكالمة الأخطر فكانت قبل زيارة مرسى إلى باكستان، والتالية لها تمت خلال الزيارة نفسها، وحملت المكالمتان مفاجآت صادمة، تمثلت فى تقديم مرسى وعودًا للظواهرى بعدم اعتقال أى جهادى، أو التضييق على الجماعات الجهادية والسلفية الجهادية، والتواصل معهم من خلال الرئاسة، ومنع ملاحقة الأمن للجماعات فى سيناء، وأنه لن يسمح للجيش بالعمل ضدهم. فيما طالب الظواهرى من مرسى، فتح معسكرات فى سيناء لدعم الجهاديين وتدريبهم، وهنا أكد مرسى، أن تنظيم الإخوان ينوى تشكيل حرس ثورى للدفاع عن الرئيس ضد أى محاولة للانقلاب على الشرعية، وطلب من الظواهرى دعم الجماعات وتدريبها، ووعد بعمل معسكرات للتدريب فى سيناء مع توفير كل التسهيلات لهم فى سيناء والمنطقة الغربية بالقرب من الحدود الليبية، وأنه الآن بصدد تجهيز 4 معسكرات تدريب للجماعات الجهادية على الحدود مع ليبيا. أما المكالمة الأخيرة بين مرسى والظواهرى، فكانت فجر 30 يونيو 2013، بحضور أسعد شيخة نائب رئيس الديوان، ورفاعة الطهطاوى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وشملت المكالمة تحريضًا على المؤسسة العسكرية فى سيناء، ومطالبته بدعم شرعية الرئيس وإثارة الفوضى. وقال الظواهرى فى تلك المكالمة: «سنحارب الجيش والشرطة، وسنشعل سيناء». اعترافات الشقيق فى أغسطس 2013، ألقت الأجهزة الأمنية بالجيزة، القبض على محمد، شقيق أيمن الظواهرى، وبتفتيش سيارته، عُثر على «5 هواتف محمولة، وفيزا كارد صادرة من بنك فيصل الإسلامى، ومبالغ مالية عبارة عن 11500 ريال سعودى، و3100 يورو و1720 جنيه مصرى. واعترف محمد الظواهرى فى تحقيقات النيابة العامة، بأنه تلقى «15 مليون دولار» من خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، قبل القبض عليه بيوم فقط من أجل شراء أسلحة للجماعات الجهادية فى سيناء، وأنه سلم هذه الأموال إلى «الدكتور رمزى موافى» المعروف بطبيب بن لادن والذى أرسله أيمن الظواهرى إلى مصر بعد ثورة يناير. وأضاف الظواهرى، أن «عملية شراء الأسلحة تمت بالفعل من ليبيا واليمن»، وقال إنه «أعطى صلاح شحاتة، أمين عام تنظيم القاعدة فى ليبيا جزءًا من هذه الأموال، وقام شحاتة بتهريب الأسلحة إلى مصر، وتخزينها فى أحد المخازن التابعة لممتاز دغمش، قائد تنظيم جيش الإسلام الفلسطينى، وتم استخدامها فيما بعد»، بحسب تعبيره. وأضافت التحقيقات، أن «جماعة الإخوان طلبت نقل عدد من الجهاديين القادمين من سوريا وغزة إلى الأراضى المصرية، باعتبار أن مصر باتت أرض جهاد». تغريدة الأفول فى 3 أغسطس 2013، وقبل اختفائه الأخير، أرسل أيمن الظواهرى بتسجيل صوتى اتهم فيه الولايات المتحدة بتدبير «إسقاط الرئيس الإسلامى محمد مرسى»، الذى عزلته ثورة 30 يونيو بعد تظاهرات شعبية حاشدة. وكان ذلك آخر ظهور للإرهابى الأكبر. فى نهاية الفصل الذى يوثق لحياة وجرائم أيمن الظواهرى بدقة، يؤكد خالد عكاشة أن بضاعة الظواهرى ردت إليه، فقد «وصمه تلميذه أبو بكر البغدادى بالكفر ورفض بيعته». من النسخة الورقية