لماذا جاءت اولي ردود الفعل المعارضة لاختيار المتطرف المحافظ بول وولفويتز رئيسا للبنك الدولي من أوروبا ومن داخل الولاياتالمتحدة نفسها بينما ساد الصمت الدول النامية المستفيد الأول من البنك ومشروعاته؟ السؤال صعب والترشيح مازال قيد التفاعل علي الرغم من ان وولفويتز سيصبح يقينا الرئيس الثامن للبنك الدولي الذي جري انشاؤه عام 1944 لإعادة اعمار العالم بعد الحرب ثم تحول بعد ذلك لتمويل مشروعات التنمية في العالم الثالث. اولي الدول التي تحفظت علي اختيار وولفويتز كانت هولندا اما المفوضية الأوروبية فطالبت بوجود اكثر من مرشح وروسيا لم تعلق، اما جون كيري المرشح الديمقراطي في الانتخابات الامريكية الاخيرة فقد قال في اليوم التالي لترشيح وولفويتز انه لم يعد يفهم تصرفات الادارة الامريكية الحالية ووصف الترشيح بأنه غريب اما اشد التعليقات قسوة فجاءت علي لسان جوزيف ستيجليتز كبير مستشاري البنك الدولي والحائر علي جائزة نوبل حيث قال ان تعيين الجنرال المناسب في الحرب ضد الفقر لايضمن تحقيق نصر نهائي غير ان اختيار الجنرال غير المناسب من المؤكد ان يزيد احتمالات الفشل. ولاشك ان سمعة وولفويتز كمهندس للحرب علي العراق ومتطرف في القضايا الدولية خاصة ما يتعلق باصلاح العالمين العربي والاسلامي وايمانه المطلق بالعالم الأمريكي احادي القطبية كلها اعتبارات ساعدت في إيجاد مناخ عدم الارتياح من اختياره لشغل هذا الموقع المؤثر بشدة في تمويل وتحديث مشروعات التنمية في العالم. وانطلاقا من سمعته التي بناها بتصرفاته عبر السنين فإن الكثيرين يتخوفون من ان قيادته للبنك الدولي سوف تصب في اتجاه تحقيق الاجندة الامريكية للاصلاح والتنمية في آلعالم والتي هي بالقطع غير متطابقة مع اجندات القوي العالمية الاخري فضلا عن اولويات الدول النامية نفسها المعنية قبل غيرها بالبنك الدولي وامواله ومشروعاته وولفويتز (61 عاما) سعي إلي طمأنة الناس فور الاعلان عن ترشيحه وقال إن اجندته في البنك الدولي ليست هي اجندة الرئيس بوش ولكنه عاد واكد علي انه سيسعي إلي احداث تنمية اقتصادية علي اسس وقواعد صحيحة لدعم نشر وتقدم الحرية وهي نفسها الاجندة الامريكيةالجديدة بالنسبة للعالم الثالث كما هو واضح حاليا في الشرق الأوسط. المخاوف الغربية من استحواذ المحافظين الجدد علي مؤسسة دولية بالغة الاهمية كالبنك الدولي تنطلق من تحفظات سياسية ازاء هذه المجموعة التي لها توجهات معروفة في الاستئثار بمقاليد الامور في العالم وتوجيهها لخدمة الاهداف الأمريكيةالجديدة ومعروف ان البنك بجانب الصندوق ومنظمة التجارة العالمية يشكلون معا ثلاثة اضطلاع لمثلث سيحدد مسار العولمة في جانبها الاقتصادي والتجاري فيما هو قادم من ايام ورغم ان الصندوق يديره اوروبي والمنظمة يتشرح لها الان باسكال لامي المفوض التجاري الأوروي الا أن ميوله الامريكية واضحة لدرجة انه مدعوم من الولاياتالمتحدة بأكثر من كثير من دول أوروبا القديمة وهكذا فإن مقدرات العولمة الاقتصادية سوف تصبح في يد الامريكيين.. وهذا ما يقلق الجميع. ومع ذلك فإن المراقب لايسعه إلا ان يلاحظ أو يأمل في بعض الجوانب المضيئة فيما يمكن ان يفعله وولفويتز خلال ولايته للبنك الدولي ومعروف ان هناك انتقادات عديدة وجهت لأسلوب البنك في منح القروض للدول النامية والتي وصلت إلي 400 مليار دولار حيث ذهب جزء كبير منها في مشروعات قليلة الأهمية أو وهمية وذهبت الاموال إلي جيوب المنفذين في الدول الفقيرة واصبح علي شعوب هذه الدول سداد اقساطها لسنوات طويلة. وقد حاول جيمس ويلفنسون الرئيس الحالي للبنك منذ عام 1995 ترشيد منح البنك وقروضه وكان اول مسئول دولي يتحدث عن الفساد كمعوق للتنمية بل وانشأ اول مؤتمر يقيس الشفافية والفساد في دول العالم والفرض ان وولفويتز الشريف والعطوف علي وصف الرئيس بوش سوف يدعم هذا الاتجاه وربما يخطو خطوات بعيدة في ربط قروض البنك الدولي بمستوي الشفافية في الدولة الطالبة لهذا القروض. الامر الذي لافكاك منه هو ان مستقبل التعامل مع البنك الدولي سوف يرتبط اكثر وأكثر بالاجندة الامريكية مهما قال وولفويتز بغير ذلك ومع ذلك فإن الاقتصاد وشئونه هو افضل مافي الاجندة الامريكية المليئة بالغموض ومن منا يكره منح الاموال لمشروعات حقيقية تفيد المجتمع وتدر عائدا ومن يكره مكافحة الفسادة وإذا كان هذا ما سيفعله وولفويتز فمرحبا به في البنك الدولي برغم تاريخه.. وبرغم اهدافه.