هل تنجح التجربة البرازيلية لمواجهة إضرابات العمالة المصرية؟ تباينت آراء الخبراء حول قضية زيادة الأجور والتي يطالب بها جميع العاملين بالدولة في المؤسسات الحكومية والعامة والخاصة أيضا من خلال ظاهرة الاضرابات العمالية التي تحدث بصفة مستمرة كل ساعة بمواقع الإنتاج المختلفة، ولما كانت التجربة البرازيلية المعروضة علي الساحة الدولية الآن تتلمس طريق النجاح بعد قرار ديلمار وسيف رئيسة الدولة بضرورة ربط الأجر بالانتاج لمواجهة تعنت المضربين من موظفي الحكومة البرازيلية في جميع قطاعاتها المختلفة عقب انخفاض معدلات الانتاج والنمو بالبرازيل، وانتهاء زمن البقرات السمان وحل محلها زمن البقرات العجاف. أشار فريق الخبراء المعارضين للتجربة البرازيلية إلي أن جميع الفئات العاملة في مصر سترفض هذه التجربة لعدة أسباب أهمها ثقافة العامل المصري لن تقبل بهذه التجربة، بأن يحصل عامل مميز ومنتج علي أجر أعلي من عامل آخر غير منتج مضيفين أن عملية الانتاج تستغرق وقتا طويلا وحالة العمالة المتردية لن تسمح بتلك المدة، كما أنه من الممكن أن تكون هذه التربة لها آثار سلبية علي العامل في حالة ربطها بالانتاجية لعدم معرفة حجم الانتاج وساعات العمل دوليا بالنسبة للعامل المصري، كما طالب الفريق المعارض للتجربة البرازيلية بضرورة أن ينص الدستور المصري الجديد علي الحق في الحصول علي أجر عادل مقابل أداء العمل وضرورة وضع حد أدني للأجور من خلال استراتيجية واضحة تتجنب جميع المعوقات التي تمنع تلك الزيادة. أما الفريق المؤيد للتجربة البرازيلية فيري أنها تجربة رائدة ومن الضروري تطبيقها فورا من أجل إنقاذ الاقتصاد بزيادة الانتاج وأن يحصل العامل المجتهد والماهر علي حقه، وأن يطرد من العمل العامل الكسول الذي لا ينتج ويكون عبئا علي المؤسسة أو المصنع والاقتصاد، مشيرين إلي أن هذا الاسلوب سيحد من "بدلات الشحاتة" التي كان يحصل عليها العامل من رب العمل سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة.. وفي السطور التالية تفاصيل التحقيق: بداية يقول الدكتور مجدي البنبي وزير البترول الأسبق إن ثقافة المصريين ترفض هذا المبدأ من الأساس فحينما تمنح أي جهة في أي قطاع زيادة في المرتبات أو حوافز لبعض الخبرات المتميزة، فإن هذا الأمر يواجهه بمعارضة شديدة من العمالة الأخري، فعلي سبيل المثال إذا حصل الاساتذة في الجامعات علي رواتب أعلي تجد الاداريين يعترضون علي تلك الزيادة ويطالبون بمثلها وأيضا في قطاع البترول بعض الخبرات القادرة علي عمليات الحفر والدراسات في حقول البترول فإنك تجد الاداريين في نفس المكان يعترضون علي تلك الزيادات للخبراء ويطالبون بنفس أجور هؤلاء الخبراء، لافتا إلي أن الحالة المصرية تختلف كلية عن حالات الدول الاخري ومنها البرازيل، موضحا أن الحالة المصرية تختلف كلية عن حالات الدول الاخري ومنها البرازيل، موضحا أن ما يتناسب مع الحالة المصرية يكون عن طريق زيادة الحوافز والمكافآت وليس زيادة الأجور في جميع القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة ومن الممكن أن يقوم بهذه المهمة كل من له صلاحيات في أماكن العمل المختلفة لمن يقوم بأعمال ذات مهام خطرة. الفجوة ويتفق مع الرأي السابق المستشار عادل عبدالباقي وزير التنمية الادارية الأسبق مضيفا أن الحالة المصرية بها مشكلات لا حصر لها منذ سنوات طويلة تتعلق بقضايا الأجور وأصبحت الاجور لا تتناسب مع متطلبات الحياة وأسعار السلع، لافتا إلي أن ربط الاجور بالانتاج يحتاج لفترات زمنية أطول لأن أي انتاج سلعي يحتاج لوقت والحالة المصرية لن تنتظر هذه الفترات، مضيفا أن الحالة البرازيلية تختلف لأن الفجوة بين الأجور والأسعار ليست كبيرة في الوقت الذي يعاني أكثر من 40% من الشعب المصري من حالات الفقر الشديد، حيث يحصل الفرد علي دولار يوميا ويشير المستشار عبدالباقي إلي أن الحل في الحالة المصرية يتطلب تعديل هياكل الأجور وهو ما تسعي له الحكومة المصرية الآن عن طريق فرض الصندوق الدولي، مضيفا أن الفجوة بين الأجور الحالية وما يتطلب زيادته فجوة كبيرة وتكلف الدولة أعباء مالية ضخمة، فعلي سبيل المثال رفع الأجر من 400 جنيه إلي 1200 جنيه يعني مضاعفة الأجر 3 مرات أي ما يعادل زيادة 30% وهو شيء مستحيل. تأثير سلبي ومن جانبه، يري الدكتور شريف الجبلي رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات أن موضوع ربط الأجر بالانتاج صعب تطبيقه في مصر لانه غير معروف معدل انتاج العامل المصري بالنسبة لساعات العمل والذي يختلف من دولة إلي أخري، منوها إلي انه من الممكن أن يؤثر ذلك بالسلب علي أجر العامل في مصر إذا ما طبق هذا الحل، مشيرا إلي أنه من الضروري إعداد الدراسات المتميزة لحل هذه القضية الضرورية والتي تؤثر في انتاج المصانع والشركات وأيضا في نمو الاقتصاد الوطني. ويضيف الجبلي: من الممكن أن يكون الحل السريع لهذه المشكلة قيام مسئولي الشركات والمصانع بزيادة الحافز للعمال، حيث انه من السهل أن يكون ذلك في انتاج المصانع لانها تتحكم في خطط الانتاج ومن الممكن أن يطبق ذلك في قطاعات أخري مثل السياحة، والصناعات المختلفة التي ترتبط بالعائد وزيادة الدخل لتلك القطاعات. تجربة رائدة ويختلف مع الآراء السابقة الدكتور محمود عبدالحي مدير معهد التخطيط القومي السابق وأستاذ الاقتصاد موضحا أن التجربة البرازيلية هي الأنسب والأفضل للتطبيق في الحالة المصرية الحالية، مشيرا إلي أن جميع موظفي الدولة عانوا لسنوات طويلة من ظلم الأجور المتدنية وحصولهم علي "بدلات الشحاتة" التي كانت تصرف حتي للخبرات في جميع المجالات، منوها إلي انه من الضروري أن يزداد الأجر أو الحافز بشرط أن يكون ذلك متعلقا بإضافة في العمل المهني أو الفني ويكون ذلك الكفاءات وأصحاب الخبرات، أما المتكاسل وغير المنتج فلا يحصل علي تلك الزيادات، مشيرا إلي أن ظاهرة الاضرابات للعمال هي احد ثمار الثورة المصرية السيئة والتي أدت إلي توقف الانتاج في جميع مؤسسات الدولة مما عكس ذلك بالسلب علي الاقتصاد وانخفض النمو، وزاد العجز في موارد وموازنة الدولة متسائلا: كيف يتم رفع الأجور مع عمال كسالي وغير منضبطين ولماذا لا ترضي فئة المعلمين بما قدمته الدولة بزيادة الأجور 200% علي دفعتين أول أكتوبر، ومع بداية العام الجديد، في الوقت الذي لا يراعي الكثير منهم حالة الأسر المصرية ويرفعون "فزيتة" الدروس الخصوصية كل ساعة. ويطالب عبدالحي بضرورة مراعاة البعد الاجتماعي للعاملين بالدولة عن طريق السايسات التي تضعها الحكومة إلي جانب المؤسسات الخاصة وذلك بربط الأجر بالانتاج لانه لا سبيل للنمو إلا بزيادة الانتاج وتقدم الدول لا يكون إلا بالانتاج، وليس بالاضطرابات عن العمل ومطالبة رفع الأجر بدون انتاج ونظرة جيدة للعمل. القضية معقدة أما عبدالفتاح الجبالي نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ومستشار وزير المالية الأسبق فيري انه من رابع المستحيلات أن ترتفع الأجور من الحدود الدنيا التي عليها الآن إلي الحد المطلوب للإعاشة اللائقة والذي يعتبر خط الدفاع الاجتماعي الأول، لافتا إلي أن هذه قضية معقدة وتشكل عبئا علي موازنة الدولة ويري الجبالي في دراسة حديثة له بعنوان "نحو حد أدني جديد للأجور في مصر" يتم تطبيقها خلال 5 سنوات قادمة أن قضية الاجور لا يمكن التعامل معها بحلول وقتية أو برامج لحظية ولكنها تتطلب إعادة النظر في المنهج التنموي الشامل مطالبا بتحديد حد أدني جديد للأجور يتناسب ومستويات المعيشة ويتحرك وفقا لمعدلات التضخم، ويكون ذلك بوضع استراتيجية جديدة للحد الأدني للأجور وإعادة نظر جذرية فيها. ويشير الجبالي في دراسته إلي أن الجهود المبذولة لإصلاح أوضاع الأجور بأنها لا تخرج عن كونها مجرد مسكنات وقتية قد تسهم في تحسين الاحوال قليلا، ولكنها لا تحل المشكلة بأكملها والتي تكمن أساسا في الخلل في نظام الأجور والمرتبات، وطالبت الدراسة بوضع "حدود دنيا" للأجور حسب المناطق الريفية والحضرية والوجه القبلي، وأوضحت بأنه من المفترض أن ينص الدستور المصري الجديد علي الحق في الحصول علي أجر عادل مقابل أداء العمل وضرورة وضع حد أدني للأجور والعمل علي الحد من التفاوتات في الأجور وربطها بالانتاج والانتاجية، وأشارت الدراسة إلي أن القانون يضع القواعد والأسس التي تنظم عملية الحصول علي الأجر والترقيات الوظيفية وغيرها من الأمور المرتبطة بها ورصدت الدراسة أهم معوقات وضع حد أدني للأجور وفي مقدمتها انخفاض نسبة العاملين بأجر والتي لا تتجاوز ال 9.60% من القوي العاملة حسب إحصاء "عام 2009"، كما أن الأجور هي المصدر الرئيسي لدخل الفقراء وتشكل 4.44% من اجمالي مصادر الدخل للفقراء وفقا لمسح ميزانية الأسر لعام 2008 2009 والمعوق الثالث هو ارتفاع نسبة الإعالة في سوق العمل المصرية وزيادة نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي. وتناولت الدراسة تطور الأجور في المجتمع والتي زادت علي المستوي القومي من 3.110 مليار جنيه عام 2001 2002 إلي 4.189 مليار جنيه في العام المالي 2006 2007 واستحوذت الحكومة علي النصيب الأكبر "2.35 مليار عام 2001 إلي 3.51 مليار جنيه عام 2006"، ورغم أن القطاع الخاص يعمل به 68% من العمالة "عام 2004 ( 2005" إلا أن نصيبه من الأجور علي المستوي القومي وصل إلي 4.54% من الاجمالي مما يعكس انخفاض متوسط الأجر في القطاع الخاص مقارنة بقطاعات الاقتصاد القومي الاخري، كما أن المتوسط الشهري للأجور النقدية لدي القطاع الخاص يبلغ 576 جنيها للذكور و444 جنيها لإناث بينما يزيد في القطاع العام إلي 684 جنيها للذكور والإناث. ونبهت الدراسة إلي وجود خلط بين الأجر الاساسي في القطاع الحكومي والأجر الثابت الذي حصل عليه الموظف والذي لا يوضع في خانة المرتب الاساسي لبعض الاعتبارات العملية والقانونية. الهيكل الوظيفي وأشارت إلي أن تعقيدات الهيكل الوظيفي للعاملين في الدولة أفرزت بعض الاختلالات في مستويات الأجور والسلم الوظيفي وارتفاع نسبة الأجور المتغيرة إلي الاجمالي واختلالات الأجور بين القطاعات الحكومية المختلفة، واستحواذ الجهاز الاداري علي معظم الكادرات الخاصة وظهور الهياكل الموازنة. وانتهت الدراسة إلي أن التعامل الجدي مع مشكلة الأجور يجب أن يدور علي عدة محاور أهمها إعادة النظر في جداول الأجور الملحقة بقانون العاملين المدنيين بالدولة ووضعها في صورة مرنة، وزيادة شرائح العلاوات الدورية الحالية التي لا تعبر عن مستويات المعيشة والتي لا تتجاوز ال 6 جنيهات شهريا للدرجة العالية و،5 1 شهريا للدرجة السادسة، واعادة تصنيف موظفي الحكومة وإعادة توزيعهم بطريقة اقتصادية سليمة. وطالبت الدراسة بضرورة تفعيل دور المجلس الأعلي للأجور ليصبح الفاعل الرئيسي في هذا المجال ليضع الاستراتيجية المناسبة للتعامل مع كل الأمور المرتبطة بالأجور والمرتبات مع منحه الصلاحية الكاملة لتنفيذ ما يراه من سياسات مناسبة.